# # # #
   
 
 
[ 15.10.2011 ]
إلا الزهور ـ أمير بابكر عبدالله




تجاهل السيد وزير المالية حقائق مهمة وهو يشير بيده إلى الزهور الموضوعة على منضدة رئيس المجلس الوطني، ويتهمها ضمن أشياء اخرى بالتسبب في ارتفاع الدولار. فغير الأزمات الاقتصادية وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني أمام الدولار، هناك تراجع خطير على مستوى الشعر الغنائي وغياب الزهور بعبقها وعبيرها من بين مفرداته.

إن هذا الأمر يشي ويكشف عن تطور نفسي واجتماعي يجب ملاحظته باهتمام، فكثير من السلوكيات والمعتقدات تغيرت، ولعل أكثر ما يكشف عن ذلك هو الشعر الغنائي. فالمزاج الشعري وبالتالي صوره وبيانه يرتبط بالمزاج العام والاتجاهات السياسة والاجتماعية والاقتصادية، فالشعراء ليسو بمعزل عما يدور من حولهم ولا يعتصمون بجبل يحميهم من التردي العام في كافة المجلات، بل على العكس تماماً فهم الأكثر تأثراً لما يتمتعوا به من حساسية تجاه الأشياء. هذا يجعلهم الأكثر قدرة على التعبير عن اتجاهات تطور المجتمع.

إن غياب الحريات والضغط الاقتصادي وغلاء المعيشة والتدهور السياسي والحروب وكل الذي تشهده البلاد من احداث، يدخل في معامل الوجدان الشعري لينتج إفرازات ومنتجات المجتمعن ليقف الشعر الغنائي والشعر عموماً شاهداً على عصره.

يحتج كثيرون على أغنيات ترد فيها مفردات صادمة، ويعدونها من المتردية والنطيحة في أبواب التعبير الشعري، لكنهم يعزلون الانتاج الشعري مما حوله ويريدونه متموضعاً في علياء تخفف عنهم هم ما يعانونه من ذلك المحيط الذي يعيش فيه ذات الشعراء.

هؤلاء يا سيدي وزير المالية لا زال وجدانهم ممتلئ بالزهور، ويمكنك أن تتخيلهم أو يمكنك سؤال صديقك الأستاذ عادل الباز ليضعك في الصورة. فهم يتمايلون طرباً ويعيشون على تاريخ الأغنيات، فما يكاد الواحد منهم يتناهى إلى سمعه صوت الفنان الشفيع وهو يصدح عالياً ب"الزهور والورد الشتلوها جوة قلبي" حتى يغيب في سماوات صوفية. ولا تقع أنغام "الزهور صاحية وانت نايم" على مسمعيه حتى يغرق في عالم آخر مغمضاً عينيه.

هؤلاء يرويهم حتى الثمالة نغم يتهادى ليحمل إليهم أغنية "بين الزهور أنا وإنت والنيل والقمر" ويشبعهم صوت الكاشف مرتفعاً بنغماته "ياورد احلى من الزهور مالو القمر يا حلوة خلاهو الظهور" فكل له قمره الذي يختفي حيناً (حتى القرد في عين أمو غزال). لذلك يحتجون الآن على تلك القنابل والكلاشنكوفات والطبنجات والمسدسات التي حلت مكان الزهور في الشعر الغنائي. فالواحد منهم يقفز مرعوباً إذا ترامى إليه مع الأثير صوت المغني المنسل من صخب اللحن وهو يصيح "قنبلة".

لكن ماذا يفعل هؤلاء وهم لا يسمعون غير دوي الدانات وأصوات الرصاص ومظاهر العنف حتى الفضائيات لا ترحمهم، فالحرب لم تتوقف بعد. ماذا يفعلون وقد احتلت البنايات الأسمنتية الضخمة مكان الحقول حيث يمكن ان يشاهدوا الزهور، حتى زهور المحاصيل النقدية باتت في خبر كان، فالذرة صارت قناديلها تنمو بدون زهور، كما العيد عند الراحل زيدان "عاد بدون زهور"، حتى عباد الشمس ثاب إلى رشده وأصبحت بذوره لا تحتاج إلى زهرة لتعبد الشمس بفضل تقاوي المشروع الحضاري ونهضته الزراعية.

إلا الزهور يا سيدي وزير المالية، فهي لا تكلف الخزينة ما تكلفه امتيازات ومخصصات الوزراء والمسؤولين، ولا ما يكلفه فساد المفسدين. دعها لتوضع على مكاتب المسؤولين ومنهم رئيس البرلمان عسى ولعل أن يهديهم النسيم أنفاس الزهور، فيصبحوا بنعمة من الله وفضله مسؤولين عن الشعب بعد أن "سلَّوا روحو". أو يمكن إلزام كل مسؤول باستيراد زهوره من مخصصاته "واهو يبقى زيتكم في بيتكم" ويا دار ما دخلك شر.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by