# # # #
   
 
 
[ 20.12.2010 ]
البشير يتوعد الشعب السوداني من القضارف: أسوأ سنوات الإنقاذ لم تبدأ بعد!؟ ـ إبراهيم الكرسني


الدولة الدينية الفاشية ستقوم حال إنفصال الجنوب، شريعة البشير تعني المزيد من الإذلال والتنكيل وإهدار الكرامة


20/12/2010م

لقد انكشف المستور الآن، واتضحت استراتيجية الحركة الإسلامية لفصل الجنوب والإنفراد بحكم الشمال وفقاً لما تسميه بـ"حكم الشريعة"، والذي كانت تخطط له منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، ولكن بكل هدوء، وبالتدريج. أضحت تلك الإستراتيجية الآن واضحة وضوح الشمس، بل لقد رسم معالمها الرئيسية البشير بنفسه في لقاء حاشد بمدينة القضارف بالأمس. الشريعة المصدر الرئيسي للدستور والقوانين. الإسلام الدين الرسمي للدولة بنص الدستور. اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة بنص الدستور.

تعني هذه الدعوة، وبكل بساطة، وبدون أي فلسفة، أو حذلقة قانوني، قيام دولة دينية في شمال البلاد بعد إنفصال الجنوب. هذا هو الهدف الذي كانت الحركة الإسلامية تسعي له منذ تأسيسها وحتي وقتنا الراهن. لكنها لم تسفر عنه بهذا الوضوح حتي الأمس. كانت دائماً تلتف حوله بشعارات خادعة وفقاً لما تقتضيه كل مرحلة من مراحل توازن القوي السياسية، ووفقاً لما يسمح به ذلك التوازن من مساحة للتحرك صوب تحقيق ذلك الهدف. لكن الخدعة الكبري تمثلت فيما أسمته بـ"المشروع الحضاري"، والذي مهَّدت لتنفيذه بانقلابها المشؤوم في العام 1989، والذي أسمته بـ"ثورة الإنقاذ الوطني"، ووصفت الدولة التي أسستها عليه بـ"دولة التوجُّه الحضاري".

سنقف قليلاً عند توعُّد البشير بتطبيق الشريعة الإسلامية حال إنفصال الجنوب، ونسأله سؤالاً جوهرياً ستتفرَّع عنه العديد من الأسئلة التي يتوجَّب عليه الإجابة عليها. السؤال هو: وفق أية قوانين كنت تحكم البلاد والعباد منذ أن قمت بسرقة السلطة السياسية في الثلاثين من يونيو عام 1989، إن لم تكن قوانين الشريعة الإسلامية؟!  هل كنت تكذب على الشعب السوداني لما يزيد على العقدين من الزمان حينما كنت تعلن على الملأ بأنك لم تسرق السلطة إلا لتطبيق شرع الله؟  وماذا عن ضحايا قوانينك الجائرة التي حوكموا بموجبها طيلة فترة حكمك، وقد كان أشهرها فتاة الفديو التي دافعت، دون أدني حياء، في خطابك الأخير عن ذلك الحكم الظالم بحقها، والمعيب بكل المعايير، بما في ذلك معايير الشريعة الإسلامية التي تدَّعي الحكم باسمها، حينما يتضح لهم بأنك لم تكن تحكم بموجب قوانين الشرعة؟  إن من يستوجب إقامة أحكام الشريعة عليه هو رئيس هذه الدولة الظالمة الفاسدة، ذلك لأنه إرتكب جريمتين تخالفان أحكام الدين مخالفة صريحة وفق تفسيرهم القاصر: الأولي، هي السرقة، فقد قام بسرقة السلطة السياسية من نظام ديمقراطي منتخب وفق إرادة الشعب في انتخابات حرَّة ونزيهة.. أما الجريمة الأخرى فهي جريمة الكذب الصُراح حينما ادَّعى بأنه قد قام بذلك الإنقلاب المشؤوم بإسم القوات المسلحة، ليتضح لاحقاً بأن القوات المسلحة السودانية لا علاقة لها بذلك الجُرم، وإن من قام بتنفيذ تلك الجريمة لم يكن سوى قلة قليلة من عضوية الجبهة الإسلامية القومية!!

دع عنك كل هذا، فقد كان من الواجب محاكمتك وفقاً للدستور الذي كان يحكم البلاد حينها، والذي أدَّيت القسم بموجبه علي حمايته،  وكذلك صون التراب الوطني للبلاد وفقاً لنصوصه. ولكن حنثت عن ذلك اليمين مرَّتين: الأولي عند تنفيذ الإنقلاب والإطاحة بذلك الدستور، والثانية حين لم تحافظ علي ترابنا الوطني عندما وافقت علي فصل الجنوب.. هاتان جريمتان تستوجب أي منهما الإعدام رمياً بالرصاص، لأنها خيانة عظمي، ناهيك عن الجمع بينهما في جريمة واحدة، ووفقاً لأحكام الشريعة التي تدَّعي الحكم بموجبها. يا سبحان الله، تقام الحدود على الضعفاء والمساكين، من أمثال فتاة الفديو، ولا تكون نافذة علي عتاة اللصوص وسارقي قوت الشعب وثروات البلاد من الحكام والمسؤولين!! إنها بالفعل شريعة الغاب، وهي بهذا المعنى يستحيل نسبتها الى أي دين سماوي، ناهيك عن الدين الإسلامي الذي قال رسوله الكريم بأنه لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع يدها!!

إن ما ظلَّ يحكم به البشير وزمرته البلاد والعباد طيلة فترة حكمهم المستبد الفاسد ليس سوى حكم الشريعة الدنيوية، التي يتوعَّدنا الآن، مخادعاً، بتطبيقها حال إنفصال الجنوب. إذا لم يكن ذلك صحيحاً، إذن لماذا يبشِّرنا البشير بتطبيق الشريعة من جديد؟  إن وعد البشير بتطبيق الشريعة في دولته الوليدة في شمال البلاد هي حيلة أخرى من حيل الحركة الإسلامية لترهب بها القادة السياسيين، وبالأخص من يسمون أنفسهم بأهل القبلة، وتبتزهم بغية الوصول الى غايتها الرئيسية، وهي قيام الدولة الدينية كاملة الدسم على ما سيتبقى من البلاد، والتي سيكونون هُم أول ضحاياها!!

يتوعَّد البشير الشعب السوداني بتطبيق نسخة جديدة من الشريعة حال إنفصال الجنوب، و كأن عقدين متواصلين من الإذلال والتنكيل وإهدار الكرامة للمواطن السوداني ليست كافية لإخضاعه تماماً لحكم الذل والهوان. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة أشد قسوة وظلماً حتى يصرف بها أي معارض عن مجرَّد التفكير في مقاومة حكم الإنقاذ. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة حتي يبعد بموجبها أي حركة سياسية معارضة من مسرح العمل العام. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة حتي يهدر بها ما تبقي من كرامة للمواطن السوداني. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة حتي يرسِّخ بها أركان دولة الظلم والقهر والاستبداد والفساد. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة حتي يتمكن هو وبطانته من نهب ما تبقي من مقدَّرات البلاد وسرقة أموال الشعب، دون رقيب أو حسيب. يريد البشير تطبيق نسخة جديدة من حكم الشريعة حتي يتمكن من الجلوس على سُدة الحكم لعقدين آخرين من الزمان، أو أكثر، إن تيسَّر له ذلك.

لقد سئمنا هذا الحديث الفج عن شرع الله ودولة الشريعة وثورة المصاحف وغيرها من لغو الحديث الذي لن ينطلي سوى على الدهماء ومغيَّبي العقول والجهلة من العوام. لكن هذه ليست هي الفئات المستهدفة من حديث البشير.الفئة المقصودة بهذا الحديث هي قيادات العمل العام، ومنظمات المجتمع المدني، وبالأخص قيادات العمل السياسي. ولم يخيِّب خطاب البشير هذا الظن. فقد بادر السيد الصادق المهدي بتأييد حُكم الشريعة، لكنه زعم بأن تكون شريعة العدل والمساواة. إذن لقد إنطلت اللعبة على السيِّد الإمام، أو يكون قد خضع مبكراً لابتزاز وإرهاب تجَّار الدين. ما نود تأكيده للسيد الإمام، ومن ورائه مِمَّن يدعون أنفسهم بأهل القبلة، إن ما كان يطبق في السودان ، ولعقدين كاملين من الزمان، هي أحكام الشريعة الإسلامية. وإن ما ذاقه الشعب السوداني من أمرين قد تمَّ باسم الدين الإسلامي الحنيف. وأن ما تمَّ ارتكابه من أفظع الجرائم في حق الضعفاء والمساكين من بنات وأبناء شعبنا الصابر قد تمَّ باسم الدين الحنيف. وقد اتضح لنا جميعاً بأن الهدف من ارتكاب كل تلك الفظائع لم يكن الدفاع عن مقاصد الدين أو الشريعة، وإنما تمَّ ذلك كله لأهداف دنيوية رخيصة. بمعنى آخر، فقد تمَّ كل ذلك باسم الدين للمتاجرة بأهدافه السامية لخدمة أهداف فئة ضالة فاسدة لا تربطها بأهداف الشعب أو الوطن أدني رابط. وبأنه إن قيَّض لكم الوصول الى كراسي الحكم مرَّة أخرى، وحكمتم البلاد وفقاً لما تعتقدونه حكم الشريعة، لن يكون مخالفاً لتجربة الإنقاذ، سوى في التفاصيل الهامشية فقط.

نقول للسيد الإمام كفاكم إرهابا وابتزازاً باسم الدين الحنيف. إن تأييدكم المبكر لما جاء في خطاب البشير، ومهما عدَّدتم من تحفظات حوله، نعتبره خطأ سياسي فادح سيؤدي الى عواقب وخيمة في حق الشعب والوطن، وبالأخص حينما يأتي من شخص في مثل مقامك الديني وقامتك السياسية، ووزنك الاجتماعي والوطني. إن ما كنا نتوقعه من شخصية في مكانة ووزن و نفوذ السيد الإمام هو قيادة مقاومة شرسة لما ورد في خطاب البشير لأنه، وللأسف الشديد سيكون هو شخصياً أوَّل ضحاياه. إن المقصود من خطاب البشير ليس قيام دولة الدين، بل قيام الدولة الدينية التي تستهدف أول ما تستهدف التصفية الجسدية للخصوم السياسيين. لقد كان هذا تاريخ الدولة الإسلامية منذ الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، الذي أغتيل وهو يؤم المصلين داخل المسجد، أطهر بيوت الله، وسيظل كذلك إلى قيام الساعة. إننا نربأ بالسيد الإمام الإنزلاق في هذا المنحدر الخطر. ليس هذا فحسب، بل إننا لا زلنا نأمل منه قيادة الحملة ضد قيام الدولة الدينية في السودان، التي لن يجني منها شعبنا سوي المزيد من الظلم و الإذلال والتنكيل وإهدار الكرامة، ولن يجني منها الوطن سوى المزيد من التشرذم والتمزق.

لقد جرَّب شعبنا حكم الكهنوت الديني لما يزيد علي العقدين من الزمان، ولم تكن المحصلة النهائية سوى الفقر والجوع والمرض وتمزيق البلاد؟!  لقد جرَّب شعبنا حكم الكهنوت الديني ولم يجني منه سوى الأمرَّين، وهو ليس علي استعداد لتجربته مرة أخرى، ولو ليوم واحد. إن من جرَّب المجرَّب حاقت به الندامة. وسيقاوم شعبنا الصابر الصامد الأبي، بكل ما أوتي من قوة، حكم الكهنوت الديني، وحُكم تجار الدين، وسيُطيحُ به في نهاية المطاف، ويكنسه إلى مزبلة التاريخ، غير مأسوف عليه. هنا يجب تحديد المواقف بالوضوح الكامل. الظرف السياسي والوطني لا يحتمل المواقف الرمادية. الموقف لا يحتمل التردُّد. إما مع قيام الدولة الدينية في الدولة الوليدة في شمال سودان ما بعد التاسع من يناير القادم، أو ضدَّها.. هذه هي اللحظات الفاصلة في تاريخ الشعوب التي تتطلب قيادات بقامتها، تتقدم الصفوف، تضحي بكل مرتخص وغال في سبيل حماية الشعب من جلاديه، والدفاع عن المصالح العليا للشعب والوطن. قيادات لا تعرف التردُّد أو الخضوع لإبتزاز وإرهاب تجَّار الدين.

إن ما صرَّح به البشير بالأمس في مدينة القضارف يعني شيئاً واحداً لا يقبل أي تأويل آخر، لأنه قد صرَّح به بالوضوح الكامل الذي لا يقبل أي تفسير آخر: قيام الدولة الدينية في الدولة الوليدة، المزيد من الإذلال والتنكيل وإهدار كرامة المواطن السوداني، إرهاب وابتزاز الخصوم السياسيين بإسم الدين.. بمعني آخر، أن أسوأ سنوات حكم الإنقاذ لم تبدأ بعد!! وأن العقدين المنصرمين من حكم "التوجُّه الحضاري"، ودولة "المشروع الحضاري"، لم تكن سوى المناظر فقط، وأن الفيلم الحقيقي سيبدأ عرضه بعد مرحلة انتهاء استفتاء الجنوب في يناير القادم، وأن مشهد فتاة الفيديو يمكن اعتباره بغرض التسلية ليس إلا، وإن ما هو قادم يمكن أن يصل درجة من السوء تفوق سوء الظن العريض. إن تصريحات البشير تقف دليلاً  آخر على أن أسلوب الحكم القادم في البلاد سيجعل من حكم طالبان في أفغانستان مثالاً يُحتذي في العدل والمساواة وإكرام المرأة واحترام حقوق الإنسان، من منظور حكم الشريعة!!
20/12/2010



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by