# # # #
   
 
 
[ 04.07.2010 ]
عمي الله يرحمك ـ غادة عبد العزيز خالد




كنت قد نشرت المقال ادناه في صيف عام 2008، حينما علمت بمرض عمي كمال واسميته (عمي الله يسلمك). وكنت قد طلبت من القراء الدعاء لعمي بعاجل الشفاء، فلقد كانت، ولا زالت، له في قلبي مكانة خاصة. إلا أن عمي الحبيب قد خسر معركته مع المرض في يوم الأربعاء 30 يونيو، 2010، واليوم أجدني أتضرع إلى القراء بالدعاء له بالرحمة والمغفرة.
تأتي مهاتفات الأهل من السودان لنا في الغربة في بداياتها قلقة. هل الإتصال من أجل الشوق والتحية أم تحمل المكالمة في ثناياتها أخبارا سيئة؟ ويكون الترقب ومحاولة إستخلاص نبرة صوت المتحدث من أهم أولويات الثواني الأولى ولا نطلق أنفاسنا إلا بعد التأكد أن هدف المحادثة هو مجرد السلام والتحية.

ولكن لم تكن مكالمة السودان الأخيرة للمسامرة، فلقد كانت تحمل أنباء بمرض عمي. وبدأت تنساب ذكرياتي معه. فقد كنت أجلس في أول يوم بآخر عيد أقضيه بالسودان أرقب أبناء عمومتي بعد عودتهم من صلاة العيد وهم يتفاخرون بالعيدية التي نفحها لهم الأهل. كنت أنظر لهم صامته فحتى ذلك الوقت لم أنل إلا عيدية تتضاءل بجانب المبالغ التي يتحدثون عنها. وبدأ أحد أبناء الأعمام في إغاظتي وكنت أنا حزينة وعيوني تترقرق بالدموع، وحاولت جاهدة أن أتماسك وألا أبكي حتى لا أمنحه فرصة لإغاظتي أكثر. ومر في تلك اللحظات عمي الدكتور كمال خالد وشاهد إبن عمي يغيظني وأنا ناكسة رأسي، فجلس بجانبي ووضع يده حولي كتفي وهو يسأل عما حدث. ثم سألني « إنتي عندك كم؟» ورددت «جنيهان» فرفع رأسه نحو ابن عمي وسأله «انت عندك كم؟» وكان الرد «عشرون جنيها» فما كان من عمي كمال إلا وأن أخرج من جيبه أموالا ونفحني ما يفوقها وهو يقول بصوت عال «علشان تاني مافي زول يجي يغيظك، هاذي هي عندها عيدية أكثر منكم جميعا».

وكما عزني عمي كمال ورفع قدري أمام أهلي في صغري فقد عزني أيضا في كبري. فقد سافر خصيصا لحضور عقد قراني بالقاهرة ورفض أن يسافر منها حينما علم أنني سأكون بها بعد أيام معدودة. وكان عمي كمال في استقبالي بالمطار مع أهل زوجي ولم يرتض أن يفارق القاهرة حتى أغادرها تاركا عمله وأسرته خلفه ويقول لي «أنا أصلو ما بسافر إلا انتي تسافري.» ولم أشعر بقيمة ما قدمه لي عمي إلا بعد سنوات فقد كان أسرتي الوحيدة بالقاهرة، وحينما أذكر موقفه ذاك معي أشعر بعرفان كبير له فقد كان عزوتي الأصيلة الثابتة في الأرض فروعها وأصلها في السماء. ولازلت أغيظ زوجي أحيانا وأقول «كنتم تظنون أنكم حتستفردوا بي، لكن عمي كمال كان لكم بالمرصاد.» ولا يزال عمي كمال محل تقدير معز وأسرته يعزهم ويعزونه ويحترمهم ويحترمونه.

وهاتفت زوج عمي كمال وهي ترعاه بالمستشفى، وقصصت عليها تقديري لمواقف عمل كمال معي في طفولتي وشبابي. فردت عليّ أن ليس بغريب فكثير من طلبته قد زرن المستشفى وبعضهن غالبتهن الدموع. ثم أردفت «أرسل إليّ أمس من داخل العناية المركزة يطلب مني الذهاب إلى حفل زواج قريبة لنا لكي نكون بجوارها» وتساءلت ، حسه منو المحتاج لينا أكثر؟. لكن هذا هو حال عمي الحبيب همه الآخرين حتى وهو لا يقدر على حمل ألمه..

أستحلفكم بالله أن ترفعوا الأيدي للدعاء بالرحمة والمغفرة لعمي الدكتور كمال خالد العمدة فهو حقيقة رجل قد ضنَّ الزمان أن يجود بمثله!



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by