# # # #
   
 
 
[ 13.07.2009 ]
التجمع.. كل الطرق تؤدي نحو الخروج ـ ماهر ابوجوخ




سيفضي اجتماع كتلة التجمع القادم لأحد أمرين- إما اتخاذها لقرار بالإجماع بالإنسحاب من البرلمان أو عرقلة القرار من قبل أحد اطرافها مما يجعله فعلياً مهددة بالإنقسام حيال هذا القرار في ظل إصرار اطراف منها على مغادرة مقاعد المجلس الوطني.

ابلغ مساعد رئيس التجمع الوطني الديمقراطي وعضو الكتلة البرلمانية للتجمع ورئيس تحالف الاحزاب المعارضة فاروق ابوعيسى نهار الجمعة الماضي الصحفيين بفحوى مداولات وقرارات اجتماعات رؤساء الاحزاب المعارضة الذي عقد بدار حزب الامة القومي وعلى رأسهم كل من الامام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي، محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، د. حسن الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي، مبارك الفاضل رئيس حزب الامة الإصلاح والتجديد ورؤساء وقيادات اكثر من (20) حزباً حيث كان ابرز تلك القرارات دعوة الأحزاب المنضوية تحت لواء التحالف للانسحاب من جميع الاجهزة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية قومياً وولائياً، فإن إعلان ابوعيسي لفحوى هذا القرار يمثل مؤشراً مهماً نظراً لأنه عضو بالمجلس الوطني عن كتلة التجمع الوطني الديمقراطي.

لكن بإلقاء نظرة على القرار من ناحية التوقيت، فنجد أنه يعتبر خطوة إضافية من تحالف القوى المعارضة التي ظلت طوال الفترة الماضية تشكك وتطعن في دستورية المؤسسات القائمة بعد انتهاء اليوم التاسع من يوليو –والذي صادف الخميس الماضي- نظراً لنص اتفاق السلام الشامل والدستور الانتقالي لسنة 2005م على اقامة الانتخابات العامة قبل انتهاء السنة الرابعة والتي انتهت يوم الخميس الماضي، ويدعو تحالف المعارضة لتكوين حكومة قومية انتقالية لملء الفراغ الدستوري لحين عقد الانتخابات العامة القادمة.

أما التأثير السياسي لهذه الخطوة على تشكيل وتكوين المؤسسات وإحداث فراغ دستوري فيها، فنجد أن نسب تشكيل المؤسسات على الصعيد القومي أو بالجنوب أو بالولايات الشمالية أو الجنوبية يتأثر بالقوي المشكلة لها، فالمؤتمر الوطني يمثل منفرداً (52%) بالمؤسسات المشكلة على المستوى القومي تشريعياً وتنفيذياً -باستتثناء الرئاسة التي يمثل فيها بـ(66.6%) من خلال رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية- وهذا الوضع جعله يحتفظ بالاغلبية التي تضمن عدم الانهيار الدستوري لتلك المؤسسات على المستوى القومي، وذات الامر ينطبق بصورة اكبر على الولايات الشمالية التي يشكل المؤتمر الوطني (70%) منها، أما بمستوى جنوب السودان وولاياته فينطبق عليه ذات مشهد الولايات الشمالية لكن لصالح الحركة الشعبية التي تحظى بنسبة (70%) من مؤسساتها وبالتالي فإن إحداث فراغ دستوري بإستقالة أغلبية أعضائها على المستوى القومي أو الولايات الشمالية يستوجب انسحاب ممثلي المؤتمر الوطني منها، اما على مستوى جنوب السودان وولاياته العشر فإنه يقتضي انسحاب ممثلي الحركة الشعبية لتحرير السودان.

تأثير معنوي

لكننا نجد أن الأثر الأبرز في حالة انسحاب نواب التجمع بالمجلس الوطني الذين يبلغ عددهم (20) نائباً لن يؤثر على تكوين المجلس المشكل من 450 نائباً وبعملية حسابية فإن اولئك النواب العشرين يمثلون (4.4%) من اجمالي النواب ولذلك فلن يؤدي خروجهم منه لإنهياره جراء استقالة اغلبية اعضائه، ولكنه سيفضي إلى تأثير معنوي على البرلمان وتشكيله الذي يعتبر الاوسع تمثيلاً للقوى السياسية طوال تاريخ السودان، ورغم أن نواب التجمع لا يتجاوز حجمهم الـ(4%) لكنهم تمكنوا من التأثير على العديد من القرارات التي اتخذها البرلمان وشكلوا جبهة معارضة منحت المجلس الوطني الحيوية من خلال الآراء والاطروحات التي قدمها منسوبو التجمع في المجالين التشريعي والرقابي، ولعبوا أدوراً محورية داخل جلسات المجلس ودهاليز التفاوض واجتماعات اللجان ولعل ابرز الادوار التي لعبتها كتلة التجمع كانت في مسودة قانون القوات المسلحة والشرطة القومية على الصعيد التشريعي وضغوطها البالغة لمحاربة الفساد والتجاوزات المالية، لكن في ذات الوقت فإن شجاعة نواب التجمع لم تحُل دون اجازة عدد من التشريعات التي استمات نوابه للحيلولة دون اجازتها بصورتها النهائية كقانوني الاحزاب السياسية لسنة 2007م والانتخابات القومية لسنة 2008م حيث انسحبت من جلسة اجازة الأول وصوتت ضد الثاني ومعها عدد من النواب.

وسيحقق قرار الانسحاب في حال تنفيذه توحد المواقف بين القوى السياسية وإزالة الحواجز التي نشأت بينها بسبب مشاركة بعضها على المستوى التشريعي أو التنفيذي، مما يجعل تلك القوى السياسية تقف على ذات الارضية المشتركة من الوضع القائم حيث تختار إما أن تصلي مع (على) أو أن تأكل على مائدة (معاوية)، وهو ما سيجعل جميع تلك القوى السياسية ومنسوبيها على موقف موحد إزاء الوضع القائم وتنهي حالة الازدواجية بين المعارضة والمشاركة في مؤسسات الحكم في ذات الوقت.

الحركة المتضرر الاكبر

وسيجعل خروج نواب التجمع من البرلمان القرارات أو القوانين التي سيجيزٍها البرلمان لاحقاً ذات سند سياسي أقل، باعتبار أن وجود ممثليه كان يمنح تلك القوانين او القرارات مقداراً اكبر من التشاور والتحاور السياسي مع اطراف أكبر ويجعلها أكثر تعبيراً عن قطاع اوسع من القوي السياسية السودانية، وهو الامر الذي سيجعل الاطراف المؤثرة بالبرلمان فعلياً بعد انسحاب كتلة التجمع عملياً هما كتل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.

لكن سيكون أكبر المتضررين من انسحاب نواب التجمع من البرلمان بكل تأكيد هي الكتلة البرلمانية للحركة الشعبية التي استفادت من الضغوط التي مارستها كتلة التجمع، ولعل الدورة البرلمانية السابقة شهدت أفضل مستوى تنسيق بين الكتلتين حينما توحدت مواقفهما حيال القضايا المتصلة بالتعديلات الخاصة بقانوني الاجراءات الجنائية والجنائي بالاضافة لرفضهما لمسودة قانون الصحافة لسنة 2009م والتي تحاور حولها المؤتمر الوطني وأرجأ نقاشه لعدة مرات حتي تم الاتفاق على مسودته النهائية.

غموض موقف الاتحادي الاصل

لكن سيبقي الموقف الحاسم لانسحاب كل كتلة التجمع أو انسحابها جزئياً هو ما سيتمخض عنه اجتماع الكتلة البرلمانية الذي سيناقش دعوة الانسحاب باعتبار أن ذلك الاجتماع سيشارك فيه ممثلو الاتحادي الديمقراطي (الاصل) برئاسة مولانا محمد عثمان الميرغني وممثل قوات الفتح، والحزب القومي بالإضافة للنواب الذين شاركوا قادة أحزابهم في اجتماع دار حزب الامة الذي قرر الانسحاب وهم نواب احزاب الشيوعي السوداني والبعث السوداني والتحالف الوطني السوداني بالاضافة لممثل الشخصيات الوطنية فاروق ابوعيسي.

هذه الوضعية والتركيبة تجعل اتجاهات الاجتماع المفصلي لكتلة التجمع تتجه نحو أحد امرين إما أن تتخذ الكتلة قراراً بالإجماع بإنسحاب جميع نوابها من البرلمان بعد موافقة نواب الاحزاب التي لم تشترك بإجتماع الأمة، أو أن يتمسك طرف واحد من الاطراف التي لم تشارك بالمشاركة ويرفض الانسحاب وبالتالي تجد الكتلة البرلمانية للتجمع نفسها في مواجهة انقسام وتباين وجهات نظر بين اطرافها مما قد يدفع اطرافاً منها لإعلان انسحابها فردياً ومغادرتها لمقاعد البرلمان، لكن هذا الاجراء سيكون مؤجلاً رسمياً حتى اكتوبر القادم حينما تبدأ الدورة البرلمانية القادمة ووقتها يقدم النواب استقالاتهم رسمياً وتسري بعد قبولها، فربما تفلح المباحثات السياسية بين أطراف التجمع في التوصل لتفاهم حول هذه القضية.

قد تتمسك بعض الأطراف بجانب إجرائي وهو صدور قرار المشاركة البرلمانية من قبل هيئة قيادة التجمع، ولذلك يستوجب الأمر اتخاذ قرار الانسحاب بصدور قرار مماثل من هيئة القيادة –والتي لم تجتمع لعدة سنوات رغم مطالبة و(مناشدة) رئيس التجمع لعقد الاجتماع سيما بعد وصوله للخرطوم- ووقتها سيسلط سيف حق النقض الممنوح لأي من فصائل التجمع وسيهدد هذا القرار، لكن حتي في حالة عرقلة اي من الفصائل لقرار الانسحاب داخل التجمع فوقتها لن تجد الفصائل التي حسمت أمرها سوى اتخاذ قرار انسحابها وحزم منسوبيها لحقائبهم ومغادرة البرلمان دون رجعة إلا عقب الانتخابات القادمة.

حسابات داخلية

ولعل ما سيدفع احزاب الشيوعي والبعث السوداني والتحالف الوطني السوداني ويحفزها على اتخاذ قرارها بالانسحاب من المجلس الوطني هو أمر داخلي متصل بإثارة قرار المشاركة البرلمانية لنقاشات داخلية عنيفة.وتم التطرق لهذه القضية خلال المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني والمؤتمر الثالث للتحالف الوطني السوداني، حيث ستقوم عضوية تلك الاحزاب بممارسة ضغوط اكبر لدفع ممثليهم للخروج من البرلمان، ولعل هناك حالة من الاحباط والاستياء تسود قواعد تلك الاحزاب التي تنظر لتلك المشاركة باعتبارها لم تحقق مقصدها في قيادة التحول الديمقراطي سيما تعديل القوانين المتعارضة مع الدستور والمرتبطة بالحريات العامة بالاضافة لاستخدام الكتلة البرلمانية للمؤتمر الوطني لأغلبيته الميكانيكية لإجازة وتمرير عدد من القوانين.

الميرغني فى موقف حرج

الميرغني بات في وضع لا يحسد عليه فداخلياً يشهد حزبه تنامي نفوذ تيار يدعو لنفض اليد عن المشاركة التشريعية والتنفيذية –التي شارك فيها منسوبو حزبه تحت لافتة التجمع- والتي تتعارض مع اتجاه الحالي بدعوته لعدم العداء مع المؤتمر الوطني، فإذا وافق الميرغني على قرار الانسحاب فسيكون ملزماً بالمضي إلى خطوات اكبر بالإنسحاب من كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية قومياً وولائياً ووقتها سيكون قد دخل في عداء واضح ومكشوف مع المؤتمر الوطني، أما إذا تمسك بالمشاركة ورفض الانسحاب فسيكون وقتها قد فقد الغطاء الذي تدثر به المشاركة التنفيذية قومياً وولائياً حينما تخرج بعض احزاب التجمع، بالاضافة للأثر المترتب على هذا الموقف بإعلان فض سامر التجمع عملياً وفعلياً وتحوله من حالة الوفاة السريرية إلى مرحلة إعلان الوفاة الكاملة. ووقتها سيجد الميرغني نفسه معزولاً من القوى السياسية مما سيجعله عملياً أمام خيار وحيد بالتحالف المعلن مع المؤتمر الوطني وربما يفضي مثل ذلك القرار إلى زيادة حدة التصدعات داخل فصيل (الاصل) الذي يقوده الميرغني سيما أن من اعضائه غير منتمين للطريقة الختمية وستكون ابرز الجهات المرشحة للتمدد في تلك المساحات هو الحزب الوطني الاتحادي الذي يسانده الشيخ ازرق طيبة.

... خلاصة المشهد داخل التجمع باتت تشير إلى أن بعض فصائله حزمت امتعتها لخروج نوابها من البرلمان، أو قد يتطور الأمر لاحقاً بالخروج من التجمع نفسه بعد أن باتت كل الطرق تفضي صوب (بوابة الخروج)...!

نقلا عن صحيفة (السوداني) في عددها الصادر يوم الأحد, 12 يوليو 2009م.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by