# # # #
   
 
 
[ 19.04.2010 ]
عروة.. لم نكن مغفلين حينما شاركنا ـ ماهر ابوجوخ




لم أندهش كثيراً حينما اطلعت على عمود رئيس التحرير الأستاذ محجوب عروة في عدد الأمس بعنوان (شيء مؤسف جداً) حيث تطرق بالنقد لنتائج الانتخابات العامة التي أجريت في الأسبوع الماضي.

مسلك إيجابي أن يقوم الأستاذ عروة في مقاله المذكور بتقديم الاعتذار للأحزاب السياسية التي قررت مقاطعة الانتخابات بسبب انتقاده لها. وياليت إخوانه بالأمس من الإسلاميين الحاكمين اليوم لو اتبعوا ذات منهجه بالاعتذار عن ما اقترفوه خلال أكثر من عقدين من الزمان من حكمهم وما أورثوه للشعب السوداني من معاناة وفقر وإذلال. وأبت الأيام إلا أن تثبت أن جرابهم ممتلىء وحافل بالعديد من المواقف والمشاهد منذ المشهد الأول (بأن اذهب للقصر رئيساً واذهب للسجن حبيساً) حتى وصلنا لمرحلة الانتخابات التي يفوز فيها حزب واحد بكل المقاعد في ما عدا خمسة ويكتسح القوائم الحزبية والنسوية في مشهد لم يسبقهم عليه سوى نموذج صدام حسين الذي نال في استفتاء شعبي نسبة 100%.

لكن النقطة التي استوقفتني في عمود الأستاذ عروة المذكور هو وصفه للمشاركين في الانتخابات بأنهم كانوا (مغفلين نافعين) حينما حاولوا إعطاء الانتخابات قدراً من الاحترام والصدقية ونكهة خاصة وطعماً جديداً ليحظوا باحترام العالم إلا أنهم خذلوا.

إن الأحزاب السياسية التي قررت المشاركة في الانتخابات والتي تتمثل في أحزاب الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي والتحالف الوطني السوداني والمؤتمر السوداني – وأنا هنا أعبر عن موقف حزب التحالف الوطني السوداني- لم تنظر لها بنفس منظار الأستاذ عروة، وإنما تعاملت معها وهي تستصحب التجاوزات والخروقات التي تمت منذ بداية المرحلة الأولى للانتخابات والمتمثلة في التعداد السكاني ونتائجه والذي صمم وفصل لمصلحة حزب واحد سرب بطريقة أو أخرى تقديراته لنتائج التعداد بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنظيمه وتحديداً في يوليو 2008م وفقاً لما نشر في صحيفة (الصحافة) والتي تطابقت بشكل أو آخر في العديد من أجزائها مع النتائج النهائية للتعداد. لكن يبقي الدليل الأوضح على عدم دقة التعداد وصحته هو اعتراف المؤتمر الوطني بذلك واتفاقه مع الحركة الشعبية على زيادة مقاعد الجنوب وأبيي وتأجيل الانتخابات في ولاية جنوب كردفان وبذلك تراجع عن موقفه بأن التعداد (مسألة فنية)، وبناءً على أرقام هذا التعداد تم توزيع الدوائر وترسميها والتي خدمت الحزب الحاكم دون سواه.

ثم تواصلت التجاوزات والخروقات في فترة التسجيل، ولسنا بحاجة للتذكير بأهمية هذه المرحلة وارتباطها بالانتخابات حتى قيل وقتها (إن الحج عرفة والانتخابات تسجيل)، والتي شهدت بدورها العديد من الخروقات أبرزها تسجيل منسوبي القوات النظامية في محل عملهم ووقتها ثبت أن المفوضية أكثر من يعرف القانون ويخرقه في ذات الوقت. ثم تواصلت الانتهاكات خلال فترة الحملة الانتخابية للمرشحين التي استغل فيها النظام كل إمكانات الدولة لصالحه حتى بات من الصعوبة بمكان الفصل بين الحزب والدولة تحت سمع وبصر المفوضية مع استمرار القوانين المقيدة للحريات واستمرار حالة الطوارئ بدارفور.

كل تلك المعطيات أفضت لخلق بيئة غير صحية لإقامة الانتخابات العامة، وبالتالي أدت لتمحور مواقف القوى السياسية بين (المقاطعة) بعد ثبوت الخروقات والتزوير لحرمان النظام من التمتع بأي شرعية يمكن أن ينالها بالمشاركة ضده في الانتخابات، و(المشاركة) هي، موقف استند على نقطة أساسية وهي أن التزوير لا يمكن إثباته قبل خوض غمار العملية الانتخابية. أما الدافع الأساسي فهو المراهنة على الحركة الجماهيرية، وقدرتها على انتزاع حقوقها ومشاركتها الفاعلة بجعل الانتخابات وسيلة لتراكم النضال السلمي بجعل تلك الانتخابات وسيلة لانتفاضة شعبية انتخابية ومنازلة مكشوفة بين الشموليين والشعب السوداني، وسيكون النظام أمام أحد خيارين لا ثالث لهما أما ترك الجماهير تنقض عليه وتهزمه انتخابياً أو يرتعد النظام ويلجأ لتزوير الانتخابات فيجد نفسه عارياً أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.

الأستاذ عروة يعلم وشاهد بأم عينه في دائرته التي خاض الانتخابات فيها كيف كان التجاوب الجماهيري من المواطنين الذين أرادوا التغيير واندفاعهم للاقتراع لهزيمة الشموليين. ويعلم بحكم الحال ما أظهرته نتائج الانتخابات في خاتمة المطاف – رغماً عن تأجيلها لوقت لاحق والتي من المؤكد أنها لن تكون بأحسن حال في نتائجها من سابقتها إلا إذا قرر النظام أن يجعلها مجرد مسحوق تجميل لوجه انتخاباته التي باتت مضحكة في كل أنحاء المعمورة - وهنا يطرح السؤال الأساسي لماذا يضطر النظام لتزوير الانتخابات بشكل تجعله يفوز بما يقارب نسبة الـ 100% في كل شمال السودان؟

الإجابة على هذا السؤال بسيطة وسهلة وهي أن الجماهير وتدافعها في الاقتراع أرعبت النظام، وبالتالي أثبت صحة المراهنة على الجماهير وقدرتها على جعل الانتخابات انتفاضة انتخابية الأمر الذي جعل النظام يصاب بالهلع والرعب ويقع في أخطاء قاتلة فضحت مخططه حينما حاز على المقاعد الحزبية والنسوية التي سنت بقانون الانتخابات لضمان تمثيل أكبر قدر من القوى السياسية حسب ثقلها، وهو ما يجعل نتائج الانتخابات غير منطقية على الإطلاق.

فمشاركة تلك القوى السياسية هي التي دفعت النظام لتزوير الانتخابات وبالتالي جعلته بلا شرعية بدلاً من جعلها وسيلة يجابه بها الأوضاع الداخلية والخارجية. ويسعي الآن عقلاء النظام لمحاولة تدارك الأمر بالحديث عن حكومة قومية والطواف على الأحزاب السياسية لتهدئة الأمور لكنها تبقى عاجزة في خاتمة المطاف عن إخفاء سوءات الانتخابات التي اقترفتها أيديهم.

قد يكون الأستاذ عروة قد شارك في الانتخابات بحسن نية مع إخوان الأمس، ولكن الآخرين الذين خاضوها كانوا يعلمون أن الذين انقلبوا على الشرعية في الثلاثين من يونيو قبل عشرين عاماً وأصحاب التجارب الثرة في تزوير انتخابات اتحادات الطلاب بالمدارس الثانوية، والجامعات، والنقابات سيمضون في ذات الدرب حتى تتراكم تجاربهم وتبلغ مداها بتزويرهم للانتخابات العامة بلا أدنى حياء وهذا ما أثبتته الأيام الماضية حينما أقصوا كل منافسيهم ولم يمنحوهم حتى الفتات.

لم نكن (مغفلين أو نافعين) حينما خضنا غمار معركة الانتخابات وإنما رأينا مشهد اليوم ماثلاً وحاضراً، ولو قاطعنا لما كان الحديث جهراً اليوم عما حدث ولاستفرد النظام بالمستقلين كما حدث في انتخابات 1996م – التي يعلم الأستاذ وقائعها جيداً حينما ترشح فيها عن دائرة بحري - وانتخابات 2000م واللتان دفنت تجاوزاتهما وأهيل عليها التراب لأن القوى السياسية تركت الملعب للنظام. أما انتخابات 2010م فلم يكن هناك خيار لمقاطعتها باعتبارها حق منصوص عليه في اتفاق السلام الشامل وبمراقبة دولية ولذلك فإن المشاركة فيها تمثل استمراراً للنضال من أجل الحرية والتجديد بفرضيتين هزيمة الجماهير للنظام أو هزيمته لنفسه بلجوئه للتزوير وفي الحالتين هو الخاسر.. وبناء على تلك المعطيات أتوقع أن يسعفنا الأستاذ عروة بعمود آخر يعتذر فيه للقوى السياسية التي شاركت في الانتخابات باعتبارها خاضتها برؤية وفلسفة ولم تكن وقتها مجرد (مغفلين نافعين) ..!!

 * نشر بصحيفة (السوداني) بتاريخ 19 ابريل 2010م
 

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by