# # # #
   
 
 
[ 18.02.2012 ]
ربيع الشعوب .. خريف الجيوش ـ محمد عبد الحميد عبد الرحمن


بنهوض موجة الربيع العربي واجهت المؤسسات العسكرية العربية في الدول التي شهدت موجات الربيع تحديات جديدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تشكيلها ووصف وتحديد دورها المستقبلي في المشهد السياسي الوطني في كل دولة عربية على حدة.

ادوار متباينة
بالرغم من تباين الأدوار التاريخية للجيش في تشكل وتطور الدول الوطنية في مختلف الدول إلا أن العقود الأربعة الأخيرة انتهت لتكريس الجيش كمؤسسة وحيدة تستمد منها الأنظمة العربية مشروعيتها بشكل مباشر أو غير مباشر وتستند عليها في البقاء في السلطة.

 
وبالرغم من وبغض النظر عن الممارسات الانتخابية الشكلية في الكثير من الدول العربية إلا أنها لم تنته أبدا لإخضاع الجيش لسلطة دستورية مدنية إلا في الأنظمة الملكية المحافظة التي طورت بدورها جيوشا بمواصفات وقيادات خاصة جعلتها مضمونة الولاء.

 
في التجربة المصرية والتونسية استطاع الجيش بفضل التطور النسبي لمؤسسات الدولة أن يلعب دورا حاسما في إحداث التغيير بخسائر بشرية اقل نسبيا. ومع ذلك نستطيع أن نميز بوضوح دور الجيش التونسي الذي لم يخض أصلا في السياسة لتحقق الاستقلال الوطني بالوسائل السلمية وتحت القيادة الكارزمية لحبيب بورقيبة. لذلك عاد الجيش لثكناته بسهولة بعد أن لعب الدور المحوري في إزاحة بن على.
 
جيش حاكم
فيما كان ولا يزال دور الجيش المصري مختلفا في الثورة المصرية لأن الجيش أصلاظل يحكم بشكل غير مباشر ولو من وراء ستار منذ أن انقض عبد الناصر على الملكية في يوليو 1953 وظل يحكمها عسكريون منذ ذلك الحين. وليس من الغريب أن تقرأ في القاهرة كل يوم أن الجيش كان مستفزا أصلا قبيل الانتفاضة في مصر بمحاولة الرئيس السابق مبارك لتوريث السلطة لنجله جمال، وانه كان يتحين الفرصة المناسبة لوقف تلك العملية، ولذلك تخلى الجيش عن مبارك بسرعة خاصة بعد أن تورطت قوات الشرطة والمباحث في قتل المتظاهرين وقمعهم بقسوة بالغة.
 
حتى بعد الانتخابات النيابية التي جرت في مصر، يعتقد البعض أنه من الإفراط في التفاؤل أن نتوقع انسحابا تاما للجيش من الحياة السياسية وترك السلطة بكاملها للإسلاميين الفائزين الجدد الذين لم يجربهم الجيش في السلطة ولا زالت قيادته العليا تتوجس منهم.
 
جيش الوطن .. ميلشيا القبيلة
في التجربة الليبية وجد الثوار الليبيون وحلفائهم الخارجيين انه لابد من إلحاق الهزيمة التامة بالجيش الليبي وجردته حتى من اسمه وسمته "كتائب القذافي" لأن القذافي كان قد جرد هذه المؤسسة من طابعها الوطني بالفعل حين أقدم على توزيع العديد من وحدات الجيش بين أبنائه وأقاربه بطريقة جعلت الجيش أشبه بمليشيا قبيلة وبالتالي أصبح من الضروري إزاحته بالكامل.

 
وسيمر وقت طويل قبل أن تتمكن السلطات الليبية الجديدة أنشاء جيش وطني محترف حديث، لأن القوات المسلحة التي يجرى تشكيلها اليوم يتم تجميعها من وحدات الثوار التي تشكلت غالبيتها العظمى على أسس عشائرية ومناطقية يصعب صهرها في جيش وطني موحد ومتجانس في وقت وجيز. إضافة إلي صعوبة فرض الانضباط العسكري الاحترافي على التشكيلات المقاتلة العشائرية التي غالبا ما تكون ميالة للتمرد وضعف الانضباط الضروري للجيش الوطني المحترف.

 
ويمكن أن تؤدي السياسة المعلنة للسلطات الجديدة بمكافأة كل من شارك في الثورة بوظيفة في الجيش إلى تكوين جيش ضخم ومترهل لا يتناسب مع الاحتياجات الدفاعية الحقيقة للبلاد مما يجعل الجيش بؤرة لعدم الاستقرار وابتزاز السلطة المدنية إن لم يكن انتزاعها كليا كما فعل القذافي قبل أربعة عقود.

ولا يختلف الوضع في اليمن جوهريا عن مثيله في ليبيا فالوحدات الأفضل تدريبا وتسليحا هي تلك التي يقودها أبناء وأخوان الرئيس علي عبد الله صالح، مما يجعل عملية التغيير السياسي محفوفة بالمخاطر والألغام. وهذا وضع يجعل إصلاح الجيش وإعادة بناءه على أسس وطنية عملية محفوفة بمخاطر الدفع بالبلاد بأكملها للحرب الأهلية والفوضى.
 
إما الجيش السوري فقد تحول تدريجيا خلال أربعة عقود من حكم آل الأسد إلى جيش ذي طابع طائفي لا تخفيه كل براقع الخطاب العروبي للسلطة ويقود معظم وحداته الضاربة ضباط من الطائفة العلوية التي ينتمي الرئيس بشار الأسد. وهذا وضع يهدد بتحويل الثورة الشعبية ضد النظام في سوريا لحرب أهلية طائفية أليمة تريق دماء غزيرة.
 
العودة للثكنات
من المفارق أن الجيوش العربية التي كانت في بديات أزمنة التحرر من الاستعمار مؤسسات تعبر بشكل أفضل من غيرها من المؤسسات الوطنية عن وحدة الشعب والوطن خاصة في الدول التي تتميز بتنوع طائفي وعرقي واضح، تحولت تدريجيا، تحت سنابك الدول الوطنية العربية، إلى مؤسسات قمع ذات حس أو طابع طائفي أو عرقي أو حتى عشائري.
 
بعد عام من الربيع العربي أجبرت الجيوش في العديد من الدول العربية على الانحياز لصفوف التغيير وستجبر حتما، بعد وقت يطول لو يقصر، على التخلي عن روح الوصاية على المواطنين التي انتفخ بها وتورم ضباط الانقلابات العسكرية لخمسة عقود من الزمان.

على المدى المنظور سيظل الجيش لاعبا سياسيا رئيسا في الدول التي تواجه وقائع واحتمالات الحرب الأهلية والتمزق أو أسباب الضعف الهيكلية خاصة في المناطق والبلدان التي لا تحتكر فيها السلطة القدرة على استخدام العنف.

لكن إنهاء معادلة الجيش الذي يحكم بالفعل أو يسند نظاما لا يتمتع إلا بشرعية القوة والقهر لن يتأتى إلا بمفاوضة مديدة على مشروع سياسي وطني ينهض على تنمية المشرك بين المواطنين ويتحول فيه الجيش إلى أحدى مؤسسات الدولة المناطة بدور محدد ومعروف ليس من ضمنه التأثير على الخيارات السياسية لمواطنين ناهيك عن صنعة.

المصدر: الاذاعة الهولندية



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by