# # # #
   
 
 
[ 14.10.2009 ]
سبل الارتقاء بالتعليم العالي في السودان ـ د.عثمان إبراهيم عثمان*




نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم 11264 بتاريخ 30/9/2009م خبراً مفاده أن جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية تعتزم استبعاد الأساتذة غير الأكفاء عن التدريس، وذلك بعد أن وفرت لهم كل السبل الكفيلة بأداء واجباتهم البحثية، والأكاديمية حسب المعايير العالمية. تطالب جامعة الملك سعود أساتذتها كذلك بحيازة موقع إلكتروني خاص لكل منهم بغرض التواصل المعرفي مع الطلاب كشرط لصرف بدل نقدى يعادل 25% من رواتبهم.

هذا في مجال رفع القدرات لأعضاء هيئة التدريس؛ أما السياسة التعليمية بجامعة الملك سعود مثلها مثل جامعتى الملك عبد العزيز والملك فهد فتقوم على نظام السنة التحضيرية (Preliminary Year) التي تعتمد أساساً على تعليم الطالب اللغة الإنجليزية، والحاسوب، وذلك لان التدريس بهذه الجامعات يتم باللغة الإنجليزية، التي تتيح للطالب الاستزادة من أحدث الكتب والدوريات العالمية المتخصصة.

لاغرو إذن من أن تتبوأ الجامعات السعودية مراتباً متقدمة وسط الجامعات العالمية والإقليمية، حيث تحتل جامعة الملك سعود المرتبة الأولى عربياً، والمائة السابعة والتسعون عالمياً، حسب تصنيف ويبوماتركس (Webomatrics Ranking) الاسباني الصادر في يوليو 2009م؛ تليها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (الثانية عربياً و303 عالمياً)، فجامعة الإمام محمد بن سعود (الثالثة عربياً و636 عالمياً)، فجامعة الملك فيصل (الرابعة عربياً و993 عالمياً)، ثم جامعة الملك عبد العزيز (الخامسة عربياً و1072 عالمياً)؛ في حين تأتى جامعة الخرطوم في المرتبة الثالثة والثلاثين عربياً والثامنة والعشرين إفريقياً و 4371عالمياً فجامعة أفريقيا العالمية في المرتبة الستون عربياً والسابعة والخمسون إفريقياً و6482 عالمياً، ثم جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة الخامسة والستين عربياً، والتاسعة والخمسين إفريقياً، و6556 عالمياً، أما بقية الجامعات السودانية، فلم يرد أي ذكر لها ضمن السبعة آلاف جامعة ومؤسسة أكاديمية، وبحثية، التي تم تصنيفها بأحد أبسط المعايير العالمية، وأقلها متطلبات.

يعلم أساطين التعليم فى بلادنا فى الزمن الجميل بأن سر تميز جامعة الخرطوم عالمياً وإقليمياً، كان بسبب تقديمها لكل مقرراتها الدراسية باللغة الإنجليزية مع تبنيها لسنة تحضيرية لطلابها الجدد. استمر هذا النهج حتى قيام ما سمى بثورة التعليم العالي، عندما أرغمت الجامعة على التدريس باللغة العربية، وألغيت السنة التحضيرية بكلية العلوم. أفرز هذا الوضع تدهوراً مريعاً فى مستويات الطلاب الأكاديمية، وفقدوا كذلك ميزة امتلاك ناصية اللغة العالمية، وهو ما كان يميز خريجيها عن خريجى الجامعات العربية الأخرى، والذين لم يحسنوا صنعاً حتى باللغة الإقليمية، فأخطاؤهم بها يندى لها الجبين.

انجلى فشل سياسة تعريب العلوم تلك من خلال الورشة الشفافة التى عقدتها كلية العلوم بجامعة الخرطوم عام 2004م والتى حظيت بحضور مكثف لكل أنواع الطيف السياسى الأكاديمى بغرض تقويم تجربة التعريب بعد أربعة عشر عاماً من إنفاذها. إنزعجت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ممثلة فى الهيئة العليا للتعريب لمخرجات الورشة، وأوعزت لإدارة الجامعة بمحاسبة كاتب هذه السطور كعميد للكلية حينها بزعم تزويره لتوصياتها. قادنى هذا التصرف ضمن أسباب أخرى لتقديم أستقالتى من عمادة الكلية. "نعام الخرطوم"، كما يحلو للإمام الصادق المهدى أن يردد هذه الأيام، كانت حاضرة للتعامل مع توصيات الورشة، ومع ذلك فإنها قد ألقت حجراً فى البركة الراكدة، حيث أقام اتحاد الطلاب وروابط الكليات الأكاديمية مؤتمرات أخرى للتقويم الأكاديمي، خرجت بنفس توصيات الورشة  فكان نصيبها "الطناش" أيضاً، فلم نملك حينها إلا أن نقول: قد أسمعت إذ ناديت حياً     ولكن لا حياة لمن تنادى.

بحجة تخطي السن القانونية تخلصت الجامعات السودانية العريقة كذلك من خيرة أساتذتها الذين نالوا أرفع الدرجات العليا فى أميز الجامعات العالمية، ومازالوا قادرين على العطاء البحثي والتدريسي بكفاءة، يحسدهم عليها الشباب. أفرز هذا الوضع نقصاً متزايداً في الهيئات التدريسية بها، مما جعلها تعتمد على حاملى درجات الماجستير"المحلى فى الغالب" لسد النقص فى التدريس. وضع كهذا لابد أن يفاقم من تدهور مستويات الطلاب الأكاديمية، ويهمل البحث العلمي كلياً.

إذا كنا فعلاً مهمومين بمستقبل الأجيال القادمة بتجرد، وبغير حسابات سياسية وحزبية، فإن سبل الإرتقاء بالتعليم العالى معلومة لدى كافة الوسط الأكاديمي، والعلمي، بمن فيهم بالطبع من كان وراء ما سمي بثورة التعليم العالى الذين يودون منا أن نكون "أتراكاً أكثر من الأتراك" وضد المصلحة الوطنية العليا للبلاد. نلخص تلك السبل فى الآتى:

- تعديل قانونى التعليم العالى والنقابات لينسجما مع الدستور الانتقالي، واتفاقية السلام الشامل.
- الإهتمام باللغات (اللغتين العربية والإنجليزية على وجه الخصوص) فى مناهج التعليم العام.
- التزود بالقدر الكافى من الثقافة الدينية، والتربية الوطنية، والمعارف الأساسية، من خلال مقررات التعليم العام، مما يتيح التفرغ للتخصص في التعليم العالي.
- التدريس باللغة العالمية في مرحلة التعليم العالي وصولاً لاقتصاد المعرفة.
- إرجاع اعتماد السنة التحضيرية لطلاب الكليات العلمية والمهنية واقتصارها على التزود بالعلوم الأساسية واللغة الإنجليزية والحاسوب.
- ابتعاث الهيئة التدريسية للتأهيل وحضور المؤتمرات العالمية والإقليمية، وقضاء إجازات التفرغ العلمي بأرقى الجامعات العالمية، لما في ذلك من تلاقح للمعارف والثقافات.
- اقتصار التدريس على حملة درجة الدكتوراه فقط، بعد اجتيازهم لكورس تدريبى فى التدريس تحت إشراف متخصصين تربويين.
- توفير المعامل، والقاعات، والأجهزة، والمواد الأخرى اللازمة للعملية التدريسية، والبحثية، مع تزويد المكتبات بالمراجع، والكتب الدراسية، والدوريات الحديثة، وإتاحة شبكة المعلومات العالمية (Internet) للتواصل المعرفي التفاعلي بين الأساتذة، والطلاب.
- فرض ضوابط صارمة على الجامعات الخاصة، وإلزامها بتأهيل وتدريب هيئة تدريسية خاصة بها، لتخصصات بعينها لا تمس صحة الإنسان وسلامته.
- صرف رواتب مجزية للهيئة التدريسية تكون كافية للعيش بكرامة، دون اللجوء للعمل فى أكثر من مؤسسة تعليمية، ومن ثم ادخار الوقت والجهد للتدريس والبحث العلمي.
- إعادة نظام السكن، والإعاشة، والإعانة للطلاب الفقراء، وفرض رسوم دراسية على الطلاب الأغنياء.
- إلغاء نظام القبول الخاص، وكل أشكال القبول الأخرى مثل الدبابين، وأبناء الشهداء وغيرها، وقصر القبول فقط على التميز الأكاديمي.
- إنتخاب الإدارات العليا للجامعات، وعمداء الكليات، ورؤساء الأقسام على أساس برامج يحاسبون عليها فى نهاية فترتهم. يضمن ذلك إنفاذ البرامج والتوصيات المتجردة، ومن ثم التغلب على سياسة دفن الرؤوس فى الرمال التى عانينا منها فى جميع المجالات.
- إجراء إنتخابات حرة، ونزيهة، لنقابات منفصلة لإعضاء هيئة التدريس، وأخرى للموظفين، والعمال بالجامعات كضمانة لتوفير البيئة التدريسية، والبحثية الملائمة بها.
- عدم تدخل إدارات الجامعات، والدولة فى آليات انتخابات اتحادات الطلاب، وروابطهم الأكاديمية، والثقافية.

ختاماً: نأمل أن تضطلع الدولة بمسؤولياتها كاملة نحو توفير مستلزمات التعليم العالي البشرية والمادية فى اتساق تام مع الدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل، هذا أو الطوفان؛ اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.
                                                           * عميد كلية العلوم الأسبق 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by