# # # #
   
 
 
[ 25.03.2011 ]
العلاقة بين الكاتب ومصدر التمويل ـ أمير بابكر عبدالله




كتب الكاتب والناقد المصري غالي شكري في رسالة لرئيس تحرير مجلة حوار البيروتية توفيق صايغ "يا لضيعة العمر. فبعد كل الشقاء والحرمان وأسوار المعتقلات أراني في لحظة واحدة أكلت خبزي، وأكل أولادي معي، من الكتابة في مجلة يمولها الاستعمار" وذلك عندما كشفت النيويورك تايمز عن تلك العلاقة التي تربط المجلة بالمخابرات الأمريكية وتمويلها. فيما رفض رائد القصة القصيرة العربية يوسف إدريس الجائزة التي منحتها له مجلة "حوار" في الستينيات من القرن الماضي لذات السبب.

عادت المقالات القديمة التي تربط مجلة حوار بالمخابرات الأمريكية إلى السطح، والحرب الموجهة لمؤسسها الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ، في وضع أشبه بالتاجر المفلس الذي يقلب دفاتره القديمة بحثاً عن ديون محتملة له منسية بين طيات تلك الدفاتر.  مجلة حوار التي صدرت في مطلع الستينيات وتوقفت في العام 1967، من المجلات الثقافية البيروتية صدرت بعد مجلة "شعر" التي رأس تحريرها يوسف الخال وطالتهما الأقاويل حول علاقتهما بالمخابرات الأمريكية لأنهما كانتا تمولان بواسطة منظمة مؤتمر الحرية للثقافة الممولة من مؤسسة فورد المرتبطة بالمخابرات حسب بعض الإداعاءات. ويذكر دنيس جونسون ديفز مترجم الأدب العربي الأشهر إلى اللغة الإنجليزية في مذكراته أن جون هانت مندوب تلك المنظمة أخبره في أوائل الستينيات برغبتهم في إصدار مجلة ثقافية باللغة العربية، وإسناد تحريرها إلى يوسف الخال صاحب مجلة شعر في بيروت. لكن دنيس اقترح عليه توفيق صايغ بدلاً من يوسف الخال.

مات صاحب مجلة "حوار" وهو يستغل المصعد في البناية التي تقع فيها شقته في مدينة نيويورك، وكان قد هاجر إلى هناك من بيروت بعد تلك الحملة التي إضطرته إلى إغلاف المجلة وفي حلقه غصة وبقلب نازف آثر الإنفجار داخل المصعد، أو ربما هو انتحار كما يزعم البعض، أو كما وصفه الكاتب محمد جميل أحمد انسحب الشاعر العربي توفيق صايغ من الحياة، تحت شراسة الأقلام التي وصفته بما لا يحتمل من صور التأويل ، لمشروعه الأدبي الواعد ، الذي أسس له من خلال مجلة ” حوار ”. وكانت نهايته المؤلمة في أمريكا( على مصعد جامعة بيركلي)، نهاية درامية لحلم عربي أسس للحداثة الأدبية والشعرية من منابر مغايرة لما عهدته أقلام الواقعية الاشتراكية. ومات أديبنا العالمي الطيب صالح وصديق توفيق صايغ كذلك، ولكن بعده بعقود، لتطل على السطح رسائل متبادلة بين صايغ وصالح نشرها الكاتب الفلسطيني محمود شريح في كتاب "رسائل توفيق صائغ والطيب صالح".

لعل أبرز ما كشفته تلك الرسائل هو ميلاد روايتي عرس الزين وموسم الهجرة إلى الشمال، اللتين نشهرهما صايغ في مجلة حوار، يقول شريح في مقدمة الكتاب: بين توفيق صايغ (1923–1971) والطيب صالح (1929–2009) رسائل متبادلة هي قمة الصداقة الأدبية من حيث انفتاحها الذهني وبوحها العاطفي وتأريخها لزمانها العاصف بالتقلبات. شاعر يخاطب روائيا وروائي يحاور شاعرا. شاعر موغل في الثقافتين الشرقية والغربية على السواء، وروائي يتأرجح بين تراث وحداثة، يوظفهما تآلفا في "عرس الزين" (1967) وصراعا في "موسم الهجرة الى الشمال" (1966). مثلما وضع الكتاب القارئ داخل اجواء ولادة الرواية الأشهر "موسم الهجرة إلى الشمال"، فقد كشف ظروف ترجمتها إلى الانجليزية بواسطة دنيس جونسون ديفز المترجم.

ووسط أزمة مجلة "حوار" يكتب الطيب من لندن الى توفيق في بيروت رسالة بتاريخ 15/9/1967. "لن أستطيع أن أفيك حقك من الشكر، على تشجيعك وعلى أنك تكبّدت مشقة طبع "عرس الزين" في الهيئة المدهشة التي خرج بها. وأرجو ألا يكون خطر لك أي شك، في أنني مع كل أصدقائك هناك، كنت أتابع أزمتك بالتوجّس والقلق والأمل، وكان ثمة إحساس بأنك ستتخذ القرار الصحيح. لقد سرّني أنني علمت من دنيس أنك ستمر على لندن – إنني متأكد من أن هذه الرحلة ستنسيك بعض همومك – لا بد أحياناً من تغيير المناظر والوجوه والنظر الى الأمور من بعد – ونحن نترقّب وصولك. أما أنا فإنني ما أزال معلّقاً بين السودان وهنا – احتمالات العودة النهائية ما تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي – على أي حال سنتحدث في كل ذلك. وفي انتظار وصولك لك خالص تحياتي وأيضاً تحيات جولي وزينب".

تبرز هنا أسئلة مقروءة على ضوء المواقف التي اتخذها كل من يوسف إدريس وغالي شكري من مجلة حوار مع هذه الروح الطيبة التي تشع من بين كلمات الطيب صالح في رسالته الأخيرة لصديقه توفيق صالح. في الوقت الذي إنشغل الأولان بإبداء مواقف أكثر حدة من مجلة "حوار" وصاحبها، كتب إليه الطيب صالح "وكان ثمة إحساس بأنك ستتخذ القرار الصحيح". هو قول يحمل صايغ مسؤولية اتخاذ قراره والإكتفاء بالتوجس والقلق والأمل، فيما صرخ فيه غالي شكري بأن ما كسبه من مال جراء كتابته ل"حوار" التي يمولها الاستعمار (حرام)، في حين رفض جائزتها يوسف إدريس. في ذات الوقت لم يتخذ الطيب صالح موقفاً واضحاً من مسألة تمويلها، فهل كان يتلقى مقابلاً مالياً لنشره روايتي عرس الزين وموسم الهجرة إلى الشمال وبعض القصص القصيرة في "حوار"، أم إنه نشرها مجاناً تشجيعاً لصديقه لذلك لم يكن عليه اتخاذ ذات مواقف سابقيه؟
ثمة امر آخر تبرزه تلك المواقف، هو علاقة المترجم دنيس جونسون ديفز بكل من الطيب صالح وتوفيق صايغ. فهو أولاً كان قد رشح صايغ لتولي إدرة تحرير مجلة "حوار" عندما اقترح إسمه بديلاً ليوسف الخال عندما رشحه مندوب منظمة مؤتمر الحرية للثقافة. وهو في ذات الوقت الذي ترجم رويات الطيب صالح للغة الانجليزية، فما علاقة ديفس بتلك المنظمة وما هو دورها في نشر الثقافة باللغة العربية؟

علاقة الكتاب والمثقفين بالسلطة والمال علاقة معقدة، لا يمكن توصيفها وتحليلها بمنهج واحد لما تطرحه من أسئلة متناقضة، فباستعراض سريع لسيرة بعض الكتاب بالجوائز المالية يمكن اكتشاف ذلك بسهولة. الكاتب والروائي صنع الله إبراهيم رفض جائزة جمعية الروائيين العرب وقال إنه ليسعدني أن تم اختياري لتلك الجائزة، ولكني أعتذر عن عدم تمكني من قبولها إذ تأتي من حكومة لا مصداقية لها". وقال "أننا في العالم العربي وفي مصر نعيش وضعاً كارثياً". في الوقت الذي قبل فيه جائزة العويس التي قدمت له في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال معللاً إن هذه جائزة فرد (العويس) وتلك جائزة دولة وهو يرفض الجوائز التي تقدمها الدولة لمواقفه السياسية منها.

وفي رسالة الى رئيس لجنة تحكيم "جائزة القذافي العالمية للأدب" (مئتا الف دولار) ابرهيم الكوني، عزا الروائي الاسباني الكبير خوان غويتيسولو رفضه الجائزة الى مصدرها. "فالجائزة مقدمة من الجماهيرية الليبية، التي استولى فيها معمر القذافي على الحكم بانقلاب عسكري عام 1969". واضاف الروائي الاسباني: "انا واحد من قلة من الروائيين الأوروبيين المهتمين بالثقافة العربية-الاسلامية. وقد دافعت قدر استطاعتي عن القضية الفلسطينية، وكنت حاضرا على جبهات النضال من اجل الديموقراطية في العالم العربي... وبعد تردد قصير، درست خلاله احتمالات قبول الجائزة او رفضها، اتخذت الخيار الثاني لأسباب سياسية واخلاقية.
وها هو مؤلف ملحمة (الأشياء تتداعى) غينوا اتشيبي، يقوم بخطوة استثنائية فيرفض جائزة الجمهورية الإتحادية CFR موضحاً سبب عدم قبوله الجائزة كما ورد في رسالة مفتوحة وجهها إلى الرئيس أوباسانجو في ذلك الوقت حين قال: "إنّ الأوضاع التي تعيشها نيجيريا تحت نظام حكمك أخطر بكثير من أنْ يُسكتَ عنها. وإنني أسجل هنا إحباطي واعتراضي على ذلك برفضيَ أعلى مرتبة شرف يمكن أنْ أحصل عليها".

أما القاص المغربي أحمد بوزفور فقد كانت له سبب مختلف عن كل ذلكن فهو كان قد رفض جائزة أدبية منحتها إياه وزارة الثقافة المغربية حين قال"أخجل من تلقي جائزة عن كتاب طبعت منه ألف نسخة ولم توزع منها سوى500 على شعب من ثلاثين مليون نسمة، لأفصح دليل على الوضعية التي يعرفها الكتاب وأننا لم نصل بعد في المغرب إلى تحقيق "المجتمع القارئ".

 

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by