# # # #
   
 
 
[ 09.03.2011 ]
الإستقالات .. ظاهرة جديدة ـ أمير بابكر عبدالله




إستقال وزير الصحة الاتحادي من منصبه، وجاء في حيثيات الاستقالة بحسب الصحف أنه تقدم بها بسبب ما يدور في الوزارة خلف ظهره. فالرجل وحفظاً لكرامته، بعد العواصف التي هبت داخل وزارته وأدت إلى إقالة وزير الدولة بالصحة ووكيلها بقرار جمهوري لا ناقة له فيه ولا جمل آثر إبتدار ثقافة جديدة على المشهد السياسي الحالي.

وكما جاء في صحيفة الصحافة عدد الخميس الماضي أن وزير الحكم المحلي بولاية نهر النيل، العميد معاش حسن محجوب، دفع باستقالته من منصبه الي حكومة الولاية امس، احتجاجا علي قرار محاسبته من قبل مجلس تشريعي الولاية الذي رفض بيان لجنة الاختيار الذي حوي العديد من التجاوزات في الوظائف بالولاية.
الإستقالة الأكثر رواجاً التي وجدت حظها من الاهتمام والنشر وستجد كذلك التعليق هي (إستقالة) محافظ بنك السودان المركزي د. صابر محمد الحسن بعد ستة عشر عاماً لم يفارق خلالها ذلك الكرسي كما جاء في تقرير لوكالة رويترز للانباء عن بيان أصدره البنك المركزي. ذكر البيان أن محافظ البنك المركزي البالغ من العمر 65 عاماً قرر التنحي بسبب عمره وطبيعة المهام الشاقة التي كان لها تأثيرها على صحته وعائلته، نافياً التقارير التي تحدثت عن خلافات بين الفريق الاقتصادي هو ما ادى لتلك الاستقالة.

نحن امام ثلاث حالات لإستقالات تحت ظروف وبحيثيات مختلفة، لكن في مجملها تمثل ظاهرة ملفتة تستحق التوقف عندها ومن ثم رؤيتها تفصيلا، حسب مجريات الأحداث. فالاستقالة عموماً هي موقف احتجاجي أو إعتراف بفشل وقصور في أداء الواجب أو تأتي نتيجة ضغوط وموازنات سياسية يجبر مقدمها على ذلك مضطراً. الذي يستدعي التوقف هو عدم علمنا بشخص قدم استقالته بإرادته في ظل حكومة المؤتمر الوطني فدائماً ما تكون الإقالة هي الحدث مثلما جرى مؤخراً بخصوص وزير الدولة بالصحة ووكيل الوزارة. هي إذاً شيء نادر في الثقافة السياسية والإدارية في السودان، لعله حدت مرتين أو ثلاث أن تقدم وزراء بإستقالاتهم من مناصبهم.

إستقالة وزير الصحة يمكن تصنيفها ضمن الحركة الاحتجاجية الإيجابية تستدعي النظر في تصحيح الأوضاع القائمة، وهي خطوة مشروعة لها من المبررات المقنعة التي تكسب الرجل إحتراماً لموقفه وشجاعته في رفضه للطريقة التي تدار بها الأمور. لكنها قبل ذلك تكشف عن أزمة ظلت تلازم علاقة الشريكين في حكومة الوحدة الوطنية منذ تكوينها، فقد ظل وزراء الحركة الشعبية في الحكومة منذ المرحلة الأولى للفترة الانتقالية يشكون من التهميش وعدم قدرتهم على التمتع بصلاحياتهم داخل وزاراتهم بسبب تحكم كوادر المؤتمر الوطني في كل وزارة كانت من نصيبهم في تسيير دفتها حسب برنامج المؤتمر الوطني وليس الحكومة. حتى إحتجاجهم الجماعي في ذلك الوقت لم يبلغ حد تقديم استقالاتهم جماعياً أو فردياً، بل إكتفوا بتجميد نشاطهم ولم يكن ذلك على علاقة مباشرة بذلك الوضع بقدرما كان على علاقة بمواقف تفاوضية حول العديد من القضايا الخلافية بين الشريكين.

ما أقدم عليه وزير الصحة المنتسب للحركة الشعبية، وتقديمه لاستقالته للنائب الأول ورئيسه في الحركة، ذا صلة مباشرة بأدائه كوزير ومتعلق برؤيته لإدارة وزارته. لذلك جاءت الإستقالة طبيعية ومتسقة مع ما يجري من أحداث، فتغييب الوزير عما يدور في وزارته أمر يستدعي هذا الموقف بغض النظر عن إنتمائه لأي حزب خاصة إذا لم يكن في مقدوره تصحيح الأوضاع.

أما إستقالة وزير الحكم المحلي بولاية نهر النيل التي دفع بها حكومة الولاية لا يمكن تصنيفها سوى بالحركة الاحتجاجية السلبية من قراءة الخبر. فالسيد الوزير هنا إتخذ ذلك الموقف إحتجاجاً على مساءلته من قبل المجلس التشريعي للولاية، وهو إن كان موقفاً لا يستدعي الاستغراب وتصرفاً لا يستوجب الدهشة لما عهدناه من المسؤولين، لكنه يستحق دائماً الاستنكار. فمبدأ رفض الممسؤولين للمحاسبة من مجلس تشريعي (رغم أن المجلس التشريعي كله مؤتمر وطني، ورأينا في كيفية انتخابه وغيره من المجالس الأخرى)، يعبر عن أزمة حقيقية ظلت تلازم الأداء السياسي وفتحت الباب واسعاً أمام الفساد. كان يمكن فهم الاستقالة إن جاءت بعد محاسبة الوزير على ما جاء في بيان اللجنة، وإقراره بخطأه إن ثبت أن هناك قصور وفشل في اداء وزارته، عندها تستقيم الأمور ويكون مجلسه التشريعي قد كسب إحترامه والوزير قد برأ ذمته أو اعترف بتقصيره وفي ذلك شجاعة كفاية.

لكن لإستقالة محافظ بنك السودان المركزي وجه آخر وتصنيف مختلف، فبيان بنك السودان (حسب رويتر) يقول أن د. صابر قدم إستقالته لرئيس الجمهورية منذ ديسمبر الماضي وأنه سيتنحي بإنتهاء فترة التعاقد معه، وفي موضع آخر تأثيرات العمل الشاق على صحته وأسرته هي السبب. فالرجل قد بلغ سن المعاش بنهاية عقدهن وليست هناك خلافات إستدعت تقديمه لاستقالته. هنا الأمر يبدو غامضاً مما يجعله يحتمل اكثر من تفسير. يمكن قبول ما اورده بيان البنك والإكتفاء بتفسير أن الرجل قد بلغ منه العمر مبلغاً لا يستطيع بعده الأداء بكفاءة لازمة. وبما أن هذا المنصب سيادي ولعدم تعودنا على إستقالة احد في عصر الانقاذ، فربما كانت هناك ضغوط خفية على الرجل آثر بموجبها السلامة والاكتفاء بستة عشر عاماً قضاها في البنك، خاصة في عصر رياح التغيير التي تهب من كل صوب. ويمكن ان يطرأ سؤال هنا، هل يمكن لمن إنتهى عقد عمله أن يتقدم باستقالته مع انتهاء مدة العقد، أم ان الأمر متعلق بطرفي العقد في تجديده من عدمه. فعادة ما يشترط العقد موافقة الطرفين لتمديده أو تجديده او يعتبر مجدداً تلقائياً في حالة لم يعترض أي من الطرفين. كذلك لم تبذل أي محاولات لإثنائه عن استقالته مثلما حدث لوزير الصحة كما اوردت الصحف، مما يجعل الأبواب مشرعة لتساؤلات لا تتطرأ إن كانت الاستقالة سلوكاً اعتياديا متبعاً.
الإستقالة كحالة تسير في إتجاه ان تكون ظاهرة تجعل من المهتمين بعلم الاجتماع البحث في مسبباتها وإخضاعها لشروط الظواهر الاجتماعية، والنظر وراء تحولات جديدة في القيم والسلوكن فربما يأتي زمن تستقيل فيه الوزارة ولا تقال ويستقيل في الوزير أو المسؤول ولا يقال بسبب الفشل والتقصير في الأداء، أو بسبب الرغبة في التصحيح. أم إنها رياح التغيير القادم تلك التي جعلت الثقة في نفوس كثيرة تهتز.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by