# # # #
   
 
 
[ 28.05.2009 ]
مواجهة بين مصر والأفارقة حول مياه النيل




"توشك مصر على الانحدار تحت خط الفقر المائي". هذا ما قاله خبير في المياه تعليقا على رفض مصر التوقيع على الإطار القانوني والمؤسسي لاتفاقية مياه النيل، بما لا يضمن زيادة حصتها من المياه، ومع غموض موقف السودان الذي طالما كان متوافقا مع الحكومة المصرية في هذا الصدد، فقد حذر البعض من معارك على المياه بين دول النيل لتضاف بذلك إلى معارك الحدود والعرقيات التي تعصف بالقارة السمراء.

وتعترض مصر وهي دولة المصب للنهر الذي يمر في عشر دول، على عدم تحديد حصتها، بينما تعتمد وهي الدولة الأكبر بين دول النهر بعدد السكان البالغ 80 مليون نسمة على مياهه في الشرب والري وتوليد الكهرباء، كما اعترضت مصر على سحب حقها في الاعتراض على المشروعات المائية والسدود التي تسعى دول الحوض إلى إقامتها على المنابع. وأرادت مصر زيادة حصتها بـ11 مليار متر مكعب لتصل لـ 66 مليار متر مكعب.

مصر هبة النيل تطالب ب66 مليار متر مكعب
 
وتشترك دول النيل في منظمة "اندوجو" والتي تعني (الإخاء) باللغة السواحلية، وهو تجمع إقليمي للدول المطلة على نهر النيل يهتم أساسًا بتنظيم الاستفادة من مياه النيل وتحقيق المصالح المشتركة بين دوله.

هل تغير الموقف السوداني الداعم؟

وفي العاصمة الكونغولية كينشاسا بدأت اجتماعات دول حوض النيل، وانتهت السبت برفض مصر التوقيع على الإطار القانوني والمؤسسي لاتفاقية مياه النيل، كما انسحب الوفد السوداني ، الذي كان برئاسة وزير الموارد المائية والري المهندس كمال علي، من الاجتماع مباشرة متعللاً بارتباطات مسبقة في الخرطوم. وتمسك السودان برفع بند "الأمن المائي" إلى رؤساء دول حوض النيل بحسب توصية أخيرة في يونيو 2007، وأكدت أنه من الناحية الإجرائية لا يجب إعادة النظر في هذا البند في اجتماع المجلس الوزاري إلا بعد موافقة رؤساء الدول عليه. ويبدو أن مصر ستعيد النظر في اطمئنانها المطلق للموقف السوداني، وسيقوم وزير الري المصري الأسبوع القادم بزيارة إلى الخرطوم تستهدف تنسيق المواقف مع نظيره السوداني. كما أعلنت مصر أنها تنسق موقفها مع إثيوبيا دولة المنبع في قضية المياه وأنها تتعاون معها في الكثير من المجالات كالتجارة والاستثمار.

خط الفقر المائي

النيل أطول أنهار الكرة الأرضية يقع في الجزء الشمال الشرقي من قارة أفريقيا، ويبدأ مساره من المنبع عند بحيرة فيكتوريا - الواقعة بوسط شرق القارة - ثم يتجه شمالا حتى المصب في البحر المتوسط، بإجمالي طول 6650 كم (4132 ميل). يغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم²، ويمر مساره بعشر دول إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل.
 
ويقول د. إبراهيم أحمد عرفات، الخبير في الشئون الأفريقية إن مصر أوشكت على دخول خط الفقر المائي بالفعل (والمحدد ب1000 متر مكعب للفرد سنويا) بينما المتوسط الحالي 750 مترا مكعبا للفرد.
وبدأت محاولات مصرية منذ نهاية التسعينات لزيادة حصتها الأساسية من المياه، التي تقدر بـ 55 مليار متر مكعب سنويا. لكن دول المنبع (إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية). أرادت أيضا زيادة حصتها.

وكما أعلن د. محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري المصري، فإن بلاده تريد أن يكون اعتماد القرارات المتعلقة بحصص المياه بالإجماع وليس بالأغلبية, وإذا كانت الموافقة بنظام الأغلبية فلابد من ضمان صوتي مصر والسودان باعتبارهما دولتي المصب في هذه الأغلبية.

واتى الوزير لمنصبه قبل شهرين في تعديل وزاري محدود، وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن الوزير السابق د. محمود أبوزيد هو الذي طلب إعفاءه من منصبه لظروف صحية، لكن تصريح د.أحمد نظيف رئيس الحكومة في نفس التوقيت قد يوضح السبب "معدلات نصيب الفرد من المياه بدأت في التراجع، وأن هناك مشروعات طموحة لزيادة الرقعة الزراعية تقوم على تدبير نحو ٩ مليارات متر مكعب من المياه لزراعة نصف مليون فدان، وبالتالي كان يجب ضخ دم جديد".

رهانات لم تفلح

واعتمدت مصر قانونيا على اتفاقية تعود للعام 1929 واتفاق مصري سوداني في عام 1959(حيث استقلت السودان رسميا عن الحكم المصري البريطاني قبلها بأعوام ثلاثة) وتطالب كينيا وأوغندا وتنزانيا بإعادة النظر تماما في الاتفاقيتن. وترى أنها غير ملزمة بهذه الاتفاقيات لأنها تمت في الحقبة الاستعمارية. ومن أكثر الدول اعتمادا على نهر النيل مصر ثم السودان ثم أوغندا على الترتيب أما بقية الدول فاعتمادها على النهر محدود.

وكانت مصر قد وضعت منذ 3 سنوات مشروعات اقتصادية وتنموية لدول المنبع، ضمن ما يسمى بـ "مبادرة حوض النيل"، تكلفت 211 مليون دولار, لكن يبدو أن ذلك لم يرتبط بضمانة واضحة لحقوقها التاريخية في المياه بالمقابل. وكان ينتظر أثناء القمة الأفريقية الأخيرة التي عقدت في يوليه 2008 بشرم الشيخ أن يلتقي الرئيس المصري ورؤساء دول الحوض للتوقيع على اتفاقية جديدة تماما ولكن ذلك لم يحدث.

فيما اقترحت دول المنبع السبع أن يتم وضع البند الخاص بالأمن المائي رقم 14ب في ملحق للاتفاقية وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية، وإنشاء هيئة حوض النيل المقترحة في اتفاقية. وقد رفضت مصر هذا المقترح وطرحت بدلاً منه أن يتم تشكيل لجنة وزارية رباعية من كل من مصر والسودان وإثيوبيا وإحدى دول حوض النيل الاستوائي مع وجود خبير أواثنين من المنظمات الدولية لإيجاد صيغة توافقية حول البند رقم 14 ب الخاص بالأمن المائي، والحقوق التاريخية والانتهاء من هذه الصيغة التوافقية خلال فترة ستة أشهر. وأكد الدكتور محمد نصر الدين علام إن الاجتماع انتهى بتمسك الدول السبع بمقترحها وتمسك مصر بموقفها وتم تسجيل ذلك في محضر الاجتماع. ورغم الغضب المصري فقد صرح وزير الري بها إن بلاده مستمرة في تقديم مساعداتها الفنية والثقافية والصحية والتعليمية إلي هذه الدول.

وتقول هذه الدول إن مصر تستخدم المياه في مشاريع زراعية بعيدا عن وادي النيل، وهي مشاريع مستهلكة للمياه بكثافة، وأن لديها خزان السد العالي، ومن ثم فإنها ليست بحاجة لزيادة حصتها.

فتش عن إسرائيل

ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن الخبير المصري الدكتور أحمد يوسف القرعي قوله إن إسرائيل تقف وراء إشعال الموقف بحوض النيل نظرا لما لها من أطماع في الحصول على نصيب من مياه النهر تستفيد به في زراعة صحراء النقب، مشيرا إلى أن مصر تعي هذه الأهداف الإسرائيلية وترفضها جملة وتفصيلا. مضيفا أن إسرائيل تريد أن تكرس حقيقة مزاعمها بأنها الدولة الـ11 في منظومة حوض النيل، وأن تفرض الأمر الواقع بعد فترة زمنية ومن ثم تشارك بالمفاوضات حول اقتسام المياه بين دول حوض النيل. ومع مرور النهر بكل هذه الدول فإن عوامل جغرافية ومناخية وعدم بناء مشاريع لتعميق وتنظيف مجرى النهر تجعل الكثير من المياه عرضة للضياع والتبخر في رحلته الطويلة، وتعتمد مصر على 86% من حصتها من موارد قادمة من الهضبة الإثيوبية. وليس بعيدا عن هذا المعنى تصريح وزير الري المصري إنهم يرصدون جيدا "التحركات الإسرائيلية التي تستهدف التأثير علي موقف بعض دول حوض النيل".

وطالبت مصر أيضا إتباع إجراءات البنك الدولي في أية مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل، وان يتم إدراج هذه الإجراءات في نص الاتفاقية وليس في الملاحق الخاصة بها. وسوف ترأس مصر الدورة القادمة لاجتماعات المجلس الوزاري للمبادرة وسيعقد الاجتماع القادم خلال الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) المقبل بمصر لاستكمال العمل في مبادرة حوض النيل وتفعيل التعاون بين دول الحوض.

ويبدو أن المقولة التي طالما كررها المصريون بان بلادهم "هبة النيل" تحتاج لإضافة الآن؛ حيث قالت الحكومة أنها تفكر في موارد أخرى للمياه ولكن البعد "المالي" قد يكون العائق الأكبر أمام هذه البدائل.

القاهرة - إذاعة هولندا العالمية



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by