# # # #
   
 
 
[ 25.05.2011 ]
الموهبة والإبداع: الفريق جعفر فضل المولى ـ عبد العزيز خالد العمدة




بسم الله الرحمن الرحيم

الموهبة والإبداع
الفريق جعفر فضل المولى ـ عبد العزيز خالد العمدة

إيجار العود

قبل حوالى الثلاثة وأربعين عاماً في نهايات العام 1968م وقفت عربة جيب صغيرة  أمام إحدى العمارات بحى باب اللوق بالقاهرة، تقل حوالى الستة  ضباط من السودانيين بقيادة المقدم وقتها جعفر فضل المولى التوم قائد ثانى الكتيبة الثالثة السودانية المرابطة بمنطقة فايد بقناة السويس أثناء حرب الإستنزاف التي شنتها مصر ضد إسرائيل في الفترة بين هزيمة 1967م وإنتصار 1973م. وبمجرد نزول الضباط قال المقدم جعفر فضل المولى للملازم عبد العزيز خالد (يا ضابط شايف المحل داك....أمشى أجر منه عود لمدة (3) أيام وألحقنا في الشقة). كانت تلك أول لحظة في حياتى أرى فيها القاهرة وأعرف أن العود يمكن تأجيره ،وكنت محظوظاً أن أكون ضمن المجموعة التى يقودها المقدم جعفر فضل المولى حيث تم تقسيم ضباط الكتيبة السودانية الي مجموعات يمنحون إيجازة ترفيهية ليلتين بعد كل فترة يقضونها في جبهة القتال  .

وكان من ضمن المجموعة من دفعتى الملازم وقتها إبراهيم عوض الجيد. وفى المساء اكتشفنا أن قائدنا عازف عود ماهر يعزفه جالساً وواقفاً.ومن الأمام ومن الخلف وبالريشة وبالأصابع وشدنا اليه وأدخل البهجة والفرح في نفوسنا وقلوبنا ،وقص علينا حكايات ومناسبات بعض قصائده وهو يترنم بالكلمات واللحن... حكى حين ذهب في إجازة سنوية وهو برتبة صغيرة لمدينة بورتسودان ليخطب إحدى الحسان ولكن المفاجأة كانت أنة يوم وصوله كان يوم سفر الحسناء لشهر العسل ((فقد تزوجت)) فعاد النقيب وقتها جعفر فضل المولى في اليوم الثانى الي محطة السكة حديد ليركب القطار عائدا الى الخرطوم. وعند وصوله محطة الخرطوم وبدلاً من الذهاب الي منزله دلف مباشرة لمنزل الفنان حسن عطية وهو يحمل له أغنية جميلة (الرباط الخالد) والتى وضع كلماتها ولحنها في الطريق بين بورتسودان والخرطوم.

بكرة قريبة وما بعيدة
قريبة وما بعيدة
بكرة الناس تهنينا
والطير في غصنو بناجينا

مع ابونا الزعيم الخالد :

في بداية السبعينات ذهبت إليه في مكتبه بأمدرمان و الذي يدير منه فرقة الفنون الشعبية، أطلب مساعدته بالتصديق بفرقة موسيقى الجيش وأختيار فنانين من سلاح الموسيقى للمشاركة في مناسبة زواج شقيقى ضابط الجوازات عثمان خالد العمدة...... وصدق ليِ بطلباتى مجاناً كمساهمة منه في الزواج.

وقبل أن اترك الكرسى الذي أجلس عليه أمامه رددت إليه مساهمته في زواج شقيقى بهدية مفاجأة ومددت إليه صورته التى يراها لأول مرة.. فقفز من كرسيه فرحاً باسماً ممسكاً بها وظل يمعن فيها ويعيد النظر إليها ويقول [دي جبتها من وين يا ضابط؟]

فقد كانت الصورة وهو يصافح أبونا الزعيم الخالد جمال عبد الناصر .. والفريق جعفر منذ شبابه كان يحب الزعيم وقد عبر عن ذلك في كثير من الأغانى الوطنية التي ألفها شعراً ولحنها وقام بتوزيعها ومن بينها أغنية السيرة  (بطل القنال) مرحب بيك يا جمال وقدمتها الفنانة مهلة العبادية.

 وحكاية الصورة، أنه أثناء الفترة التي قضيناها في جبهة القتال (1968-1969) مع الكتيبة السودانية الثالثة والتي كان يقودها العقيد بحرى وقتها صلاح محمد سعيد تم إختيار وفد يمثل الكتيبة  برئاسة قائد ثانى الكتيبة المقدم وقتها جعفر فضل المولى وذلك لحضور إحدى اللقاءات التي يعقدها كبار القادة العسكريين المصرين حين يزورون جبهات القتال. وكانت المفاجأة حين وصولنا موقع الاجتماع أن الزائر هو الزعيم جمال عبد الناصر .... فتوقف أبونا عن الحديث الي أن جلسنا وبلهجة محببة قال [مرحب بالإخوة السودانيين]وواصل حديثه.

 وبعد إنتهاء المحاضرة وإجابته على أسئلة الضباط والصف والجنود المصرين وأثناء صيحات وبكاء الحضور وهم يطلبون الاذن بالعبور شرق القناة، تقدم أبونا الزعيم جمال وخص الوفد السوداني بالمصافحة وكان من بين أعضاء الوفد صديقى وقائدي النقيب وقتها عبد المنعم سليمان مسئول الإدارة في الكتيبة ويبدو أنه بحسه الادارى والتوثيقى تحدث الي أحد المصورين والذي كان يعمل في مجلة المصور المصرية واتفق معه أن يخصه بمجموعة من صور الزعيم وهو يصافح الوفد السودانى وقد ظهرت بعض من هذه اللقطات لاحقاً في مجلة المصور في إحدى أعداد ذاك الزمان.

وخصانى صديقى عبد المنعم سليمان ببعضها ويظهر فيها المقدم وقتها جعفر فضل المولى مصافحاً الزعيم واحتفظت له بهذه الهدية الغالية الي أن كان يوم دخولى عليه في مكتبه بامدرمان وودعته وتركته وهو ما زال واقفاً مبتسماً ممسكاً بالصورة.

مولده ونشأته

ولد الفنان الموسيقار الشاعر جعفر فضل المولى بحى الهاشماب بجوار مكتبة البشير الحالية. والده فضل المولى التوم خليفة درس كلية غردون هندسة ودخل قوة دفاع السودان وهو مؤسس سلاح المهندسين وأول قائد له واستمر قائداً حتى مرحلة السودنة في1954م. هنالك معلومات شحيحة عن أن فضل المولى كان ضمن قادة ثورة 1924م لكنها تحتاج لمزيد من التوثيق.

إنتمى فضل المولى التوم الى الطريقة الختمية وكان خليفة السيد على الميرغنى وربما لعبت القبيلة دوراً في هذا الارتباط فالوالد فضل المولى كان يحمل في وجههه شلوخ الشايقية المعروفة ولم يزر مرتع أهله في مروى إلا لمالما.
 تزوج فضل المولى من عزيزة عبدالفتاح (قبيلة المغاربة)وولد منها خمسة أبناء وبنتين (محمد فضل المولى- أحمد المرتضى - كمال - جعفر- ومحمد عثمان أصغر الأبناء - والبنات أسماء - وآمنة فضل المولى).

ونلاحظ إنتماء الأسماء الى الطريقة الختمية ومصادرى تشير الى أن السيد على الميرغنى هو الذي أختار هذه الاسماء لأبناء خليفته فضل المولى التوم.

البيه فضل المولى أو الاميرالاى:-

حارب مع قوة دفاع السودان في ليبيا وكان معه في نفس القوات إبنه الثانى أحمد المرتضى فضل المولى وألبيه كان فناناً شاملاً بعزف طمبور أهله الشايقية بمهارة - وآلة العود بل كان يمتلك صوتاً جميلاً وصديقاً للفنانين أحمد المصطفى - عثمان الشفيع - وعثمان حسين.

حين غنت الفنانة عشة الفلاتية [إجو عايدين بالمدرع والمكسيم- الشايقى وحسن الزين] والشايقى هنا هو والد جعفر فضل المولى التوم ومن الروايات أيضاً (أن حى سلامة البى)بمدينة القضارف تعود التسمية الي البى فضل المولى.

وأشقاء جعفر الأكبر محمد فضل المولى والثانى احمد المرتضى درسا أيضاً كلية غردون وانضما الي الجيش مهنة والدهم وتخرجا ضمن قائمة الشرف الثانية محمد في 7/فبراير 1943 وأحمد في 15/فبراير /1943وأحيلا الي المعاش برتبة العميد بعد إنقلاب مايو 1969م بقيادة العقيد وقتها جعفر نميرى ويبدو أن الاسرة مغروسة فيها العسكرية والفن فمحمد كان يعزف العود ويمتلك خطاً جميلاً وصوتاً مطرباً كان يغنى للفنان عثمان حسين وعثمان الشفيع حين  كان قائداً الهجانة (الابيض) حتى أنه كان يشارك بالغناء في مناسبات العسكرين العامة .

أحمد المرتضى كبير الياوران خلال الحكم الانجليزى - والإستقلال مع الزعيم الأزهرى. الى أن إستلم منه العقيد  عثمان أمين . أحمد المرتضى هو الآخر كان فناناً يعزف ويترنم .وحين نتابع هذه الأسرة المدهشة نجد أن كمال فضل المولى كان يتفرد في ذلك الوقت بالعزف علي السلم السباعى، ويتميز بعزف الكمان - وهنالك رواية تقول أن الفنان الكبير محمد عثمان وردى تعلم عزف العود علي يد كمال فضل المولى . والإبن الأصغر محمد عثمان هو الآخر عازف مجيد لكل الآلآت الموجودة بالمنزل ويمتلك صوتاُ جميلاً. وقد أثرت هذه الأسرة المتحف الحربى فقد أهدت إليه صوراً نادرة فالجنرال محمد فضل المولى كان محترف للتصوير وأطلق عليه (موثق الجيش) - كما أهدت الأسرة آلة أورجن تاريجية وقيمة إلي الإذاعة السودانية.

إذن فقد نشأ جعفر فضل المولى في بيت موسيقى فالأسرة بكاملها موسيقية ومبدعة وخلاقة ومبتكرة - فامتلاك آلة العود والأورجن في ذلك الزمان رغم صعوبة الحصول عليهما وتكلفتهما مؤشر لجريان الفن في عروقها. يعتبر الشقيق الثانى أحمد المرتضى أول من عزف آلة الأورجن في السودان ويعتبر في زمانه شبيه بوهبة الشهير، الذي كان دوره كبيراً ونوعياً في غناء الحقيبة [وهبة بموسيقتو إتحكرا]. وآلة الأورجن لم تكن معروفة ومستخدمة في تلك الفترة 1943م سوى فقط آلة تشبه الأكورديون عند الحاوى وسميت بإسمه (موسيقى الحاوى).

فجعفر منذ صغره وجد في منزله آلة العود والكمان والطنبور والأورجن فانطلق ينثر الألحان الشجية ولذلك يمكن القول أن العامل الفنى الوراثى والبيئة الموسيقية التي نشأ فيها كان لها الدور العميق في حب جعفر للفن وجريانه في عروقه وشراينه - وظل جعفر ينزف فناً جميلاً راقياً وجديداً .وحين دخل جعفر فضل المولى طالباً بالكلية الحربية السودانية 4/مارس 1954م ضمن الدفعة السابعة - وهى دفعة خطيرة ومهمة في تاريخ الجيش السودانى - كان جعفر عازفاً متقناً وماهراً لطنبور والده ولعود محمد شقيقه الأكبر- ولأورجن أحمد المرتضى ولكمان كمال.

جعفر والهوية الثقافية:

تحدثنا في الورقة الأولى الجيش والثقافة (عسكرين فنانين) عن دور الجيش في الهوية الثقافية السودانية من بوابة الموسيقى العسكرية ...منذ أن شاركت الموسيقى الجهادية القوات المصرية في حرب المكسيك (1863-1867) وكان صول الموسيقى أحمد أفندى أبا زيد والأورطة بقيادة البكباشى جبر الله أفندى محمد وقائد ثانى وكيل يوزباشى محمد ألماظ .

تناوب السودانيون العمل في الفرقة الموسيقية كصولات، والتى كانت تحت  قيادة الاتراك ثم الإنجليز. ونلاحظ أن أفراد الفرقة الموسيقية من السوداننين ترجع أصولهم الي القبائل الأفريقية وليست العربية - فنجد قبائل الفونج – النوبة - جنوب السودان، مع قلة قليلة من أبناء الشمال والغرب..وأهم الصولات الذين تناوبوا علي الفرقة الموسيقية حسان رمضان - حسن التوم - محمد إسماعيل - أحمد مرجان - عبد الله إسماعيل البشير .ولكن تعتبر قيادة أحمد مرجان لفرقة الموسيقى محطة هامة في تاريخ الموسيقى العسكرية حيث رقى الي رتبة الملازم بتاريخ 7/يناير 1952م قبل اربعة سنوات من تاريخ استقلال السودان في الاول من يناير 1956م، والملازم أحمد مرجان هو الذي قام بوضع موسيقى السلام الجمهورى تأليفاً وتنويتاًً وفي إختيار النص الشعرى كان الثائر المغرد الصاغ محمود أبوبكر أحد أعضاء اللجنة  ولم تعرف الفرقة الموسيقية إستقراراً من حيث المكان وظلت تنتقل بين الخرطوم / والخرطوم بحرى.

بعد إنقلاب مايو 1969م وإختيار جعفر فضل المولى  قائداً لسلاح الموسيقى العسكرية بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الموسيقى في السودان توسعاً وتطوراً وقفزة نوعية، وتعتبر الموسيقى العسكرية هي البيئة الثانية التي نشأ فيها الفريق جعفر بعد البيئة الموسيقية الأولى التي تمثلت في الأسرة.

ولذا بدأ راسخاً متميزاً كموسيقى، ويبدو ذلك في جمال ألحانه ومتعتها والطرب فيها  وأعتقد أنه يترنم  اولاً بالحن قبل أن يضع النص الشعرى فهو إبن البيئة حتى أننا نلحظ  ذاك في بعض ألحانه - فنموذج أغنية (الرباط الخالد) التي أشرنا إليها والذى وضع لحنها وهو في القطار بين بورتسودان والخرطوم نجد أن اللحن مرتبط بالقطار وحركته وصوته.

يعتبر الفريق جعفر فضل المولى أحد المروق الأساسيين ضمن الفنانين العسكرين لدوره الفخم في تطوير الثقافة إبداعياً وفنياً وبالتالى الهوية السودانية. فالفريق جعفر فضل المولى تفوق في الإرتقاء بإختلاط الفن الشعبى بالفن العسكرى في تاريخ القوات المسلحة الحديثة. وهذا الاختلاط يرفع قيمة الأعمال الفنية وتؤثر إيجاباً على الهوية الثقافية كما إستفاد من الثقافة الغنية المتنوعة المتواجدة عند القبائل السودانية المختلفة، التي يتكون منها شعب السودان، وساهم من خلال الموسيقى والشعر والفنون الشعبية  والمسرح والاكروبات في إمكانية التعايش السلمى بالتنوع والوحدة عبر التنوع الثقافى بالتالى تشكيل الهوية السودانية .

الحديقة الغنائية:-

إمتدت خدمة الفريق جعفر فضل المولى في القوات المسلحة لسبعة وعشرين عاماً وثمانية شهور وعشرة أيام (1/أغسطس 1955-11/يونيو 1985) أنشأ فيها حديقة غنائية كاملة فيها  العاطفية والوطنية والتواشيح الدينة والسياسية. تغنى له عدد من الفنانين والفنانات وقد تمكنت من حصر حوالى السبعين عملاً - تغنى بها حوالى سبعة وعشرون فناناً وفنانة ومجموعات غنائية وكورالية وربما لم أتمكن من العثور على كثير من أعماله . وأشير الى بعض الأسماء: حسن عطية - سيد خليفة - رمضان حسن - ورمضان زايد - عبد الدافع عثمان - الخير عثمان- صلاح محمد عيسى - زيدان ابراهيم - عثمان مصطفى - ومن الفنانات مهلة العبادية التى غنت [مرحب بيك يا جمال بطل القنال] فاطمة الحاج - منى الخير - ثنائى النغم – البلابل - عابدة الشيخ. ومن المجموعات : مجموعة سلاح الموسيقى - فرقة أعالى النيل - كورال الأحفاد [الوفاق الحان الفاتح كسلاوى]. ويلاحظ تنوع الفانيين / وإختلاف الأجيال - ويعتبر الفريق جعفر فضل المولى من أوائل الفنانين الذين إستخدمو الدويتو في أغنية أرض النيل الحرة . "أنا الجنا البفداك" دويتو بين الفنان حسن عطية والفنانة منى الخير.

الفريق جعفر فضل المولى قدم كثير من الأناشيد والأغانى الوطنية وغناء المناسبات والأناشيد السياسية، والتواشيح الدينية. وكثيرون يأخذون عليه غناءه لإنقلاب مايو1969م، والرئيس السابق جعفر نميرى الذي كان صديقاً له، ويمكن القول أن مساهمات الفريق جعفر الفنية أوقفت إنقلاب مايو على قدميه لفترة من الزمن ونموذجاً أشير الي أغنية البلابل خطوة عديلة ياجعفر وأغنية أبو عاج يا دراج المحن، التي كان الرئيس جعفر نميرى يقف علي رجليه ويهز بنشوة وطرب حين يستمع اليها.

ارتباطه بالفنون الشعبية:-

في أول مهرجان موسيقى للولايات بالمسرح القومى أشرف النقيب وقتها جعفر فضل المولى علي فرقة أعالى النيل للفنون الشعبية وحصل على كاس المهرجان رغم أنه ضابط مشاة ولم يدرس الموسيقى أو يتخصص في معهد للفنون الشعبية، ولكنها البيئة التي تخرج منها والموهبة التي منحها الخالق حتى إنه من أوائل الذين فكروا في مزج الاورغن والعود. كلفه الاميرلاى عمر الحاج موسى 1970 بمراجعة فرقة الفنون الشعبية وتدريبها فادخل نظام الرقص الجماعى مع الإيقاع بخطوات منتظمة ومن خلال عمله الدوؤب تخرج على يديه  ما يقارب خمسة وخمسين (55) فناناً وفنانة وراقصاً وراقصة الى أن وصلت مرحلة الإحتراف وأشير الي أنه بنى المسطبة التى أمام المسرح القومى حين قدم مع فرقة الفنون الشعبية لأعالى النيل منافساً في أول مهرجان للفنون الشعبية.

إستفاد الفريق جعفر من إمكانية سلاح الموسيقى وإستخدمها وسخرها وأدارها بمستوى رفيع - ساهم في تطور الموسيقى وساعد  في ظهور كثير من الفنانين والفنانات - ونشير الي اقتراحه للأساتذة السنى الضوى، وإبراهيم أبو دية بتكوين ثنائى. فكان ثنائى العاصمة أطرب الثنائيات السودانية. وقد سألت صديقى الفنان السنى الضوى عن هذه الواقعة فأكدها وأضاف كانت معهم الفنانة منى الخير.

بانسانيته الكامنة فيه، ساهم فى علاج مطرب الفنانين أحمد الجابرى خاصة بعد وفاة والدته فعاد مغرداً [فقد محبوب على مكتوب - أقش في دمعى ما يجفف - متين ياغيمة ترمى الظل - وأمر البسمة زى الكل] وجعفر في رأى هو مكتشف أصوات البلابل القمة الفنية التى يصعب تكرارها.

سلاح الموسيقى – العصر الذهبى:-

نقل الفريق جعفر فضل المولى قائداً لسلاح الموسيقى فبدأت مرحلة العصر الذهبى للسلاح، وحين وصوله وجد العدد (51) واحد وخمسين فرداً بينهم عمالقة الموسيقى العسكرية، الرائد أحمد مرجان وملازم أول عوض محمود - والملازم محمد اسماعيل بادى - الملازم محمود عثمان - وضابط الصف خلف الله احمد غندور الذى وصل حتى رتبة الرائد والذى أصدر في العام 2007 كتاباً توثيقياً هاماً وممتعاً - تاريخ الموسيقى العسكرية فى السودان - وقد جلست معه لفترة طويلة واستفدت منه في كتابة هذا البحث .  بدأ الفريق جعفر بتوسيع سلاح الموسيقى، وأضاف خمسين فرداً جديداً ثم إرتفع العدد (200) مائتين فرداً - إلى أن وصل العدد (1500) ألف وخمسمائة فردا بعد أن أدخل وحدة رياضية، وحدات رماية نافس بها بقية الأسلحة والمناطق، بل وفاز سلاح الموسيقى بكثير من الكاسات حتى في هذه المجالات. وربما نجد تفسيراً في إشتراك سلاح الموسيقى في بعض الإنقلابات العسكرية بسبب هذا التوسع. إضافة الى أن  الفريق جعفر ركز علي النظام والإنضباط والتدريب داخل السلاح.

تطور سلاح الموسيقى فى فترة الفريق جعفر تطوراً مذهلاً لا أتصور إمكانية حدوثه بغيره، فقد وجد البيئة الموسيقية التى يفهمها ويعرفها وهو القادم من بيئة الموسيقى الأسرية فتكون الثنائى الموهبة والإبداع الغنييان فيه، فأنتج موسيقى رفعت من القيمة الفنية، وبالتالى الثقافية، وأعتقد أن أهم عناصر هذا الإنتاج هو إنفتاح سلاح الموسيقى والخروج من الركون لمناسبات الجيش وقرقولات الشرف إلي  الجماهير. فدفع الفريق جعفر فضل المولى بالفرق الفنية بكل أنواعها تطوف الأقاليم ترفيها ورفعاً للروح المعنوية – والمشاركة فى إحتفالات الجماهير فى المناسبات العامة والخاصة، فاختلط الفن الشعبى بالعسكرى .

وبحسه بأهمية هذا الإرتباط العسكرى الشعبى، والانفتاح شجع الوحدات العسكرية لتكوين فرقها الفنية الخاصة، فظهرت فرق المدرعات المدفعية - سلاح النقل .... الخ. وتشجيع التنافس بينها، وفتح  الدورات الفنية لهم مما رفع الذوق الفنى عند العسكريين والمدنيين. خطا الفرق جعفر فضل المولى خطوة نوعية جديدة ضمن مشروعه التطويرى الانفتاحى، لأن الفن لا يقتصر على فئة أو طبقة، فضم موسيقيين وفنانين إلى سلاح الموسيقي، وتعاون مع بعضهم. فكان الأستاذ بشير عباس - سمية حسن - صلاح براون - البيعو- أسماء حمزة - عمر الشاعر - عبداللطيف ود الحاوى - الصافى محمد احمد -الامين عبد الغفار - الطيب التقلاوى...الخ.  ومن هذا الانفتاح العسكرى الشعبى برقت الدرر- فكانت البلابل، التجربة التى ربما لن تتكرر مرة ثانية. وتحول سلاح الموسيقى إلى ينبوع الفن الجميل والموسيقى الراقية واللحن الشجى الطروب - فيه تكتب النصوص ويوضع اللحن وينوت  ويختار المغنى والمجموعة المؤدية معه  ويتم التدريب عليها والبروفات إلي أن يخرج إلي المتلقين كعمل متكامل. بمعنى آخر نجح الفريق جعفر فضل المولى من تكوين كوكبة من الفنانين مقاتلين بإستيعابه المغنين والموسيقين وفى ذات الوقت مقاتلين، أسلحتهم آلاتهم. فتطورت الأغانى الوطنية والحماسية وأدخل فكرة الجوائز التقديرية للمتفوقين.

الأكروبات السودانية:-

هي الأخرى إحدى أفكار وإنجازات الفريق جعفر، وقدم الفكرة إلي العميد وقتها عمر الحاج موسى - وبوصول خبراء من الصين لإختيار المجموعة، بدأت الخطوات العملية، وضم الفريق جعفر عدد من الصبيان نصف تعين من سلاح المهندسين. وبعض الموسيقيين وآخرين لسيرك فرقة الأكروبات وكان عددهم (15) فرداً، وبعثوا إلي الصين لمدة عامين.برئاسة الأستاذ محمد الشيخ جمعة، وإشراف مهدى على الإمام والنقيب وقتها محمد إبراهيم حسنى من القوات المسلحة. وأعتقد أن الأكروبات السودانية كانت الأولى فى أفريقيا وأدهشت الجماهير داخل السودان وخارجه.

الوداع الأخير:-

تزوج الفريق من صفاء يوسف محمد حسين ورزق منها ولدان أمير وأحمد وثلاث بنات سلافة وحنان ومشاعر. وسلافة التى كتب عنها والدها (يا سلافة الفن ولهفة البتمنى). وتزوج من إمرأة  ثانية فكان إبنه الموسيقى عازف الفلوت "وحيد" وقد حدثنى الموسيقار الشهير أحمد ساطور، أن وحيد مبدع زمانه في آلة الفلوت العجيبة، وحين يكون معهم ضمن فرقة الفنان محمد وردى يضيف للحن الذى يعزفونه متعة وطرباً.

غناء الشايقية عموماً حنين يبكى المتلقين، بل كثيراً ما يبكى الفنان نفسه وله طابع يميزه، وأثر القبيلة نلحظه فى الفنانين القادمين من أرض الشايقية. النعام آدم - عثمان حسين - ثنائى العاصمة - السنى الضوي وابراهيم ابوديه ...الخ. ولكنى لم الحظ الأثر الشايقى عند جعفر فضل المولى خاصة ألحانه وربما يعود السبب إلى أنه ولد في أمدرمان ولم يسافر إلي موطن والده شمالاً ليعيش بينهم بالمقابل، لأن الأثر الأمدرمانى طاغى ....ورغم شاعرية الفريق جعفر فضل المولى التى تؤكدها نصوصه الملحنة والمغناة إلا أنه يظل موسيقياً أولاً وشاعراً ثانياً - أثناء كتابه بحثى هذا إلتقيت الضابط صلاح محمد فضل المولى ابن أخ جعفر فضل المولى وسألته عن أى أوراق أو مذكرات  تركها عمه. فقال أنه كان يجمع كل شعره فى دفتر إختفى أثناء أيام العزاء.

 فى الساعة العاشرة من صباح الاربعاء الموافق الرابع من مايو 2005م بمنزله بالمنشية بالعاصمة الخرطوم توقف ينبوع الفن من الانسياب ودفن الفريق جعفر بمقابر حمد النيل  بأمدرمان، المدينة التى منحته عمق الإنتماء وصدق الوفاء. وتمكن الفريق جعفر فضل المولى بموهبته التي منحها له الخالق [البيئة الموسيقية الاسرية ] إضافة للمساحة الإبداعية الخصبة التى وفرها له الجيش [البيئة الموسيقية العسكرية] من زراعة  ملاين الأفدنة من أشجار الزيتون وزهور المحبة.

دفن بجوار والديه حسب وصيته ولم يدفن حسب التقاليد  العسكرية فى طابور رسمى بمصاحبة موسيقى الجيش رغم أنه وصل رتبة رفيعة (فريق) وكان قائداً لسلاح الموسيقي بل ويعتبر أحد مروق الموسيقى عامة، والعسكرية خاصة. ويعود السبب فى ذلك إلي فتوى حكام الإنقاذ بأن الموسيقى شئ مكروه فى الجنازة.... فى حين أنهم حولوا مناسبة الموت إلى رقص وغناء وطرب فيما عرف بعرس الشهيد.. أى فتوى هذه التى تحرم مارش الجنازة الحزينة المعبر التى تبكى الصخر وتحل بدلاً عنه عرس لشهيد وعروس الحور وحفلات للغناء. بل أن المارشات جميعها بما فيها مارش الجنازة جزء من العادات والتقاليد العسكرية فى القوات المسلحة السودانية .....

وتلاحظ خلال المأتم ضعف الحضور العسكرى إلا من بعض دفعته خلافاً للحضور الشعبى من الوسط الفنى فقد كان مقدراً.

عبد العزيز خالد العمدة
حلفاية الملوك – مايو 2011م

المرجع: tahalof.org



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by