# # # #
   
 
 
[ 09.01.2011 ]
أطال الله عمرك سيدي وزير المالية ـ أمير بابكر عبدالله




ما أتمناه هذه الأيام أن يخرج علينا السيد وزير المالية، بعد أن وقف حمار وزارته في العقبة، بتصريح على شاكلة "عودوا إلى العواسة والكسرة" بعد الإرتفاع الفجائي لأسعار دقيق الخبز، وهو تصريح قد أثار وقتها كثير من النقد والسخرية. على عكسه تماماً سيلاقي التصريح الذي اتمناه قبولاً لدى المعارضة والشعب المغلوب على أمره، وهو أن نجهز سروجنا وبردعات دوابنا ولجامها بديلاً للمركبات، وأن نجهز الواسوق والسلوقة ونعيد صناعة السواقي تحضيراً للموسم الزراعي القادم بعد أن أطلق العنان لأسعار المحروقات لتتجاوز الزيادات الأخيرة لها أكثر من ثلاثين في المائة. ويبشرنا العارفون بمزيد من الزيادات في الأيام القادمات بعد أن ترفع الدولة نهائياً يدها عن (دعم) السلع الأساسية. ولك أن تتخيل -عزيزي القارئ- العاصمة القومية وبقية عواصم الولايات وقد ازدحمت شوارعها بالحمير والبغال والخيول رائحة وغادية تتهادى وسط دهشة رجال شرطة المرور وغيظهم عندما يتحسسون شاراتهم البيضاء ودفاتر تحصيل المخالفات، ويكتشفون فجأة أنهم يقفون دون معنى في مداخل الشوارع، ويصحون على حقيقة أن الحكومة قررت الاستغناء عنهم للصالح العام أو للشارع العام.

على عكس شرطة المرور، ستجد شرطة النظام العام عملاً إضافياً. فغير مطاردتها وتربصها بالنساء اللائي يرتدين زياً (فاضحاً)، والكشات التي تقوم بها ضد (ستات العرقي) والبائعين المتجولين في الأسواق المختلفة، سيصبح لها عمل إضافي بمراقبة الحمير والخيول لمنع أي عمل فاضح وخادش للحياء العام في الشوارع. فقد يعن لحمار مستوحد ومقهور من استخدامه طوال النهار أن يراود (أتان) قادلة في طرف الشارع عن نفسها فتستجب له دون حياء ويفعلانها والشمس حية وفي منتصف الطريق وأمام عامة البشر دون أن يخالجهما أدنى شعور بالخجل (حمير حا نعمل ليهم شنو). وكله من أجل الحفاظ على النظام العام ومحاربة الرزيلة.
ولك أن تتخيل، دون أن تصم أذنيك، حجم الضجيج الناتج عن نهيق الحمير وصهيل الخيول وأصوات حوافرها على الأسفلت أو حتى على الشوارع الترابية، بدلاً عن صوت الماكينات ودخان العوادم وإزعاج أبواق السيارات. وغير فوائدها البيئية بعد غياب السيارات الملوثة بالغازات المنبعثة منها، ففضلاتها التي ستنتشر في كل مكان ستجد من يستفيد منها دون شك أصحاب العقول النيرة الذين سينتجون لنا من مخلفاتها البيوغاز الزهيد الثمن المستخدم في الخدمات المنزلية، هذا غير الاستخدامات الصحية في مجال الزراعة لانتاج أغذية خالية من الكيماويات العضوية.

سنرى أصحاب المواقع السيادية والتنفيذية يركبون عربات تجرها خيول عربية أصيلة، أسعارها تفوق أسعار العربات اليابانية، وسينافسون فيما بينهم في تثبيت سلالاتها الأصلية وتنتعش تجارة الخيول ويقنن استيرادها، وربما تقوم مزارع لإنتاجها مستقبلاً ونتفوق في ذلك على كثير من الدول لأننا نتمتع بسهول طبيعية ومراعي على الهواء الطلق ومساحات واسعة وشاسعة يمكنها أن تنطلق فيها دون عوائق. ولا زلت أفكر في كيفية حل معضلة الدراجات النارية التي تتقدم موكب الوزراء في هذه الحالة، فهذه معضلة كبيرة لابد من إيجاد حل لها حتى يستطيع عامة الشعب التفريق بينهم والمواطنين العاديين إثناء مسيرهم في الشارع العام.

ولا يخفى عليك –إيها القارئ الكريم- حجم الفوائد التي سنجنيها من تصريح السيد وزير المالية المتوقع بإستخدام الدواب. وعلى رأس تلك الفوائد لن تكون هناك حوادث مروعة أو غير مروعة تودي بحياة المواطنين أو تحيلهم إلى بقايا حطام يحتاج إلى ترميم في مستشفيات هي نفسها تعاني، وهذا بالتالي يعني التخفيف على المستشفيات التي ستلتفت بعد ذلك للعديد من المراض الأخرى. وليس بعيداً عن أجواء المرض والمستشفيات ستختفي العديد من أمراض العصر التي يسببها اعتياد الناس على استخدام المواصلات في جميع مشاويرهم، وتجاهلهم لأهم الأشياء التي تعتمد عليها صحتهم وهي الرياضة، فستكون تلك رياضة إجبارية للكثير من المواطنين الذين لن يستطيعوا اقتناء حمار أو حصان أو حتى بغل. وهذا بدوره يقلل من احتمالات الإصابة بأمراض ارتفاع ضغط الدم وعموماً من السمنة وما يصاحبها من أمراض. هذا بدوره سيقلل من استيراد مجموعة من الأدوية ما يعني التخفيف على بنك السودان المركزي وتوفير احتياطي نقدي يذهب إلى مشروعات استراتيجية تخطط لها الدولة.

كما أن هذا القرار الذي سيخرج في تصريحات الوزير المتوقعة، سيقلل من استخدام وسائل النقل المتعددة سواء عامة أو خاصة، إذا لم يلغها. وبالتالي سنتجاوز أزمة إنفصال جنوب السودان الذي تسبب فيه البترول، بأن نعفي الخزية العامة من شراء واستيراد المواد البترولية التي تكلف مبالغ طائلة وضحت تأثيراتها حتى قبل إجراء الاستفتاء. ونعلم أن السيد وزير المالية كان قد وعدنا قبل تقديم ميزانيته الجديدة للعام 2011، بأنها لن تتأثر بانفصال الجنوب وذهاب البترول إلى الجنوب في حال الانفصال. ورغم أنه عاد وأنكر وعوده كعادة المسئولين عندنا –وهذه ليست بدعة- وهو يخاطب مجلسه الوطني بأن ميزانيته كان قد وضعها على اعتبار أن الوحدة ستستمر ولن يكون هناك انفصال. قال هذا مع أن كل العالم يعلم أن إحتمال الانفصال هو الأرجح، وكان مطلوباً منه وضع ميزانية عامة قادرة على مواجهة كل التحديات وعلى رأسها فقدان واردات البترول.
ويصاحب تلك الفوائد قفل باب إستيراد السيارات بأنواعها، لعدم الحاجة إليها في هذه الحالة، مما سيوفر على الدولة مبالغ طائلة من النقد الأجنبي كانت تذهب إلى واردات مظهرية وتفاخرية، ويدعم الاحتياطي النقدي للدولة بحيث يقف الاقتصاد على أقدامه. كما أنه سيضطر الدولة الإلتفات إلى المشروعات الزراعية بخطط استراتيجية لحاجة تلك الدواب إلى البرسيم وأبو سبعين والعلف عموماً، مما يعني الإهتمام والدعم للنهضة الزراعية وهي الأصل في بنيتنا الاقتصادية وبذلك يعود الحق إلى أهله وتعود المور إلى نصابها.

وهناك العديد من الإيجابيات على الصعيد الاجتماعي، إذ ستزول تلك الفوارق الكبيرة بين السودانيين، خاصة أن الجميع أما سيكون على ظهر حمار أو حصان أو راجلاً. وستقل بالتالي خصائل سيئة سادت في الفترة الماضية مثل الحقد والحسد بما يجعل المجتمع يتعافى من مثل تلك الظواهر السالبة. كما ستختفي تلك الظواهر الاجتماعية السلبية في المواصلات العامة خاصة التحرش الجنسي بالنساء أو تحرش النساء بالرجال، ويكون الجنسان قد انفصلا تلقائياً دون أن يسببا إزعاجاً للمظهر العام مما سيحقق واحدة من مقاصد المشروع الحضاري الأخلاقية.

من جانب آخر ستنتشر مجموعة من الألعاب الرياضية الجديدة والتي كان بعضها مقتصراً على الطبقات الغنية في السودان وهي رياضة سباق الخيل، سيكون العامة من أبناء الشعب قادرين على ممارسة تلك الرياضة التي ستتعدد أنواعها وطرقها وقوانينها، كما ستنشأ رياضة سبق الحمير ولن تكون مقتصرة على قبيلة دون اخرى وفي ظل هذا اللهو الجماعي لن يستطيع أحد أن يقول "الناس في شنو ......".
أطال الله عمرك سيدي وزير المالية. إستقيل.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by