# # # #
   
 
 
[ 28.10.2010 ]
"أقفلوها" يرحمكم الله ـ أمير بابكر عبدالله




واحدة من الملاحظات على أيام الحملة الانتخابية للأحزاب السياسية، كما يقول رجل الشارع المستهدف بالحملة، هو تشابه البرامج الانتخابية لكل –أو لنقل جل- تلك الأحزاب. فإن إختفت أسماء الأحزاب عن ديباجات تلك البرامج لا يستطيع المرء التمييز للتصويت فالطعم واحد والرائحة كذلك. مرد ذلك إلى عدم بلوغنا بعد مرحلة دولة الرعاية، فالدولة لا توفر الخدمات الأساسية لجمهور المواطنين من تعليم وصحة طوال فترة حكم الإنقاذ، ناهيك عن التفكير في برامج متمايزة لا تتوفر إلا في الدول التي بلغت مرحلة دولة الرفاهية حيث تتنافس القوى السياسية وتظهر الفوارق بينها فكرياً وبرامجياً فيما تطرحه ومن يتكلس منها أو يقف عند محطاته الابتدائية لا يستطيع هناك أن (يأكل من سنامه) فنتيجة ذلك الخسران المبين.

التراجع الكبير من قبل الدولة عن تبني سياسات الرعاية ورفع يدها عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطن، وتركه نهباً لسياسات التحرير الاقتصادي دون بصيرة برامجية داعمة لرفع القدرات الإنتاجية بالضرورة سيقود إلى المآلات التي يعيش تحت وطأتها حولي 90% من المواطنين. ويقود إلى تردي قطاعات الخدمات من تعليم وصحة وغيرها بصورة أساسية.

ما أعلنه السيد مدير (إدارة الجودة والاعتماد) بوزراة الصحة الاتحادية وترشيحه لغالبية المؤسسات الصحية في السودان للإغلاق حال إخضاعها لمقاييس الجودة، أمر يثير القلق، بل يدعوني لتبني نظرية المؤامرة عطفاً على مقالي السابق (تجارة في الموتى). ويدعوني للتساؤل عن العلاقة بين ما أعلنه ذلك المدير وبين تجارة (الأكفان) التي توجد إعلاناتها التجارية على مواقع رئيسية واستراتيجية في نواحي العاصمة.

أن يكون هناك 415 معياراً لقياس جودة المستشفيات –حسب ما جاء في صحيفة الأحداث على لسان المسؤول- فهذا شيء جيد للغاية، ويبين للعامة مدى العلمية والمنهجية التي تقوم عليها إدارة الجودة والإعتماد بوزارة الصحة، لكن أن لا تطبق هذه المعايير خوفاً من إغلاق المستشفيات فهذا يستدعي إغلاق هذه الإدارة وبالشمع الأحمر وتسريح مديرها لأنها مسئوليته المباشرة. فحسب التصريح هو لم يؤد عمله ويأخذ أجره، ولم يخضع تلك المستشفيات حتى الآن لتلك المعايير التي وضعتها وزارته، هذا من جانب. وترك لنا مشارط وملاقط المستشفيات تعمل فينا عملها دون رقيب أو حسيب، والمرضى يدفعون من حر مالهم معينات العلاج من تحاليل ودواء وشاش وقطن وغيرها من الجانب الآخر.

حسناً فعلت حمعية حماية المستهلك وهي تكشف لنا حجم الخلل في مختلف مناحي الخدمات، ونموجها الماثل هو إستنطاقها لمسؤول الجودة في وزارة الصحة. الخلل الكبير في النظام الصحي لم يكتشفه السيد المسؤول بين عشية وضحاها، والقصور في الأداء يعبر عن قصور في السياسات لازمت وزارته طويلاً، حتى باتت مؤسساتها مثار تندر وسط المواطنين. وقصور السياسات لا يتعلق بالوزارة إنما هو كلي يشمل نظرة القائمين على أمر الدولة في كيفية إدارتها وبسطهم لسياسات الجباية بدلاً من الرعاية.

لكن أمر الصحة مختلف. فحين يمر المواطن بكل تجارب المؤسسات الخدمية، من ماء ملوث وطعام ملوث وبيئة ملوثة، يضطر للجوء إلى المؤسسات الصحية طلباً للنجاة ليكتشف فداحة الأمر بأن المستشفيات لا تطبق معايير الجودة. هذا في رأيه يعني شيئاً واحداً إنه يمضي إلى حتفه بنفسه حين يلجأ إليها طلباً للتعافي. الا يعني ذلك تواطؤ وزارة الصحة مع التجارة في الموتى؟

هذا يقودنا إلى مهام (إدارة الجودة والاعتماد)، ولعلي لا أخمن إن قلت إن أول مهامها هي مراجعة إلتزام المستشفيات بتلك المعايير التي وضعتها الإدارة ومن ثم إتخاذ الإجراءات اللازمة في حق غير الملتزمين بتلك المعايير والضوابط حتى ولو إستدعى لك إغلاقها. فمؤسسات صحية مهمتها الأساسية هي رعاية المرضى صحياً، ولكي تؤدي لك عليها الإلتزام بضوابط محددة، فإن لم تلتزم (أقفلوها يرحمكم الله).

هذا الأمر لا ينطبق على المستشفيات الحكومية في العاصمة بل يستشري بصورة أكبر في الأقاليم البعيدة عن رقابة الإدارة الاتحادية. لكن الأدهى أن ينطبق ذلك على المستشفيات والمستوصفات الخاصة، فإن كانت إدارة الجودة لا تخضع المستشفيات الحكومية فهي بالضرورة لا تهتم كثيراً بمتابعة ما يجري في المستشفيات الخاصة، فهي قد صارت مثل المدارس الخاصة في عددها مما يعني أنها مربحة جداً (الغريب في الإثنين عدم وجود تعريفة ثابتة أو محددة للعلاج أو تلقي التعليم، فالسوق حر تماماً عندما يتعلق الأمر بالحصول على المال من المواطن ولكن لا أهتمام بجودة ما يتلقاه من علاج وتعليم). لن أستغرب بعد الآن إذا أخبرني أحدهم أنه كان يتلقى العلاج في إحدى المستوصفات الخاصة، وأنه يعد أوراقه للسفر للخارج بعد فشله في تلقى العلاج المناسب. ولن أستغرب بعد الآن إذا أضرب الأطباء فبيئة العمل لا تتوفر لهم لأداء واجباتهم تجاه المرضى وفي النهاية يتحملون وحدهم وزر خطأ الوزارة لأنها تخشى من إغلاق المستشفيات مصدر تمويلها في ظل الميزانية السنوية التي لا تفي بالجزء اليسير من احتياجاتها.

الروشتة النظرية التي لا يختلف إثنان تتمثل في التالي:

أ.  أن تعطى الميزانيات المالية المخصصة للخدمات الطبية الأسبقية الأعلى في الموازنات العامة.

ب.  وضع خطة قومية شاملة تهدف لوقف التدهور في الخدمات الطبية والصحية والاعتناء بصحة البيئة، وتوفيرالرعاية الصحية الأولية والاسعافية والأدوية المنقذة للحياة مجاناً ودون أي رسوم لكل المواطنين.

جـ.  تطوير المرافق الطبية والصحية، ورفع مستوى الأداء فيها ونشر الوعي الصحي بين المواطنين.

د.  تطوير كفاءة الكوادر الطبية، ورفع مستوى التأهيل عبر خطط تتماشى مع الإحتياج الفعلي للخدمات الصحية.
هـ.  وضع خطة مشتركة بين وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي لتركيز الكليات الطبية، ودمج التي لا تتوفر لها القدرات.

و.  إعادة النظر في مشروع «توطين العلاج» والتحقيق بشفافية في الجوانب السالبة التي صاحبت هذا المشروع، والقرار على المضي قدماً في تنفيذه بعد توفير كل الضمانات لنجاحه بصورة علمية تراعي المتطلبات الفعلية.

ز.  الإشراف الكامل لـ  «وزارة الصحة» على سوق الدواء وتشديد القوانين التي تحد من وصول الأدوية المغشوشة للمواطنين الأسعار العشوائية التي تفرضها الصيدليات على المواطن المغلوب على أمره.

حـ.  العمل على توفير المياه الصحية للشرب في المدن والأقاليم، وتطوير معامل رقابة المياه، ووقف استخدام أي مواد كيميائية ضارة في تنقية المياه، على أن تتخذ كل الضوابط لمنع تلوث مياه الشرب، والتوسع في شبكات الصرف الصحي المركزية حفاظاً على سلامة المياه الجوفية.

ط.  تأهيل مكاتب الصحة العامة وصحة البيئة في المعتمديات الحضرية والريفية، وتوفير احتياجاتها ورفع كفاءة العاملين فيها ومعداتها وآليات عملها.

إذا ما عندكم قدرة على تطبيق هذه الوصفة، وما عندكم قدرة لتطبيق المعايير التي وضعتموها (أقفلوها وريحونا).



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by