التحالف الوطني السوداني Sudan National Alliance

مجلة رؤى

حاتم موسى: محمد خليل إعلامي من الطراز الأول الفريد في ولاية كسلا

29/07/2022
حاتم موسى: محمد خليل إعلامي من الطراز الأول الفريد في ولاية كسلا

لا حول ولا قوة إلى بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون

محمد خليل محمد نور قصة حزينة جدا جدا وفصل من فصول مأسي هذا الوطن،،،

وهو صديق منذ عام تقريبا وجمعتني به مجموعة كبيرة من الأعمال المشتركة هو بصفته إعلامي وأنا بصفتي مدير لمنظمة وطنية،،،

أولها قبل عام تقريبا وآخرها اليوم 28.07.2022 قبل ساعات من وفاته حيث كان من المفترض أن يستلم منه صديقه الزميل الطيب كبسون مجموعة من الحلقات التي أذاعها لصالح المنظمة حول قضايا الدستور والتحول المدني والديموقراطي في البلاد.

محمد خليل قضى الثلاثين عام الأخيرة من عمره معارض شرس لنظام الإنقاذ قضى أكثر من نصف هذه المدة في المنافي وفي ساحات المعارضة المسلحة في شرق السودان قبل أن يعود للبلاد تقريبا في حدود العام 2006 بعد مجموعة من اتفاقيات السلام التي أبرمتها حكومة الإنقاذ مع قوى المعارضة المختلفة.

هذا شأنه وخياره كما أن للإنقاذ شأنها وخيارها وليعترك الجميع إن شاءوا ولكن بشرف ورجولة وشهامة وهذا للأسف ما افتقرته الإنقاذ في تعاملها الفاجر مع خصومها.

في حوالي العام 2011 شارك محمد خليل في منتدى حواري تحدث فيه واحد من كبارات زبانية وطغاة نظام الإنقاذ المعروفين ومن الخمسة الكبار (الما نافع كن تذكروه) ودار جدل بينهم واختلاف أمام الشهود والأعيان.

فما كان من (الما نافع) إلى أن أمر كلابه بأن ينقضوا عليه ويدخلوه إحدى معتقلات بيوت الأشباح ليتم تعذيبه بأشرس أنواع التعذيب من صعق كهربائي وتعذيب برفع درجات البرودة والجلد واللكم والضرب والرفس ومن ثم تقطير أكياس البلاستيك المحروقة على ظهره والتي اخترقت الجلد والعظم واللحم إلى أن وصلت وأثرت على النخاع الشوكي والذي بدوره سبب له شلل نصفي وإعاقة واضحة في اليد والرجل والحركة أستمرت معه منذ العام 2011 وحتى وفاته اليوم 28.07.2022.

قصة تعذيبه معروفة لدى مجتمع كسلا كما أن لديه قضايا مرفوعة ضد من أنتهك حقه في الحياة الكريمة وعدم التعذيب، كما أنه كان من المفترض أن يتم تدوين قصته كدراسة حالة في إحدى الكتب التي تتناول قضايا حقوق الإنسان.

قضى محمد خليل ال 12 عام الأخيرة من عمره مريض يشكو الألم بين فترة وأخرى إلى أن توفاه الله، ورغم عن ذلك لم يمنعه المرض من إنتاج المئات من البرامج الإذاعية والتلفزيونية والحوارات والمشاركة في المنتديات والورش وجلسات الحوار في شرق السودان وفي الخرطوم.

الحزين جدا بالنسبة لي في قصة محمد خليل بالإضافة إلى موته (وإن كان الموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين) ثلاثة أشياء:

الأولى أنه توفى نتيجة لإرهاب الدولة من تعذيب أدى لشلله كواحد من آلاف الضحايا من ضحايا التعذيب في السودان وتوفى دون أن ينال حقه في العدالة في الدنيا توفى وهو مظلوم من وحوش بشرية لا ترحم ومن إهمال رفقاء الأمس، ولكن تظل عدالة الله في الآخرة هي الفيصل والحكم الذي سوف يحتكم الجميع إليه ناشدين نحن كبشر العدل اللاهي والأبدي. أما المجرم الذي أمر بتعذيبه فهو الآن كلب مذلول في كوبر تلحقه للعنات الملايين من الضحايا وبانتظاره بإذن الله عدالة السماء ولا أدري أي دين يبيح التعذيب.

الثانية أن محمد خليل كان موسوعة حقيقية ورجل ذو معرفة وتاريخ وتفاصيل لا يمكن تصورها ويملك أسرار عن حقبة الثلاثين عام الماضية في العديد من جوانب العمل السياسي السوداني وكل تلك الأسرار وأكثر ماتت ودفنت معه للأبد.

الثالثة أنه لا زال هناك أشخاص ينكرون بأن نظام الإنقاذ كان نظام مبتذل لا علاقة له في كثير من أمره بالدين واستخدم اسوء الأساليب لإخضاع الشعوب والمعارضين باسم الدين كما أن هناك لا زال من يدافعون عنه بالحق كان أم بالباطل ولهؤلاء نقول سهل الكلام في الدنيا وسهل الإنكار، رأينا باعيننا نماذج لمحمد خليل وغيره ومن ثم يأتيك من يتبجح ويقول وين الدليل أو أمشي القضاء (أين هو القضاء العادل الذي نحتكم إليه في بلادي)، نحن في إنتظار قضاء وعدالة السماء، وأكثر ما بمقدورنا أن نفعله هو أن نلعن من يأمر بالتعذيب ومن يقوم بالتعذيب ومن يسكت عن التعذيب ومن يدافع عن من يقوم بالتعذيب اللعنة واللعنة واللعنة لكم والله بإذنه يلعنكم ويقتص منكم في الدنيا وفي الآخرة.

والمبكي والمحزن في سلسلة مآسي هذا الوطن أن من رافقني للمقابر لدفن المرحوم بإذن الله محمد خليل هو الزميل الطيب سليمان كبسون من خشم القربا وهو زميل المرحوم الأستاذ محمد خير (في غرفة التعذيب) والذي فقد حياته في العام 2019 نتيجة للتعذيب في أخريات عهد الإنقاذ هذا النظام الذي بدأ بالتعذيب واستمر بالتعذيب وختم نفسه بالتعذيب، والطيب نفسه تعرض لتعذيب وحشي كاد فيه أن يفقد حياته لولا لطف الله والطيب نفسه خرج من التعذيب بإعاقة أفقدته إحدى كليتيه ليكون أيضا واحد من شهود وحشية نظام البشير. ويظل السؤال دائما في ذهني وفي ذهن كل شريف أي دين هذا الذي يأمر بالتعذيب وبانتهاك حقوق الإنسان.

آه من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الله يرحمك يا محمد خليل محمد نور ويجعلك من أهل اليمين.

حاتم موسى

الصورة للمرحوم بإذن الله محمد خليل قبل ٣ أشهر تقريبا مشارك في واحدة من فعاليات منظمتنا سودو.