# # # #
   
 
 
[ 03.11.2009 ]
الأسلاميون .. صور مقلوبة ـ أمير بابكر عبدالله*




جاء في قاموس اللهجة العامية في السودان، للمرحوم البروفيسور عون الشريف قاسم، أن مفردة (مُلاغة) تعني المتهافت البالي لا قوة فيه ولا تماسك، لا ادري لم علقت في ذهني تلك الكلمة وأنا أقرأ الحوار مع الدكتور (الشيخ) محمد عبدالكريم الذي نشره موقع الجريدة الإلكترونية "سودانايل" نقلاً عن "سودانيزأونلاين". ويبدو أن شيخنا لا يفرق كثيراً بين الفِقْه والفَقِهْ في ردوده المضطربة غير المتماسكة، رغم أنه حاصل على شهادة الدكتوراه ويرأس قسم الثقافة الإسلامية بجامة الخرطوم. ربما مردَّ (مُلاغة) حديثه هو خوضه في أمر تجاوزه الزمن بكثير، وكأني به مثل ذلك الغائب عن الوعي منذ أيام حكم مايو واستيقظ فجأة ليقول مستغرباً وجود الحزب الشيوعي في الساحة السياسية "إنتو نميري ده جنَّ".

وكأنما الحزب الشيوعي السوداني "بعَّاتي" خرج له فجأة، أو كما تقول فتواه "الحزب الشيوعي خرج من قبره"، يقول (الشيخ) أستاذ الجامعة العريقة أن (مشكلتهم) مع الحزب الشيوعي بدأت قبل حلول شهر رمضان الكريم بيوم واحد عندما وزع أعضاء الحزب بوسترات في منطقة الجريف تدعو المواطنين لحضور الإحتفال بافتتاح داره في المنطقة، وانهم إحتجوا عندما وزع الرفاق الدعوة في مساجد الجريف، ومن ثم أصدرت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بيان تحريم نشاطه والإنتماء إليه. سأقول للشيخ الجليل إنه وفي يوم جمعة، قبل عدة أسابيع، أديت فرضها في إحدى المساجد بالحي الذي أقطنه، وقف أحد المصلين عقب الصلاة مباشرة ليدعو الناس إلى حضور مؤتمر حزب المؤتمر الوطني في الحي، ومعروف ان المؤتمر الوطني ليس جهة إسلامية بل حزب سياسي يضم في عضويته حتى المسيحيين. ما رأيك؟

الدكتور (الشيخ) بدأت مشكلته مع الحزب الشيوعي فقط في ذلك اليوم، في الوقت الذي يمارس فيه ذلك الحزب نشاطه العلني لما يقارب الخمس سنوات دون أن يثير ذلك حمية إسلامية داخله ولا دعوة للجهاد ضده (على الأقل علناً). بل وفي صورة مقلوبة تماماً لذلك الهجوم الشرس الي شنه الدكتور (الشيخ) على الشيوعيين، يقول إن سبب إندلاع العنف بينهم والشيوعيين يعود إلى أن شباب منهم ذهبوا إلى مكان الإحتفال لتسجيل رأيهم عبر بيان الرابطة ولكن تحرش بهم الشيوعيون، وتأتي الصورة المقلوبة هنا حيث يقول " فشبابنا جاءوا لحضور نشاط مفتوح ومتاح لكل سوداني وكل إنسان له كامل الحق في توضيح رأيه وتسجيل صوت احتجاج ومعارضة فما المانع من ذلك؟ ولكن الشيوعيين لم يحتملوا الرأي الآخر وضاقوا بالاحتجاج وبعدها حدث ما حدث ..."

إذاً أيها (الشيخ) فأنت تناقض نفسك تماماً مما يجعل حديثك لا قوة فيه ولا تماسك أي كما جاء في قاموس اللهجة العامية "مُلاغة"، ففي الوقت الذي ترى فيه حق شبابك في حضور نشاط مفتوح لكل السودانيين تحاول أن تحرم بعض السودانيين الذين منحتهم المواطنة والدستور ذلك الحق مثلما منحتك، وقبل أن يبارح (الشيخ) موطئ جملته المتناقضة ويختمها يذهب إلى أن كل إنسان له كامل الحق في توضيح رأيه وتسجيل صوت إحتجاج ومعارضة، وهذا لعمري رأي يقول به دهاقنة العلمانيين وهو جوهر الديمقراطية حيث أن (كل إنسان) هذه تشمل حتى الشيوعيين في أن يقولوا رأيهم ويسجلوا صوت إحتجاجهم ومعارضتهم، وهم لذلك إجتهدوا وأفتتحوا دارهم بالجريف. أما إذا لم يحتملوا الرأي الآخر كما يقول فإن هذا خطأ لا يغتفر وهم الفاعلين في كل المنابر للمناداة بالحرية وإتاحة الفرصة للرأي الآخر. وإذا كان هذا هو رأيك فلماذا كل هذه الضجة، ولماذا الدعاوى التكفيرية.

وأقول للشيخ إن النكتة تقول إنهم يحبون المعارضة، وهي نكتة شهيرة قيلت في هذا الشأن، بان مجموعة من الشيوعيين غرق قاربهم الذي يبحرون فيه فلجأوا إلى جزيرة ليسألوا أول من التقاهم عن الحكومة القائمة في الجزيرة، فعندما أخبرهم بأمرها قالوا له إنهم يعارضونها.
أما ثاني الصور المقلوبة في حوار –بكسر الحاء- (الشيخ) فهو قوله بعلمانية الدستور وطاغوت القانون الساري عندما سئل عن مطالبتهم بحظر الحزب الشيوعي رغم أنه موجود ومسجل وفق القانون والدستور، وذلك بالرغم من لومه الظاهر للحكومة التي تدعي أنها جاءت من أجل تحكيم الشريعة وان الدستور الإسلامي يقتضي على أهله حظر النشاطات الهدامة القديمة منها والمعاصرة. فهذا التناقض الواضح بين علمانية الدستور وإسلاميته يقود (شيخنا) إلى تناقض أكبر منه عندما اعتبر أن اتفاقية السلام الشامل منحت الجنوب دستوراً علمانياً وبالضرورة أن يكون الشمال دستوره إسلامياً، وهذا مدعاة لحظر نشاط الأحزاب العلمانية ونقل نشاطها إلى الجنوب لأن نشاطهم في الشمال يتعارض مع الاتفاقية نفسها. لا أعتقد أن الأمر يحتاج لكثير تعليق هنا.

وينتقل (الشيخ) إلى منطق "الفَقِه" مباشرة فهو لا يعارض بلسانه فقط –وذلك أضعف الإيمان- بل بكل الوسائل المتاحة، والفَقِه كما جاء في قاموس اللهجة العامية في السودان هو الضرب في الرأس، وسوف يجاهد الشيوعيين جهاداً كبيراً. أما كان أوجب على الشيخ أن يستدعي منطق الفِقْه، ويعمل منطق الحوار وهو العارف بالإسلام بل جالس على كرسي الثقافة الإسلامية في أعرق جامعاتنا، بل هو الذي قال في الجزء الأول من الحوار " فشبابنا جاءوا لحضور نشاط مفتوح ومتاح لكل سوداني وكل إنسان له كامل الحق في توضيح رأيه وتسجيل صوت احتجاج ومعارضة فما المانع من ذلك؟" ألم يسمع بجادلهم بالتي هي أحسن.

إن كانت ل(شيخنا) إهتمامات سياسية فعليه أن يلتفت إلى واقع الحال في السودان، وإلى كيف تحول الشعب إلى أدنى درجات الفقر بسبب سياسات الإفقار والتجويع التي لازمتنا طويلاً، وماذا قال في نسبة الإعتداء على المال العام التي تجاوزت ال170% هذا العام؟ هل أعمل فكره ومنهجهه في تبصير الناس للخروج من تلك الأزمة الاقتصادية ومعالجة الكثير من الظواهر الاجتماعية التي طالت المجتمع مسلميه وغير مسلميه بسبب حكامه، أم سيكتفي بأسهل الجهاد وأكسله وهو محاربة الشيوعية.

ربما السيرة لذاتية للدكتور (الشيخ) محمد عبدالكريم، التي قرأتها في "سودانيزأونلاين"، والتي تقول أنه قضى أكثر عمره في المملكة العربية السعودية أبعدته عن الأجواء السودانية وتعقيداتها، وبالتالي ضرورة الاعتراف بالتنوع والتعدد في السودان كشيء يتسق مع الفطرة السليمة.
تنويعات لصور أخرى:

رفضت حماس التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة بينها ومنظمة التحرير الفلسطينية بدعوى أن هناك بنوداً أضيفت إليها لم يتم تداولها، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن مرسوم يقضي بقيام الانتخابات في فلسطين في شهر يناير المقبل، رفضت حماس الانتخابات وقالت إنها ستحول بين قيامها، بل وحذرت بأنها ستعمل إجراءاتها ضد كل من يطأ أرض غزة لهذا الغرض.

الصورة المقابلة خروج كتل الحركة الشعبية والأحزاب الجنوبية والتجمع الوطني الديمقراطي من المجلس الوطني لأن النسخة المعروضة عليه من قانون الأمن الوطني غير تلك التي تمت إجازتها بين الشريكين، ولأنها لا تتوافق مع الاتفاقية والدستور، وأعلنت الحركة الشعبية مقاطعتها البرلمان والانتخابات إذا لم يوضع جدول زمني لإجازة القوانين المتعلقة بالتحول الديمقراطية.

حماس (إسلامية) ستقاطع الانتخابات في فلسطين التي أعلنتها السلطة الفلسطينية (علمانية)، الحركة الشعبية (علمانية) أعلنت مقاطعتها لجلسات البرلمان الذي بقي فيه فقط أعضاء المؤتمر الوطني (إسلامي أم علماني أم ماذا؟ ليصنفه الشيخ كما يشتهي). بينما أعلنت الأحزاب التي شاركت في مؤتمر جوبا (علمانية وإسلامية) إنها ستقاطع الانتخابات إذا لم تعدل القوانين المقيدة للحريات لتتطابق مع الدستور مع بعض الشروط الأخرى.

صورة مقلوبة جداً:
وأنا اطالع الأخبار في صحف الأسبوع الماضي في الموضوع المتعلق بمقاطعة الحركة الشعبية لجلسات البرلمان، ورد ذكر مداخلات داخل البرلمان لأعضاء في حزب الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي الذي يرأسه الدكتور لام أكول وهو حزب تم تسجيله قبل شهر، متى دخل أعضاء حزب (لام) البرلمان ومتى أدوا القسم، وهل جرت إنتخابات من وراء ظهرونا؟ "إنتو نميري ده جنَّ؟"

* رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by