# # # #
   
 
 
[ 07.02.2012 ]
تكييف الفيتو الروسي موضوعيا .. ومسؤوليتنا بعده ـ الكاتب السوري محمد خليفة


السياسة تعبر عن المصالح، ولا تعبر عن الاخلاق، هذا مفهوم معروف سائد في كل الثقافات والعوالم بلا فرق بين شرق وغرب، واسلام ومسيحية ويهودية وبوذية وعلمانية، ولا بين تقدمية ورجعية ومتقدمة ومتخلفة.

ومن ثقوب هذا المفهوم العتيق يمرق كالسهم الكثير من التصرفات والسلوكيات والمواقف الدولية التي تتعارض مع المبادىء والمثل الانسانية , كما يراها بعض البشر هنا أو هناك. هذا صحيح ونبصم عليه مع الباصمين، ولكن لهذا المفهوم المثقوب شطرا أخر عادة ما ينسى عن عمد وخبث، وهو أن السياسة لا يجوز أبدا أن تتجرد من الاخلاق تماما، وإذا تجردت من الاخلاق بالمعنى الواسع فإنها تصبح إجراما وإفسادا في الارض لا يمكن قبوله على الاطلاق، لأنه يهدد الوحود الانساني والمحتمع الدولي والنظام الدولي.

هذه مقدمة لأضع الموقف الروسي ـ الصيني من الازمة السورية في نطاقه العلمي الصحيح، ولأقول إن السياسة ليست أن تتصرف دولة ما وفق ما تعتبره مصلحة لها ضاربة عرض الحائط بقيم الحياة الدولية المشتركة ومثلها وأخلاقياتها المتعارف عليها، والحيوية كي تستمر العلاقات بين الدول والشعوب والثقافات، بل ولكي تستمر المصالح المادية ذاتها مصانة للجميع.

إذن السياسة غير الاخلاق، ولكنها لا بد أن تكون نابعة من الاخلاقيات السائدة في كل عصر، ومعززة بألاخلاقيات الاساسية الثابتة التي لا تتغير عبر العصور، والناظمة للوجود الانساني الوطني والعالمي، وبدونها تهدده وتهدد الاستقرار العالمي مثلها كمثل الحروب والاسلحة النووية والجريمة المنظمة.

السلوك الروسي ـ الصيني عموما يخالف كل الاخلاقيات والمبادىء المتعارف عليها في هذا العصر وكل عصر وتهدد النظام الدولي الناظم للاستقرار القائم في العالم ويهتك القوانين التي يستند إليها هذا النظام، ويتعارض بل ويتناقض مع المصالح المشتركة للدول والشعوب كافة لأنه يحمي قتلة وارهابيين ومجرمين، ويشجعهم على اقتراف جرائمهم , ويوفر لهم سبل النجاة من العقاب أيضا.

وتزداد مخاطر السلوك الروسي ـ الصيني أضعافا مضاعفة، لأن الدولتين عضوان دائمان في مجلس الامن الدولي المسؤول عن حفظ الامن والاستقرار في العالم، ما يعني أن سياستهما لا بد ان تتسم بالمسؤولية البالغة. وهذا هو السبب الذي دفع العالم كله للشعور بالصدمةجراء استخدامهما حق النقض ضد مشروع القرار العربي ـ الاوروبي، والذي صيغ سلفا وفق رؤية موسكو التي طالبت تقديم طوق نجاة لبشار الاسد على شاكلة ما قدمته دول الخليج والولايات المتحدة للديكتاتور اليمني على صالح. أي أن مشروع القرار يلبي مصالح روسيا ولا يتجاهلها، وهو أصلا صيغة إنقاذية لمجرمي دمشق، وصيغة ملطفة لمطالب الشعب السوري الذي فقد ألافا من أرواح بنيه وشبابه وأطفاله، وصيغة ملطفة من إجراءات العدالة الدولية ومبادىء الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب في اختيار حكامها وعزلهم.

أمام ذلك لا نخطىء أبدا إذ نتهم الروس والصينيين بالمشاركة الفعلية في قتل الشعب السوري وسفك دمائه وتدمير سوريا ودفعها للحرب الاهلية الطائفية، وبالتالي خلق بؤرة حريق كبير سيمتد حتما إلى دول عديدة في المنطقة بأسرها، وبالتالي تهديد السلم والاستقرار والتعايش على المستوى العالمي.

إننا لا ننسى ولا ننكر أن هناك دولا كبرى أخرى مارست نفس السلوك في السابق، وخاصة الولايات المتحدة التي عطلت سيف العدالة الدولية على اسرائيل وحروبها الإبادية على الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية، لكننا نتحدث اليوم عن الموقف الروسي ـ الصيني، وقد قلنا نفس الامر في السابق وسنكرر إدانته عندما يتكرر مستقبلا من أي دولة.

نحن السوريين اليوم مطالبون بالبحث عن سبل وطرق أخرى للوصول إلى ما نريده بعيدا عن مجلس الامن، لأن هذا المجلس ليس هو الخيار الوحيد، ولا الموقف الروسي هو نهاية العالم، ونحن نستطيع أن نرى مكسبا معنويا كبيرا لنا على المستوى العالمي ننيجة الموقف الروسي الذي يستفيد منه الاسد على المستوى القريب فقط، ويفيد الثورة أكثر على المدى البعيد، ويفضح النفاق الدولي، ويعري من كنا نعتبرهم أصدقاء وحلفاء وفق قاموس مصطلحات الحقبة الديكتاتورية البالية، حيث الصداقة بين الحكام والدول لا بين الشعوب. وقد كنا كتبنا هنا منذ اكتوبر الماضي أنه لا جدوى لنا من تبديد طاقتنا وجهودنا على أعتاب مجلس الامن الدولي لأنه موصد بإحكام في وجهنا بسبب الفيتو الروسي - الصيني، وكنا هنا نقلنا نصيحة أحد أهم وزراء خارجية السويد وأكثرهم خبرة بالشؤون الدولية والامم المتحدة السيد يان الياسون وجهها لنا في مؤتمر ستوكهولم للمعارضة السورية [ 9 - 10 - 2011 ] وقال لنا ابحثوا عن طرق أخرى لانه لا فائدة من الركض خلف سراب الشرعية الدولية في مجلس الامن , ونصحنا بالتوجه إلى مجلس حقوق الانسان والمحكمة الجنائية الدولية لنزع شرعية القتلة في سوريا ومحاسبتهم ويؤدي بالتالي لنفس النتيجة أي سقوط النظام  .

وهناك الان خيار التوجه للجمعية العامة للامم المتحدة لاستصدار قرار دولي ولو كان غير ملزم , لأنه سيكون محاكمة علنية وعالمية للنظام السوري وللسلوك الروسي غير المبرر لا بمفهوم المصلحة ولا بأي منطق سياسي . وقد كان من فوائد المناقشة التي شهدناها في مجلس الامن على محدوديتها أنها تحولت محاكمة عالمية لسفاحي القرامطة السوريين الجدد . وستتكرر المحاكمة بشكل أقوى في الجمعية العمومية لهم ولحماتهم الروس والصينيين الذين ينتمون لنفس الفصيلة  الاديولوجية المعادية لحقوق الانسان والديمقراطية في هذا العصر .

ولا بد أن نتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية , وإلى مجلس حقوق الانسان , وهناك سنجد الأبواب مفتوحة وسنجد تضامنا عالميا واسعا , وخاصة أن جرائم عصابة الاسد أصبحت لا تحتاج ملفات ولا شهودا ولا وثائق لأنها موثقة على الهواء مباشرة , والعالم كله شهود .

ولا بد أن نلاحظ بعض الايجابيات الثمينة في المواقف الدولية , فالبرازيل والهند وجنوب أفريقيا التي كانت في مجلس الامن تؤيد الموقف المشين لموسكو وبكين , ثم تراجعت وصوتت مع مشروع القرار العربي - الاوروبي . وهناك الان إجماع دولي على مشروعية ثورتنا وموقفنا وهناك إجماع على دعمنا وإسقاط النظام السوري , حيث لم تعد ثورتنا شأنا وطنيا بل أزمة دولية سيدفع ثمنها الأسد ونظامه وحماته في إيران وروسيا والصين , وهو الان معزول شأنه كشأن كوريا الشمالية . هذه كلها مكاسب وإنجازات حققناها بدماء شهدائنا وجرحانا وثوارنا الاحرار الأبطال . وعلينا أن نطورها ونطالب بالمزيد حتى يصل النصر القادم حتما . ومن أهم ما يجب أن نطلبه من الدول العربية تطبيق المقاطعة التامة الشاملة المحكمة لنظام الاسد . كما نطالب رجال الدين المسلمين , وخاصة اتحاد العلماء المسلمين العالمي والمرجعيات الاسلامية الكبرى الأخرى في السعودية ومصر وتركيا وسواها بتحريم وتجريم  الوقوف مع نظام الاسد سواء من الدول والمنظمات والشركات والموظفين والعسكر , واعتبار القتال ضده حقا تكفله الشريعة الاسلامية لأنه دفاع عن النفس , ومحاربة لمفسد في الارض .

لكن المهمة الأكبر وذات الاولوية على كل ما سبق هو توحيد المعارضة السورية , لنتجنب أي انزلاق نحو الحرب الأهلية , ولتوليد الثقة بنا في لعالم بقوة الشعب السوري ووحدته , لأن التشرزم الذي مارسته المعارضة السورية عن وعي وقصد وعمد مسبق فقد أطال عمر النظام , وأضعف موقفنا كمعارضة وكثورة سورية , وكشعب , وجعل العالم يتردد في دعم معارضة هزيلة ومفككة وتقود إلى حروب داخلية متعددة .

الاستمرار في الانقسامات ومعها المواقف الرمادية من إسقاط النظام بعد اليوم غير مقبولة وتتحمل مسؤولية الدم الذي يسفك كما تتحمله الطغمة القاتلة وتتحمله سياسة موسكو وبكين المعيبة , وسياسة إيران الطائفية القذرة .

أيها المعارضون السوريون : إما أن تتحدوا للعمل على إسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه , وإما أن يسقطكم شعبنا ويرميكم إلى مزابل الماضي مع الاسد وعصابته وقاذوراته كافة من البعث إلى جيشه  مرورا ببطانته اللصوصية المافياوية .

الاثنين 6 - 2- 2012



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by