# # # #
   
 
 
[ 01.03.2010 ]
مراجعة للتاريخ الأدبي للشعر العربي ـ د.احمد عكاشة احمد فضل الله - لاهاي




1. مقدمة

عند أدباء عرب أجلاء مثل احمد حسن الزيات 1914 ورشيد يوسف عطا الله 1921 ود.طه حسين 1926 وطه احمد إبراهيم 1937 فان الحداء يمكن أن يعد نواة الشعر العربي وان العرب اهتدوا إلى تفاعيل وأعاريض كثيرة نظموا منها أشعارهم، وأن ذاك الشعر عربي النشأة عربي في أعاريضه ونهجه وأغراضه وروحه وقد مال هؤلاء المؤرخون الأجلاء للأدب والشعر العربي إلى ربط تاريخ الآداب العربي بالتاريخ السياسي للإسلام والعروبة (الإشارة إلى عصر جاهلي، صدر الإسلام، والدولتين الأموية والعباسية وعصر تركي وعبر فترة الانحطاط خلصوا إلى عصر حديث).

- إن مثل هذه النتائج البحثية الباكرة لا تفترض أي وجود لشعر عربي ما سابق للعصر الجاهلي (القرن السادس الميلادي) فقد يكون حقا هناك شعر نظم قبل أن يحسب سكان شبه الجزيرة العربية أنفسهم عربا وأبان تاريخهم المشترك مع الأمم والثقافات السامية، وأيضا قد يكون هنالك شعرا قبل أن ينظموا باللغة النشطة حينما كان هنالك ما يعرف بـ Diction وRythmic life للغة التي استخدموها في حياتهم العادية وقبل تأثرهم بمصادر المعرفة المتوفرة في ذلك العهد القديم. ولعل هذا ما يدعو إلى إعادة فحص ما أدلى به المؤرخون العرب للشعر العربي من آراء وأفكار تتعلق بالتاريخ الأدبي للشعر لعل ذلك ييسّر البحث عن سبل قد تكون أجدى في تناول التاريخ الأدبي.

- والى جانب هذا هناك بعض المشكلات الأخرى التي لم تلق الاهتمام حينما سطر تاريخ الشعر العربي وتشمل:

- إقرار اغلب هذه الدراسات التاريخية بأن العرب تأثروا بالتيارات الروحية في القرن السادس الميلادي وبالمشاهدات والحضارات التي تجاورهم، لكن لم تحدد أياً منها أي جزء من الشعر الجاهلي هو نتاج فعلي للشاعرية الجاهلية وأي جزء هو نتاج التثاقف والانتقاء.

- لم تلحظ أغلب هذه الدراسات ندرة أو قلة مصادر الشعر الجاهلي في العهود الباكرة وأن هذه المصادر تتعدد من بعد التواصل مع الثقافات والبلاد المجاورة. فإبان عزلة المجتمع العربي السابق لعهد الإسلام اقتصرت مصادر الشعر على التقاليد الشعرية لعرب شبه الجزيرة العربية (Pre-Islamic Poetic Tradition) مثال الحسن في الكلام والألفاظ من قبل أن تتوفر الروعة والقوة والحسن (الجماليات) في الشعر الجاهلي. ومن بعد فإن مصادر الشعر الجاهلي تعددت مع زيادة الروابط بين العرب ومن جاورهم (حِمْير في جنوب شبه الجزيرة والشرق الأدنى وثقافته). وتأثر العرب بالأجواء الكوسموبولوتية Cosompolitian Sphere of near east (وخير مثال شعر امرؤ القيس) وأخيرا بظهور الإسلام ارتبط ذاك الشعر برؤى الإسلام Religious vision of islam (خير مثال هو شعر حسان بن ثابت مثلا). وقلّ ادراك أغلب هؤلاء المؤرخين بأن تأثير رؤى الإسلام أضحى عاملا ثابتا في تشكيل الشعر العربي منذ ظهور الإسلام إلى ابد الآبدين، وبالتالي لا يشكل أساسا للتمييز بين أنواع الشعر العربي الباكر (شعر القرن السادس الميلادي إلى القرن السابع الميلادي).

- تربط أغلب هذه الدراسات بين متطلبات دراسة التاريخ الشعري ومتطلبات دراسة المجتمع العربي، مما جعل أغلب هذه الدراسات معنية جزئياً بالأدب وتشتغل في الغالب بالتاريخ الاجتماعي للعرب إبان جاهليتهم فاختلطت المناهج. وهذا أسلوب لا يفي بأغراض دراسة الشعر العربي وتاريخه الأدبي. ان البحث في هذه المسائل يتطلب إيجاد تركيبة منهجية تتألف من الفصل والفرز (Disjunction) وقيم التضادّ والتقابل والمقارنة (Juxtapositions) عند البحث في الشعر العربي وتاريخه الأدبي على ضوء التطور في الشعر من حيث الأشكال، والمعاني والجمالية.

- لم تتمكن أي دراسة للتاريخ الأدبي العربي من تحديد بداية بعينها للشعر العربي ولم تحل أي من هذه الدراسات معضلة الشفاهة والتدوين والتي يكمن في تناولها إمكانية الوقوف على بدايات التطور التاريخي للشعر العربي. ولا بد من الإقرار بصعوبة هذه المهمة إذ أن النصوص المثبتة تعود في العادة إلى مراحل لاحقة إذ يشير رشيد يوسف عطا الله إلى معلقة امرؤ القيس المتوفى سنة 539 للميلاد كأقدم ما دوّن من شعر العرب. ولا تكمن الأهمية في تحقيق النص الشعري بقدر ما تكمن في أهمية الوقوف على العهد الحقيقي التي أضحت فيه اللغة العربية الكلاسيكية، لعلها لغة قريش، الأداة المستخدمة في نظم الشعر.

- لم تتمكن أية دراسة للتاريخ الأدبي للشعر العربي من التمييز بين مرحلتين هامتين في التأريخ الأدبي. أولى هذه المراحل هي الفترة التي كانت فيها العربية هي لغة الحياة العادية للقبائل العربية ووجدانيات وهزل أفرادها. والمرحلة الأخرى هي المرحلة التي أصبحت فيها العربية لغة الرزانة والوقار والفكر والعقائد والأدب..الخ. ولم يفلح أي تقسيم قام به هؤلاء المؤرخون أدبيا للشعر العربي الى فترات وعهود أو مدارس من ان يعكس صورة شاملة ودقيقة للفكر وتصورات ونزعات واتجاهات شعر كل فترة أو عصر أو مدرسة شعرية. وقد ركزت أغلب الدراسات على أحوال اللغة العربية أو على الشعر ومعانيه ورجاله. ولقيت أعاريض الشعر اهتماما كبيرا ولمثل هذا التركيز عواقبه التي تمثلت في إهمال فكر وجماليات الشعر العربي التاريخي.

2. مشكلات عرض الشعر العربي تاريخيا

كثيرا ما يؤرخ الشعر العربي على أساس زمني أو "إخباري" بواسطة مدوني الاحداث وفي مدونات اخبارية (Chroniclers & Chronicles). وهنالك تاريخ الأدب العربي الذي سطر في عهود تعود للقرن التاسع عشر وأول من نقله إلى الشرق العربي حسن توفيق العدل الذي درس في دار العلوم. وكان أحمد حسن الزيات قد تعرف آنذاك على أحوال اللغة وما أنتجته قرائح أبنائها من بليغ النظم والنثر في مختلف العصور، ونقد مؤلفاتهم، وبيّن تأثر بعضهم البعض بالفكر والصناعة والأسلوب (الزيات 1914). وقد ميز هذا التاريخ المحدث للأدب العربي عما كان العرب قد توسعوا فيه من تأليف التراجم للأدباء والشعراء والعلماء مثال معجم الياقوت الحموي، وكتاب الأغاني لابن الفرج الأصفهاني..ألخ.
أما فيما يتعلق بتقسيم تاريخ الأدب العربي إلى عصور، فيمكن الاشارة إلى خمسة عصور: العصر الجاهلي، وعهد صدر الإسلام، والدولة الأموية، والعصر العباسي، والعصر التركي والعصر الحديث.

ومما يؤخذ على كتابة التاريخ الأدبي على أساس زمني هو مطابقته للتاريخ السياسي الإسلامي والعربي الرسمي الذي يعرف بـ Arab Institutional History. ولم يـُبْن ذاك التاريخ الأدبي على التطورات التي حدثت في مجال الأدب والشعر ومن بينها:

• نهاية ارتكاز الشعر العربي على العادات والمثل والأساطير العربية التي غذت الشعر في بداية تاريخه أي خلوه من أي أثر غير عربي من الثقافات والآداب.
• بروز ما عرف بالفكر الاسلامي Islamic Intellectualism.
• إرتباط الثقافة العربية بثقافات اليونان وفارس وسانكريت الهند، وهو ارتباط أدى إلى حفظ الشعر العربي التاريخي عبر الجماعات والمعلقات والحماسة والإخباريات مثال كتاب الأغاني وتأليف ما اعتبر شعرا تقليديا Arab Classic Poetry (الأخطل والفرزدق..ألخ).
• الاختلاف والتباين اللغوي من شعر إلى شعر. وهي الاختلافات التي شكلت منعطفات في تاريخ الشعر العربي خاصة الاختلافات في الأفكار والأشكال الشعرية.
• عدم الالتفات إلى حقيقة إن الشعر العربي منذ عهود انتشار الإسلام والتوسع العربي والإسلامي لم يعتمد على دولة واحدة أو بلاد بعينها (الشام ام العراق)، بل أن الأفكار والمثل الثقافية والخيالية culture Ideas And  Imagination وأشكال الشعر قد تنوعت. والحقيقة فإن الأعمال الشعرية العربية أصبحت منذ ذلك العهد تشمل أعمال فرس وأتراك وهنود ويهود وأفارقة وأسيويين ناطقين بالعربية اضافة الى العرب أنفسهم. وأضحى الشعر انعكاسا لأفكار وقيم ومثل هذه الأمم والثقافات. ومما يفترض الأخذ بهذه العوامل  في الاعتبار، هو وجود سبل مغايرة لتدوين التاريخ الأدبي للشعر العربي ودراسته على نحو يعمل على تطوير أو تحديث التاريخ الأدبي ويضعه في خدمة الشعر والفكر العربيين الحاليين.

والى جانب التاريخ الادبي الذي الفه مثقفون عرب هنالك الكتابات التاريخية لمؤلفين غربيين من أمثال Roger Allen And D.s.R Richards 2006 وقد أشاروا الى أنواع من الشعر العربي كالشعر الكلاسيكي Classic وفترة ما بعد الكلاسيكية Post- Classic Poetry والشعر الصفوي Elite Poetry والشعر الشعبي Popular Poetry. وتشير موسوعة كولومبيا، الطبعة السادسة لعام 2008، إلى أهمية مؤلفات فترات  العصر الذهبي من القرن السابع الى القرن الرابع عشر والى العصر العباسي خلال فترتي القرن الثامن والتاسع بعد تأثير الأداب اليونانية والفارسية والسنسكريتية، وهو عهد تدوين مجموعات الشعر العربي المتقدم.

واخيرا كان هنالك مؤلف وسيم المجالي المسمى الشعر العربي الحديث Modern Arab Poetry الذي يحدد عصورا تاريخية للشعر العربي وتشمل الشعر الجاهلي (شعر ما قبل الاسلام Pre Islamic Poetry) وشعر عهد صدر الاسلام Early Islamic Poetry والعصر الوسيط Middle Age وعهد الانحطاط Decline Age واخيرا العهد الحديث modern age. وجميع هذه الانواع من التقاويم أو التصنيفات تتجاهل أصول وطابع الشعر العربي والتي لا تماثل أصول وطبائع الآداب الغربية مما جعلها تجانب الصواب وذلك نتيجة للاسباب التالية:

• إن التاريخ الاسلامي او العربي لم يشهد تطورات تاريخية قطعية Transformation Clear Cut مثلما شهد الغرب الصناعي (عهود قديمة واخرى وسطى ونهضة وحداثة).
• كان ولا يزال اثر الشعر العربي الباكر في عهد الجاهلية مستمرا على عهد صدر الاسلام وابان المرحلة الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية في عهد الدولتين الاموية والعباسية..الخ. وقد استمر الشعراء العرب في استخدام ذات التفاعيل والاعاريض الكثيرة التي نظموا منها اشعارهم.
• وأخيرا لم يسلك الشعر العربي نهجا فكريا وجماليا مغايرا للشعر العربي التاريخي الا بعد اشتداد اثر الثقافة الغربية الاوروبية المعاصرة.

جميع هذه العوامل تبرز أهمية إعطاء الأهمية القصوى الى نشأة وتطور الادب. وهو تطور لا شك في أنه قد تاثر بالتاريخ السياسي والاجتماعي للعرب والاسلام الا انه سلك نهجه الخاص من نشاة ومثاقفة وتطور مستقل. وخلق كلاسيكيات ومر عبر مراحل كالمرحلة التقليدية الحديثة Neo-Classicism وقد يشهد عهود ركود واحياء ثقافي من بعدها الى ان يبلغ الحداثة وما بعد الحداثة.

3. في النشأة المحتملة للشعر العربي

لخص طه احمد ابراهيم اعتقاداته حول نشاة الشعر العربي، في تاريخ النقد الادبي عند العرب (1937) على النحوالتالي:

(1) اننا لا نعرف هذا الشعر إلا ناضجا كاملا، منسجم التفاعيل، مؤتلف النغم، كما نقرأه في المعلقات وفي شعر عشرات الجاهليين الذين ادركوا الإسلام او كادوا يدركونه.
(2) هذا الشعرعربي النشأة، عربي في اعاريضه ونهجه واغراضه وروحه. ورغم ما يمكن ان يكون قد انعكس عليه من تأثر بالتيارات الروحية في القرن السادس للميلاد وبالمشاهدات والحضارات التي جاورت العرب فان الشعر العربي لم يقم على شيء من ذلك في اصل من اصوله. وكل ما انتفع به الجاهليون نقلا عن غيرهم انما يظهر على بعض الفنون البيانية كالتشبيهات وبعض الافكار.
(3) ما بين الحدّاء، الذي يـُعتقد انه نواة الشعر العربي، وبين القصيدة المحكمة، عصر طويل للنقد الادبي الحّ على الشعر بالاصلاح والتهذيب حتى انتهى بالشعر الى الصحة والجودة والاحكام.

هكذا لم تكن هنالك بدايات للشعر العربي. وبالطبع يمكن الاصرار على الدفاع عن مثل هذا الزعم الا انه في الوقت الحاضر لايمكن الدفاع عنه بحجج قوية. وكذلك لا توجد جهة في العالم العربي القائم اليوم، ترغب في الاستمرار في مثل الاعتقاد. ويعود السبب الى الادراك المتزايد بالحقائق التالية:

• انتماء اللغة العربية للغات السامية وأنها تفرعت من ارومة واحدة. وان اللغة السامية الاولى اختلفت نتيجة  الانشقاق والاختلاط.
• وقبيل الاشتقاق والاختلاط لابد ان يكون هنالك نثر وشعر وانشاد. وان التشعب اللغوي قد ينطبق على الادب نثرا أم نظما.

وبما أن اللغات السامية تـُردّ الى الارامية والكنعانية والعربية فقد اعتبر المؤرخون ان النظم بهذه اللغات اقدم من النثر، ولكن مثل هذه المسألة لا تتعلق كثيرا بتقييم الادب القديم. انها في الحقيقة تكمن في ان كل لغة سامية، ومنها لغة العرب استخدمت التوازي والتشبيه والتطابق Parallelism وشكـّل هذا بداية التوصل الى تفاعيل واعاريض، ونظـّم منها العرب اشعارهم وارتقوا عبرها الى ترقية  معاني شعرهم.

ولقد أورثت علاقة العرب بالساميّة استخدام التوازي في الشعر العربي. واستخدموا بين الاجزاء الشعرية ما يسمى بـ Parallelism Memdrorum وهو اسلوب تعبيري Style Figure كان قد وجد ايضا في الادب العبري المصري القديم وفي اداب مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين واخذت هذه  الظاهرة اشكالا عديدة منها:

• التوازن المقسم بالتكرار (Parallelism Repetitive (Synomymous.
• التوازن المضاد او النافي Aleverserative) Antithetical Parallelism).
• التوازن المضيف  الذي ياتي باضافة ما (المكمل) Complimentary.
• التوازن المتدرج (Climatic Parallelism (Staircase Parallellism.

وقد نتج عن التوازن، الحدّاء الذي يعتبر نواة الشعر العربي، وتلته من بعد الاشكال المحددة لنظم المقاطع الشعرية Spectific Forms Of Strophic Construction والترتيب الابجدي للمقاطع Segments  Alphabetic وهي المقاطع التي تستخدم العبارات المكررة على نحو موصول في القصائد والاغنيات Refrain وعبرها انتهى العرب الى خلق وحدة ادبية لاشعارهم تمثلت في انسجام التفاعيل وائتلاف النغم اللذين عرفا في المعلقات، وفي شعر عشرات الجاهليين الذين أدركوا الإسلام او كادوا يدركونه.

وخلاصة الامر ان التوازي هو المنهج الذي خطه العرب من المرسل الى السجع الى الرمز واخيرا الى القصيد. ومنذ ذلك العهد التاريخي للشعر العربي لا يزال السؤال حول العروضيات كموازين للشعر وعن ما هو موزون او منظوم من الاشعار، عالقا. وطالما انه لم يحل على نحو تام، تبقى هناك افتراضات  تتعلق بالاوزان الشعرية بدون حل مقنع. ويشمل هذا اعتماد نظم الشعر على النبرات والعلامات النطقية والتوكيد لبعض النغمات ونطق الاحرف او المقاطع بقوة اعظم او بجرس مختلف.

- ايضا يجري الاعتماد على الجمع بين النبرات والتوكيد عند نظم او إلقاء الشعر ويشمل التوكيد على الكلمات والمقاطع كما يجري ابراز بعضها ورموز التوكيد والجمع بين النبرات والتوكيد على نهج زمني او تاريخي.

- كذلك استخدم الشعراء العرب التوكيد المتناوب وقد افترض نظام النبرات. وتوليد المقاطع والاحرف، افترض وجود اوزان اعتمدت على البحر الشعري (الاتزان والتناغم والتواتر والتكرر النظامي للكلمات..الخ) بالإضافة الى تفاعيل من الابسط Anapest والذي هو وزن من اوزان الشعر فيه مقاطع لفظية من غير نبرات او توكيد ومقاطع لفظية اخرى فيها نبرات وتوكيد (Unaccented Syllables And Accented Syllables). وكذلك هنالك ايضا الترخيمات syncopes (الترخيم الوسطى حذف حرف او اكثر من وسط الكلمات والاختصار او تأخير النبرات حيث تتصادم المقاطع اللفظية من غير نبرة او توكيد بعضها ببعض. ويضاف اليها وضع النبرات او التوكيد المغاير Alternative Stress System والذي يفترض وجود الايقاع والوزن الشعري المصاحب بالمقاطع اللفظية نبرات وتوكيد او من دونها مع الارتباط بالترخيم. كل هذه مسائل تتطلب الاختيار الدقيق والمؤسس عند استخدامها في حالة النظم او الإلقاء.

ولعل مقارنة العروضيات في مسألة استخدام البحور والاوزان في الشعر العربي التاريخي تفوق اهمية ملاحظة ما استخدمه الشعراء من مفردات مفرطة في القدم Ancient Terminology والعبارات الراقية Elevated Expressions والشخوص اللغوية Figures Language Images واللمحيات والشعرية Dialectus Poeticus. وشكلت هذه مكونات القصيدة العربية المحكمة (المعلقة العربية او شعر شعراء مثل ابن حازم اوعلقمة بن عروة وحسان بن ثابت..الخ). وكانت التشبيهات والوصف والاستعارات والصور البلاغية Images التي استخدمت في ذاك الشعر العربي في الغالب جريئة وواضحة مقارنة بمثيلاتها التي استخدمت في الشعر العربي المتأخر (الطل الدارس الذي يوصف به الصحراء ومشاهدها وحيوانها..الخ)، الى جانب وصف الناقة والسفر والمعاوز. وقد اضافت هذه العوامل على الشعر العربي التاريخي الباكر (الذي غالبا ما يشار اليه بالشعر الجاهلي) مقدرات اصطلاحية متسمة باحترام شديد للشكل، وفعالية، الى جانب مقدرته على التعبير عما يجيش بصدور الشعراء او ما يعلق بمخيلات كل واحد منهم. وقويت المقدرة على التعبير عند الشعراء باضافة التعابير اللغوية التي تجمّل نظم الاشعار وتحسن وقعها على النفس وهي:

- الجناس الاستهلالي Allitération.
- السجع والتوازن  Assonance.
- استخدام التقاطع في تركيب الجمل بكلمتين على نحو معكوس فيما يتعلق بالوضع او الترتيب او بالعلاقة.

وهنالك ايضا احتمال الميل العربي لاستخدام التوازي نحويا كموازاة كلمتين او عبارتين او مقاطع بجملة متشابهة او انهم عمدوا لتركيب العبارات والجمل باستخدام عبارات سامانتيكية متشابهة في هاتين الحالتين. ويهدف استخدام التوازي الى تحسين الصياغة والأسلوب وإمكانية الإدراك والاستيعاب وتتوالى هذه الجهود بتفاوت حتى نصل الى القصيدة الجاهلية (lode) والتي هي اشعار تتفاوت فيها طول القوافي عند المقطع الاخير لكل بيت.

4. الشعر العربي التاريخي

هناك حقيقة انتشار الاسلام واتساع استخدام اللغة العربية وقيام الإمبراطورية الإسلامية واسعة الأرجاء. وبحكم هذه العوامل تعرض العرب وشعرهم لأوسع تأثير ثقافي وفكري من جهات وثقافات عديدة لهذا أصبح الشعر المتأخر واقعيا وحضريا. والى جانب رقته، اكتسب من هم غير العرب المقدرة على نظمه باللغة العربية الامر الذي ادى الى ضرورة التمييز بين:

- الشعر العربي التاريخي.
- والشعر العربي الاسلامي Arabo Islamic Poetry.

والاخير هو ما عمدت موسوعة كولومبيا الى الاشارة اليه بـ (الاعمال الادبية باللغة العربية بما فيها الشعر ويمثل اعمالا ناطقة بالعربية للفرس والاتراك والسوريين والمصريين واليهود والافارقة والاسيويين والعرب). وهناك من يشير الى ان الشعر الاموي ليس نتاجا عربيا صرفا بل نتاج تركيبة ثقافية جديدة (a New Cultural Syntheis) تمازجت فيها الجذور العربية والمعتقدات واللغة والاداب العربية مع حضارات وثقافات الشرق الادنى وروحانياته وادابه (1984) Kigi walter Kigi 1992.

ويعني مايكل موروني Michael Morony بالشعر العربي التاريخي ما شكـّل تخاطب العرب في جزيرتهم فيما يتعلق بالخطوب السياسية والاجتماعية التي المت بهم خلال الفترة السابقة لظهور الاسلام في 622 ميلادية وهو الشعر الذي اتبع قواعد الوزن والقافية بصرامة، وكثيرا ما القي شفاهة ابان مناظرات ثقافية (سوق عكاظ). ومثل كل شعر ممعن في القدم، كان  نوعــا من الشعر الاحتفالي Panegyric Poetry (قد يرشد الى التاريخ واحداثه) وقد يحتوي على بعض الدلالات العقائدية الروحانية Dogmatic Elements الخاصة بعرب ما قبل الاسلام (ما كان يصبه الشاعر صبا على العدو وما يثيره عليهم من الارواح الشريرة والشياطين التي تمدهم بالشعر كما كانوا يعتقدون). وكذلك ضم ما يعرف بالشعر الشخصي Personal Poetry (وصف الحبيبة والهجاء والمديح بالعمل الجليل والحب الكريم وندب الاخت اخاها والمرأة بعلها والذم الذي ينال من الاعراض والمروءات..الخ) أي شعر العاطفة.

ولعل اهم ما يميز الشعر العربي التاريخي هو انه نظم ونقل شفاهة وسجل بعد انقضاء عهود عقب نشأته الاولى وزمان نظمه. وكذلك عد الشعر العربي التاريخي شعرا ناضجا وكاملا ومنسجم التفاعيل ومؤتلف النغم مماثل لما تقرؤه في المعلقات (المحدد تاريخ النقد الادبي عند العرب، طه احمد ابراهيم 1937 دار الحكمة بيروت). وكانت اعراف المجتمع العربي الجاهلي والاسلامي قد حكمت الافكار والمفاهيم والتشبيهات والاستعارات والصور البلاغية من الشعر العربي التاريخي (القصيدة) المتدرجة الطويلة في الصياغة ومجمع الاعاريض الشعرية والاعتماد في الحكم على الشعر على الذوق الادبي والسليقة السمعية في الحركات وفي القوافي على الذوق الادبي..الخ. وخلت اغلب القصائد والاشعار من عنوان اذ يشار الى كل معلقة باسم الشاعر.

واخيرا ان ما يدخل ضمن الشعر العربي التاريخي لم يتاثر ولم يستفيد مما عناه ذهن الخليل وسيبويه بما تم تدوينه في اواخر القرن الثالث الهجري منذ علوم ومنطقه والبلاغة ومقاييس الموازنة وتوحيد الرؤى والقوافي والاغراض.

5. الشعر العربي الاسلامي

ونعني به الاشعار اللاحقة، بدءا من شعر الذين اشتهروا في الجاهلية والاسلام كالخنساء وحسان..الخ وكل من عاصر العهد الاسلامي، وهو شعر نشأ عربيا، واكتسب الرؤى الدينية والاخلاقية واحكام الاسلام ولكن نتيجة الفتوح الاسلامية اضحى يتاثر بالطابع الحضري الكوسموبولتي (الانساني العريض) وثقافات واداب الشرق الادنى في غرب اسيا وشمال افريقيا، وطوال عهود الخلافة الاسلامية ودولها تأثر بالثقافات المجاورة مثل الثقافة اليونانية والرومانية والفارسية والسريانية والهندية.

ولعل اهم عامل ثقافي من داخل الثقافة العربية والاسلامية، أثــّر في التطور الباكر للشعر العربي الاسلامي هو بروز الفكر والعلوم داخل الامبراطورية الاسلامية حيث ظهر ما يسمى بالفكر الاسلامي Islamic Intellectualism وتشمل:

- المفكرون والباحثون والمثقفون الذين يدينون بالاسلام وسجلوا ونظمو اعمالهم باللغة العربية وتعددت انتماءاتهم العرقية  فيما بين  سائر رعايا دولة الخلافة.

لم اتمكن من ربط جملة "المفكرون والباحثون... الخ" اعلاه، والسطور التالية. هل هناك شىء ناقص؟

- وهناك طرق مختلفة للتمييز فيما بين مراحل تطور الشعر العربي الاسلامي في الفترات اللاحقة، منها ما اعتمد على التاريخ العربي الاسلامي الرسمي Arabo-Islamic Institutional History الممتد من الخلافة الراشدة والحكم الأموى والحكم العباسي وحكم الاتراك العثماني والحكم الاستعماري الغربي (احمد الزيات 1930). ولكن مثل هذا التقسيم ضمن التاريخ السياسي والاجتماعي للعرب والمسلمين، وتوثيق حياة الشعراء والادباء مقرونا بفترات الحكم الاسلامي، لا يفي باغراض دراسة التاريخ الادبي للشعر.
- وهناك التاريخ الأدبي المقسم الى شعر جاهلي Pre-Islamic Poetry وشعر اسلامي، نظم ابان الخلافة الراشدة والحكمين الأموي والعباسي Islamic Classic Arab Poetry ومن بعد يشار الى عهد تردى فيه الشعر سمي عهد الانحطاط Era Of Cultural Decline وأعقبه عهد احياء واستيعاب وتجديد تأثراً بالغرب الصناعي) Period of culltural Awaking And Assimilation ثم مرحلة الكلاسيكيات الجديدة New Classicism، الى ان يدخل الشعر العربي مرحلة الحداثة.

ويقابل التمييز بين هذه الازمنة تقويم بالقرون:

- منذ القرن السادس الى سنة 750 ميلادية.
- العصر الذهبي للشعر ويمتد بين عامي 750-1055.
- فترة اخرى ما بين القرنيين الحادي عشر والثالث عشر الميلادية.
- فترة الانحطاط من القرن 13 حتى القرن 19.
- فترة المعاصرة منذ القرن 19 حتى تاريخه.
موسوعة ويكيبيديا

الى جانب هذه التقويمات هناك ما اعتقد وسام المجالي Modern Arab Poetry بانه تاريخ الشعر العربي و يشتمل على شعر جاهلي Preislamic poetry وشعر صدر الاسلام وشعر العصر الوسيط وفترة انحطاط تعقبها حداثة الشعر modern arab poetry. وكل هذه تقسيمات تجاهلت تطورات هامة طرأت على الثقافة والشعر العربي ومن اهم هذه التطورات:

- التغيرات التي طرات على الشعر العربي من جراء ظهور وانتشار المعتقدات والقيم الاسلامية.
- لقد تغير الشعر: باختفاء كل ما هو وراثي وغير بارع او كانت تعوزه الخبرة من الشعر و الشعراء: كان شعر العرب في ما قبل الاسلام هو نوع من الشعر الوثني والدنيوي Profane Potrey وغير بارع وكانت سبل نظمه هي Profane Poetry Techniques الحداء والانشاد والاقوال والحكم المنسوبة للقبائل العربية.
- هنالك تعددية مواطن الفكر والثقافة والخيال واشكال النظم وقد كانت شبه الجزيرة العربية هي الموطن الاصلي للشعر العربي في حين تغيرت مواطن فكر وثقافة وخيال وسبل واشكال الشعر العربي اسلامي (وافكار اسلامية عديدة وشتى ).
- هنالك تطورات خاصة بالشعر العربي الاسلامي وهي بساطته مقارنة بالشعر العربي التاريخي، التقارب مع النثر خاصة المقفى او السجع والتباين اللغوي فيما بين الافكار العربية والاسلامية (تباين اللغة العربية وعروبة ولا عروبة الاجزاء والانحاء) وقد شكل الاختلاف والتباين اللغوي منعطفا في تاريخ الشعر العربي الاسلامي بحيث تطلب في فترة لاحقة:

- تدوين المعاجم  العربية والشعر Recording Arab Lexicon And Poetry.
- اقتراح القواعد النحوية للغة العربية.
- خلق ما هو متعامد وصحيح املائيا.
- تحليل عروضيات للشعر Osthographic Diacits and Analysis of Prosody of Poetry.
- كان هنالك الدور الهام الذي لعبه الفكر الاسلامي Islamic Intellecualism في صياغة وفكر الشعر المنظوم باللغة العربية.

كان هنالك الفقهاء والعلماء في الحقل التجريبي والتقني الى جانب الفلاسفة والنحويين اللغويين الذين تتبعوا كلام العرب واستنبطو منه قواعد النحو ووجوه الاشتقاق او الاعاريض التي جاء عليها الشعر. وتناولوا الشعر على ضوء استقرائهم له. وكانت للفلسفة اغريقية ام اسلامية اثرها على الشعر العربي الاسلامي. وهناك العلاقة التي اوضحها احسان عباس 1983 بذكره لقدامة جعفر وهو من نقاد الشعر والثقافة اليونانية وصدى في كتاب الخراج ارسطو في الخطابة وكتاب الشعر وشكلت هذه المعرفة بارسطو بداية الدراسة المنتظمة للشعر. وعبر الصلة بابن طباطبا كان تاثير الفلسفة الاسلامية (فكر المعتزلة) وهو تاثير اولد مفاهيم وافكار عامة وجديدة وصور بلاغية واساليب خاصة في الرواية والسرد وامكن للشعر الاسلامي انه يبلغ الدرجة المرجوة من النضوج وان تستقيم التقاليد الادبية وانه ينهج الشعر ذاك الادب وسلوك الادب والشعر.

وحينما امكن التغلب على ضحالة الفكر وزاد ثراء اللغة وحسن التعبير الشعري وضبطت الاوزان واحسن التصوير، وكذلك حينما اكتسب الشعر بنية فيها استقامة وانضباطstrict regularity structure  اضحى الشعر العربي الاسلامي ظاهرة ثقافية Literary Phenomenon لا يجوز اهمالها شانها شان الفقه الاسلامي والتفسير ودراسات العقائد والطب الشعبي التي هي من اهم علوم المسلمين.

هنالك النظرة الى الشعر العربي الاسلامي التي تلقيها عليه Columbia Encyclopedia 6 th Edition 2008  وتقول الموسوعة بان اهم جزء من ذاك الشعر هو الذي نظم خلال فترات العصر الذهبي ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين وانه ذاك الشعر قد حفظ عبر المجموعات مثل الحماسة وكتاب الاغاني. وتضع الموسوعة شعر الاخطل والفزدوق وجرير وابو العتاهية وابن الرومي إلى ابي تمام والبحتري والمتنبي وابي العلاء المعري ضمن شعر العصر الذهبي. وحول تطور شعر العصر المشار اليه تشير إلى أنه قد تأثر بالادب الفارسي و السنسكريتية الهندية. وتقسم الموسوعة شعر العصر الذهبي الى شعر قديم وشعر محدث. وتقسم المحدث بدروه الى باكر ومتاخر. وتوضح انه بتاثير الثقافة الفارسية غلب الشعر على سائر انواع الادب. واصبح بالامكان دراسة الشعر وتطوير الرؤى حوله عبر التعرف على الثقافة اليوناية. وهناك من الباحثين من خالف نهج الموسوعة المذكورة مثل Allen D.S Richard Roger Allen 2006 الذين اشاروا الى وجود شعر كلاسيكي Classic Poetry وشعر ما بعد الكلاسيكي poste Classic Poetry. يعني هذا انه  كان هناك عهدا كان ممكنا فيه تقييم الشعر على  انه من الكلاسيكيات من الاشعار. وسواء اعتبر ذاك العصر ذهبيا ام لا فانه لم يعد كذلك. اما الشعر العربي الاسلامي فقد اكتسب خصائص الروعة والرقي وشملت:
- عناصر اساسية واسلوبية وابداعية  ادبا وفنا وفكرا  Format Stylistic Elements.
- عناصر مشتركة وافكار رئيسية فنية وادبية  Common Elements And Motifs
- تقاليـد ادبية غيـر معوجة واعمال شـعرية ذات اتجاهات ابداعية وادبية رائعـةStraight Litrary Tradition And Works
- ويمكن الحديث عن مرحلة الشعر العربي الاسلامي المشترك الى نهاية عهد هيمنة اللغة العربية حيث كان الشعر ينظم اساسا بها خلال الخلافة الراشد والحكم الاموي والمراحل المتقدمة من الحكم العباسي. ومن بعد تجيء مرحلة تزامن الشعر المنظوم بلغات الامصار الاسلامية غير العربية حيث اضحت اللغة الفارسية لغة الادب في بلاد اسيا الوسطى. وهنالك من دلائل على تاثر شعر تلك البلاد بمكتسبات الشعر العربي الاسلامي.
- جعل القصيدة شكلا رئيسيا للنظم.
- الرباعيات.
- رزانة الاسلوب والتناغم والانسجام Dignified Tones.
- اللغة المدركة Literate Language.
- الاوزان السترة.
- الخواص الغنائية العاطفية.

وهنالك الشعر التركي او ما يعرف بالـ Ottoman Divan Poetry. وقد تعرض لتأثير الشعرين  العربي والفارسي منذ عهد السلاحقة خلال القرنيين 11-14 الملاديين. وتحت تاثيرهما اضحت القصيدة فيه شكلا رئيسا للنظم. واشتقت بحوره من الفارسية والعربية واكتسب تناغمه وانسجامه وخواصه الغنائية والعاطفية. وعلى الرغم من الاستقلالية الادبية للامصار الاسلامية فان مسيرة الشعر العربي الاسلامي استمرت في هذا الشان. يشار الى ما يلي الى المراحل التالية::

- مرحلة العهد الكلاسيكي Classic Age وما بعد الكلاسيكي Post Classic Age ما بيـن الاعـوام 1150 و1850 وتشتمل:
- الفترة الواقعية ما بين القرنين  السادس عشر والتاسع عشر
- يشار الى عصر سابق من الخزانة شعرية  العربية Pre-Modernisn  وقد عدت الفترة من القرن الثاني عشر الى التاسع عشر مرحلة للانحطاط الثقافي والفكر والادبي Age of Decadence. وقد تساءل مؤلفو تاريخ الادب العربي الصادر من جامعة كمبردج كيف يكون عهد انحطاط وقد الفت فيه اشهر الاعمال الادبية العربية مثل الف ليلة وليلة ومقدمة ابن خلدون من بين اثار ادبية وفكرية ذات قيمة عالية. وقد يجوز حدوث انحطاط اوعدم حدوثه الا ان لا احد يستطيح الاجابة على هذا السؤال ولكن يمكن ان نقترح سبلا للوقوف على الانحطاط في الشعر ومنها:

- هل انعكس التدهور والانحلال على الاعمال الشعرية وسائر انواع الادب ام لم ينعكس؟
- وجود مؤشرات للتدهور والانحلال في الفكر والثقافة والشعر وتشمل هذا Rigidity والتصلب والقساوة وانعدام المرونة.
- هل بقيت الاشكال الشعرية معافية جماليا ام لم تبق؟ وفي حالة التدهور الفكري والجمال ينحط الشعر.
- تدني الخيال الشاعري Low Imaginativeness.
- عدم مقدرة النشاط الادبي في عصر ما، من ان يتاثر بالتقدم  الفكري والثقافي والتقني والعلمي لذاك العصر.
- فشل افكار التقدم الانساني في ان تجد طريقها الى خيال ووعي الادباء والشعراء في ذاك العهد.
- انعدام مقدرة الادباء والشعراء على انتاج اعمال شعرية او ادبية يمكن ان تعد كلاسيكيات.

تشكل هذه بعض المقاييس التي يمكن ان يبنى عليها الحكم في شان ما اذا كان هنالك حقا عهد انحطاط ادبي في تاريخ الشعر العربي الاسلامي.

طوال عهوده ظل الشعر المنظوم باللغة العربية سواء كان عربيا او عربيا اسلاميا بذات الخواص وتشمل ما يلي:
- لازمية الموسيقى للنص الشعري.
- الوجود الدائم للنص وموسيقاه في اطار بحور الفراهيدي.
- استخدام المجاز.
- تردد الموضوعات وتتابع الاطياف في الاشعار على اختلاف الازمنة والناظمين (الشعراء).

ظل هذا حال الشعر حتى في المراحل التاريخية التي تعد فترات انتقالية من عهود الحكم الاسلامي الى التاريخ العربي والاسلامي المعاصر الذي شهد هيمنة الاستعمار الغربي وثقافة الغرب الصناعي على مستوى العالم باسره.

6. الشعر العربي المعاصر

لقد اصبح هناك شعر عربي خالص من انتاج بلدان تشكل اغلبية مواطنيها مجموعات تنتمي عرقيا او ثقافيا للعروبة. وذلك بسبب عدة عوامل منها:
- حدوث النهضة العربية في القرن التاسع عشر ونتيجة الثورة العربية في اوائل القرن العشرين ضد الخلافة العثمانية والاحتلال الاستعماري وحركة التحرير الوطني  وبروز الدولة العربية القومية.
- بروزالقطر العربي الذي يشكل مع الاقطار العربية الاخرى جامعة الدول العربية المعروفة حاليا ويمكنه تسميته شعر الدول العربية بالشعر العربي الحديث Modern Arab Poetry.
- وفيما يتعلق بالتطور التاريخي والثقافي الذي تمخض عنه الشعر العربي المعاصـــر يقـترح  Robin Ostle محرر كتاب modern Arab Poetry تقسيم تلك المرحلة التاريخية الى ثلاث فترات رئيسية من منطلق العلاقة بين الغرب الصناعي  والمجتمعات العربية خلال القرنين 19 و 20 وهي:

- عهد الترجمة والاقتباس Age of Translation And Adaptation 1914-1850.
- من الشعور القومي الحالم الى النقدي  الاجتماعيFrom Romantic Nationalism to social criticism1914-1950
- عصر الايديولوجيات والاستقطاب Age Of Ideology and Polarization Since 1950 ونتيجة للتحولات التي حدثت ابان تلك الفترات يعود الشعر العربي مجـددا ومتغيراRenewed And Changed.
- والحق فقد ابدى الشعر العربي طوال فترات تحديثه هذه، فكرا مختلفا تماما بل متعارضا مع النزعة الى التاثر بالعاطفة دون العقل والتي محورها الذات (الانا) Solipsistic Sentimentalism التي ميزت الشعر العربي القديم والشعر العربي الاسلامي الباكر. فقد احس الشعر العربي الحديث بالظروف السياسية والاجتماعية للشعوب العربية ابان هذا العصر الحديث، كما احتوى على رؤى فلسفية وسياسية وحس وطني ومعاداة للغزو الاستعماري والدعوة الى العدالة الاجتماعية والتطور التقني والثقافي.

وينفرد هذا الشعر الحديث بما يلي :
- لطف التعبير حسن وقعه Euphony And Euphemism.
- لغة مجازية وتخيلات ترتبط بالانسان الحديث ومنجزاته.
- الوعي بامكانية التركيب الشفهي Verbal Texture.
- الاهتمام بالقدرة على الاغراء والاغواء للوزن الشعري الإيقاع ائتلاف اجزاء النظم بحيث تشكل كلا شعريا (وحدة النظم).
- نظم القصائد والاشعار وفقا لمعادلات بسيطة وحيث ترتبط الابيات الشعرية بقافية واضحة ومعبرة ولافتة للانظار.
- عدم التقييد بالتقاليد العروضية للشعر خاصة  القواعد الجامدة من العروضيات.

ومثله مثل أي شعر معاصر فقد أبدى الشعر العربي المعاصر البساطة والتناسب والسيطرة على العواطف والمعرفة بادب الاغريق والرومان. واستخدام المصطلحات والتعابير الكلاسيكية كانت هنالك كلاسيكية عربية Classicism وتاثر بالرومانطيقية الاوربية Romanticism خاصة تياراتها في الادب الانجليزي التي تميزت بالتاكيد على الخيال والعاطفة وبالنزعة الى تصوير الخبرات الذاتية وتمجيد الانسان العادي وحب الطبيعة والميل الى الحزن او الكابة واخيرا كان هناك اثر الاخلاق ومعاداتها Anti Moralism - Moralism في الادب العربي وعلى الشعراء العرب. فهناك من مال الى استخلاص  الدروس الاخلاقية وتشخيص الصفات والمعاني الاخلاقية  ومنهم من رفض الخضوع لسلطان القيم الاخلاقية ونأى عن التعبير عن خواطر تتعلق بالمسائل الاخلاقية واحجم عن الوعظ.
واخيرا  تجيء الحداثة الشعرية العربية مما يميزها  Thematic Characteristics واضحت بعض المسائل من اهم  موضوعاتها الوطنية  العداء للاستعمار الثورة الخ.
- التحرر من الوهم Disillusionment.
- رفض التاريخ واستبداله بالارتباط  بالماضي الاسطوري الذي ليس لديه تأريخية واضحة (جعل تاريخ المنطقة العربية فقط واستمرار طابعه هذاعبر العصور.
- دعم الفرد الانسان الفاقد للامل في وجه المستقبل الذي يصعب التحكم به.
- كان لدى الكثير من الشعراء المحدثين الاعتقاد بالتغيير التقني والامكانيات الهائلة في تأثيره على المجتمع العربي المعاصر  بما يماثل  تأثيره على سائر اجزاء العالم.

وكذلك  للحداثة الشعرية العربية خواصها الشكلية ومن بينها:

- الهيئة المفتوحة Open Form.
- النظم الطليقة  Free Verse.
- السرد غير المتقطع Discontious Narrative.
- وضع امور بجانب اخرى والتجاوز الناجم عن ذلك Juxtaposition.
- التبادلية  النصية Intertextuality.
- الاستعارة من الثقافات واللغات الاخرى والاستخدام غير العادي للمجازات والاستعارات Unconventional Use Of Metaphor.
- السرد المتحول  Meta Narrative (بعد وما بعد وراء وما وراء و على  ما هو اسمى.. الخ).
- تعددية وجهات النظر السردية Parallax (Multiple Narrative Ponts Of View).

هذه هي ملامح الشعر الحداثي العربي الذي هو النظم الذي تعايشه ويشكل المرحلة القائمة في التدرج الطويل للشعر العربي في الصياغة والاعاريض والاغراض والتوجهات.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by