# # # #
   
 
 
[ 30.11.2009 ]
جلداتي وجلدات لبنى - أمير بابكر عبدالله




بتدر الأستاذ محمد آدم حسن خيطاً في المنبر الحر لسودانيز أون لاين، نبهني فيه لحقوق ملكيتي –او على الأقل نصفها- في عنوان الكتاب الذي تزمع إحدى دور النشر الفرنسية نشره للأستاذة لبنى محمد حسن، أو ربما تم نشره بالفعل، وهو كتاب "أربعون جلدة لإرتداء بنطلون" في مقابل الكتاب الذي نشرته في مطلع العام 2006 "واحدة وثلاثون جلدة على مؤخرة رجل". ولم أستطع الدخول في المنبر للتداول حول الموضوع لأنني فاقد لكلمة السر منذ أكثر من سنة، وهذه بمثابة رسالة للأخ الباشمهندس بكري فأنا عضو في المنبر منذ العام 2002.

وإن كان الأستاذ محمد آدم قد إقتصر مطلبه في حقي الأدبي مطالباً الأستاذة لبنى بالإعتذار لي والإعتراف بأنها استفادت من عناون كتابي المذكور، إلاَّ أنني سرحت مع غنم إبليس، وتخيلت أن كمية اليوروهات التي حصلت عليها الأستاذة لبنى عندي فيها من النصيب ما يوازي نحسي، خاصة وأن إسم الكتاب "أو نصفه" مسجل كملكية تخصني. وتخيلت العديد من المرافعات خلال جلسات المحاكمة في القضية التي سأرفعها ضدها باعتبارها "سرقة" أدبية واضحة تستحق عليها رفع الراية وإحتساب ضربة ثابتة لصالحي، وخلال تلك الجلسات تعقد جلسات جانبية للجودية ومساومات وتسويات مع محامي الدفاع، وأنا كما دون كيشوت تتملكني الأوهام وأنقض على طواحين الهواء متخيلاً كم الأعداء الذين أواجههم. واواصل السرحان إلى أن أكسب القضية ويحكم لي القاضي بحقوقي في نصف العنوان ما يوازي نصف دخل دار النشر من كتاب الأستاذة. وأقذف بعصاي في الهواء لتنكسر زجاجة السمن البلدي.

لا أستطيع المقارنة بين محتويات الكتابين لأنني لم أطلع بعد على ما تحويه جلدات الأستاذة لبنى، لذلك سيكون الحديث حول عنواني الكتابين وملابسات ومنطلقات صدورهما لا عن موضوعاتهما (على الأقل كتابها). وأعتقد أن الأستاذ محمد حسن محق عندما تمسك في معرض رده على العديد من المتداخلين حول موضوعه بأنه يرى أنه لم يطلع على الكتاب ولكن فقط عنوانه (أو نصفه) استوحته الكاتبة مستفيدة من عنوان جلداتي ومفترضاً بحكم علاقتها بمهنة الصحافة والكتابة أنها لابد وأطلعت عليه، أو كما يقولون (الجواب يكفيك عنوانو).

بالرغم من التشابه في العنوان ومظاهر الأشياء ومنطلقات صدور الكتابين إلا أن هناك فروق متعددة في تقديري وأول فرق جوهري أن الأستاذة لبنى لم تذق طعم الجلد لذلك ستفتقد روايتها لتلك النكهة المميزة، ولن يظلل متنها ذلك الدسم. فقد اكتفى القاضي بتغريمها خمسمائة جنيه سوداني، بينما وقع علي أنا فعل الجلد لذلك استحق عنوان الكتاب هذا الإسم، وكما أشرت في مقدمته "أما سبب إختياري الكتابة تحت هذا العنوان فهو أنني جلدت في سجن الجيش الشعبي لتحرير السودان، وبواسطة طاقم حراسته، وعلى مؤخرتي واحدة وثلاثين جلدة". أما دوافع الكتابة "فهو تلك العلاقة التي تربطني بالحركة الشعبية والتي تعرضت لها في موضعها، وكذلك محاولة للمساهمة –من وجهة نظري- في تلمس وجهة المرحلة المقبِل عليها السودان في ذلك الوقت، وإبداء الرأي –الذي ربما يكون مفيداً- في بعض القضايا التي قد تهم الحركة الشعبية وغيرها من القوى السياسية."

هناك فرق أساسي آخر، فكتابي ليس سيرة ذاتية ولا متعلق بالجلدات بل بنيته السردية قائمة على تلك الجلدات، أما موضوعه فمنطلق من حرصي على كثير من القيم والمفاهيم والرؤى التي أطلقتها الحركة الشعبية وخلقت إلتفاف حولها، تنغص عليها مثل تلك الأفعال (وفي حالتي الجلد)، وكذلك منطلق من ثوابت ناضلنا من أجلها سوياً جنباً إلى جنب يعكر صفوها بعض المواقف التكتيكية التي لا تشبه تلك الرؤى الاستراتيجية. ولا أتصور أن كتاب الأستاذة لبنى منطلق من ذات الموقف، أي موقف الحرص على على كثير من القيم والرؤى التي يطلقها المؤتمر الوطني وسلطته. إذاً هناك فرق في طقس الكتابة نفسه وبالتالي أهدافها.

هناك فرق، بين جلداتي وجلداتها كبير، فجلداتي حاولت طباعتها ونشرها في السودان. ذهبت برفقة أحد معارفي له شأن ومكانة عظيمة لموقعه الثقافي والأكاديمي المميز إلى مجلس المصنفات الأدبية وكان على رأسه الشاعر الأستاذ تجاني حاج موسى، واستقبلت في معيته بالترحاب من قبل القائمين على الأمر هناك. لم يكن السيد المدير متواجداً حينها، فهو في رحلة خارج البلاد. ثم قطع المسئول المناوب موعداً حدده بأسبوع للاطلاع على النسخة من قبل اللجنة المختصة ومن ثم الإفادة بالقرار الصادر بشأن التصريح بطباعتها من عدمه. وعدت بعد أسبوع إلى ذات المكتب لأجد قراراً مكتوباً بخط اليد برفض السماح بطباعة الكتاب في السودان نسبة للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد، وكان وقتها حادث الطائرة المشئومة التي راح ضحيتها القائد د. جون قرنق لم يتجاوز عدة أشهر.

وكانت الجلدات قد بدأت نشرها جريدة الشرق القطرية في بداية شهر يوليو 2005 على تسع حلقات آخرها نشرت بعد رحيل رئيس الحركة الشعبية وكان الكتاب عبارة عن رسالة مولة موجهة للقارئ عبره. ثم نشرتها جريدة الأضواء السودانية على عدة حلقات بعد ذلك، رغم ذلك رفضت السلطات منحي الإذن بطباعتها مما اضطرني للقيام بذلك في القاهرة ثم إدخالها السودان.

الفرق الكبير أيضاً في القائم بأمر الجلد، في حالة الأستاذة لبنى أوقفتها شرطة النظام العام بدعوى اللبس الفاضح تحت المادة 152 من قانون النظام العام والتي تنص على الآتي:

1. من ياتي في مكان عام فعلاً او سلوكاً فاضحاً أو مخلا بالآداب العامة او يتزيا بزي فاضح او مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة او بالغرامة او بالعقوبتين معاً.

2. يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة اذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل او عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.

أما في حالتي فالقائم بأمر الجلد هم رفقاء نضال أكلنا معاً وشربنا معاً وننام تحت سماء (سقف) واحدة، ونناضل من أجل سودان أفضل لنا ولسوانا ننعم فيه بالعدل والمساواة والحرية. ما ينص عليه القانون يتسق مع برنامج ورؤى واضعيه وهم الذين يحكمون البلد بفضل هذا القانون وغيره من القوانين، لذلك أستطيع أن أفهم أن يجلد رجل أو حتى إمرأة. أما جلداتي فلم تكن تتسق مع رؤى وأفكار وتطلعات من نفذوها، لأنهم دعاة السودان الجديد الذي نبحث عنه، وهو ما أثار دهشتي التي حفزت ذاكرتي للإحتفاظ بكل التفاصيل لأخطها على كتاب فيما بعد مستعيناً بها وفقط.

لا ادري ولكني أعتقد حسب متابعاتي أن الأستاذة لبنى إرتفع صوتها بشدة، ولها كل الحق الذي يجعلني أقف إلى جانبها، بعد تعرضها الشخصي للوقوع تحت طائلة هذه المادة (التي لم تحدد مواصفات الزي الفاضح مما جعلته عرضة لأهواء المنفذين)، في الوقت الذي جلدن قبلها الكثيرات وحتى بعدها. وعندما انطلق صوتها جاء من قاعدة أن ما تلبسه ليس زياً فاضحاً ولا يسبب مضايقة لشعور هذا النص من المادة، في الوقت الذي ظل فيه نضال الشعب السوداني الواقع تحت طائلة كل قوانين المؤتمر الوطني التي فصلها طوال مدة إنفراده بالحكم ولا زال يصارع ويناهض كل محاولات إلغائها أو تعديلها بما يتماشى مع حقوق المواطنين، ظل هذا النضال متواصلاً منذ المرسوم الدستوري الأول في يونيو 1989 الذي تناسلت من صلبه كل تلك القوانين. ويحفظ للأستاذة لبنى أنها ضمن خمس طالبات أنذرن بالفصل من جامعة الجزيرة وهي بعد (برلومة) لإحتجاجهن على اوضاع سكن الطالبات والإعتصام الذي نفذته الطالبات نتيجة لذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي.

لكن يبقى السؤال الدائر في ذهني لماذا لم تجلد الأستاذة لبنى أحمد حسين؟ وهل النظام القائم يخشى حقيقة عواقب جلد إمرأة لأن الأضواء المحلية والعالمية مسلطة على بنطلونها؟ كلنا يدري حجم الإنتهاكات التي مورست وفي وضح النهار وباعتراف أهل النظام وقادته وبعلم كل العالم فهل إرعوى أو اختشى وصبغت الحمرة وجنتيه؟ وكلنا يدري من جلدن قبل محاكمة الأستاذة وبعد محاكمتها. هل لأن القاضي الذي حاكمها كانت لديه خيارات غير الجلد، ففكر أن لا يمنحها (شرف) عقوبة الجلد لأنه اعتبرها إنتصار لقضيتها فآثر تغريمها بضعة جنيهات ليفقد قضية المرأة ونضالها ذلك الزخم الذي أثارته الأستاذة لبنى؟ وكيف كان سيكون المشهد إن حكم عليها بالجلد بعد أن وزعت رقاع الدعوة لمشاهدة واقعة الجلد؟ هل سيختلف عن الواقع الآن، فلبنى لم تجلد ولكن الجلد مستمر؟

المهم يا أستاذة لبنى هنيئاً لك بكثير (اليوروهات) وما تنسي حقوقي الأدبية وعاش نضال المرأة السودانية.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by