# # # #
   
 
 
[ 22.03.2010 ]
الشاب نافع ـ أمير بابكر عبدالله




عبد القادر يا بو علم ضاق الحال عليا
داوي حالي يا بو علم سيدي رءوف عليا

في غمرة إنتشاء صوفي يقف ملك مطربي موسيقى الراي الجزائري الشاب خالد وسط مسرح كبير محلقاً بمستمعيه ومشاهديه في عوالم وفضاءات وجدانية محتشدة بالتاريخ وإرث الإسلام الشعبي المنتشر في المغرب العربي، وهو يتغنى بتلك الأبيات وغيرها من الأغنيات. ولأن الإسلاميين المتشددين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب أرسلوا تهديدات بالقتل لبعض مغني موسيقى الراي المهتمين بطرح قضايا حديثة ومنفتحة إجتماعياً. جاء ذلك بعد إنتزاع إعتراف رسمي بأن موسيقى الراي تندرج تحت أنماط الموسيقى الوطنية عقب نجاح العديد من المهرجانات التي نظمها مغنو الراي في الجزائر في ثمانينيات القرن الماضي. إضطر الشاب خالد على إثر تلك التهديدات مغادرة وطنه والتوجه نحو فرنسا لينطلق منها إلى رحاب العالم.

أما شيخنا المرحوم عبدالرحيم البرعي فيقفز بنا إلى مناطق روحانية سامقة كعادته متصوفاً ومطوفاً بنا في عوالم النقاء والروح المتصالحة مع طبيعتها الخيرة حين يصدح:

بوريك طبك
أحسن في من عاداك ومن يحبك
أذكر إلهك يوم

بعيداً عن كل تلك التجليات الروحانية النورانية، ضحكت حتى كدت انقلب على قفاي وأنا أقرأ في الصحف تصريحاً لـ (الشاب) د. نافع على نافع المسئول الحزبي الرفيع المستوى في المؤتمر الوطني، يتساءل فيه عن هل معنى الحكومة القومية أن يدخل فيها (عواجيز الأحزاب)؟ آخر ما تفتقت عنه عبقرية اللغة التي يستخدمها في مواجهة خصومه التي سأستعرض بعضها. وما أضحكني هو تزامن قراءتي لذلك التصريح مع مشاهدتي لبرنامج إخباري في الفضائية السودانية أطلت منها صورة (الشاب) نافع مباشرة. ولأني لم أتساءل عن عمره قبل ذلك رغم إطلالته وأركان حزبه بمناسبة أو بدون مناسبة على شاشات الفضائية السودانية، لذلك وأنا أقرأ ذلك التصريح جال بخاطري فوراً المثل السوداني العتيق "الجمل ما بشوف عوجة رقبتو". كم يا ترى يبلغ عمر الدكتور نافع؟ أو لا يوجد شباب في حزب المؤتمر الوطني وهو ما يعيبه قادته على الأحزاب الأخرى، وكأن الزمن توقف عند محطة يونيو 1989 ولم يتجاوزه بعد.

بعمر الحكم ومنذ إنقلاب 1989 بلغ الدكتور وحزبه واحد وعشرين عاماً، في النظم الديمقراطية يمكن لحزب ما أن يحكم ما شاء له الله طالما إحتكم في إختياره لرغبات الشعب وصناديق الإقتراع، لكن لا يمكن أن يستمر ذات الطاقم وذات الرئيس كل هذه الفترة الزمنية، فالأحزاب دوماً تحتاج لتجديد دمائها الفكرية والبرامجية والبشرية، فطبيعة الأشياء وقوانينها تحتم ذلك، وبالتالي تتجدد السلطة نفسها، بإنتظام.

أما الدكتور وحزبه وفي إطار خوضه للإنتخابات التي أرغمته الضغوط والتسويات على خوضها (مجبر أخاك لا بطل)، يبدو مرتبكاً من سير العملية الإنتخابية على علاتها، وكأنه يعض بنان الندم على الإنتصار الجزئي الذي حققه نضال الشعب وأتاح ذلك (النفاج) لتمارس الأحزاب حقها في الوصول لجماهيرها. وهو (نفاج) سيؤثر حتى على كرسيه وديناصورات حزبه. لذلك تجيء ردود أفعاله، لذلك النشاط الواضح والمؤثر، موتورة تعبر عنها لغة التصريحات التي تكشف عن الضيق بالديمقراطية.

رغم أنه الحزب الوحيد الذي نعم بالسلطة وبالحركة، وصال وجال في ميدان إحتله بقوة السلاح وحده، وحرم بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية من التطور الطبيعي الذي لا يحدث إلا في مناخ حر وديمقراطي، مما أثر على نموها وعلى ممارسة العملية الديمقراطية داخلها  طوال تلك الفترة، وأقعد بعضها عن إعداد الكادر اللازم وعطل داخل بعضها تطور التيارات الشابة بفكرها ورؤاها التي ستهزم موروث السلوك والممارسة الحزبية الغير ديمقراطية في الظروف الطبيعية مع مرور الوقت، رغم كل ذلك ظهر جلياً في إطار الحراك الإنتخابي مدى تكلس حزب المؤتمر الوطني وعواجيزه، ومدى هشاشته عندما دخلت العملية الانتخابية (اللحم الحي) في مرحلة الترشيحات على كل المستويات. ورأينا فرمانات الفصل الجماعي من الحزب عندما يترشح منسوبو المؤتمر الوطني كمستقلين، إحتجاجاً على ممارسات حزبهم، على مستوى الوالي والدوائر (يفصل المرشح ومن معه).

وتعيدني الذاكرة القريبة إلى تصريح آخر للدكتور نافع يكشف مدى بعده وحزبه عن الديمقراطية وآفاقها وهو يعد العدة لدفن الأحزاب السياسية عقب الإنتخابات التي سيكتسحها حزبه، ولا أدري إن كان قد استعان بمنظمة حسن الخاتمة، في إعداد القبور لها، أو كما قال. فهو وحزبه بعد الجهد الكبير الذي تم بذله لتمزيق أوصال الأحزاب منذ وصوله للسلطة، ولا يزال يسعى ويضرب كل محاولات لعودتها لوضعها الطبيعي، قرر بعد نهاية الانتخابات دفنها. ولأنها أحزاب "الميوعة والتحلل والرقص والمجون" و"أحزاب زعيط ومعيط" بحسب لغة الدكتور التي لا تشي سوى بالضيق بالآخر (حتى داخل حزبه)، فهي تستحق الدفن حية.

إن هذه الروح التي تنطلق منها هذه اللغة وتعبر عن ما يجيش بداخلها بعد أن أغلقت نفسها داخل قمقم الإسلام السياسي الرسمي، تحتاج إلى كيمياء الإسلام الصوفي الشعبي لتتحرر من وطأة القهر الذي تعيش داخله. ولعلها تحتاج لقراءة أكثر لواقع السودان وتاريخه وثقافاته لتستطيع النفاذ إلى حقيقة جوهرية تتمثل في أن الإسلام لم يدخل إلى السودان ويتغلغل بين شعوبه بالقوة، وعندما حاول حاملي لوائه ذلك وهم يمتطون صهوات الجياد، واجههم أهلنا النوبة في الشمال بكل عزم وحزم وقوة، ولم يعتنقوه عن بكرة أبيهم (وهم المسيحيون وقتها) إلا بعد أن جاءهم سهلاً فحل بينهم أهلاً وسهلاً. هذا عن إسلام القرون البعيدة دع عنك إسلام العقود الأخيرة الذي يجيء ممتطياً صهوة دبابة ولا يفهم سوى لغة الدينار والدولار.

قلت في إفتتاح حفل تدشين مرشحنا لرئاسة الجمهورية إننا نتطلع إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية، سنبذل لها كل قدراتنا وسنكون فيها قدوة، ومن واجبنا مساعدة الآخرين الذين يخشون الحرية والديمقراطية بأن نروي شجرتهم بلبن الديمقراطية ونسائم الحرية حتى يتذوقوا طعمها وينعموا بظلها وتساقط عليهم رطباً جنيا، بدلاً من التوجس من الآخر وإستخدام أسلحة القهر والكبت سواء تلك الأسلحة الآلية أو الخطاب واللغة التي تحتاج إلى أن يداوي عبد القادر بوعلم الحالة التي عليها الدكتور وحزبه بعد أن ضاق بهم الحال من مسيرة التحول الديمقراطي الذي يحاولون إيقاف عجلته بشتى السبل، ويحتاجون أكثر ما يحتاجون إلى وقفة جادة في رحاب كلمات الراحل الشيح عبدالرحيم البرعي:

بوريك طبك
أحسن في من عاداك ومن يحبك
أذكر إلهك يوم

في شأن المبادرة الشعبية لتعزيز وحدة السودان،
أشكر الأستاذ طه النعمان على الإضاءات المتميزة التي سلطها على الفكرة، ونفذ بكلماته الرشيقة مباشرة إلى جوهرها. كما أشكر كل الذي أبدوا اهتماماً بها. وستظل المبادرة مطروحة حتى تتبناها كل القطاعات المعنية وتشكل لها آلياتها القادرة على تنزيلها على أرض الواقع في الفترة القادمة.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by