# # # #
   
 
 
[ 29.08.2010 ]
قسمة التاريخ ـ أمير بابكر عبدالله




إستطاع الشريكان في نيفاشا قسمة كل شيء، إقتسما السلطة لكل واحد منهما نصيبه منها، واقتسما الثروة ولكل منهما نصيبه فيها. وظلا يختلفان ويتفقان، يتشاكسان ويتصارعان فيما اقتسماه وحدهما دون بقية الشعب السوداني. فقط نسيا التاريخ، وربما لأنه ملك للشعب السوداني وملك لذاكرته لم يستطيعا اقتسامه. لذلك أرادا أن يطمساه دون وعي منهما، فالمؤتمر الوطني يريدها وحدة على هواه وبشروطه لا بشروط التاريخ والحركة الشعبية تريده إنفصالاً يلغي تاريخ السودان من ذاكرة الجنوب ويهيء لإلغاء جزء كبير من تاريخ السودان في الشمال في ظل حكم المؤتمر الوطني الحالي الذي ظل تسعى (لإعادة صياغة الإنسان السوداني) وفقاً لمشروعه.

"هناك موقف ما زال عالقا في ذهني في اميركا، ففي كل سنة كان يسمح للضباط الأجانب في المدارس الأميركية بزيارة واشنطن لمدة اسبوع. وقبل الذهاب تجمعنا في قاعة كبيرة وتم تقسيمنا الى مجموعات، وكل مجموعة تتبع قارة معينة، وكنا أكثر من 5 آلاف ضابط، وكان التحرك بالحافلات يتم بنظام القارات، فجاء دور اميركا اللاتينية ثم الشرق الاوسط ثم أفريقيا، وبقيت أنا وزميل سوداني آخر لم نذهب مع أي مجموعة حتى جاء المسؤول، الذي قال لنا إنتو مع مين.. مع الأفارقة؟ فقلنا له: نحن سودانيون، ثم لحقنا بالمجموعات. وبعد ذلك صار الافارقة مجموعة، والسودانيون مجموعة اخرى." هذا ما قاله الدكتور جون قرنق وهو يتذكر أيام دراسته للحصول على درجة الدكتوراة في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا الموقف الذي ظل عالقاً في ذهن الراحل قرنق طوال حياته، هو الجوهر الذي إرتكزت عليه رؤيته للوحدة القائمة على عنصرين أساسيين حددهما في رؤيته للسودان الجديد، وهما التنوع التاريخي والتنوع المعاصر. التنوع المعاصر ماثل أمامنا، وهو قطعاً مرتبط بالتنوع التاريخي إرتباط السوار بالمعصم. وإذا كانت قراءة التنوع التاريخي تنزع بالوجدان السوداني نحو الوحدة، فإن موقف د. جون قرنق ذاك يثير تساؤلات عديدة حول الضبابية الكثيفة التي تكتنف موقفنا من التنوع المعاصر. لعل أول التساؤلات الجوهرية هو، لماذا كانت دائماً وسائلنا للتعامل معه بإعمال مشارط الصراع بدلاً من أدوات الحوار التي تسهم في تطويره إيجاباً بحيث يبدو الإطار الجامع لمشهدنا اكثر ثراءاً وغنىً؟

لست هنا بصدد بحث إجابة لهذا السؤال فكثير هو المداد الي دلق بحثاً ورأياً عبر العديد من الأطروحات النظرية الفكرية والسياسية، لكن ما طرأ على ذهني سؤال أكثر خطورة –في اعتقادي- وأنا أراجع رؤية الراحل د. جون قرنق للوحدة القائمة على هذين العنصرين. فهو يقول: "لا بدَّ من الرجوع الى الماضى حتى ندرك الحاضر ونمهد الطريق الى المستقبل. فقد ازدهرت حضارات كوش، ومصر الفرعونيَّة، والممالك القروسطيَّة منذ آلاف السنين قبل الميلاد. ومن ثمَّ، ومع بدايَّة الحقبة المسيحيَّة، قامت فى السودان حضارات قويَّة تمثلت فى ممالك النوبة المسيحيَّة والتى دامت لأكثر من سبعمائة عام. وتبع ذلك، ومع ظهور الإسلام وتدفق المهاجرين من شبه الجزيرة العربيَّة، إقامة ممالك إسلاميَّة قويَّة. وبعدها جاء الحكم التركي-المصرى، ثم المهديَّة، ثم الحكم الثنائي الإنجليزي-المصري الى أن نال السودان لاستقلاله فى 1956. هذا هو ما أطلق عليه التنوع التاريخى، وهو جزء منا.

فالناس الذين ورَّد ذكرهم فى الكتاب المقدس، والذين غزوا يهوذا بجيش مكون من مليون فرد، من ناحيَّة أحفادهم، حاضرون بينكم هنا، فإلى أين تعتقدون أنهم قد ذهبوا؟ فالأرض لم تنشق لتبلعهم بل هم موجودون فى السودان. كذلك هؤلاء الذين أقاموا الممالك النوبيَّة المسيحيَّة، والذين أسسوا الممالك الإسلاميَّة أيضاً، موجودون فى السودان. هذا جميعه ما زال حتى وقتنا الراهن، يشكلنا ويكون جزءاً من هُويتنا. يجب أن نكون فخورين بتاريخنا ويجب أن ننقله لأولادنا، كما يجب تضمينه فى المناهج التعليميَّة وتدريسه للطلاب لكي ندرك ثقافتنا وثراء ماضينا."

السؤال الذي قفز إلى ذهني هذه الأيام وقد سار بنا التنوع المعاصر، الذي لم نحسن إدارته، إلى مفترق طرق وكلها وعرة إذا لم نحسن –هذه المرة- تمييزها، هل سيرمي الجنوبيون بكل هذا التنوع، أو كما قال د. جون: هو "جميعه ما زال حتى وقتنا الراهن، يشكلنا ويكون جزءاً من هُويتنا."، إلى مذبلة التاريخ وينفصلون عن تاريخ ساهموا بشكل أساسي في تشكله؟ ومن أين سيبدأ تاريخ الجنوب بعد الإنفصال، هل سيكون منذ النضال المشترك الطويل الأمد الذي خاضه الشعب السوداني والجنوب جزء منه؟ أم سيبدأ من حيث إنتهى تاريخ الإستعمار البريطاني وحرب 1955 –وهو تاريخ بدء الحرب بين الشمال والجنوب- والتي تراوحت الدعوات فيها من الرغبة في الإنفصال عند البعض إلى الحصول على الحقوق الكاملة في إطار الدولة الموحدة؟
يقول د. قيصر موسى الزين، الأستاذ في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية في بحثه (مسألة الهوية في السودان: الظاهرة والمنظور) المنشور في دورية التنوير (9): "هناك اعتقاد سائد بين الدارسين يرى أن أصول السودان الحالي، كبلد موحد، تعود إلى غزو الأتراك المتمصرين له عام 1821م. وهذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أن السودان متمثلا ً في البجة والنوبة وما سمي ببلاد الزغاوة في الغرب والمجموعات التي وصفت بالبدائية جنوب أرض النوبة، كان يعتبر بلداً موحداً أو عالماً قائماً بذاته في نظر الآخرين من فراعنة وإغريق ورومان وعرب وغيرهم. كذلك فإن شعور هذه الأقوام بالرابطة بينهم وإختلاف بلادهم عن غيرها وتوحد مشاعرهم باتجاه التضامن كلما دخل غزو أطراف أرضهم، كان من الظواهر الواضحة التي يمكن أن تعتبر دلائل الوحدة الوجدانية ذات المدلول الواقعي. هذا رغم النزاعات والحروب التي تقع بينهم ورغم قصور الوحدة السياسية – الإدارية، التي لم تكن تستطيع جمع أجزاء هذه البلاد تحت سطوة دولة واحدة – حتى في حالة الدول القوية مثل مملكة نبتة ( 750 ق.م – 350ق.م) أو مروي والممالك النوبية المسيحية والسلطنات الإسلامية – منذ القرن السادس الميلادي حتى التاسع عشر."

أظنني أميل كثيراً إلى هذا الرأي، وهو لا يذهب بعيداً عن رأي الراحل د. جون قرنق، بل يعضد رؤيته. ولعل د. جون يتململ في قبره وهو يرى المشروع الحضاري يعاود الصعود مرة أخرى ليحقق أحد أهم أهدافه بإنفصال الجنوب، ورغم دعاوي قادته الوحدوية إلا أنه لا يرغب في دفع إستحقاقاتها المتمثلة في دولة مدنية ديمقراطية قادرة على إستيعاب التعدد والتنوع وفي بسط الحريات والشروع الفعلي في التحول الديمقراطي عبر تحولات دستورية وقانونية وهي الحزمة التي ستنهزم أمامها أسباب الإنفصال وتتحلحل مشكلات دارفور وغيرها، كما وأنه يتحسر إلى ما آل إليه مصير الحركة الشعبية ونزوعها القوي نحو الإنفصال، بعد كل النضال الذي خاضته وهو على رأسها من أجل الوحدة التي حدد قاعدتها.

إن ما يهزم دعاوي الإنفصال هو هذا التاريخ الذي تراكم عبر أزمنة سحيقة وساهم في كتابته كل اجزاء السودان. فإما أن يبقى السودان موحداً يستلهم كل تنوعه التاريخي ويسخر تنوعه المعاصر لإغناء وإثراء عوامل وعناصر الوحدة، وإستمرار النضال من أجل الحفاظ على هذا التاريخ بتحقيق دولة التراضي المدنية الديمقراطية، أو ينفصل الجنوب ليبحث عن تاريخ جديد تستلهمه أجياله القادمة لبناء الدولة الحلم، ويبقى الشمال رهين تطلعات أصحاب المشروع الحضاري في إعادة كتابة تاريخ السودان وحينها تاريخ الشمال. إنه التاريخ إن استطعتما اقتسامه فمرحباً بالانفصال.

كسل رمضاني
كتبت الأستاذة زهراء مختار في صحيفة الرائد يوم الجمعة 17 رمضان عن "رمضان في غينيا" متناولة وجبة رمضانية غينية. أشارت الكاتبة إلى موقع غينيا الجغرافي في غرب أفريقيا وحددت حدودها من كل النواحي حتى إطلالتها على المحيط الأطلسي. وأوردت العديد من المعلومات عن السكان، لكنها أصرت على أن عاصمة غينيا هي نيروبي بل وربطت بين المظاهر الجميلة وغينيا ومنتجع نيفاشا "الذي شهد حدثاً هاماً في مسيرة عملية السلام في السودان" كما ذكرت. واستطلعت رأي طالبة غينية للتعرف أكثر على عادات المسلمين في غينيا وعاداتهم في رمضان. واتضح أيضاً أن مدينتها تقع قرب منتجع نيفاشا الشهير. تحسست ذاكرة معلوماتي فوجدت أن هناك ثلاث دول في أفريقيا تحمل إسم غينيا وهي غينيا نفسها وعاصمتها كوناكري، وغينيا بيساو وعاصمتها بيساو وغينيا الإستوائية وعاصمتها  مالابو ثم هناك غينيا الجديدة على جنوب غرب المحيط الهادي وهي ثاني أكبر جزيرة في العالم وتقع فيها دولة (بابوا غينيا الجديدة) وعاصمتها بورت مورسبي. إن لم تشر الكاتبة إلى الموقع الجغرافي لغينيا ولعدد من المعالم التي لا تحتمل الشك بينها وبين كينيا، لقلت إن هناك خطأ مطبعي فهي ربما تقصد كينيا التي عاصمتها نيروبي. لكن ما حيرني أكثر هو الطالبة الغينية التي مدينتها تقع قرب منتجع نيفاشا.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by