# # # #
   
 
 
[ 28.07.2009 ]
جنرالات شيخوف وشعب الإيغور ـ أمير بابكر عبدالله




إذا كانت القصة خرجت من معطف قوقل، لكنها لا تذكر إلاَّ ويذكر معها أنطون شيخوف كرائد للقصة القصيرة. وبالرغم مما كتبه من نصوص مسرحية تركت أثرها على خشبات المسارح مثل "بستان الكرز"، إلا أن قصة من تلك التي لا تتجاوز صفحة واحدة تكاد توازي عملاً مسرحياً من ثلاثة فصول. فقصة مثل "موت موظف" التي بالكاد يتجاوز نصها الصفحة الواحدة، ستفقع مرارتك ضحكاً بدلاً من البكاء، وتجعلك في ذات الوقت تنقلب على قفاك بكاءاً بدلاً من الضحك، وأنت تتابع تلك "العطسة" التي خرجت لا إرادياً من أن ذلك الموظف لتسقط على "قفا" الجنرال الذي يجلس أمامه، وتصل بك إلى أن يموت الموظف من الذل والبؤس محاولاً الاعتذار له دون جدوى. ودون جدوى هذه ليس لأن الجنرال لم يقبل اعتذاره، بل هو لم يعر الأمر التفاتاُ أصلاً.

أو تلك القصة التي وجدت ترجمتين لها تحت عنوانين مختلفين، الأول "الحرباء" في إشارة لتلون الشخصية الرئيسية حسب مقتضيات الظروف، والثاني هو "الكلب" الذي اعتبره المترجم هو الشخصية الرئيسية في القصة. وتبدأ القصة بمشهد أول عندما يدخل العريف "أخميلوف" باحة السوق يتبعه شرطي يحمل ما صادراه من فاكهة أثناء جولتهما في السوق. فجأة وفي غمرة الصمت الذي خيم على الأرجاء تنطلق صرخة رجل وكلب ينبح ويتجمع الناس إثر ذلك.

يعلق العريف "آخميلوف" مخاطباً الشرطي الذي يرافقه "أتعتقد أنه من الضروري توجيه اللوم والتوبيخ لتجمع غير مسموح به كهذا؟" لتبدأ رحلة البحث عن صاحب الكلب عندما يتساءل العريف عن صاحبه وهو يستمع إلى شكاية المواطن "كريوكن" المتضرر من عضة الكلب. ويطلب العريف من الشرطي التحري عمن هو صاحب الكلب متوعداً من يتركون كلابهم طليقة كما تشاء بالعقاب الصارم، إلى أن يأتيه صوت من بين الجموع المحتشدة "يبدو انه كلب الجنرال بيجالوف". هنا يرتبك العريف ويشعر بالحر ويكاد يجزم أنه ستمطر اليوم، ثم يتوجه مخاطباً الضحية "يوجد ثمة شيء لا أفهمه كيف عضك هذا الكلب؟ وكيف طال أصبعك بينما هو كلب صغير وأنت رجل كبير. ثم يدعم كلامه الشرطي المرافق له "أطفأ السيجارة في وجه الكلب لكن الكلب ليس غبياً فعضَّه، يا سيدي".
وسط احتجاجات شديدة أطلقها الرجل الضحية مطالباً باللجوء إلى القانون "الذي يؤكد سواسية الجميع في هذا العهد"، يذهب الشرطي، وهو يتأمل الكلب مليِّاً، إلى أن هذا ليس بكلب الجنرال، فكلابه غالية الثمن. وتتتابع المشاهد ليحسم الأمر طباخ الجنرال الذي كان ماراً بالصدفة ليؤكد أن الكلب ليس للجنرال وإنما لشقيقه الذي يزور المدينة هذه الأيام.

كما شخصيات شيخوف البائسة، والمنتزعة من صميم الواقع، يبدو موقف الاتجاهات الرسمية الإسلامية والعربية تجاه ما جرى من قمع لقومية الإيغور المسلمة في الصين. ومعروف أنه منذ سيطرة الصين على دولة تركستان الشرقية التي جل سكانها من المسلمين، وضعت الحكومة الصينية لدمجهم في المجتمع، واهتمت بالإقليم جغرافياً وثقافياً وبتنميته مما أحدث تحولاً إيجابياً على صعيد التنمية فيه. هذا الوضع جذب الكثير من قومية الخان الصينية للهجرة إليه من مختلف أقاليم الدولة المترامية الأطراف، وجعلهم يشكلون أغلبية سكانية تفوقت عددياً على قومية الإيغور، بل صاروا أصحاب الحظوة والثروة هناك.

رغم كل المحاولات التي بذلتها الحكومة الصينية في طمس هوية الإيغور، وصبرها على ذلك سنين عددا، إلاَّ أن النزعة القومية لم تمت داخلهم والرغبة في الانفصال لا زالت تسيطر عليهم باعتبارهم لا ينتمون للشعب الصيني. ويقول التاريخ أن جذورهم العرقية تنتمي إلى الأتراك، وهو ما دفع تركيا لاتخاذ موقف متضامن يتسم بالنعومة مع الإيغور موجهة انتقاداتها للحكومة الصينية بهذا الشأن.

وكانت شاشات الفضائيات المختلفة قد نقلت وقائع القمع الذي مارسته السلطات الصينية على قومية الايغور، خاصة في مدينتي شينغ يانغ وإيريغوشي، ومنعتهم من أداء فريضة الجمعة في المساجد بعد أن أعلنت إغلاقها في ذاك اليوم تحسباً لأي تصعيد يستغلون فيه تجمعهم أثناء أداء الصلاة. وذهب أحد الجنرالات إلى التصريح بتنفيذ حكم الإعدام على الذين قادوا تلك الاضطرابات. ولا أدري إن كان قد نفذ وعيده ام لا، خاصة مع الصمت الذي أعقب نهاية تلك الاضطرابات، وإدارة الفضائيات ظهرها لتلك القضية لتتعقب أزمات أخرى تضرب أنحاء المعمورة.

المهم في الأمر كيف استقبلت مؤسسات الدولة في البلدان المعنية بقضايا المسلمين ؟ هل بصمت الحملان، أم بإثارة الضجيج كما عودتنا دائماً؟ لا هذا ولا ذاك "كما تقول الأستاذة منى"، بل بشيء أقرب لشخصيات شيخوف البائسة وهي تتعامل مع سطوة الجنرالات ونفوذهم.

فبعد الصياح والضجيج الذي ملأ الدنيا عن الشعوب المسلمة في أفغانستان والشيشان والعراق وفلسطين، فوجئت بتلك الشخصيات الشيخوفية يعتصرها الخوف والفزع تجاه التصريح بأي رد فعل سلبي تجاه جنرالات الصين وهم يمارسون فعل القمع في مواجهة المطالب الإيغورية. الغريب في الأمر حتى أئمة الجوامع لم يتطرقوا إلى هذا الموضوع، وخطب صلاة الجمعة قد خلت من الإشارة إليه، وليست هناك من خطبة تخلو من الإشارة إلى المسلمين في الشيشان وأفغانسان.

ربما الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية ولأنها أنظمة قمعية وهي تفعل بشعوبها أسوأ من ذلك، لم تشأ التصريح حول أمر يمكن أن يورطها ولو من باب "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". وربما علاقاتها النفعية مع الصين باعتبارها دولة صديقة تقتضي التغاضي عن كل الدعوات لنصرة المسلمين التي لطالما أطلقتها في مواقف أخرى، وحتى الشعوب التي كانت تستنفر في تظاهرات لدعم تلك القضايا واللافتات التي تملأ جدران الشوارع شكلت غياباً فاضحاً، بعد أن كان يستعان بها لما هو رأي رسمي بطريقة غير رسمية. كما غابت هيئات العلماء المسلمين، حتى المسئول الرفيع في منظمة المؤتمر الإسلامي عندما سألته إحدى القنوات الفضائية عن دور المنظمة في دعم المسلمين الإيغور في الصين ، كان رده كما رد العريف "آخميلوف" عندما يعلم أن الكلب ليس للجنرال وإنما لأخوه الزائر حيث قال:

"هكذا إذاً أخوه فلاديمير إيفانوفيتش وصل هنا! حسناً حسناً أنا مسرور جداً خذه! يا له من كلب صغير وبارع –ويخاطب الكلب- لماذا ترتجف أيها الكلب الصغير.. لم تفعل شيئاً يستحق الخوف؛ وهذا الرجل وغد حقير
ثم يتوجه آخميلوف بتهديداته للجرل الضحية "كريوكين".

 



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by