# # # #
   
 
 
[ 12.05.2011 ]
في السيرة السياسية (2) ـ أمير بابكر عبدالله




الشعار الرئيسي الذي تبناه حزب التحالف الوطني السوداني "نحو دولة مدنية ديمقراطية موحدة"، لم يجيء مستنداً على مرجعية دينية ولا نظرية فكرية مسبقة، وإنما بعد الوقوف على تجارب سياسية عديدة وقراءة لواقع السودان المتعدد المتنوع. التفاعل بين المدارس الفكرية السابقة المتعددة التي جاء منها أعضاء التحالف خلص إلى هذه النتيجة، ومثلما كان داعماً لبناء حزب مغاير في رؤيته ومنهاهجه وادواته، كان لابد ان يفرز هذا التفاعل آثاراً جانبية. فالذين صاغوا وتبنوا مشروع التحالف جاءوا من اليمين ومن الوسط ومن اليسار السوداني فكرياً، ومن خلفيات في العمل التنظيمي تختلف في مناهجها، وشملت تلك الخلفيات المدرسة العسكرية النظامية بإرثها العقدي والتنظيمي الذي لعب دوراً مهماً في العمل الميداني بقدر مساهمته ومشاركته السياسية.

هذا التعدد رسم خارطة طريق للتعاطي مع قضايا الوطن، ووجد الحل في الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة، فما الذي يجمع أمثال رجل في قامة المرحوم د. عبدالعزيز محمد عثمان مصحح المصحف الشريف وأستاذ الشريعة بإحدى الجامعات السعودية، ورجل المؤسسة العسكرية العميد عبدالعزيز خالد وإقتصادي كمحمد عبدالمنعم ود. أحمد الصافي وقابي فايز قوبريال و المرحوم جوزيف فلمون مجوك وغيرهم غير الإنتماء للوطن، والإيمان بأن هناك ما هو مشترك من الأفكار والبرامج التي يمكن أن توحدهم في سبيل الخروج به إلى آفاق الحداثة والتقدم.
كلهم، جاءوا ورسموا خارطة الطريق معاً، على عكس كثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي وجدت أفكاراً ونظريات جاهزة، فإما طاوعتها وإما طوعتها. جاءوا وجاءت أفكارهم ورؤاهم تلبية لشروط موضوعية أفرزتها ماكينة الممارسة السياسية السودانية، لذلك بدأ البناء دون تعقيدات نظرية وتراكمت الخبرات بالممارسة العملية بعيداً عن الأكلشيهات الجاهزة، مما أتاح لكثير من قطاعاته المشاركة الفعلية والمساهمة كل بقدر استطاعته في تلك العملية دون ان يدعي أحد او جهة بان لها الفضل في ذلك.

ذلك الطيف إستطاع أن يخلق واقعاً جديداً بإضافة إسم جديد وأفكار ورؤى في قائمتها الديمقراطية كمفهوم وممارسة حقيقية. الديمقراطية كانت مفتاح السر الذي لم يلتف حوله التحالف كحزب، وهي السبب في تماسكه بعد أن صار جسماً حقيقياً يمشي على قدمين وسط القوى السياسية والعسكرية في وقت وجيز. الديمقراطية كمفهوم نظري يتشبث بأزيالها الكثيرون، ويتمشدقون بالحديث عنها، لكنها عند الممارسة (تفرز الكيمان) فثقافتنا العملية تصاب بعسر الهضم عندما تمارس الديمقراطية. ويبدأ الذين يتصايحون بأعلى صوتهم ديمقراطياً بإجهاضها عملياً والإلتفاف حول نتائجها، هذا ليس عيباً بقدر ما هو بقايا إرث من واقع سياسي واجتماعي لا يمكن تجاوزه هكذا ضربة لازب، بل خاضع لشروط التطور الطبيعية.

إنه المفتاح، كما ذكرت، والروح السحرية التي تسري في شرايين الحزب وتتطور مع مرور الوقت، ويمكن قراءة ما تعرضت له مسيرة التحالف بسلبياتها وإيجابياتها، وفق قوانين التطور الطبيعي طالما هو ماضٍ في سبيل تحقيق أهدافه التي وضعها. حزب تشكل من خلاصة قدرات مؤسسيه على إحتمال الممارسة الديمقراطية، منهم من آثر التراجع لأنه لا يحتمل أكثر من ذلك ومحاولة تحطيم التجربة برمتها (رغم ذلك لم يستطيعوا تجاوز تجربته)، ومنهم من آثر الإنزواء، ومنهم من لا يزال يكابد عناءها وما بدل تبديلا، أملاً في أن تصبح هي القاعدة مستقبلاً وما دونها استثناء.

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by