# # # #
   
 
 
[ 19.09.2009 ]
ملتقى جوبا.. كيف نجعل الحلم واقعاً؟ ـ المعز محمد أحمد سعد




نقلا عن جريدة الصحافة 18 سبتمبر 2009

أثار الإعلان عن تأخير موعد انعقاد ملتقى الأحزاب السياسية الذي دعت له الحركة الشعبية لتحرير السودان بجوبا من الحادي عشر من هذا الشهر إلى السادس والعشرين منه، أثار الكثير من التساؤلات حول دواعي التأخير أو التأجيل ومن يقف وراء ذلك، اضافة إلى تساؤل تم تغليفه بكثير من الريبة والشك من قبل المؤتمر الوطني والأحزاب التي تدور في فلكه عن الأسباب الداعية لقيام هذا الملتقى، وكالعادة اسقاط نظرية المؤامرة والخيانة عليه. وتساؤل آخر اكثر اهمية عن مدى الاستعداد لعقد الملتقى في الموعد المحدد أخيرا، ولكي نقف على الحقائق المجردة لا بد لنا من متابعة هذا الحدث منذ الفكرة الأولى وحتى لحظة قرار التأخير.

فكرة الملتقى:
عبرت كثير من الأحزاب السياسية في اطروحاتها ورؤاها لحل المشكلة التي تعتور البلاد، عن الحاجة إلى لقاء جامع لكل القوى السياسية السودانية من احزاب وهيئات ومنظمات مجتمع مدني وافراد للتباحث حول الكيفية التي يمكن بها اخراج السودان من النفق المظلم الذي دخل فيه جراء سياسات حكومة الانقاذ، وللعمل على نقل حل الاشكالية من الخارج إلى الداخل، خاصة أن كل المحاولات لحل المشكلة بالاستعانة بالخارج لم تؤت ثمارا ناضجة، وقد التقت أفكار هذه القوى واتفقت حول جدوى انعقاد هذا اللقاء مع اختلاف المسميات التي اطلقت عليه، وقد اجتهدت هذه القوى في سبيل انزال هذه الرؤى إلى ارض الواقع، فعلمت على مدار العامين المنصرمين تشاورا وتباحثا حتى توجت تلك الجهود باعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان عن استعدادها لاستضافة مؤتمر أو ملتقى بجوبا لكل اطياف اللون السياسي، فكانت ضربة معلم للأسباب الآتية:

أولا: أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد عبرت في أطروحاتها ورؤاها عن قوميتها التي تعني أنها موجودة بل متجذرة في كل انحاء الوطن لا الجنوب فحسب، فكان أن أبانت ذلك عمليا في تصديها للمشاركة في حل مشكلة البلاد- الشمال- على الرغم من المكاسب التي تحققت لها في اتفاقية السلام الشامل التي كان يمكنها الاكتفاء بها دون الدخول في اشكاليات ومطاولات مع شريكها في الحكم المؤتمر الوطني الذي يريد أن ينفرد بحكم الشمال.
ثانيا: العمل مع كل القوى السياسية السودانية من اجل الاستفادة من المكاسب التي تحققت للسودان من اتفاق السلام الشامل كالتحول الديمقراطي، واقرار الحريات الأساسية، والاتفاق على نظام الحكم وتداوله سلميا، وحل مشكلة دارفور الى آخر تلك المكتسبات باعتبارها جزءا لا يتجزأ من السودان الكبير.
ثالثا: لإدراكها بأنها الآن باتت تلعب دورا اساسيا في صنع القرار بالبلاد وإدارة دفة الحكم فيه، وهذا بدوره يلقي مسؤولية كبيرة على عاتقها تجاه الشعب السوداني.

الاستعداد لعقد الملتقى والخطوات العملية:
بعد موافقة الحركة على استضافة هذا الملتقى تم طرح الموضوع على أحزاب المعارضة في التحالف الذي يجمعها، وعملت هذه الأحزاب على دراسة الموضوع والاتفاق عليه وابلاغ القوى المؤتمر الوطني بخطاب رسمي بالملتقى للمشاركة فيه، فتشكلت لجنة للتحضير للمؤتمر برئاسة السيد مبارك المهدي اتخذت من مقر الحزب الشيوعي مقرا لأعمالها، فتمت تسمية مجموعة من الأوراق تمثل القضايا الأساسية التي يُراد مناقشتها والخروج باتفاق حولها، وتمثلت ابرز محاورها في: التحول الديمقراطي وشروط العملية الانتخابية والجهود المبذولة لتعديل القوانين المتعارضة مع الدستور، والسلام والأمن والوحدة وحق تقرير المصير، وتقييم تطبيق اتفاق السلام الشامل، دارفور وآفاق الحل، بجانب جهود توحيد الحركات المسلحة وتقييم لمسارات التفاوض، الاقتصاد، والعدالة والمصالحة، والسياسة الخارجية. وبالفعل قدمت العديد من الأوراق التي تناولت تلك المحاور وشارك في اعدادها أكثر من سبعة فصائل، وتمت مناقشتها والاتفاق حولها، وتم تقديمها للحركة الشعبية التي قامت بدورها بدراستها على اعلى المستويات، وتم اقرارها من قبل المكتب السياسي لها، وتمت ايضا ترجمتها إلى اللغة الانجليزية. وتم ارسال نسخة من تلك الأوراق للمؤتمر الوطني.
ومن ثم قامت الحركة الشعبية بتشكيل لجانها للاعداد للمؤتمر، وتم تقسيم رقاع الدعوة بعد حصر المشاركين ونسب تمثيلهم في الملتقى الذي تكفلت الحركة الشعبية بكل نفقاته، وتم تحديد يوم الحادي عشر من سبتمبر كموعد لانطلاقته، حتى كان اليوم الذي تم فيه الإعلان عن تأجيل قيام الملتقى إلى السادس والعشرين من سبتمبر، فثار التساؤل الكبير لماذا؟ ومن وراء ذلك التأجيل؟

الإعلان عن تأخير موعد انعقاد المؤتمر:
في تطور مفاجئ للكثيرين تم الاعلان عن تأخير موعد قيام الملتقى لاسبوعين، وقبل أن ندخل في مناقشة ما أثير من تساؤلات لا بد لنا من أن نتخذ من البيان الرسمي للحركة الشعبية مرتكزا ومرجعا في مناقشاتنا لتلك التساؤلات، حيث ذكرت أن المؤتمر الوطني والاتحادي الديمقراطي قد طالبا بالاشتراك في الملتقى، وطلبا مهلة إلى ما بعد عيد الفطر المبارك، وايمانا من الحركة الشعبية بأن الملتقى الهدف الأساسي منه خلق اجماع قومي حول القضايا المطروحة عليه، وعدم تجاوز أو اقصاء احد، تم قبول الطلب ومن ثم تأخير الموعد المقرر إلى السادس والعشرين من الشهر الجاري.
إذن من خلال بيان الحركة الشعبية فقد تمت الاجابة عن التساؤلات السابق طرحها بكثير من الدقة والشفافية، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد وذلك للآتي:

أولا: عقد المؤتمر الوطني والأحزاب الموالية له مؤتمرا صحفيا كال فيه الاتهامات للحركة الشعبية والقوى التي دعمت قيام الملتقى واتهمها بالعمل على زعزعة اتفاق السلام الشامل، والتآمر على محاكمة الحكومة على العشرين سنة الماضية، وأن الملتقى قام بإعداد مجموعة من أوراق تلك المحاكمات التي نظرت إلى فترة الانقاذ وتقييمها بكثير من السلبية، بل تمت طباخة القرارات والتوصيات التي سيخرج بها الملتقي مسبقا، «يذكر ان احدى الصحف ذكرت قبل ذلك بأنها تحصلت من مصادرها على قرارات وتوصيات الملتقى قبل انعقاده»، متسائلة عن أهداف الملتقى الحقيقية؟
ثانيا: اثيرت جملة تساؤلات حول قرار التأخير هذا، وهل هناك من ساهم في اتخاذ هذا القرار؟ وما المصلحة من التأجيل خاصة إذا علمنا أن المؤتمر الوطني من الأساس لم يرغب في المشاركة في الملتقى؟ وهل سيشارك فيه؟ ام أن ذلك مناورة منه وتكتيك لايجاد مساحة من الزمن للعمل على فركشته نهائيا؟
ثالثا: أثار عدد من الأحزاب المشاركة في التحالف لغطا وجدلا حول الأوراق التي ستطرح في الملتقى، ونفى أن يكون قد شارك في اعدادها «تصريحات منسوبة لبعض القيادات في التحالف بصحيفة الميدان وصحف اخرى»، وهذا بدوره طرح سؤالا مهما حول ثقة الحركة الشعبية في اتفاق القوى السياسية الشمالية حول برنامج موحد لحل تلك القضايا؟ وهل صحيح ما ذهبت إليه تلك القوى في تصريحاتها تلك أم لا؟ ولماذا؟

ولمناقشة تلك التساؤلات نبدأ بما أثاره المؤتمر الوطني حول الملتقى:
1/ إدعى المؤتمر الوطني أنه لم تتم دعوته للملتقى «مقابلة تلفزيوينة مع احد قادته»، وهذا غير صحيح فقد تم ارسال رسالة إلى المؤتمر الوطني بتوقيع الرئيس والرئيس المناوب للجنة العليا للاعداد للمؤتمر، لكنه - اي المؤتمر الوطني- لم يرد سلبا ولا ايجابا.
2/ إدعى إنه لم يشارك في صياغة الأوراق، وذلك صحيح ولسبب بسيط، حيث أن احزاب المعارضة التي قامت بصياغة رؤاها متفقة إلى حد ما حول تلك القضايا، ولكنها غير متفقة مع المؤتمر الوطني في طرحه حول ذات القضايا، فكان من العبث أن تتم صياغة الأوراق باشراك المؤتمر الوطني، ولكن قيل للمؤتمر الوطني أن يأتي برأيه حول تلك القضايا وتتم مناقشته فيها ويقوم هو بمناقشة رؤى الآخرين.
3/ من البديهي أن يكون رأي الغير سالبا في كثير من القضايا، وإلا فأين يكمن الاختلاف إذا ما كانت الرؤية متطابقة حكومة ومعارضة؟
4/ رعاية الحركة الشعبية للملتقى جاءت من باب حرصها على وحدة صف القوى السياسية في تناولها للقضايا التي يصر المؤتمر الوطني على اغفالها، ولم تقم بعزل أحد بدليل دعوتها للمؤتمر الوطني للمشاركة في أعمال الملتقى، اضافة إلى أنها- اي الحركة الشعبية- قد حققت مكاسب من خلال اتفاقية السلام الشامل، فكيف تعمل على هزيمة الاتفاقية؟
5/ لم تتخذ قرارات وتوصيات على اعمال المؤتمر التي لم تبدأ، ولا أظن أن المؤتمر الوطني ومن حالفه «أميون» ولا يفقهون كثيرا، إذ أن الفرق بين ملخص وتوصيات الأوراق والرؤى المطروحة وبين القرارات والتوصيات التي يمكن ان يخرج بها المؤتمرون بين وواضح ولا يحتاج فهمه إلى كثير عناء، اللهم إلا إن قصد منه تجهيل المتلقى.

دور أحزاب التحالف في تأخير الملتقى:
لا نستطيع أن نجزم بأن الاختلاف واللغط والجدل الذي ساد اوساط القوى المعارضة المتحالفة قد ألقى بظلاله على أعمال الملتقى، وكان له تأثير حول قرار التأخير، ذلك أن الحركة الشعبية في بيانها أوردت الأسباب التي دعتها إلى تأخير موعد انعقاد الملتقى، ولكن ذلك لا يعفي هذه الأحزاب عن المسؤولية مما حدث وتم تناوله عبر الصحف بواسطة تصريحات لبعض قادة تلك الأحزاب، خاصة في ما يتعلق بتملصها من الأوراق والمحاور التي تم الاتفاق عليها واعدادها بواسطة سبعة فصائل أو أكثر والقول بأن تلك الأوراق لا تمثلها، فقد اعمى الله بصيرتها في مسعاها ذلك- ولسنا ندري لمصلحة من كان ذلك المسعى؟ ولاية جهة تعمل؟ حيث رد المسؤول بالحركة على تلك الفرية بأن احزاب التحالف جاءت من قبل بتلك الأوراق وقالت انها تمثلها، فكيف تأتي ثانية وتقول إنها لا تمثلها؟ وكان الاستاذ/ كمال عمر ممثل المؤتمر الشعبي واضحا في قوله: حيث ذكر «ان تلك الأوراق قامت الاحزاب بالمشاركة في اعدادها وأنها تمثلهم». وهذا الموقف مما لا شك سيكون قد ساهم بطريق او بآخر حول هز مصداقية التحالف في تحليه بالمسؤولية لدى الحركة الشعبية. وأقول هنا على الأحزاب المتحالفة أن تدرك كيف يعبر مناديبها عن رأيها في ملتقيات التحالف؟ وكيف أن هؤلاء المناديب يخلطون ما بين الشخصي والعام.

خلاصة القول لا بد أن نعي الآتي:
أولا: إن الحركة الشعبية شريك في الحكم، ولها من المكاسب التي تحققت لها بواسطة اتفاق السلام الشامل ما يغنيها عن الخوض في إثارة معارك هي ليست بحاجة اليها، ولكن مسؤوليتها تجاه الشعب السوداني هو دافعها إلى العمل من أجل نيل تلك الحقوق، لذا يعد من المكاسب الكبيرة أنها قامت برعاية هذا الملتقى وتبنيه، فيجب مساندتها من خلال التحلي بروح المسؤولية من قبل أحزاب التحالف، والترفع عن الصغائر، واعتصام مناديبها دون أن يكونوا دمى تحرك بواسطة الغير.
ثانيا: تمت دعوة الأحزاب والقوى السياسية من منظمات وهيئات وأشخاص بصفاتها الاعتبارية منفردة وليست كتجمع تحالف، يعضد ذلك الاتفاق حول الأوراق او المحاور الذي تم بعد طول نقاش وحوار، وأنها عندما ينعقد الملتقى ستكون هناك مناقشات حول تلك القضايا ولكل حزب أو جهة الادلاء برأيه الذي يراه.
ثالثا: إن الأوراق المقترحة جاءت لابتدار النقاش حول المواضيع المثارة بها. ويمكن لمن اراد أن يأتي برؤى مخالفة لها تماما، فمن أجل ذلك تمت الدعوة للملتقى.
رابعا: لا بد من إدراك ان للحركة الشعبية مسؤولية محددة تجاه الاعداد للملتقى والاستضافة وفق طاقتها. وأنها أكدت على قناعتها بقيام الملتقى لخلق اجماع وطني حول القضايا التي ستناقش فيه، والعمل من اجل انجاح هذا المسعى.

تساؤل مهم:
ولكن يبقى هنا التساؤل المهم : هل المؤتمر الوطني جاد في مشاركته في الملتقى الذي تأجل بسبب طلبه ذلك؟ أم أن تلك مناورة قصد منها اتاحة فرصة لجر النفس سعيا لفركشة الملتقى نهائيا بغض النظر عن الأسلوب الذي سيتم التعامل به من اجل تحقيق ذلك الهدف؟
وهل الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني بعد أن أعلن عن عدم مشاركته في ملتقى جوبا نسبة لأسباب خاصة به داخليا، ثم اعلان رفضه مرة اخرى للمشاركة في ملتقى جوبا لعدم وضوح الهدف منه، قادر على اتخاذ قرار حضوره والمشاركة في الملتقى؟
كل ذلك جائز، وعلى الأحزاب تقع المسؤولية كاملة في انجاح عقد الملتقى وتفويت الفرصة على المؤتمر الوطني.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by