# # # #
   
 
 
[ 19.04.2010 ]
حكومة كومي وخم الولد ـ أمير بابكر عبدالله




مثلما سينجلي غبار بركان جزيرة آيسلاندا عن سماء الدول الأوربية ليسمح لحركة الطيران بمعاودة رحلاتها الإعتيادية بين مطاراتها في غضون الأيام المقبلة، بدأ غبار معركة الإنتخابات المضروبة في السودان ينجلي أيضاً، ولكن هل ستعود رحلات الحركة السياسية وهامش الحريات (الإنتخابية) بعد إنقضاء أجلها إلى سابق عهدها؟ خاصة وأن الدكتور نافع علي نافع ربما يكون قد إنتهى من حفر قبور الأحزاب السياسية رغم إنه لم يخبرنا عن المقابر التي سيتم فيها مراسم الدفن، وإن كان يفضل أحمد شرفي على مقابر البكري أم سيتم الدفن في مقابر حمد النيل بدلاً عن فاروق. ربما سيكون الدكتور عملياً ويدفن كل حزب حسب قربه من تلك المقابر دون ضجة كبرى.

بدأ غبار الإنتخابات ينجلي وها هي ملامح الأشياء تبدو في الوضوح شيئاً فشيئاً، لعل أبرزها ما أثرته في مقال لي في أغسطس من العام الماضي عن الحركة الشعبية والإستفتاء إذ قلت "إن البعض يذهب، وفي إطار قراءته لمواقف الحركة الشعبية منذ توقيع اتفاق السلام (بل وما قبل توقيعه) التي ظلت متأرجحة بين مصالحها مع شريكها في الحكم وضرورة المحافظة على مكاسبها، وبين رؤاها التي تبذلها من خلال خطابها السياسي الداعي لتحقيق التحول الديمقراطي وإعادة بناء الدولة السودانية بما يجعلها قادرة على استيعاب التعدد والتنوع، يذهب ذلك البعض إلى أن الحركة الشعبية تعمل على خوض الانتخابات المقبلة من وراء ظهر القوى السياسية."
وها هي قوى جوبا، ودون إعداد كافي، يقاطع بعضها الإنتخابات في مستويات مختلفة بينما يشارك البعض في مستويات مختلفة أيضاً، بينما المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أعدا نفسيهما جيداً لخوضها بحيث يتحقق ما ذهبت إليه في ذلك المقال المذكور. فالإنتخابات في ملامحها الأولية تكشف عن ذات السيناريو القاضي بحصر الإنتخابات بين المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب، وأن يعاد استنساخ نيفاشا بالمحافظة على نسب تقترب من نسبها في توزيع السلطة إن لم تزد قليلاً لصالح الحركة الشعبية (لزوم إغراءات) ولمصلحة الشراكة.

ورغم أن ذلك السيناريو تمت فيه بعض التعديلات، ولكنها ليست جوهرية، فترشيح وسحب الأستاذ ياسر عرمان من رئاسة الجمهورية لا يمثل سوى بعض التعديلات الشكلية في السيناريو ولكنه لا يغير في النتائج النهائية والتي أشرت إليها أيضاً في مقال "الحركة الشعبية لماذا؟" في يناير الماضي إذ كتبت " المرجح عندي أن الحركة الشعبية باختيارها للأستاذ ياسر عرمان قصدت أن يفوز رئيس المؤتمر الوطني عمر البشير في انتخابات الرئاسة (حدث ذلك فعلاً بسحب ياسر عرمان من سباق الرئاسة) ليأتي نائباً له رئيس حكومة الجنوب حسب السيناريو المتوقع، ويبقى ( يا دار ما دخلك شر) وتكون نيفاشا بصورة متجددة هي السائدة. خاصة وقد رشحت معلومات عن مساومات جرت بين الشريكين لزيادة حصة الحركة في مقاعد البرلمان (وهو ما قد حدث فعلاً).

وذهب ذلك المقال إلى الإجابة على سؤال، لكن ماذا تكسب الحركة الشعبية من فوز البشير بانتخابات رئاسة الجمهورية؟ أإذا أزلنا الغبار قليلاً عن اللوحة الماثلة أمامنا، نجد موقف الرئيس البشير الذي سيجيء للسلطة حاملاً معه كل إرث النظام الذي ترأسه طوال عشرين عاماً، والموقف الإقليمي والدولي المأزوم الذي أدخل فيه البلاد. فالمجتمع الدولي مسنوداً بالدعم الإقليمي لا يزال يرفع عصا الحصار الاقتصادي على السودان، ولا تزال عصا المحكمة الجنائية مرفوعة على رأس السلطة في بلادنا، فالانتخابات لن تجب ما قبلها إن فاز البشير في انتخابات الرئاسة، فسيظل النظام الحاكم يعاني وطأة علاقاته السيئة مع العالم والمحيط.

قبل أن تعلن نتائج الانتخابات (المضروبة) إستبق قادة المؤتمر الوطني الواقع المستنسخ الذي ستفرزه في حركة دؤوبة بين دور بعض الأحزاب، وهم يمارسون لعبة الكوتشينة (كومي) أو (خم الولد) تحت دعاوى إشراك القوى السياسية في الحكومة المقبلة وضمها تحت جناحيها. وواضح جداً أنها بدأت تليين مواقف بعض الأحزاب في وقت مسبق، وهو ما طفحت به عناوين الصحف البارزة من صفقات مليارية هنا وهناك، ونسب وزارية ووعود أخرى. هذا الحراك المستند على واقع ما سيجرى وجرى فعلاً من انتخابات (مضروبة)، يتجاهل أمور عديدة ويقفز عليها متعمداً.

اولها أن الدعوة لحكومة قومية أو إئتلافية لطالما نادت به القوى السياسية قبل إجراء الانتخابات لضمان توفير أجواء صحية لإجرائها، وهو مالم يحدث وعارضه المؤتمر الوطني بشدة في إطار إعداده السيء للمسرحية الإنتخابية. فالحكومة القومية ذات البرنامج الواضح هي الأقدر على التعامل مع كثير من القضايا والمطلوبات لإنجاح مجمل عملية الإنتقال الحرج من الشمولية إلى رحاب التحول الديمقراطي. لذلك تجيء الدعوة لها الآن حقاً أريد به باطل، الحق فيها أنها دعوة مطلوبة وضرورية للمرحلة المقبلة، أما الباطل فيها فهو الدعوة لها في ظل ذات الشروط والمناخ التي أعادت إستنساخ النظام السابق. والباطل الاكثر سطوعاً هو ذلك الإرث الضخم من الأوزار التي تثقل كاهل المؤتمر الوطني ويريد أن يخفف على نفسه بعض الشيء ويفرق دمه بين قبائل الأحزاب، ولعل أبرزها مشكلة دارفور ونزوع الدولة الواحدة نحو الإنفصال في الإستفتاء المقبل لجنوب السودان.

ثانياً قبل الحديث عن حكومة تضم بقية الأحزاب لابد أن يتعامل المؤتمر الوطني بجدية مع متطلبات المرحلة المقبلة، وأن يعمل عكس مقولة فلاديمير إليتش لينين "خطوة للأمام خطوتان للخلف" بأن يخطو خطوتين للأمام قبل أن يفكر في أن يخطو خطوة واحدة للخلف. ففي ظل ما أفرزته مناورات ومقايضات ومساومات المرحلة السابقة من الفترة الانتقالية من وضع سياسي وقوانين أجازها برلمان الأمر الواقع، مطلوب من الرئيس القادم تجميد كل القوانين المقيدة للحريات والتي أبدت القوى السياسية إعتراضها عليها في حينها. وهي قوانين لا زالت سارية ستظل السلطة تحملها سيفاً مسلطاً على القوى السياسية في كل المنعطفات ما لم يتم تجميدها ومن ثم إلغائها. فدهاقنة المؤتمر الوطني لن يتغير سلوكهم ومنهجهم الشمولي بين عشية انتخابات وضحاها.

الأمر الثالث هو وضع برنامج واضح المعالم لتصفية دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن، وذلك باعتماد تشريعات فورية تعيد حيدة مؤسسات الدولة وقوميتها باعتبارها مؤسسات تخدم الوطن والمواطن وليست من أجل خدمة حزب بعينه كما جرت العادة. بدون ذلك سيظل حزب المؤتمر الوطني قابضاً على مفاصل الدولة وتجييرها لمصالحه مثلما ظل يفعل طوال عقدين من الزمان. وكذلك تصفية كل المليشيات الحزبية الموازية للمؤسسات النظامية والتي خلقت لتحمي حزب السلطة وبطش معارضيه.

وأمر آخر لابد منه من اجل تنقية الأجواء وهو الإقرار وإعمال مبدأ الحقيقة والمصالحة لبلوغ غايات العدالة والسلام، فما خلفته العشرين عاماً الماضية من جراحات وشروخات يتطلب وعياً كافياً بأهمية ذلك، فالإستقرار رهين بتحقيق العدالة. هذا غير أمور أخرى كثيرة ستعزز من الفعالية السياسية للمرحلة المقبلة.

إن أي حديث عن حكومة قومية يتجاوز هذه الحقائق سيظل ضرباً من لعبة (خم الولد) أو (كومي) حيث لا فعالية للشايب في هذه ولا للبنت والشايب في تلك، حيث سيكون التمثيل فيها ديكورياً لا يقدم ولا يؤخر، وطالما أن كل السلطات في يد الرئيس حسب الدستور فإنه قادر على حلها وقت يشاء وكيف يشاء.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



حكومة كومي وخم الولد ـ أمير بابكر عبدالله

الله يخليك جئت بالمفيد شكرا
I.M.S.


هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by