# # # #
   
 
 
[ 06.07.2009 ]
مؤتمر جوبا ومأزق المؤتمر الوطني ـ أمير بابكر عبدالله




الدعوة التي اطلقها التحالف الوطني السوداني، في مؤتمره العام الثالث، بضرورة عقد اجتماع للقوى المعارضة للمؤتمر الوطني في مدينة جوبا لمخاطبة قضايا مفصلية ملحة، ومبادرة الحركة الشعبية في إطار تحملها لواجباتها الوطنية ومسئوليتها التاريخية تجاه معالجة القضايا المصيرية في الدعوة لمؤتمر جوبا، جعل من استجابة القوى السياسية الإيجابية وتفاعلها مع تلك الدعوات، بل والمضي قدماً في التحضير له ينقلها من خانة رد الفعل إلى الفعل.

منذ اجتماع القوى السياسية المعارضة، فيما عرف باجتماع الـ 17، بدا المشهد السياسي يرسم معالم مختلفة تدعو للتفاؤل خاصة مع انتقال المؤتمر الوطني لخانة رد الفعل، وفي ظل الاضطراب الواضح إزاء حركته لمجابهة الكتلة التاريخية التي بدأت تتشكل. فالمؤتمر الوطني في تعاطيه مع شأن المعارضة ـ حتى المسلحة منها ـ ظل منطلقاً من قاعدة فرق تسد، وقد حالفه التوفيق طوال العشرين سنة الماضية في التعامل مع القوى المعارضة كل على حدة.

سعى المؤتمر الوطني ونجح في خلق منابر تفاوضية متعددة مع القوى السياسية إبان فترة العمل المسلح للتجمع الوطني الديمقراطي، وذلك نتيجة لبنية المعارضة المهتزة الهياكل والمتباينة الرؤى بالرغم من المخرجات التاريخية لمؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا الذي تواثقت عليه كل القوى الموقعة حينها. نجح المؤتمر الوطني في إخراج حزب الأمة من دائرة العمل المعارض الجماعي بالتوقيع معه منفرداً على اتفاق جيبوتي، وتوج نجاحه بتوقيع اتفاق ثنائي مع الحركة الشعبية في نيفاشا، ليسهل على نفسه الانفراد ببقية التجمع الوطني في القاهرة بعد فصل قضايا الشرق التي تبنتها ما عرف باسم جبهة الشرق التي وقعت معه اتفاق الشرق في أسمرا.

هذا المنهج هو ما اتبعه المؤتمر الوطني في التعامل مع الفصائل المسلحة في دارفور، فهو وإن كان يعلن رغبته في مفاوضتها موحدة، لكنه أكثر سعادة بتفرقها وتشتتها لما ينبئه ذلك من ضعف. وظل يتخذ هذا المنهج في تعامله مع القوى السياسية المعارضة لخشيته الدائمة من وحدتها وتكتلها في مواجهته، استطاع في هذا الإطار التوقيع مع حزب الأمة القومي اتفاق التراضي الوطني، والتفاوض مع الحزب الاتحادي الديمقراطي والعديد من الأحزاب الأخرى كل على حدة. وكان هذا أول رد فعل علني له بخصوص اجتماع جوبا وكتلة الـ 17، عندما صرح قادته بأن المؤتمر الوطني لا يعنيه مؤتمر جوبا لأن لديه اتصالاته الثنائية مع العديد من الأحزاب. هذا غير سعيه دائماً إلى دعم عوامل الخلاف داخل الأحزاب بغرض تفتيتها، وأكثر سعادة إذا ما تصاعدت الخلافات داخلها لعوامل موضوعية وذاتية دون تدخل من يكلفه الكثير أو القليل.

يخشى المؤتمر الوطني عدم مشاركته في إجتماع جوبا، ولكن ما يخشاه أكثر هو أن يكون مشاركاً. قد يبدو الأمر متناقضاً ولكنه يفسر تناقضات ردود فعله بين عدم تلقيه الدعوة للمشاركة، وبين عدم اعترافه به ولا بالمشاركين فيه ككتلة طالما هو قادر على التعامل معهم منفردين، أو التقليل من قيمته أو عدم جدواه.
التفسير لخشيته من المشاركة، التي توحي بها تلك الإشارات التي يطلقها من حين لآخر، يكمن في أنه سيجلس على طاولة الاجتماع مثله مثل أي حزب آخر بعيداً عن سلطان الدولة وصولجان الحكم. كما أنه سيشارك في الوصول لحلول للقضايا التي استدعت قيام هذا الاجتماع المؤتمر، وهذا يعني جره لتقديم تنازلات في إطار الحوار الجماعي ليس مضطراً لها، طالما أنه يدخل المفاوضات الثنائية بسقف أعلى ويخرج منها بأقل الخسائر الممكنة وهذا ما حققه في نيفاشا وأبوجا والشرق والقاهرة.

فالمشاركة تعني أن تأتي راغباً في الحوار للوصول لصيغة يتراضى عليها الجميع، والجميع هنا افكار ورؤى متعددة تسعى للخروج برؤية موحدة على مستوى الحد الأدنى. ولأن المؤتمر الوطني لا يؤمن بالحوار أصلاً، وإنما بالتفاوض كوسيلة ومنهج يحقق له سقفه الأدنى الذي يؤمن له مصالحه ولو على مصالح الوطن، في حالة كونه مضطراً وتحت ضغط شديد مثلما حدث في نيفاشا. ولما للتفاوض من فرص للمراوغة والمساومة لا تتسق مع الرغبة الحقيقية لمشاركة الآخرين في التوصل لحلول جماعية تقلل من قدرته على الحركة والمناورة الدائرة في محيط المحافظة على مكاسبه ومصالحه.

أما الجانب الآخر لخشيته من المشاركة في هذا اللقاء الذي يجمع مختلف القوى السياسية، هو اعترافه بفشله طوال فترة العشرين سنة الماضية في إدارة البلاد، بل فتح الأبواب على مصاريعها لتدخل منها رياح الأزمات، وعدم قدرته على إيجاد حلول لها بمفرده. وهذا يعني في جانب منه ضرورة الوصول إلى صيغة حكومة قومية تدير البلاد بناءاً على برنامج يتوافق عليه الجميع، وهذا يعني وضع اللبنات الحقيقية للتحول الديمقراطي بآلياته وقوانينه التي ستطال كل الترسانة التي بناها وظل متمسكاً بها ومدافعاً عنها، وهو عين ما يخشاه المؤتمر الوطني.
بعد أن كان (كعب أخيله) إبان فترة الكفاح المسلح، يخشى كذلك أن يأتيه الجنوب من حيث لا يحتسب. فهو وإن لم يخرج مهزوماً ولا منتصراً 100% من الحرب، وإنما حافظ على قدراته ومصالحه على المستوى الأدنى في ظل اتفاقية نيفاشا، فلن يرغب في أن تحقق الحركة الشعبية انتصاراً سياسياً مؤثراً بجمعها لكل أطراف الصراع وفي جوبا.

أما لماذا يخشى المؤتمر الوطني من عدم المشاركة في لقاء جوبا، هو ما بينته ردود أفعاله الأولية التي جاءت في تصريحات اطلقها مسئول التعبئة السياسية فيه، عندما أعلن التحالف مبادرته لقوس قزح ودعوته لقادة الأحزاب السياسية المعارضة والحركة الشعبية لتشكيل الكتلة التاريخية لمواجهة المؤتمر الوطني في معركة الانتخابات القادمة والاجتماع في جوبا. أو تلك التصريحات المتناقضة التي تشير مرة إلى أنهم لم يتلقوا الدعوة بعد للمشاركة، وإلى أنهم ليس هناك ما يمنع مشاركتهم في تصريحات أخرى.

إن خشيته من عدم المشاركة تنبع من ترك الساحة للآخرين للتكتل ضده في الانتخابات القادمة، والاتفاق على برنامج حد أدنى ربما يجد الدعم الجماهيري وحتى الإقليمي والدولي، خاصة إذا ما أعد لذلك المؤتمر بجدية ومسئولية وخاطب قضايا دارفور ووحدة السودان بما يحقق وقف الحرب في دارفور وعلاج مقبول للأزمة هناك، وبما يدعم مسألة الوحدة في استفتاء 2011. كل ذلك سيشكل ضغطاً كبيراً على المؤتمر الوطني رغم إعلان هيئة شوراه عن رؤيتها لتحالفاته كرد فعل لاجتماع الـ 17. كما أن عدم مشاركته سيضعف من قدرته على الحراك السياسي وفق منهجه الثنائي، إثر اصطفاف القوى السياسية مجتمعة ضده، خاصة إذا ما وجهت إليه الحركة الشعبية الدعوة فعلياً.

مؤتمر جوبا هو حقيقة مأزق بالنسبة للمؤتمر الوطني، إذا ظل متمسكاً بالعمل السياسي وفق عقليته الأحادية وإلا عليه القبول بمخرجاته أو الرضوخ لها مرغماً. هذا إذا ما أعدت له القوى السياسية والحركة الشعبية جيداً، ليكون حداً فاصلاً للاتفاق على أسس مشروع الدولة المدنية الرضائية.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by