# # # #
   
 
 
[ 04.05.2009 ]
دعوة للنقاش حول أسئلة حارقة: كيف أضحي تنوعنا سبيلاً لتنائينا ـ مجدى سيد أحمد




مدخل:

نحن شعوب مؤتشبة و" أمة " موزاييك لا جدال، " أمة " تتنوع في كل شيء تقريباً، في الثقافة، الأصول العرقية، الاعتقاد، وفي فروع هذه الأصول أيضاً نتنوع. صحيح أنه لا يوجد شعب ولا أمة علي هذه البسيطة كاملة التماثل لا تباين فيها ولا تنوع، لا توجد أمة تستوي تماماً في الثقافة والعرق والدين، إلا أن تنوعنا بالغ العدد والأخطر أنه في الأصول، مثلما أشرنا أعلاه، وهذه الأصول هي الركائز التي يتشارك فيها الناس فيصبحون أمة، أو يتقاربون فيها فيصبحون شعباً، وهي أيضاً ما يصنع معدن الهوية المشتركة ويجمع المصائر فتصير مصيراً مشتركاً واحداً. هنالك غيرنا به ما بنا من شديد التنوع، لكنه نجح في استيعابه في بوتقة واحدة بل صانه ككنز قومي ومضي به للأمام يطوره ويغني به هويته، يجزر به نفسه في التاريخ ويميز به نفسه في الحاضر. الهند، وهي المثل " التقليدي " الشديد الشبه بنا، أمة أتت من نفس الفضاءات التاريخية التي عاشها أسلافنا الكوشيون والمرويون، احتضنت واحتضنتها عديد الأقوام وكثير الثقافات، أعطتهم وأخذت منهم، وأنتهي بها الأمر، مثلما أنتهي بنا، مستعمرة من قبل الإنجليز  وغادروها ـ في نفس الفترة التي غادرونا فيها ـ بعد أن أعملوا فيها ما أعملوا فينا. عاشت الهند لعنة تنوعها الأولي ساعة نيلها استقلالها وخرجت منها باكستان بشرقها وغربها، والتي هي أيضاً خرج منها شرقها فصار بنغلادش، عقب حرب 1971 بين الباكستان والهند، الهند هذه بعد أن استقطعت أو أستقطع منها ما أستقطع، ظل فيها تنوع عرقي وثقافي وديني يماثلنا إن لم يكن يفوقنا عددا. والهند هذه رغم هذا ـ والشهادة لله ـ رسخت أهم وأكبر ديمقراطية في العالم اليوم، وبنت دولة علم وقوة هي قاب قوسين أو أدني من كبار الدول القوية، وقوتها ـ والشهادة لله ثانيةً ـ رغم شدتها ديمقراطية جداً، لا تغادر سكناتها إلا بعد أن يأمرها ممثلي الشعب الشرعيين بذلك، ولا تحلم بالإستيلاء علي مقاعد ممثلي الشعب فقط لأن الأخيرين عزل. اختصاراً لم تجعل الهند تنوعها عقبة تمنعها عن ما أرادت لنفسها، بل صيرته كنزاً قومياً جعلها مقصد السائحين وقبلة الباحثين ومفخرة لكل فرداً من ناسها، هاهي الهند أمةً أحداً تميزاً وحضارة. فلماذا لم يكن نصيبنا شبهاً أو شبهةً بالهند؟

هل ما نزال أمةً نطفة؟:    

هل يمكن أن نقول؛ أن الأمم والشعوب مثل الدول والممالك، تولد وتنمو فتبلغ الصبا ثم الشباب فالنضج وأخيراً تشيخ وتزوي وتفسح المجال لغيرها. قال ذلك ابن خلدون عن الممالك والدول ولا أعتقد أنه ممكناً أن نعمل ذلك نصاً علي الأمم والشعوب، لكن علي الأقل تشير الشواهد العامة إلي أن الجماعة المتنوعة والتي وجدت في مكان واحد وشاء ظرفها التاريخي والجغرافي أن تتشارك الاسم والمصير تمر بعمر تخلُّق حتي تصبح أمة، ويطول أو يقصر عمر تخلُّق الأمة هذا وفقاً لحجم تنوعها وكيفيات تفاعل عناصرها الأساسية. بمعني آخر لو شاء الظرف التاريخي والجغرافي لجماعات تتكون من أصول عرقية، ثقافية أو دينية مختلفة أن توجد علي أرضٍ واحدة وجمعتها رابطة سياسية واحدة فتسمت باسم واحد مشترك، فعليها لأجل أن تبلغ مرحلة الشعب أو الأمة أن تقطع مسيرة ضرورية من التفاعل الاجتماعي والثقافي والتدافع السياسي ( العنيف أو السلمي ) الرامي لتأمين مصالح كل طرف منها، هذه المسيرة الضرورية تطول إذا كبر حجم التنوع وساءت ظروف التفاعل والتدافع المشار له ( كانت لا سلمية أو لا ديمقراطية ) والعكس صحيح، تكدح هذه الجماعات لتبلغ في الختام حالة التمازج المستقر والتراضي علي صيغ لإدارة هذا التدافع والتفاعل، وهنا يمكننا أن نتحدث عن أمة ( علانية ) أو شعب ( فلاني ).

لو افترضنا أن الهند فعلت كدحها ودفعته ثمناً لتمتلك صيغ تفاعلها وتدافعها وتحكم قوانين إدارة الصراع بين عناصرها المختلفة، وتحقق وحدتها بتنوعها، فأصبحت أمةً، شعباً ودولة هندية. فلنا أن نسأل هنا؛ أين بلغت الجماعات السودانية في ذلك الكدح؟ ما هي درجة تخلُّق الأمة السودانية؟ هلي هي نطفة أمة بعد لم يكتمل تخلُّقها فتولد؟ لن نغامر بتقديم إجابة كاملة ومكتفية هنا، لكن نقول لهذه الجماعات أولاً؛ حد أدني من التشابه الذي سمح بتسميتها بالجماعات السودانية، ولها أيضاً ثانياً؛ الظرف التاريخي والجغرافي المشترك الذي ملكها حدودها الدولية المعترف بها والتي تتحرك داخلها بحرية. في الجانب الآخر ما يزال وطيس تدافعنا السياسي / الاجتماعي حامياً، ودروب تفاعلنا الثقافي ـ بما في ذلك الديني ـ وعرة، لم نبلغ مستقر التمازج ولم نحكم قانون لإدارة الصراع بيننا، ذلك الصراع المحتم والذي توجده تناقضات المصالح واختلاف المشارب بين الجماعات التي نأمل أن تكوِّن الأمة السودانية. هذه حقيقة مرة للبعض وصادمة علي الأقل للأغلبية وجارحة لفكرتنا عن نفسنا في كل الأحوال، نحن لم نبلغ مرحلة الأمة بعد ولم نصبح شعباً أحداً رغم كل هذا الذي يجمعنا. هذا يتساوى لدي البعض مع القول ( نحن السودانيين لم نصبح نحن بعد ) لكن ـ وربما للأسف ـ هذه حقيقة وسندها الساطع هو هذا التدافع العنيف والصراع المستمر بين الجماعات السودانية، علي اختلافها، الجماعات العرقية، الثقافية، السياسية الجهوية والدينية، كلها خائضة في هذا العنف والصراع، بل الدليل الأسطع هو اتفاقية السلام التي وقعت في نيفاشا بكينيا، ونصت علي حق جماعة سودانية في تقرير مصيرها بصورة منفردة عن الجماعات الأخرى، حقها في أن تفصم ما يربطها الآن بالجماعات الأخرى في البلاطة السودانية المائعة والبالغة السيولة، تقرير وإقرار مثل هذا مثلما يؤكد أننا نلتزم ـ ما أجبرنا ـ بالمواصفات الدولية لحقوق الإنسان يؤكد أيضاً أن الروابط التي تجمعنا ما تزال رخوة هينٌ مراجعتها وفصمها ( ويا دار ما دخلك شر ). والدليل الإضافي الآخر هو حالة وصاية الآخر " الغريب " علينا التي تكتنفنا شيئاً فشيا، فلو كنا حقيقةً أنا وابن عمي ـ لزم ـ لما توصي "الغريب" علينا. فلنكن شجعان ولنقبل الحوار، علي الأقل، حول احتمال كوننا  " نطفة أمةً تتخلق " ولو قبلنا الحوار حول هذا سنقبل الحوار حول ما يستدعيه وهو حارق ومؤلمٍ لفكرتنا عن ذاتنا السودانية، لكن لا مفر فهذا هو مأزق المنطق والموضوعية الذي نجرجر أنفسنا له عندما نقرر أن نكون شجعان.

مزيد من الأسئلة المؤلمة:

نحن نقبل دون جدل مقولات بديهية وتقليدية، علي شاكلة ( تنوعنا مصدر غنانا وتميزنا ) ( في وحدتنا قوتنا ) نقبل هذا وكأنه قدس موثوق ما فيه وممنوع عن الشك فيه، وحسناً نفعل عندما نقبل هذا فهو يدل علي حسن ظننا بما نسمع، لكن في حالتنا المحتملة "كأمة نطفة ما تزال تتخلّق" ألا يحق لنا أن نعكس القول أو نجربه هكذا؛ ( تنوعنا مصدر مشاكلنا ) ( في انفصال، من يرغب منا، عنا حل لبعض مشاكلنا ) أنا اعتقد أنه من حقنا هذا، وها أنا أستمتع بهذا الحق ـ والله المستعان ـ ونحن عندما نتبنى مثل هذه الأسئلة لا نميل مع أو علي مصالح "الأمة"، بل نفعل من حياد، علنا نساعد "الأمة" في فهم سر تعثر مسيرتها الجماعية.

حقيقة أخرى يجب التشديد عليها، وهي أن تنوعنا البالغ الكثرة يطال حتى الفروع، ولعل مرجع ذلك هو موقعنا الجغرافي وطبيعة أرضنا التي جعلت كل من هو فار أو مار يقصدها ويقيم بها، كذلك أتساع ما تناهي لنا من رقعة في المكان وصار دولتنا السودانية التي ضمت الشتات والأضداد والمتباين من كل وجه. فلنأخذ أمثلة لتنوعنا في الفروع، فالدينكا مثلاً "خشم بيوت" فهنالك دينكا بور ودينكا بحر الغزال ودينكا يرول ( ودينكا سلفاكير ودينكا جون قرنق ) وغيرهم، والدناقلة يتبعهم المتدنقلين، والجعليين منهم من يري نفسه أكثر "جعولية" من البقية ـ دعك من الجعليين التايوانيين الذين هم بالكاد جعليين ـ والمسلمين السنة وفي غياب "ندداهم" الشيعة فعلوا دورهم في تنوع الفروع وصاروا مسلمين صوفيين ومهدويين ومؤسسيين "أصحاب شعار الدين والدولة" وجمهوريين وسلفيين، وتكفيريين، الخ. والمسيحيين لم يقصروا، ولك أن تعرف ـ والبركة في منظمات الغوث الكنسي ـ أن عشرات الكنائس الجديدة علي السودان ظهرت في أوساط اللاجئين السودانيين حين تنكبوا حدود السودان وأثيوبيا طلباً للغوث والنجاة من غوائل الحرب والجوع في أوائل ثمانينات القرن المنصرم، إضافة للكنائس الموجودة أصلاً وتغطي كل الطوائف الكبيرة المعروفة، أما في السياسة فلكل واحداً منكم آن يقرر درجة تعددنا وتنوعنا، ذلك إن لم يعلن نفسه حزباً لوحده بعد.

ومشاربنا الثقافية أيضاً شتى وتنسل من أصولها فروع وتكثر، والثقافة ـ إن لم نشمل الدين فيها ـ أهون وأكثر أوجه التنوع إغناء، ولقد عايشنا فسحة ضيقة في تاريخنا، لكنها مشرقة، من التعامل الإيجابي مع التنوع الثقافي، وذلك في عهد ليبرالية مايو عقب طلاقها واليسار وقبل زواجها واليمين الإسلامي، أعني هنا مظاهر مثل فرقة الفنون الشعبية ـ تلك التي عكست فننا الشعبي كما هو لا عينات مبتسرة ومعدلة منه مثلما يحدث الآن ـ ومثل ذلك النزوع وقتها للاعتزاز بكل ما هو سوداني / شعبي وإعلاؤه إلي الحد الذي تحول فيه القائد الملهم رافع راية الحرية والاشتراكية والوحدة إلي أبو عاج أخوي دراج المحن.

 قضية أخرى مقلقة:

الديمقراطية، كلمة يثق الكثيرين منا أنها الحل السحري لمشاكل التنوع والتعدد والبلسم الشافي لأمراض الشمولية والديكتاتورية، وحقاً قد تكون كذلك أو، علي الأقل، لم يكتشف البشر مفتاحاً أو بلسماً غيرها لتلك المشاكل والأمراض. لكن لننظر للديمقراطية الممارسة ـ وليس الديمقراطية كنظرية للحكم قديمة تاريخياً ـ نجد أن أهم الديمقراطيات الممارسة اليوم هي كلها تنويعات علي أصل أوربي غربي واحد. عاش الأوربيون الغربيون عهود تخلفهم وأزمان توحشهم، ومروا بالملوك الآلهة والكنائس المالكة والإقطاع المهين وفجروا ثوراتهم الصناعية والاجتماعية وتوصلوا لما توصلوا له من صيغ لإدارة التنوع والاختلاف بينهم وقوانين لحكم الصراع بين جماعاتهم، فعلوا كدحهم وأنتجوا من كل ذلك ما نسميه الآن بالديمقراطية الغربية، نتاج طبيعي ومولود شرعي أتي بعد إعتراك طويل وخبرات متراكمة، فشب منسجماً مع بيئته الاجتماعية / الثقافية والمستوى الحضاري العام لمن ابتدعوه. نحن، كما أسلفنا، جماعات ما زالت تخوض في مستنقعات تدافعها وصراعها البدائي ( حول الكلأ والماء ) وتكتشف قوانين لإدارته وتراكم في خلال كل ذلك تجاربها، لكننا من جهة أخرى قفزنا مباشرة واستجلبنا منتج سياسي / اجتماعي متطور وحاولنا تشغيله في بيئتنا المتخلفة. بلغة أخرى، نحن مجتمعات وجماعات ما زالت تقعي في قيعان الجهل والتخلف ونحاول أن نشتغل بأدوات اجتماعية / سياسية بالغة التطور والتقدم، فهل ينجح ذلك؟ قد يقول قائل أن التجربة الإنسانية واحدة وما يصل له البعض بالخبرة المراكمة والتجربة العملية يصلح نقله والانتفاع به من قبل الآخرين، ونحن نفعل ذلك في مجالات العلوم الصرفة ( الطب والتكنولوجيا والزراعة، الخ ) وينجح ذلك. وذلك صحيح إلي حد بعيد، لكن في مجال الاجتماع والسياسة لا نستطيع أن نقر بصحته تماماً، فالمستوى الحضاري العام لأي جماعات ودرجة تنوعها واختلافها لا بد أن تؤثر علي القوانين التي تضبط العلاقات بينها. وهذه الحقيقة ليست غائبة عن تجربتنا كلياً، فديمقراطياتنا، رغم أخذها المباشر من الأصل الأوربي، تتبعها دوماً " ملاحق تكميلية " من اتفاقات وإستثناءات للاتفاقات تحاول أن تعالج هذه الوضعية المتناقضة. لكن قد يقول قائل ـ خبيث ـ نحن مجتمعات لا يلائم مستوى تطورها وانصهارها إلا حكم قابض شديد المركزية ـ ملكياً كان أو غيره ـ لكي يمضي بكل هذه المتناقضات مجتمعة ويمكنها ـ ولو قسراً ـ من التفاعل ومن ثمَّ التمازج وصولاً مستقبلاً لصيغ تعايش سلمي وإيجابي. هذا قول أثبتت التجارب خطله وخطره وكفانا بالاتحاد السوفيتي مثالاً.

بين هذا وذاك يبدوا أن قدرنا يكمن في صيغة ما للديمقراطية كأساس لإدارة التنوع والخلاف والصراع بين مكونات قوميتنا الناشئة. ولكي نصل لتلك الصيغة فإن قدرنا أن نكدح كدحنا وندفع أثمان تخلُّقنا موحدين كنا أم منفصلين.   

 إذاً ما العمل وما الممكن:

لنكن متفائلين ونعلق في بداية النفق ضوء يغري بالدخول، أولاً؛ في التنوع خصباً وإغناء روحي وجمالي وفكري للأمة. ثانياً؛ التنوع مصدر كبير لإضفاء الحيوية والعمق علي الهوية القومية للفرد، ثالثاً؛ التنوع يمد الأمة بالقوة والثقة والفهم الرحب للتعامل والتلاقح مع الآخرين من خارجها لأنه ببساطة يعدد مداخلنا المطمئنة للتعامل مع الآخرين، كل هذا وأكثر يمكن أن نجنيه من تنوعنا إذا التزمنا بشرط أساسي يحول التنوع من عنصر سلبي إلي إيجابي ألا وهو التفاعل السلمي والمتكافئ والعادل بين كل أوجه تنوعنا العديدة، وتقبلنا الآخر ( النوع ) المختلف عنا بيننا وأفسحنا له المجال ليعبر عن نفسه بقدر ما نتمنى أن يفسح لنا. باختصار لو كنا ديمقراطيين في تعاملنا مع الآخرين بيننا.

ولا نحتاج أن نكون مفرطى التفاؤل عندما نتحول لنذكي الوحدة، ففي الوحدة ـ ببساطة ـ قوة لأنها تعني ـ وللدهشة ـ أنواع أكثر، بشر أكثر، مكان أكبر، تعاضد مضمون وموثوق من جماعات أكثر، الخ. ذلك إذا استطعنا لها سبيلا، ولن نستطيع إلا إذا أوفينا بنفس الشرط الذي قدمناه للتنوع الإيجابي، وهو أن نكون عادلين مع ومتقبلين للآخرين ( الأنواع ) المختلفين عنا بيننا.

هذا رائع. لكن خبيثنا ذاك قد يطل برأسه هنا مرة أخري ويقول " قبلنا أن نتعامل مع تنوعنا ووحدتنا بديمقراطية، لكن أي صورة للديمقراطية تقترح لنا هنا كسودانيين" وهنا كم أتمني أن أنسل وأرد له "هذه مشكلتكم" لكنني وبما أنني قررت أن أكون شجاعاً فسأقول له؛ دعنا نجلس كلنا ونري ماذا يصلح لنا وما يمكن أن نتراضى حوله، لكن رجاء لنفعل ذلك بديمقراطية!.      

خاتمة:

هنالك حقيقة عامة ندرك بها إن كنا نعيش حالة تنوع سلبي أم إيجابي وهي أن ننظر ونري لحركة كل نوع بيننا، أهي حركة نحو الداخل، المركز، النواة أم حركة منفتحة نحو الخارج، الآخر، المختلف. فلو كانت حركة نوع، جماعة ما بين أنواع، جماعات عدة تتجه نحو الداخل، تنكفئ وتتقوقع، فهذا يشير إلي أن هذه الجماعة، النوع تعيش حالة تنوع سلبي، وقد تدفع لهذه الحالة مشاعر الخوف وإشارات التهديد التي يستقبلها النوع، الجماعة من خارجها، من الأنواع الأخرى، وكلما تطرفت هذه الحالة كلما أضحت الوحدة تحديداً علي المحك وزادت احتمالات الانفصال والتشرزم. وهنا نود أن نشير لملاحظة تستحق الدراسة وهي صحوة وتزايد الركون والإشارة للقبيلة في خطابنا وتفاعلنا اليومي في السنوات الأخيرة.

 لنتقدم خطوة أخرى ونقرر؛ إذا صارت الحالة العامة للأنواع والجماعات هي الانكفاء والتقوقع والنزوع نحو الداخل، فستكتمل دوائرها وتتباعد وتظهر الفجوات بينها وتتمزق قماشة مشروع "الأمة" إما للشد بين دوائرها أو للداخل بينها من خارجها لمصلحة ما أياً كانت، والمصالح المادية والمعنوية سر حركة الجماعات والأمم، وأنا هنا ـ والعياذ بالله ـ لا أنوي أن أشير للاستهداف الخارجي فلقد أسقمنا ترديده ـ أعني الاستهداف الخارجي ـ دونما تفكير حتى طال تبرير هزائمنا في كرة القدم. علي النقيض من هذا نجد حالات التنوع الإيجابي التي تنفتح فيها الأنواع وتتحرك نحو الخارج والآخرين، دون أن تتخلى عن ما يجمعها، هنا يفسح النوع، الجماعة للآخر مكاناً فيه أو بينه، والآخر يفعل هذا أيضاً، فتتوفر مساحات للتلاقي والتلاقح وللتبادل الودي للخبرات والثقافات، مساحات للعيش المشترك.

تقودنا هذه الأسئلة والحقائق العامة لتأكيد أن تقبل الآخر والاعتراف به ومعاملته بمساواة هي الخطوات الأولي الضرورية نحو تحويل تنوعنا لحالة إيجابية وأن أسئلة الوحدة والانفصال ترتبط بمدى نجاحنا في تحقيق تلك الخطوات، فلنكن "جاذبين" ولنفسح مجالاً لبعضنا ونجعل تنوعنا سبباً لتدانينا بدلاً عن تنائينا، وإلا فلنقرر بكل شجاعة إننا، ولا أحد غيرنا، هو من استهدفنا. 

مايو 2005



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by