# # # #
   
 
 
[ 03.06.2009 ]
قوس قزح وسهام د. البوني ـ أمير بابكر عبدالله




"جعلها الله أمطار خير وبركة"، جملة سمعناها وسنظل نسمعها كثيراً في النشرة الجوية عند حلول موسم الأمطار. وارتباط قوس قزح بالأمطار وثيق حين يلوح عقب انتهائها أو أثناء هطولها في عمق السماء مخترقاً خط الأفق حيث ينتهي مدى البصر، تلك الألوان المتعددة - المتداخلة في الوقت ذاته - يربط بينها خيط ما يحيله الفيزيائيون إلى قوانين تفسر ظاهرة الضوء وانكساراته، ويطوعه التشكيليون لإبداع لوحات متماسكة يمكن النظر إليها من الزاوية الكلية أو من الزاوية الجزئية حسب كل مدرسة ومنهج قراءتها.
هاهي السياسة تستفيد من تلك الظاهرة الطبيعية، تحاول أن تجمع تعدد الألوان السياسي "كما قوس قزح"، لإحداث اختراق إيجابي، متطلعة إلى مخاطبة قضايا السودان الأساسية في إطار هذا التعدد متجاوزة مخاطبتها وفق المنهج الأحادي الذي يستعلى على آراء الآخرين.
يبدو أن هذه الخطوة بدأت تأتي أكلها مما أثار حفيظة البعض، منهم المتأثر بها بشكل مباشر، المتمسك ببقاء الدولة ونظامها على حاله لأنه يخدم مصالحه، وآخرين مشفقين على هذا القوس الذي ربما لا يشتد وتره كفاية ليرمي سهمه إلى الهدف المنشود. وهذا البعض الأخير يستصحب في إشفاقه تلك التجارب السالبة للتحالفات السياسية والتناقضات التي تسم المنطلقات الفكرية والأيديولوجية والأهداف والبرامج لهذه القوى المتحالفة.
من موقع الآخرين المشفقين قرأت ما سطره قلم د. البوني في جريدة الرأي العام الخميس الماضي 28 مايو 2009م، وأنا من قرائه الراتبين "وعليه أن يفسر وما يقصر". ومن درجة إشفاقه على الدعوة التي أطلقها العميد معاش عبدالعزيز خالد لتجميع الأحزاب السياسية في تحالف (قوس قزح)، اعتبر التحركات التي تلتها إشارة إلى أن البلاد مقدمة على أزمة سياسية ستتوج الأزمات القائمة على كافة الصعد.
لابد هنا من الإشارة إلى أن الدعوة التي أطلقها عبدالعزيز خالد، رئيس المكتب التنفيذي السابق للتحالف الوطني السوداني في المؤتمر العام الثالث، شملت تصوراً لشكل هذه الكتلة والغايات منها، حيث طرح ضرورة الاتفاق على برنامج للحد الأدنى والاتفاق على رئيس واحد لتنفيذ ذلك البرنامج وخوض الانتخابات القادمة على كافة مستوياتها الجغرافية والولائية وفقاً لهذا الاتفاق بما فيها انتخابات الولاة والدوائر والقوائم، والاستفادة من الانتخابات القادمة كأداة للتغيير. ودعا خلال الجلسة المفتوحة في ذات المؤتمر كل القوى السياسية التي خاطبها للاجتماع في جوبا عاصمة السودان الثانية.
في إطار إشفاقه أكد د. البوني على واحدة من أسباب ضرورة هزيمة المؤتمر الوطني في الانتخابات عندما كتب " انه ستكون له المقدرة على الضرب تحت الحزام مستفيداً من آلة الدولة"، وهذه واحدة من حيثيات الدعوة لقوس قزح. استفادة المؤتمر الوطني أو أي حزب حاكم من آلة الدولة وقدراتها لمصالحه دون مصالح الآخرين شيء طبيعي طالما بنيتها قائمة على دستور مؤقت منذ بداية الحكم الوطني، كلما يجيء نظام إلى سدة الحكم يضع دستور خاص به دون مشورة لكافة المواطنين بقطاعاتهم ومنظماتهم وأحزابهم، وتصاغ القوانين وفقاً لهذا الدستور المؤقت لتدعيم أركان الحزب الحاكم.
وما ذكره المتحدث باسم المؤتمر الوطني السيد كمال عبيد في تصريحات صحفية نشرتها جريدة الأحداث في عدد الجمعة 29 مايو، أن حزبه لديه ميزانية للانتخابات ولا علاقة لها بأموال الدولة، يجانب الحقيقة من عدة زوايا، فالمسألة ليست أموال ترصد للعملية الانتخابية. صحيح أن هذه الأموال قد يكون مصدرها أعضاء ملتزمين لحزبه، ولكن قبضة المؤتمر الوطني على مفاصل الاقتصاد والموارد طوال عشرين عاماً أتاحت له ولمنسوبيه عبر شركات خاصة الحصول على تلك الأموال.
من جانب آخر تجاهل السيد كمال عبيد إستفادة المؤتمر الوطني من أموال الدولة في جوانب أخرى، ولنأخذ المؤسسات الإعلامية "القومية" كالإذاعة والتلفزيون وكيف استفاد منها حزبه ولا زال بسيطرته الكاملة عليها، وكأنها أجهزة حزبية وليست ملكاً للشعب السوداني، وهو ما أشار إليه د. البوني بوضوح في معرض إشفاقه على مصير السودان عندما كتب " وهنا يقع العبء على المؤتمر الوطني لانه المسيطر على الآلة الاعلامية الداخلية وقد نالت رموز الحركة الكثير من هذا الاعلام". هذا غير استفادة منسوبيه من حراكهم في إطار مهامهم الرسمية للدولة وتجييرها لصالح الحزب، وهذه أموال تدفع من أموال الدولة وليست من ميزانية حزب المؤتمر الوطني. وهناك صور كثيرة يمكن أن تدعم وجهة النظر القائلة بإستفادة المؤتمر الوطني من موارد الدولة كحزب.
د. البوني رأى في (قوس قزح) "تجمع ناقمين متباينين يحمل في جوفه تناقضاته وبذور فنائه، ولكنه قد ينجح في عرقلة قيام الانتخابات لأن طبيعته السلبية سوف تجعله ينجح في الاعمال السلبية فقط". وهذا يجعلني أتساءل، لماذا لا يرى الدكتور الجانب الإيجابي في ذلك، ولماذا طبيعته سلبية ما سيجعله ينجح في الأعمال السلبية فقط؟ ما قادني لهذا التساؤل هو أن الدعوة لقوس قزح قائمة أساساً لخوض الانتخابات القادمة مثلما ذكرت سابقاً وليس لعرقلتها، وعلى القوى المتفقة على برنامج الحد الأدنى خوضها على كافة المستويات باعتبارها الآلية التي أمامنا الآن للتغيير وهذا يتطلب من تلك القوى الإعداد الجيد لها.
بالرغم من القوانين التي نجح المؤتمر الوطني في إجازتها عبر المجلس الوطني بأغلبيته الميكانيكية، أعتقد أن هذا سيكون دافعاً أقوى لتشكيل ذلك التكتل، ودعنا نهزمه حتى في ظل قوانينه. ما يجعلني أقول ذلك هو الحراك الكبير الذي انتظم قواعد تلك القوى السياسية وسبق حتى قياداتها السياسية عملياً، على مستوى المحليات لخوض المعركة الانتخابية على مستوى اللجان الشعبية والمحليات، وهو ما سيشكل عامل ضغط إيجابي لصالح تشكل قوس قزح على المستوى القيادي.
لم يتوقف د. البوني كثيراً في الغايات من تشكيل (قوس قزح)، وإنما انطلق في الدعوة لتدعيم العلاقة بين الشريكين " فالخروج من هذا المأزق يكمن في مراجعة العلاقة القائمة الآن بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لأنهما الحاكمان الفعليان للسودان، ليس المطلوب منهما ان يتحابا ويتبادلا القبل بل ان يكونا واقعيين، فالاقدار وضعت مصير البلاد بين ايديهما وهذا يبدأ بمراجعة العلاقة التي قامت على التباغض و(المكاجرة) بينهما منذ ان اقتسما السلطة او بالاحرى اقتسما البلاد". وكأننا ملزمون بالاستسلام لذلك القدر إلى الأبد، والعلاقة بين الشريكين هو أمر ظللنا نتفرج عليه لأكثر من أربع سنوات.
تلك الدعوة لا تتسق مع رؤى قرأتها للدكتور من خلال عموده (حاطب ليل) وفي بعض مقالاته، تذهب إلى اعتماد التعددية السياسية، وكأنه هنا استسلم للأقدار التي وضعت مصير البلاد بين أيديهما، متجاهلاً حتى الاتفاق الذي جاء بهما والقدر الذي وضع مصير بين أيديهما وهو اتفاق نيفاشا الذي يقضي بقيام انتخابات حرة نزيهة بعد انقضاء اربع سنوات من الفترة الانتقالية. وتجاهل كذلك أن هناك قانون للانتخابات ومفوضية انتخابات وقانون للأحزاب ومجلس لشئون الأحزاب قام ليدير ذلك بموجب ذلك الاتفاق، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا في القوانين التي تحكمهما، ولكننا بحراكنا هذا ملتزمون إجرائياً بذلك بدليل أن الأحزاب سجلت لدى ذلك المجلس، وعلى خوض الانتخابات بالطريقة التي تتفق مع طموحاتها. حتى المؤتمر الوطني اجتمع مجلس شوراه لبحث تحالفاته لخوض الانتخابات القادمة. بل يذهب إلى خوض الانتخابات والفوز بها رغم أن بعض قياداته تجزم بأن هذا النظام لن يتغير (لا بالحسنى ولا بغيرها) المانشيت الرئيسي العريض لجريدة الأحداث قبل عدة أيام.
ما هو مؤكد أن إحداث التغيير وإعادة بناء الدولة السودانية بحيث تستوعب هذا ال(قوس قزح) بما فيه المؤتمر الوطني من أجل ممارسة سياسية رشيدة نتفق فيها على قواعد تلك الممارسة التي تحكم الجميع والقوانين التي يستظل بقوة نفاذها الجميع والدستور الذي يحدد حقوق وواجبات الجميع بالتساوي، ليس مسئولية المؤتمر الوطني وحده. فهو خلال فترة حكمه وحتى بعد توقيع اتفاق نيفاشا وبقية الاتفاقيات ظل يكرس لإقصاء الآخرين بطرق مختلفة، لذلك تظل الدعوة لتشكل (قوس قزح) قائمة وضرورة وطنية في سبيل تحقيق دولة المشروع الوطني. فهل ينضم د. البوني إلى (قوس قزح)؟ أرجو أن لا يقصر.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by