# # # #
   
 
 
[ 26.10.2009 ]
سدود مكاوي ـ أمير بابكر عبدالله*




في الحوار الذي نشرته "الأحداث" الأسبوع الماضي مع السيد مدير الهيئة القومية للكهرباء المُقال المهندس مكاوي محمد أحمد، وفي رده على سؤال المحاورين: حسب تحليلك هل للسياسة يد في خروجكم من الهيئة؟ فكان رده عفوياً خالصاً ولكنه يعبر عن سيادة مفهوم الأقطاع، حيث تحولت الدولة إلى إقطاعيات طوال الفترة السابقة وذلك ما جعله يرد حتى دون تفكير كثير في الأمر بأن: "لا أظن ذلك فجميعنا أعضاء في حزب المؤتمر الوطني."

ورغم أن هذه حقيقة لا جدال فيها، ويبذل المؤتمر الوطني كثيراً من الجهد والمال ليظل الأمر كما هو عليه، لكن الجديد في هذه الحقيقة هو أن الأمر بدأ يطال أعضاء المؤتمر الوطني أنفسهم وهذا مرده إلى التخمة التي أصابتهم، أو بالأحرى لن يجدوا هناك من يقيلونه أو يعفونه سوى أعضاء في المؤتمر الوطني، لأنهم أفرغوا الخدمة المدنية من قوميتها لتصير مجرد ضيعة لأعضاء المؤتمر الوطني. إذاً من سيجدون ليقيلونه سوى عضو في المؤتمر الوطني. هل الإقالة تعني الإحالة للصالح العام أو الفصل التعسفي؟

لا علاقة للامر بالكفاءة هنا، فقد يكون السيد مكاوي مؤهلاً جداً لإدارة هذا المرفق الوطني، ولا علاقة لذلك بعضويته الحزبية (السياسة) رغم إنها شفعت له بالبقاء في هذا المنصب، بل هو اهل قضية وبيعة تلك البيعة التي لا تزال في عنقه كما جاء في موقع "سودانيل" الإلكتروني. فالكفاءة شيء مطلوب في أي عمل ويدعو للتشجيع وليس للفصل (العنصري)، بل أحياناً تضطر الدول لإستيرادها على حساب ميزانيتها واحتياطيها النقدي في سبيل تطوير ورفع قدراتها. والكفاءة المهنية لا علاقة لها بحزب سياسي أو مذهب فكري أو دين، بل هي الركيزة والقاعدة الأساسية التي تقوم عليها الخدمة المدنية وكافة مؤسسات الدولة القومية المحترمة، ولكن كلهم مؤتمر وطني.

الكفاءة التي ميزت أداءه (بالانقطاع المستمر للتيار الكهربائي) ربما كانت الدافع وراء ذلك الإحتفال، الذي يبدو من خبر "الرأي العام" وحجم الهدايا ونوعيتها ضخماً، والذي نظمته النقابة العامة لعمال الكهرباء والصناعات الهندسية بالسودان بمباني الهيئة لتكريم المهندس مكاوي "المدير المقال"، وسط حضور كثيف يمثل كافة ولايات السودان وعدّد المتحدثون في الاحتفال إنجازات المدير السابق وإسهاماته في مختلف المجالات. واستقطع العاملون مرتب يومين إلى جانب اهدائهم عربة برادو موديل 2009م إلى جانب الهدايا التذكارية والأوشحة التي كتبت بالذهب الخالص تكريماً لما قدمه للهيئة. طبعاً النقابات نقابات مؤتمر وطني "على كيفهم" ولكن هل وافق كل العاملون على استقطاع مرتب يومين لأجل هذا الحدث؟ أشك في ذلك مع الأزمة المالية العالمية التي ضربت معاقل الإستثمار العالمي ناهيك عن جيوب العاملين "رغم إدعاء مدير بنك السودان بعدم تأثر السودان وبنوكه بتلك الأزمة".

ذلك الإحتفال شرفه الزبير أحمد الحسن وزير الطاقة والتعدين بنفسه، وعدد (حسب الصحيفة) إنجازات مكاوي ومجهوداته في إحداث إستقرار متكامل في الشبكة مشيداً بدوره الكبير في النجاحات التي تحققت لهذا القطاع. وتبعه السيد بشرى عبد الله المدير المكلف للهيئة الذي قال إن مكاوي رفع شعار التغيير وأحدث تغييراً في فترة وجيزة وغطى (60%) من أنحاء السودان و تعلمنا منه الكثير. راودني إحساس بأن الإحتفال بهذه الطريقة وكأنه نكاية في الجهة التي اتخذت القرار، أو هو تعبير عن إحتجاج ناعم له على طريقة أضعف الإيمان. وأساس ذلك الإحساس هو أن الرجل أكد في ذلك الحوار أن جميعهم أعضاء في حزب المؤتمر الوطني.

ولأن التطور من طبيعة الأشياء، فالسيد مكاوي وبعد أن كان مسيطراً على تردد كهربائي وموجهاً لكل تيار من خزان الرصيرص وحتى خزان خشم القربة، لم يدرك أن تغير المفردات يعني الكثير، ولم ينتبه إلى أنه بعد تحول مفردة الخزان إلى سد جرت مياه كثيرة في مروي. ربما اعتقد أنها مجرد سدود ترابية كتلك التي كنا نطلقها على مثل ذلك النوع من الحواجز التي تشيد للحفاظ على المياه اطول فترة ممكنة.
لكن صار السد يولد كهرباء، إذاً من الطبيعي أن تدخل ضمن نطاق مسئوليات الهيئة القومية للكهرباء، ولأنهم جميعاً أعضاء في المؤتمر الوطني فالكل يدير إقطاعيته حسب رؤاه ولا تهم النتائج التي سيتأثر بها المواطن. فالسيد المهندس مكاوي وهيئته –وقتها- لم يناقش إدارة سد مروي فيما يتعلق بتوليد الكهرباء وتوزيعها في الشبكة قبل الإنتاج، بعد أن علم أن إدارة السد ستباشر بنفسها إدارة المحطة بعد الإعلان عن افتتاحه بشكل رسمي أو كما قال: بالنسبة للهيئة لم تكن تلك إشكالية.

المشكلة كما يحددها المهندس مكاوي في الصلاحيات، فالسد جسم سيادي لا يريدون له أن يتحول بعد توليد الكهرباء إلى محطة توليد ضمن محطات الهيئة. هذا أمر بالنسبة لي مقنع وواضح –أنا الجاهل بالأمور الفنية فيما يتعلق بالكهرباء- ولكنهم يديرون في المؤتمر الوطني يديرون الأمور بعقلية الإقطاعيات. فماذا فعل مكاوي الذي سمع بقرار إعفائه مثله مثل الأخرين؟ أما كان أجدى له وأكرم أن يخلع قبعة الإقطاعي ويتقدم باستقالته بعد أن أشار للجهات المعنية للحل كثيراً وكاتبها بهذا الخصوص، وقناعته حسب ما جاء في الحوار أن المشكلة لم تنته إذا خرج هو من الكهرباء أو أسامة من السد.

ولكنه –ربما- لم يتوقع أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه، ليجد نفسه خارج اللعبة التي حسب أنه ممسك بخيوطها طالما هو مؤتمر وطني. ليكتشف بما يشبه الصدمة أن للسد حساسية سيادية وله صلاحيات مطلقة في مقابل صلاحيات محدودة أو مقيدة، كما أسماها، يتمتع بها سيادته كمدير للهيئة القومية للكهرباء، ويرى سيادته أن علاج هذه الحالات (الصلاحيات المطلقة) يحتاج إلى تغيير ثقافة الناس الذين بيدهم تلك الصلاحيات المطلقة.

الآن فقط يتحدث عضو المؤتمر الوطني، وبعد أن غلبته الحيلة في (سدَّها)، عن الصلاحيات المطلقة. تلك الصلاحيات المطلقة التي منحته وغيره من منسوبي حزبه تلك المواقع في إدارة مؤسسات الدولة بالحق وبالباطل في الوقت الذي شرددت فيه الآلاف من الكفاءات لأنها لم يتم تعميدها في هياكل حزبه، بل هي التي قررت إنشاء وحدة سد مروي يتبع لوزارة الري، وعندما لم يسعها جلد الوزارة تجاوزته لتتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية وتصير وحدة تنفيذ السدود ومديرها بدرجة وزير. ثم أين وزارة الري من كل تلك الضجة؟!

ولعلم الباشمهندس مكاوي –إن كان لا يعلم- إن هناك قلة من قيادات حزبه التي أوكل لها إدارة بعض مؤسسات الدولة بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية، رفضت الإنصياع للصلاحيات المطلقة وتمسكت بالمهنية في إدارة تلك المؤسسات، وعندما وجدت بعض منها نفسها غير قادرة على ذلك تقدمت بإستقالاتها من المنصب إذا لم تفارق مؤسستها السياسية تنظيمياً، وظلت محل إحترام العاملين بتلك المؤسسات. وهي قيادات لا شك في إنتمائها للمؤتمر الوطني، ولكن عندما كانت تأتيها الأوامر من أصحاب الصلاحيات المطلقة بفصل العاملين وتشريدهم (حسب الكشوفات المرفقة)، كانوا يقفون بصلابة في وجه تلك التعليمات ويتعاملون معها وفق المنظور المهني لا السياسي. أما أكثر تلك القيادات فكانت تذعن لتحافظ على كرسيها وإقطاعيتها، ولم يكن همها أن تقدم ما يفيد لتطوير المرفق الذي تحت إمرتها.

كلنا يعرف ما يحاولون ستره يا باشمهندس، والجاتك في منصبك سامحتك، وإن غلبك سدَّها فسدد سهامك للسدود فهي الضل، أما الفيل فهو المؤتمر الوطني. ويقول لنا إنه لا يظن أن للسياسة يد في خروجه من الهيئة لأنهم أعضاء في المؤتمر الوطني، (طيب السبب شنو؟).

*رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by