# # # #
   
 
 
[ 03.03.2011 ]
مركب الوطني .. أسطول الوطن ـ أمير بابكر عبدالله




يحاول بعض المنتسبين لعضوية المؤتمر الوطني وبعض أجهزته هذه الأيام، الخروج على العباءة التي فصلها فكر وبرامج وسياسات دهاقنته في محاولة (لإنقاذ) ما يمكن (إنقاذه)، وهم يتحسسون مصالحهم ومواقعهم داخل مركبهم الذي لا يسع سواهم في ظل الرياح التي تعصف به من كل ناحية. وهي محاولات وإن بدت إلى العيان خطوة في اتجاه التغيير، لكنه لا تخرج عن كونها محاولات بائسة لأنها تصر على إحداث التغيير وتبديل الجلد فيما الثعبان هو الثعبان لا يتغير. ولأنها (المحاولات) تأتي في إطار المحافظة على المكاسب الشخصية (وتجاوزاً) المصالح الحزبية فهي ستظل بعيدة كل البعد عن الطموحات الجماهيرية الساعية للتغيير الحقيقي، كما إنها مكشوفة الأهداف والمرامي.

إن مركب المؤتمر الوطني كثيرة الثقوب بحيث لا تنفع معها اقتراحات (حمد)، وهي من شدة إهتراء أطرافها لا تحتمل أية عمليات ترقيع. يمكن ملاحظة ذلك بكل سهولة وفي اعقاب كل هبة رياح صغيرة، لعل آخرها ما حدث في شارع الستين بالخرطوم عندما خرجت جماهير المنطقة مستنكرة الحوادث المرورية التي أودت بأرواح العديد من المواطنين، وأشعل شرارتها الحادث الأخير. المعالجات السريعة للمطالب البسيطة والمتمثلة في إشارة مرور ضوئية كان يمكن أن توضع في وقت سابق جاءت الآن وبسرعة مما يكشف الهلع والخوف من أي تحرك جماهيري مهما كان حجمه، وهي معالجة شبيهة باقتراحات (حمد) لأنها لا تتعامل مع جذور المشكلة بل مع ظواهرها. كما تكشفها المحاولات القمعية من قبل السلطات أثناء محاولات الشباب الخروج للشارع تعبيراً عن رأيهم، واعتقال الكثيرين بسبب ذلك، وهذا يناقض تماماً ما صرح به مؤخراً رئيس الجمهورية وريس مركب المؤتمر الوطني بإعلاء قيمة الحريات وتصريحات مساعديه بأنهم لا يخشون النموذج التونسي ولا المصري ولا غيره، وأنهم مطمئنون لأن تسعين في المائة من الشعب السوداني داخل مركبهم.

ولأن المركب بحالتها هذه مخيفة وغير مأمونة العواقب، نطالع هذه الأيام كتابات في بعض الصحف لقيادات في المؤتمر الوطني وكتاب موالين للمشروع الحضاري تدعو للتغيير وأهميته في المرحلة القادمة، ويحاولون أن ينفوا عنها تأثرها بما يجري في المحيط العربي من ثورات ضد الأنظمة الحاكمة. لذلك تجيء كأنها محاولة لإبراء الذمة، ولكنها ليست نابعة عن أصالة ورغبة حقيقية في التغيير. إن تلك الكتابات تشبه حال بعض المسلمين الذين يشهدون أن لا إله الإ الله وأن محمد عبده ورسوله ولكنهم يمارسون كل الموبقات والمحرمات من خمر وميسر وزنا ولكن عندما يقدم لهم طعام يحتوي على لحم خنزير يقولون بصوت عالي "إن هذا حرام"، هي حالة غريبة تعبر عن تناقضات وعن حالة نفسية غير سوية.

ولأن الأشياء لا تتجزأ فإن الرغبة في التغيير يجب أن تكون أصيلة، وهي تبدأ من قيادة هذا المركب المهترئ إلى الشاطئ أولاً، ومن ثم البدء في إحداث معالجات وإصلاحات حقيقية. إن رغبات الجماهير ليست في أن يعلن الرئيس عدم العزم على إعادة ترشحه للرئاسة بعد أربع سنوات ولكن في السؤال هل ستستمر الأوضاع على ما هي عليه خلال هذه الأربع سنوات. والأوضاع هي مصادرة الحريات والتهديد بالقمع والترهيب لأي محاولات للتعبير عن الرأي واستمرار الفساد والمحسوبية وانهيار الاقتصاد وغلاء المعيشة واستفحال الأزمات الوطنية وحالة الاحتقان السياسي المستمرة. إن إعلان الرئيس عن عدم رغبته في الترشح لفترة قادمة يعني رغبته الاستمرار في الحكم في ظل الأوضاع القائمة، وهي الأوضاع التي جعلت من في المركب يتحسسون مواطئ أقدامهم الآن وهم يكتبون ويصرحون في محاولات للترقيع لأنها أوضاع خطأ لا يستحق أن يعيشها شعب السودان وهو عازم على تغييرها.

لا يكفي مركب الوطني الذي تتقاذفه الرياح الآن أن يعلن عن مفوضية لمحاربة الفساد بعد أكثر من عشرين عاماً، بل الشروع فوراً في محاربته وكما يقول العسكر (بيان بالعمل)، فمظاهر الفساد والثراء الحرام كثيرة ويكفي أن يعلن المجلس التشريعي أن يقول بأنه أعلن الحرب على مختلسي المال العام لتبيان حجم ذلك الاختلاس. ولا يكفي التصريح بالرغبة في إطلاق الحريات بل العمل فوراً على ذلك بإلغاء المواد المقيدة لها في كل القوانين والشروع في إشاعة جو سياسي مختلف عن مظاهر القمع والترهيب والتخويف التي لن تجدي في خاتمة المطاف من وقف مسيرة التغيير، ولا تكفي الأقوال التي تستفز العقول والنفوس لبعض المسؤولين بأن الشعب متفهم للزيادات الأخيرة للأسعار لذلك لم يثور عليها وهم يعلمون أن ذلك مجرد خطرفة، بل عليهم إيجدا معالجات علمية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للمشكلات والآزمات الاقتصادية وهذا لن يتأتى لهم في ظل برامجهم وسياساتهم الحالية، ولا يكفي أن القول بإدارة حديث وحوار مع القوى السياسية للمشاركة في حكومة عريضة وفقا لبرنامج المؤتمر الوطني، فإذا كان هذا هو برنامج المؤتمر الوطني لن يشارك فيه أحد. كما لا يكفي الإعلان المستمر عن قرب إنتهاء أزمة دارفور والقضية لا زالت محلك سر لإعتمادها على الحلول العسكرية والأمنية بدلاً عن الحلول السياسية وأصوات الذخيرة والقتل بدلاً عن صوت الحكمة.

إن أسطول الوطن يسع الجميع، وهو وحده القادر على التصدي لقضاياه لأن الجميع يشاركون بقدر في إدارة دفته. إن قضايا الوطن الراهنة تتمثل في السعي لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية المعترفة بالتعدد السياسي عملاً لا قولاً والتنوع الثقافي والديني وهي الدولة التي تضمن حقوق الجميع، وهي لن تتأتى الإ وفقاً لدستور دائم يحكم البلاد ويتراضى عليه الجميع بحيث لا يعزل أحد لحساب آخر ولا ثقافة على حساب أخرى. وكما أشرنا في مقالات سابقة المطلوب الآن هو حكومة قومية انتقالية مهتدية ببرنامج وطني متفق عليه يضع خارطة طريق لمعالجة كافة قضايا الوطن وبمشاركة الجميع، وفقا لفترة زمنية محددة، وهذا الأمر يتطلب حل الحكومة الحالية وحل البرلمان وتكوين جمعية تأسيسية مهمتها وضع الدستور الدائم ومراقبة أداء الحكومة الانتقالية، ثم إجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية أو بناءا على النظام السياسي الذي سيتفق عليه الجميع. دون ذلك يبقى الحديث عن التغيير والإصلاحات هو لمجرد الاستهلاك السياسي ومحاولة للترقيع لكسب عامل الوقت مع أن الكل يعلم أن الوقت ليس في صالح الوطن في ظل الاحتقان الحالي الذي يمكن ان ينفجر في أي لحظة.

أسطول الوطن مثلما هو قادر على التصدي لقضايا الوطن فهو قادر للدفاع عنه والمحافظة عليه بأكثر من مركب المؤتمر الوطني لأن غرقه يعني غرق الجميع، أما غرق مركب الوطني فلا يعني أحداً سوى اولئك الذين يعملون من أجل مصالحهم لأنه لا عبر عن أحد سواهم ولن يغرق بسببه غيرهم، مثلما غرقت مراكب شبيهة خلال الفترة الماضية.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by