# # # #
   
 
 
[ 01.11.2010 ]
الانفصال.. من المسئول؟ ـ أمير بابكر عبدالله




يدور كثير من اللغط والجدل ومحاولات التنصل من مسئولية مستقبل السودان وإلقاء اللوم من أطراف عديدة على بعضها البعض، في محاولة تفريق دم السودان على القبائل من جهة وحصرها بتحميل أطراف نيفاشا تلك المسئولية من جهة أخرى. وتبقى الحقيقة غائبة، كتلك التي ظل يبحث عنها د. فرج فودة إلى أن تم اغتياله بواسطة سلطة الظلاميين، هو ضياع الوطن برصاصة سيسجلها التاريخ ضد مجهول مثلما إعتدنا تسجيل تاريخنا، فإذا كانت لنا القدرة على تزييف الواقع فما بالك بالتاريخ.

المضحك المبكي في تلك المحاولات (التنصل من المسئولية) هو الصراع بين الأطراف المتعددة حول من الذي كان له قصب السبق في منح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم ليصوتوا على الوحدة أو الإنفصال، متجاهلين بذلك كثير من الحقائق التاريخية والمواثيق الدولية. وهذه واحدة من خصالنا السيئة أن لا ننظر للخلف قليلاً عندما نندفع بقوة إلى الأمام في سبيل تحقيق نقاط كسب، وأي كسب هو؟ وفوق ذلك متجاهلين حقيقة أن هذا الحق يحتمل الخيارين، من أراد ان يرجح كفة أحدهما هناك استحقاقات عليه دفعها.

المؤتمر الوطني، أو بدقة أكثر الحركة الإسلامية ليست في موضع لوم هنا بالنسبة لي، فهي ومؤتمرها الوطني ما كانت حريصة في يوم على الوحدة، بل سعت عبر تاريخها القصير في السودان إلى تعزيز عوامل الانفصال ونجحت في مسعاها بدرجة ممتاز حتى إذا لم يقع وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح خيار الوحدة، مهما بدا من مسوح الوحدة التي تتمسح بها. لذلك فمحاولات بعض قياداتها الهروب للأمام بتحميل القوى الأخرى (وزر) منح الجنوب حق تقرير مصيره، تبدو كواحدة من (استهبالات) الحركة الإسلامية وضحكها على دقنها قبل دقون الآخرين. ولا أجد ما أقوله حول موقفهم إلا ما قال به الراحل د. فرج فودة في حقيقته الغائبة " أن الإسلام أعز من أن يهينوه بتصور المصادمة مع العصر، وأن الوطن أعز من أن يهدموا وحدته بدعاوى التعصب، وأن المستقبل يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الرصاص، والأهم من ذلك كله أن يدركوا حقيقة غائبة عنهم . وهي أنهم ليسوا وحدهم .. جماعة المسلمين." فهم إذاً أول المسئولين عن الإنفصال عن رغبة وعبر منهج مدروس قائم على الإقصاء والاستعلاء وتكريس الرأي الواحد، وهي من هذه الزاوية زرعته لوحدها وحصدته لوحدها وستأكله لوحدها.

الحركة الشعبية (لتحرير السودان) التي تقف على الطرف النقيض من المؤتمر الوطني تحاول أن ترمي بوزر الإنفصال عليه وحده، متجاهلة بأنها تحمل في داخلها جملة متناقضات جعلت رؤيتها ضبابية، وخطواتها مرتبكة، فمرة يجرفها التيار نحو ضفة الانفصال وأخرى تجاه ضفة الوحدة. من جملة المتناقضات داخلها هو الحرب التي دارت بين أطرافها بدعوى الوحدة ضد الإنفصاليين، وسالت فيها ما سالت من دماء، لكن يبدو أن إنفصاليي الجنوب (لعبوها بمهارة فائقة) مع إنفصاليي الشمال، فاضطر التيار الوحدوي (الجنوبي) في الحركة الشعبية للرضوخ، والإنجراف مع تيار الانفصال. ما ارتكبته الحركة الشعبية كمؤسسة سياسية بضبابية موقفها تجاه الوحدة والانفصال، لا يدانيه وضوح الرؤية لدى الحركة الإسلامية فهو على الأقل موقف واضح بعمله من أجل الإنفصال، فالوقوف ضده أو معه يقوم على حيثيات مبدئية. لكن إرتباك خطوات الحركة الشعبية أحدث إرتباكاً في مجمل خطوات الوحدويين شمالاً وجنوباً، وبالتالي تتحمل نصيباً وافراً من مسئولية تبني مواطنو الجنوب لخيار الانفصال.

الآخرون الذين يشكون مر الشكوى من خروجهم ضد دائرة الفعل الإيجابي، بسبب التفكير الإقصائي لدى الشريكين، يجيء نصيبهم من المسئولية أكبر وذلك لعدة أسباب:

أولاً جميعهم طلاب وحدة بغض النظر عن رؤيتهم لتلك الوحدة، ولكنهم لم يعملوا بالهمة الكافية لتحقيق هدفهم. ولن أعود للتاريخ البعيد نسبياً والسياسات الخاطئة التي انتهجها بعض أولئك الآخرين وتداعياتها على الموقف الراهن، بل تكفي العودة قليلاً للوراء للنظر في نضالها ضد نظام الإنقاذ الذي شوهته الأجندة الحزبية والسعي وراء طموحات عمقت من أزمة العمل المعارض بدلاً من دعمه وتعزيز قدراته. الحزبان (الكبيران) الأمة والاتحادي أكبر الشركاء في مسئولية الانفصال، فخروج حزب الأمة عن التجمع الوطني الديمقراطي في عز فتوته مثل ضربة في جسد الإجماع لا يزال حزب الأمة يبحث عنه بشتى الصيغ دون جدوى. أما مولانا السيد الميرغني فيكفي موقفه الأخير وإنكاره التوقيع على حق تقرير المصير لجنوب السودان (كما أوردت بعض الصحف)، ولا أستغرب هذا الموقف من مولانا بغض النظر عن صحة أو عدم صحة ذلك الخبر.

موقف الحزبين (الكبيرين) والتنافس على سباق الكراسي، حتى وإن كانت كراسي معارضة، يقودني إلى ثانياً حيث أضاع الصراع داخل أروقة المعارضة وحاولات الاستقطاب الحادة داخله فرصة تعزيز مواقف الوحدويين داخل الحركة الشعبية بل وأتاحا لها الفرصة للبحث عن مصالحها بعيداً عن التجمع، بإضاعتهما لفرصة الفعل الموحد القوي المؤثر من أجل إستعادة الحريات والديمقراطية، وإتاحتهما للحزب الحاكم الفرصة لضرب وشق الصف المعارض وذلك مشهد يجعل الانفصاليين في الجنوب يؤكدون على صحة مواقفهم، بل هز ثقة العديد من القوى السياسية (شرقاً وغرباً) في التجمع الوطني كمنبر يمكن من خلاله تحقيق مكاسب لقضاياهم فتفرقوا إيدي مبادرات ومنابر عديدة.

ثالثاً مسئولية الأحزاب (الكبيرة) أكبر من الآخرين لإدعائها (وهو حق) إنتشاراً قاعدياً لم تستطع تفعيله لدعم رؤاها وبرامجها الداعية لوحدة السودان، وعجزت عن استنفاره ساعة الشدة والحاجة.
أما الكتلة الخامسة، وهي كتلة القوى الجديدة أو الحديثة أو سمها ما شئت وتضم قوى الوسط والجنوب والشرق والغرب والشمال، فتتحمل القسط الأوفر من المسئولية. فهي مع تشرزمها وتشتتها تدعي دواخل كل منها دوراً قيادياً وريادياً زائفاً حال كثيراً دون تحقيق الرؤى المنادية بوحدتها، وهي نفخة زائفة لأنها تمتلك برنامجاً يكاد يكون ـ إن لم يكن ـ موحداً ويأتي في طليعة أهدافها وحدة السودان برؤى جديدة وبرامج طموحة تتطلع إليها قطاعات عريضة من جماهير الشعب السوداني، كل لك في الوقت الذي فشلت فيها محاولاتها (على الأقل حتى الآن) في الوحدة بأي صيغة كانت، وفي هذا تتحمل الحركة الشعبية جزءاً من المسئولية أيضاً.

أضاعت تلك الكتلة فرصة أن تكون موحدة وبالتالي أن يكون فعلها مؤثراً، وما تزال أمامها فرصة أخرى للعب دور في المستقبل القريب يؤهلها لقيادة عجلة التغيير والتجديد إن هي استوعبت الدرس، وهذا موضوع مقالات أخرى تستهدف هذا الأمر.

إن محاولات التنصل من المسئولية وتفريقها بين القبائل لن يجدي لا القبائل ولا الوطن، فلنتحمل مسئوليتنا تجاه أخطاء كان يمكن تداركها. وكان يمكن التضييق على الإنفصاليين شمالاً وجنوباً (ليس تضييقاً في إتاحة الفرصة للتعبير عن رؤاهم، بل تضييقاً بزيادة رقعة رؤى الوحدة ومساحات إيجابياتها)، وذلك بالعمل الدءوب والمواقف الوطنية الأصيلة التي تقدم الوطن على ما عداه.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by