# # # #
   
 
 
[ 09.07.2011 ]
ابليس يصرح انه غير مسؤول عما يدور في السودان ـ معاوية محمدين أحمد




اليوم السبت التاسع من يوليو سيرقص الآلاف، ويغنوا طرباً وفرحاً في مدينة جوبا، بقيام دولتهم الجديدة. وفي أنحاء أخرى مما تبقى من الوطن وخارجه، فان آلافاً أخرى ستبقى صامتة، مطرقة، بعضها يتصنع عدم الاهتمام، والبعض الآخر متجهم عابس، تلفه الحيرة، والسياحة في فراغ مجهول، لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة.

أنا من المجموعة الاخيرة. اليوم في المكان الذي اقيم فيه يوم اجازة، فتأخرت عن القيام من السرير، وكنت قد قررت من يوم امس الا اتابع الاحتفال. رغم ذلك راودتني نفسي بقوة، ان اشاهد ولو بضعة لقطات. مررت سريعا على الفضائيات، وتوقفت عند قناة جنوب السودان. رأيت حشداً من الناس، والامين العام للحركة الشعبية يلقي كلمة. وبعد بضع دقائق اغلقت التلفزيون دون ان اسمع كلمة وخرجت.

وصلت مكتبي متثاقلا لا ألوي على شىء، وادرت الكومبيوتر في حركة تلقائية مثلما افعل يومياً دون تفكير. راجعت بريدي الالكتروني، ووجدته مزدحماً بعدد كبير من رسائل الأصدقاء. ورغم اني لم افتح اياً منها لكني لاحظت ان عناوينها لم تشر الى المناسبة الحزينة من قريب او بعيد، رغم ان اغلبهم من المشتغلين بالشأن العام، بل ان واحدة منها كانت مجموعة من النكات عن القذافي. هي الوحيدة التي فتحتها. جاء في احداها، "ابليس يصرح انه غير مسؤول عما يدور في دماغ القذافي". لم اضحك بل ولم ابتسم حتى، رغم ظرفها، واعدت كتابتها في سري "ابليس يصرح انه غير مسؤول عما يدور في السودان".

تراجعت الى الخلف وحاولت الانصراف بتفكيري الى أمور اخرى. تذكرت وعدي للجالية الليبية باليونان بحضور مؤتمرهم العام غدا الاحد، مراقبا لانتخاب اللجنة التنفيذية الجديدة في العهد الجديد نيابة عن مجلس الجاليات. يريد الليبيون المقيمون باليونان ان يختبروا بالشهود، ولأول مرة، التزامهم بالديمقراطية والشفافية. سأشهد إلتئام لحمة الشعب الليبي لاول مرة بإرادة حرة دون وجود مسؤول من اللجان الثورية، يحدد لهم من يحضر ومن لا يحضر، وما هي اللجنة التي يجب ان تفوز او لا تفوز. ظهرت بينهم حميمية دافقة، وتخلصوا من قاعدة مقيتة اجبرت كل ليبي ان يهرب من ابن بلده الليبي، بعدما افقدهم النظام الدموي، القدرة على التمييز بين الشريف وبين العميل. وانتابني شعور بالكآبة، وصدري ممزق بين الاحتفاء بوحدة شعب شقيق، والحزن على وطني الذي يتفتت ككقصر الرمال على ساحل البحر، وانا عاجز على القيام بشىء سوى عض اصبعي.

(2)
اليوم سيكون تاريخا بارزا في ذاكرة كل الوحدويين ومن آمنو بعبارة المليون ميل مربع.

قبل بضع سنوات اتصلت بي السفارة الامريكية في اثينا وابلغتني ان القس جسي جاكسون في اثينا يود لقاءك في اطار لقاءات مع ناشطين في مجال حقوق الانسان. استقبلني بالاحضان في بهو فندق انتركونتننتال اثينا، مع مساعد، له قسمات آسيوية، وكأنه يعرفني من وقت طويل. ابتدرني بالسؤال عن احوال الجاليات الاجنبية في اليونان والاقليات. وقبل ان اكمل الاجابة فاجأني بالسؤال عن الاوضاع في السودان وبالذات عن الجنوب. قلت له اننا وحدويون، ونعمل على بقاء البلاد موحدة. عاجلني بالقول: الجنوب لازم ياخد استقلاله. للحق فوجئت، ولكني مع ذلك لم اعر الامر انتباهاً. لم يؤثر فيّ هذا التصريح "اللئيم" فقد كان بالنسبة لي في تلك اللحظة مجرد تغريد خارج السرب، وكلام من شخص لا يفهم السودان والسودانيين. وبطريقتنا المعهودة خرجت اردد في نفسي: الزول دا جنّ ولا شنو؟

مرت السنين وجاء الاستفتاء بنتائجه المعروفة، ولكنها لم تفلح ايضا في اثارة قلقي الا قليلا جدا مع احساس عميق بان الوحدة هي قدر الشطرين، ولا اقول الشعبين، ولا مجال لقطع بوصة واحدة من المليون ميل مربع التي صرفنا العمر كله نناضل من اجل بقائها موحدة، رمزاً للتعايش والتسامح، والتنوع الخلاق، وبستان متناغم من الالوان والاعراق والاديان واللهجات، تتغذى في تآلف فريد من السماحة، والطيبة، ووداعة السوداني البسيط.

مرت الشهور وجاء يوم التاسع من يوليو ليؤكد ان كلام جيسي جاكسون كان صحيحاً. وان نتائج الاستفتاء كان ينبغي ان تثير فيّ اكبر قدر من القلق. وان المليون ميل مربع لا يمكن فقط قطع بوصة منها، بل الربع كاملاً.

اليوم هو دليل قاطع ملموس على ان ما كنا قد صرفنا العمر من اجله، قد تلقى ضربة قاصمة، قاضية لا عودة عنها. وان كل الامنيات التي دٌبجت بها الصفحات في الايام السابقة، انما هي كلام لا قيمة له، بل ان كاتبوه وقائليه لا يؤمنون به، ولا يصدقون منه حرف واحد. لم يعد امام القوى الديمقراطية الوحدوية سوى خيار واحد. ان تعكف على تقييم الوضع من الالف الى الياء. ان تعيد ترتيب اولوياتها. ان تعتمد على نفسها، وعلى نفسها فقط. الانفصال لن يحل مشكلة الامن والاستقرار لا للشمال ولا للجنوب. واعلان استقلال الجنوب هو ايذان بمرحلة جديدة من الحروب، والازمات الاقتصادية، والكوارث الانسانية، آجلا ام عاجلا.

ختاماً
وضعت جريدة الرأي العام في عمود "كلمة الرأي العام" عنوانا صفيقاً: "فقدنا الوحدة فلنحرص على السلام". ولكننا نعلم ان الجنوب هو الصخرة الكؤود التي تتحطم عليها كل الدكتاتوريات في السودان، فهل يحرك فينا الانفصال شيئاً؟



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



ابليس يصرح انه غير مسؤول عما يدور في السودان ـ معاوية محمدين أحمد

ن اليوم لهو يوم حداد لكل سصوداني حر يريد الوحده لمليون ميل مربع ولكن احس اغلاخوه في جنوبنا الحبيب انهم مهمشون تسيطر عليهم نعرات حكام الشمال لذلك جاهدو من اجل استقلالهم ووصلوا له ولكن السوال هل سيظل السودان معرض لضغوط الانفصال ام سيعود موحدا شامخ مرة اخري هذا ماستوضحه الايام ولننتظر
اقبال محمد الصادق


هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by