# # # #
   
 
 
[ 17.08.2009 ]
الحركة الشعبية .. الانتخابات والاستفتاء ـ أمير بابكر عبدالله




كنت قد تساءلت في رسالتي المطولة لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان التي نشرت في العام 2005 قبل الحادث المشئوم الذي أودى بحياته، هل الإنفصال هو دعوة أصيلة في خطاب الحركة الشعبية، سيدي الرئيس؟!! وحاولت الإجابة على هذا التساؤل إستدلالاً بالعديد من الملاحظات التي بدت لي مهمة والتي سأوردها هنا كاملة، ومن ثم سأتلمس المستجدات في خطاب الحركة حول الانتخابات والاستفتاء الذي يثير جدلاً كثيراً هذه الأيام.

وفي سياق الإجابة على التساؤل المطروح أعلاه كتبت حينها "لا يمكن الإجابة مباشرة على سؤال مطروح بهذه الصيغة دون القفز فوق العديد من المعطيات. وإذا كنت أرى أن للحركة الشعبية خطاب متعدد المستويات، فإن الانفصال يمثل دعوة أصيلة في مستوى من مستوياته. في مقابل ذلك، وعلى مستويات أخرى، أجده لا يمثل سوى كرت ضغط يحقق مساحة سياسية أكبر لها، تكسبها قدر من المناورة لبلوغ أهدافها.

أول تلك المعطيات هي الاسم الذي اتخذته الحركة (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، وهو يوحي بأن الحركة تجاوزت ومنذ البداية الرؤى الانفصالية منفتحة على رؤى أشمل تسع ويسعها كل السودان. "في ذات الخطاب أكد زعيم الحركة أن الحركة لا تنظر لنفسها كحركة جنوبية تسعى لحل مشكلة الجنوب، وإنما هي حركة وطنية تهمها قضايا الوطن كله، وستعمل على أن تلعب دوراً طليعياً بهدف توحيد السودان على أسس جديدة، وعلى حل المشكلة الجنوبية في إطار سودان موحد تحت نظام اشتراكي عبر نضال طويل الأمد". د. منصور خالد ، السودان، أهوال الحرب .. وطموحات السلام.

ثاني تلك المعطيات، دخول الحركة الشعبية في التجمع الوطني الديمقراطي. مع ملاحظة أن الحزبين الكبيرين (الاتحادي والأمة) إضافة للمؤسسة العسكرية (القيادة الشرعية) وهي أطراف رئيسية في ذلك التجمع، كانت في مرحلة من المراحل على رأس سلطة تحارب الحركة الشعبية. مما يعني أنها قادرة على قراءة مصالحها السياسية جيداً، فحربها التي تخوضها ليست ضد الشمال وإنما ضد الأنظمة الحاكمة في الشمال.

ثم إن الحركة الشعبية سعت –دائماً- للتمدد شمالاً، وشمالاً هنا ليس بالمعنى الجغرافي فقط، بل بمدلولها الإثني. ففي الشمال لديها ما يكفي من أبناء الجنوب الذين جاءوا قبل الحرب أو نزحوا أثناءها. ويجيء قرار إنشائها للواء السودان الجديد كماعون لاستيعاب الشماليين كواحد من مظاهر محاولات ذلك التمدد بعد فشل مواعينها الطبيعية في ذلك.

في مقابل ذلك هناك معطيات أخرى تتجاوز رغبات الحركة ورؤيتها للسودان الموحد على أسس جديدة، فالفضاء الذي تحركت ولا زالت تتحرك فيه بشكل رئيسي هو الجنوب. والبيئة التي نشأت داخلها كانت لها تجاربها في الكفاح المسلح وحركاتها المسلحة التي تنزع رؤاها نحو الانفصال. فكثيرون من مقاتلي وقادة حركة الأنيانيا انخرطوا في الحركة الشعبية، يحملون رؤاهم تلك.

إضافة لذلك، الواقع القبلي الذي فرض نفسه على تركيبة الحركة الشعبية وبنيتها التنظيمية، وهو واقع كان يستدعي مخاطبته بمستوى تتمظهر فيه بوادر الرغبة في الانفصال. والدعوة لمحاربة "الجلابة"، كمستوى من مستويات خطابها، تحمل من ملامح الخطاب الإثني ما يدفعني للقول بأنه يمكن أن يؤسس لقاعدة إنفصالية وسط القبائل في جنوب السودان شاءت الحركة أم أبت.

تأسيساً على ذلك (البعض) من المعطيات الوارد ذكرها، فإن الحركة الشعبية ظلت تتمسك بكافة الخيارات مما جعلها غير متماسكة في أطروحاتها وفرض عليها تقديم ما هو تكتيكي على ما هو استراتيجي، وشيَّدت لها ثلاثة خطوط دفاع تحميها إثر كل انسحاب. فهي من جانب تقدم أوراق الوحدة على طاولة المفاوضات بيد، وباليد الأخرى تبرز كروت الانفصال. وفي سبيل تحقيق مكاسبها يمكن لقادتها الإدعاء بأن 95% من أعضائها يرغبون في الإنفصال، ولكنهم يرجعون ليؤكدوا أن هذه النزعات يمكن السيطرة عليها."

تلك القراءة كانت قبل إستواء سفينة الحركة الشعبية على جودي السلطة، وإكتمال تنفيذ شراكتها الفعلية في حكومة الوحدة الوطنية التي أقرها اتفاق نيفاشا، والتي منحتها على كافة مستويات الحكم الاتحادي أكثر من 25% وعلى مستوى حكم الجنوب أكثر من 70%.

لم يتغير شيء، حيث لا تزال الحركة الشعبية تلعب على ذات الكرتين، تمد كرت الوحدة بيد والانفصال بيد أخرى في إطار سعيها لإحراز مكاسب سياسية في معركتها مع المؤتمر الوطني، وذلك بعد أكثر من أربع سنوات منذ توقيع الاتفاقية. والأكثر مدعاة للتساؤل هو نسبة ال90% من الراغبين في الانفصال في خطاب بعض قادتها التي ظلت ثابتة لا تتزحزح بعد كل الحراك السياسي والتنظيمي الذي اجتهدت فيه.

وبعد أن كان العامل الأساسي هو الحرب التي كانت تحمل بين طياتها أكثر مبررات دعاوي الانفصال في خطاب الحركة، بفعل الظلامات التاريخية التي ظل يتعرض لها الجنوب والتهميش الذي لاقاه من المركز، وبعد انتفاء ذلك العامل بتوقيعها على اتفاق السلام مع المؤتمر الوطني شريكها مذ ذاك التاريخ في الحكم، صارت الانتخابات، التي تعد انتصاراً لعملية التحول الديمقراطي، ونتيجتها هي التي ستحدد الوحدة من الانفصال في حساباتها.

ها هو رئيسها يؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات ومن ثم الاستفتاء حسب تصريحات أوردتها الصحف، بينما تؤكد مرة أخرى، وهذه المرة على لسان امينها العام، على أن عدم فوزها في الانتخابات يعني دفعها للانفصال وهذا تفكير يمثل في جوهره ضيق بالديمقراطية ونتائجها أكثر منه كرت ضغط يمكن أن تمارسه ليس على المؤتمر الوطني فحسب بل على كل القوى الوطنية التي تتطلع برامجها إلى تحقيق الوحدة على أسس جديدة، وإلى تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.

الحركة الشعبية تتحمل الكثير من المسئولية مما يحدث الآن ومما سيحدث مستقبلاً لما ظلت تمارسه من تكتيكات في قضايا تمثل استراتيجيات على مستوى خطابها النظري. كان عليها التزام جانب الصف الوطني وهي التي تمثل ثقلاً معتبراً في الجهاز التنفيذي والتشريعي، خاصة عندما أجاز البرلمان وبموافقتها العديد من القوانين التي أفضت إلى الوضع الراهن.

يذهب البعض، وفي إطار قراءته لمواقف الحركة الشعبية منذ توقيع اتفاق السلام (بل وما قبل توقيعه) التي ظلت متأرجحة بين مصالحها مع شريكها في الحكم وضرورة المحافظة على مكاسبها، وبين رؤاها التي تبذلها من خلال خطابها السياسي الداعي لتحقيق التحول الديمقراطي وإعادة بناء الدولة السودانية بما يجعلها قادرة على استيعاب التعدد والتنوع، يذهب ذلك البعض إلى أن الحركة الشعبية تعمل على خوض الانتخابات المقبلة من وراء ظهر القوى السياسية.

ولا يستبعد ذلك البعض موقفاً مماثلاً للحركة بعد تجربته معها في مواقف متعددة ابتداءاً من اتفاقها مع شريكها وإجازة العديد من القوانين المثيرة للجدل والتي يدفع ثمنها الآن المناخ الواجب توفره لخوض انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وانتهاءاً بدعمها لموقف شريكها، والذي يتسق مع مصلحتها، بشرعية الحكومة بعد 9 يوليو الماضي بعد الجدل الذي أثارته القوى المعارضة، رغم إدعائها بشرعية مطالب تلك القوى.

يقوم تصور ذلك البعض على أن القوى السياسية المعارضة مدفوعة قسراً لمقاطعة الانتخابات في ظل حيثيات المقاطعة المتوفرة وتتمثل في عدم الانتهاء من إجازة كافة القوانين المفضية إلى تحقيق التحول إلى الممارسة الديمقراطية حتى الآن، وتقييد الحريات التي تمنعها من الحراك الطبيعي والإعداد لها، فما زالت تلك القوى لا تستطيع حتى إقامة ندوة سياسية جماهيرية في الميادين العامة. في الوقت الذي تعد فيه الحركة نفسها لخوض الانتخابات رغم تسويقها الناجح لعدم موافقتها لنتائج التعداد السكاني، وأنها تتحرك بحرية أكثر من غيرها في الجنوب وفي الشمال من أجل ذلك في إطار حملتها الانتخابية التي وصلت أعلى مستوياتها بزيارات النائب الأول ورئيسها إلى العديد من المناطق شمالاً لأول مرة منذ توليه منصبه.

فهي تعد نفسها لخوضها مع أملها في مقاطعة الآخرين لها وأن يكون صندوق الاقتراع محصوراً بينها والمؤتمر الوطني بحيث تصوت كل القوى المناهضة للمؤتمر الوطني لصالحها. بذلك تكون قد حافظت على الأقل على نسبتها أو أعلى بقليل أو كثير. ويذهب هذا التصور إلى أكثر من ذلك بإدعائه حرص الحركة الشعبية على إقامة حائط صد بين تواصل القوى السياسية المعارضة في الشمال والجنوب أو العكس، واعتباره في خانة المحرمات إلا عبرها، فهي لا تريد أي اختراق لمناطق نفوذها ويكفيها ما أتاحته الاتفاقية للمؤتمر الوطني من حيز للتحرك هناك أخل بتوازناتها كثيراً وأفقدها السيطرة في أحايين كثيرة.

وفقاً لهذا السيناريو لا يبدو أن الحركة الشعبية ستدفع في اتجاه الانفصال رغم دعاوي بعض قادتها بذلك في حالة خسارتها. فهي ستكون حريصة على الوحدة لأنها ستضمن وجودها وبالتالي المحافظة على مصالحها بفعالية في أي ترتيبات سياسية ما بعد الانتخابات. وهو يستند في ذلك إلى ما سيتوقعه من اتفاق بينها والشريك على إجازة قانون الأمن الوطني والاستفتاء وبقية القوانين المتبقية، فيما ستذهب اعتراضات واحتجاجات بقية القوى جفاء



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by