# # # #
   
 
 
[ 23.11.2009 ]
من يعتذر لهؤلاء - أمير بابكر عبدالله




لأطفال يا فاطنة بيغنَّوا
الأفراح لابد من ترجع

تحت دعاوي ضمان مستقبل أفضل لهم وضخ دم من العرق الأبيض، قامت بريطانيا في القرن الماضي بتهجير عشرات الآلاف من الأطفال إلى مستعمرتها السابقة أستراليا. وها هي الحكومة الإسترالية تعترف بأن حوالي نصف ممن أطلق عليهم إسم "الإستراليون المنسيون" قد تعرضوا لإنتهاكات وإهمال في دور الأيتام ورعاية الأطفال، وقدم رئيس وزرائها إعتذار وطني رسمي لكل الأطفال الذي تعرضوا لإنتهاكات في تلك الحقبة في حضور المئات ممن هجروا وهم اطفال إلى تلك البقعة النائية ضد رغبات ذويهم وفي غفلة منهم أحياناً.

شدني هذا الخبر وأنا اتابعه خلال إحدى النشرات الإخبارية لواحدة من القنوات الفضائية بالصوت والصورة، ليلحق به خبر آخر مفاده زيارة الممثلة الخاصة للامين العام للأمم المتحدة للسودان بهدف تنفيذ توصيات الأمين العام التي وردت في تقريره بشأن وضع الأطفال والصراعات المسلحة في السودان.

وكأن رئيس الوزراء الأسترالي وممثلة الأمم أرادا أن يسبقا الإحتفال العالمي بيوم الطفل الذي أقرته الأمم المتحدة بسلوك متحضر يوحي بأن الأول قد تجاوزت بلاده كل تلك المآسي، ورجعت الأفراح للأطفال. فيما توحي الزيارة بإهتمام المؤسسة الدولية بمهامها خاصة المتعلقة بالأطفال.

أما نحن فقد أصدر مجلس شئون الأسرة والمرأة والطفل بولاية الخرطوم بياناً للصلاة والدعاة من أجل أطفال السودان بهذه المناسبة، دعوة توحي بالإستسلام للواقع والإكتفاء بالإبتهال والدعاء، كإنجاز ساطع سيزين صدر حائط المجلس ويسجل في دفتر منصرفاته قيمة الإعلان المدفوع الأجر في الصحف السيارة.

يولد الطفل حيَّاً وحراً وهما حقان ترتكز عليهما كافة الحقوق الواردة في إتفاقية حقوق الطفل التي صادقت ووقعت عليها الدول بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمير 1989م. وكان ذلك إقراراً من زعماء العالم بحاجة الأطفال ما دون الثامنة عشر إلى حماية ورعاية لا يحتاجها الكبار. وإذا علمنا من إحصائيات التعداد السكاني الأخير أن عدد الأطفال دون السادسة عشر يتجاوز ال 18 مليون في مقابل 6 ملايين دون الخامسة مما يعني أنهم أكثر من نصف سكان السودان، فإن المشهد السوداني يحتاج لأكثر من مجرد الإكتفاء بالدعاء لأطفالنا.

المشهد السوداني ليس مريحاً، فإذا تجاوزنا عدد الوفيات وسط الأمهات أثناء فترة الحمل أو الولادة، فإن البيئة التي يولد فيها أطفالنا مليئة بالمنغصات التي يحتاج تداركها إلى عمل جاد ودؤوب ووفق خطط وبرامج تستشرف المستقبل ويبذل لها من الميزانيات ما يكفي لدفع أسباب النهوض لبلادنا. وحتى يتم ذلك من المسئول عن نصف سكان السودان في المرحلة القادمة إذا ما تزايدت وتيرة المواليد بنفس نسبها وبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه.

من الذي سيعتذر إلى المشردين والمهجرين والنازحين من الأطفال طوال الفترة السابقة؟ لا شك إن تأثير الحروب كارثي على كل منطقة تنشأ فيها نزاعات مسحلة، وأكثر المتضررين إذا ما طال أمدها هم الأطفال. حالات التشرد والنزوح والتهجير تصاحبها تداعيات كثيرة مختلفة تعد من مظاهر إنتهاكات لحقوق الطفل، هذا غير الانتهاكات الفعلية. وبالنظر إلى الأسباب المؤدية إلى تلك الحالات نجدها في المقام الأول نتيجة سياسات خاطئة يتحمل وزرها القائمون على أمر إدارة الدولة، سواء على المستوى السياسي أوالاقتصادي أو الاجتماعي.

يمكن إجمال هذه الأسباب في الفقر بسبب السياسات الاقتصادية وإلإستثمار في مشروعات غير منتجة في مقابل الإهمال التام للمشروعات التي تدفع بعجلة الانتاج والاقتصاد، مما نتج عنه تشريد آلاف الأسر وهجرة مئات الآلاف من مناطق الانتاج الزراعية إلى مناطق حضرية، صاحب ذلك سياسات الإفقار التي انتهجتها الدولة، مما أدى إلى إهمال الأسر لطفالها والإستعانة بهم في تصريف شئون الأسرة، إو على الأقل تحمل مسئولية مصروفاته. ولعل ظاهرة إنتشار الأطفال في سوق العمل لا تحتاج لكبير دليل في ظل ظواهر إزدياد عمل الأطفال في الأسواق وفي القطاعات المختلفة رغم تعرضهم للكثير من المضايقات والانتهاكات. هذا ما يتنافى تماماً مع المادة الثالثة (2) من ميثاق حقوق الطفل الذي صادقت عليه الدول والذي ينص على: تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.

هذا بالضرورة يقود إلى ظاهرة النسبة الكبيرة التي لا تستطيع الإلتحاق بالمدارس من مرحلة الأساس أو تضطر إلى قطع الدراسة لعدم قدرة ذويها على تحمل تكلفة المصروفات الدراسية. ولكنا يدري أهمية التعليم ليس كحق للطفل فحسب وإنما أهميته في ترقية الأمم والدول. فبالرغم من إدعاء الدولة إهتمامها بالتعليم وتوسعه إلا أن القادرين على مواصلة التعليم الأساسي أقل بكثير من غير القادرين على ذلك، هذا إذا غضينا الطرف عن التعليم السائد الآن ومناهجه وحساب محصلته النهائية ونتائجه الكارثية (وهو قائم أساس التفرقة بين الطلاب القادرين وغير القادرين مالياً)، على مستقبل التنمية والتقدم. من يعتذر لهذا الجيل من الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشر منهم، بل حتى أولئك الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر بمن فيهم من حصلوا على تعليم جامعي وفوق الجامعي والآن يهيمون في الطرقات بسبب سوء التخطيط.

ومن الذي يعتذر للأطفال الذين لم يولدوا بعد، وقد تركتهم موازنة هذا العام "موازنة إختلال الأسبقيات وتكريس الظلم الاجتماعي" بلا ظهر وهي تضع في خانة دعم تقليل وفيات الأمهات أثناء الولادة صفراً كبيراً. ولنأخذ رأي منظمة اليونسيف من تقرير نشرته حول منتدى حول الأطفال اعدت له مع "طيبة برس" لنقف على حجم الماساة " وفي استعراضه لموقف السودان من اهداف الانمائية الالفية قال المستشار الاقليمي لليونسيف بمكتب الشرق الاوسط وشمال افريقية عبد الرحمن غندور ان السودان لم يحرزاي تقدم يذكر فى سبيل تحقيق اهداف الانمائية الالفية من اجل الاطفال موضحا ان معدل وفيات الامهات فى فترة الحمل والولادة مازال يسجل نسبا أعلى مقارنة بالدول الاخري فى الاقليم. ميثاق حقوق الطفل يطالب الدول الأطراف في تلك الاتفاقية بإتخاذ التدابير اللازمة المناسبة من أجل خفض وفيات الرضع والأطفال.

ثم من الذي سيعتذر للأطفال الذين عانوا مرارة الحروب الطاحنة والنزاعات الأهلية، التي ضربت مختلف جهات الوطن ولا زالت نيرانها مشتعلة أو هي تحت رماد منتظرة، وهي سبب آخر رئيسي للتشريد والنزوح والتهجير؟ ولا يحتاج الأمر لواسع خيال لندرك حجم مأساة الأطفال في ظل تلك الظروف.. هل يمكن أن نطلق عليها إستثنائية وقد صارت هي القاعدة بطول الوقت الذي إختلت فيه الأسبقيات؟ ودوننا معسكرات النزوح التي تحكي الكثير، هذا غير الذين يعيشون في أطراف المدن.

أما الأطفال فاقدي الأبوين فلا بواكي عليهم، إذا كانت سياسات الدولة قائمة على تجاهل قضايا الأطفال والإهتمام بحمايتهم، فهل من المجدي الحديث عن تجاهلها لأولئك وقضيتهم أكثر تعقيداً؟ رغم أن إتفاقية حقوق الطفل تحفظ لهم حقوقهم كما جاء في المادة 20:

1.  للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية أو الذي لا يسمح له، حفاظا على مصالحة الفصلي، بالبقاء في تلك البيئة، الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة.

2. تضمن الدول الأطراف، وفقا لقوانينها الوطنية، رعاية بديلة لمثل هذا الطفل.

3. يمكن أن تشمل هذه الرعاية، في جملة أمور، الحضانة، أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي، أو التبني، أو، عند الضرورة، الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال. وعند النظر في الحلول، ينبغي إيلاء الاعتبار الواجب لاستصواب الاستمرارية في تربية الطفل ولخلفية الطفل الإثنية والدينية والثقافية واللغوية.

إعتذر رئيس الوزراء الأسترالي للأطفال في وقت إستطاعت دولته أن توفر لهم الحماية اللازمة من تعليم مجاني وصحة ورعاية إجتماعية وغيرها من الحقوق، إعتذر بعد أن إستطاعت أستراليا الوقوف على قدميها رغم أن ما جرى كان في عهد الإستعمار البريطاني لبلاده، فمن يملك الجرأة عندنا في السودان ليعتذر لنصف سكان السودان الآن ولملايين أخرى تجاوزت مرحلة الطفولة. نحن نختفي خلف إبتساماتنا وإدعاءاتنا ولكننا في العادة نقوم بأمور سيئة كثيرة. وها أنا من جانبي أعتذر.

جلداتي وجلدات لبنى

إبتدر الأستاذ محمد آدم حسن خيطاً في المنبر الحر لسودانيز أون لاين، نبهني فيه لحقوق ملكيتي –او على الأقل نصفها- في عنوان الكتاب الذي تزمع إحدى دور النشر الفرنسية نشره للأستاذة لبنى محمد حسن، أو ربما تم نشره بالفعل، وهو كتاب "أربعون جلدة لإرتداء بنطلون" في مقابل الكتاب الذي نشرته في مطلع العام 2006 "واحدة وثلاثون جلدة على مؤخرة رجل"، سيكون هذا موضوع مقالة قادمة.

 

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by