# # # #
   
 
 
[ 18.10.2010 ]
إنفصاليو الحركة الشعبية .. حركة ذكية - أمير بابكر عبدالله




يقول القائد العسكري مونتغمري "قبل أن تعلن الحرب عليك بالعمل على تماسك الجبهة الداخلية"، وما يجري في السودان الآن هو دعوة أخطر من إعلان الحرب تتعلق بمصير وطن. لذلك كانت خطوة ذكية نفذتها قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الجنوب بالدعوة لمؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي في هذا التوقيت، بغض النظر عن ما سيسفر عنه هذا المؤتمر. وهو التوقيت الذي يسبق إجراء أخطر استحقاق متعلق بمصير الجنوب مما يتطلب الحشد اللازم والدعم المطلوب لإجراء الإستفتاء على حق تقرير المصير. وغير ذكاء التوقيت الذي قصد منه الحشد الجنوبي حول رؤى الحركة الشعبية، يتمثل ذكاء التوقيت إيضاً في إستباقه لإنعقاد اجتماعات مجلس التحرير القومي (اعلى هيئة قيادية للحركة الشعبية) والذي يضم غير الجنوب ممثلي قطاع الشمال والنيل الأزرق وجبال النوبة، ويتجلى ذلك الذكاء في تقديم الدعوة للقيادات الجنوبية في الأحزاب (الشمالية) كما جاء في الأخبار.

نجحت الحركة الشعبية في التقدم خطوة للأمام، على عكس شريكها (الشمالي) المؤتمر الوطني الذي لا يمكن القول بأنه فشل في حشد القوى السياسية لأن برنامجه أصلاً لا يستوعب الآخرين، لذلك الصحيح هو القول بإستمراره في منهجه الإقصائي الذي يجعله وحده يتحمل مسئولية ما يجري وسيجري في السودان في مقبل الأيام. ومثل شريكها (الشمالي) حاولت الحركة الشعبية إستخدام نفس مناهجه الإقصائية في الفترات السابقة، وهو ما مارسته فعلاً في حق العديد من القوى السياسية (الجنوبية)، ولكن جاءت اللحظة الفارقة الآن التي لا تحتمل التلاعب بوسائل تكتيكية نتائجها غير محسوبة.

المؤتمر أو الحوار الجنوبي الجنوبي ظل مطلباً ملحاً منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل، بهدف الوصول لصيغة سياسية قادرة على تجاوز الإحتقانات الأمنية والقبلية وحتى السياسية التي صاحبت الفترة الانتقالية إلى حين انعقاد هذا المؤتمر، وبالتالي قادرة على قطع الطريق أمام إستغلال حالة الضعف والتوترات المصاحبة لفترة ما بعد وقف الحرب. لكن الحركة الشعبية فشلت في السابق في عقده لأنها كانت تريده على طريقة المؤتمر الوطني، أن يكون شكلياً إن لم يكن إستيعابياً.

ما الذي استجد إذاً للإسراع بعقد هذا الملتقى أو المؤتمر؟ بالتأكيد المنعطف التاريخي الذي تمر به البلاد وسيمر به الجنوب يمثل سبباً كافياً لتجاوز كل الرؤى والتصورات الإقصائية، ويستدعي التعامل معه بعيداً عن عقلية المساومات السياسية أو تجار الشنطة. لكن هل تكفي هذه القراءة المتفائلة التي تفترض أن الحركة الشعبية تجاوزت عقلية الوصاية، ولديها رغبة حقيقية لحشد الشارع الجنوبي حول رؤاها (التي يفترض أنها تستصحب تطلعات الجنوبيين) كما يتمظهر ذلك في الدعوة للمؤتمر؟ وما هي تلك الرؤى التي تسعى الحركة لكسب الشارع الجنوبي، بمختلف قواه السياسية والاجتماعية، لصفها؟

الموقفان، قيد البحث الآن، هما ما ستسفر عنه نتيجة الاستفتاء (الوحدة والانفصال)، وهو الصراع الدائر الآن في الشارع الجنوبي باعتبار أن مواطني الجنوب هم من يحق لهم المشاركة في التصويت لصالح إحدى الخيارين. ما هو أكيد أن الحركة الشعبية لم تصرح علنياً حول أي الخيارين ستتبنى، ولكن عملياً تقدم دعاة الانفصال خطوات أكثر للأمام من دعاة الوحدة، (ونرجو أن نكون ما زلنا بعيدين من الوصول إلى اللفة الأخيرة)، فالسيد رئيس الحركة الشعبية وبعض قياداتها حسموا أمر النتيجة من خلال تصريحاتهم بتصويت غالبية الجنوبيين لصالح الإنفصال، بل وشرعت الهيئة التشريعية لجنوب السودان (ومعظم النواب من الحركة الشعبية) في تكوين اللجان للتبشير بالانفصال واشطت بعضهم بضرورة إعلان الاستقلال من البرلمان (إن تعذر قيام الاستفتاء).

هذا التقدم (لصالح دعاة الانفصال) تدعمه الآن الدعوة لمؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي في هذا التوقيت. فالطبيعي أن تحدد الحركة الشعبية مواقفها وخياراتها بصورة واضحة وجلية لتدخل بها ردهات وقاعات المؤتمر لتبشر بها وسط الحشد الجنوبي. فإذا ذهبنا في طريق حسن النية فإن المكتب السياسي للحركة قد اتخذ موقفاً وحدد خياره من الوحدة والانفصال، ولكننا اعتدنا أن تعلن عن ذلك وهو ما لم يحدث، فبالتالي سيقودنا ذلك إلى التفكير بسوء نية عن إستباق إنعقاد مؤتمر الحوار الجنوبي لإنعقاد إجتماعات مجلس التحرير القومي الهيئة التنظيمية الأعلى للحركة. وهي الهيئة المناط بها إتخاذ القرارات المصيرية، وهي اجتماعات إنتظرها أعضاؤها كثيراً ودار حولها كثير من اللغط والجدل بسبب تأخير انعقادها.

المتوقع من خلال منظر مجلس التحرير القومي وتكوينه، أن يحتدم الجدل حول الخيارين، فالمجلس مكون من ولايات الجنوب المختلفة إضافة لجنوب كردفان والنيل الأزرق مضافاً إليها ثلث عضويته من قطاع الشمال. في ظل هذا الوضع سيفكر الإنفصاليون ألف مرة قبل إنعقاد إجتماعاته لحسم الأمر. -أول ملاحظاتي أثناء زيارة الفريق سلفا كير للولايات المتحدة مؤخراً وفي خطابه أمام المؤتمر الأربعين لنواب الكونغرس السود، عدم تعرضه لسيرة النيل الأزرق وجنوب كردفان بقدر تركيزه على استفتاء جنوب السودان ومنطقة أبيي. وهو مؤشر لتقدم الإنفصاليين عدة خطوات.

ستلقي مخرجات مؤتمر الحوار الجنوبي بكل ثقلها على مداولات إجتماعات مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية، ولن تستطيع تجاوزها بأي حال من الأحوال وإلا ستضرب مصداقية الحركة الشعبية في مقتل، إن هي خالفتها وجاءت متباينة، إلا إذا كانت الحركة قادرة على التلاعب بالقوى الجنوبية بحيث لا تنتظر أن يجف مداد تلك المخرجات لتعلن موقفاً مخالفاً لها. لذلك المتوقع أن تخرج إجتماعات محلس التحرير بعموميات لا تقدم ولا تؤخر في الحالة الراهنة، ولن تخرج من التأكيد على إجراء الاستفتاء في مواعيده والإلتزام بتنفيذ إتفاقية السلام كاملة وسترجأ كل القضايا الداخلية لما بعد الإستفتاء وتناقش في الفترة قبل يوليو 2011، هذا إذا جرى الاستفتاء في مواعيده المعلنة. ليس هناك مخرج أمام قطاع الشمال وممثلي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلا إذا تطابق ما سيخرج به مؤتمر الحوار الجنوبي مع أحلام وتطلعات وآمال الداعمين لوحدة السودان، وهو ما لم يكن في الحسبان أثناء التحركات الأخيرة لقيادات الحركة في قطاع الشمال من أجل تغليب خيار الوحدة.

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by