# # # #
   
 
 
[ 20.04.2009 ]
الرواية السودانية والثقافة والفكر بعد رحيل الروائي السودانى العالمي الطيب صالح 1929 ـ 2009 ـ د. احمد عكاشه احمد فضل الله




د. احمد عكاشه احمد فضل الله
باحث فى الفكر والثقافة السودانية لاهاى ـ هولندا

لا يهدف هذا المقال الى نقد او تقييم الأعمال الروائية للروائي المشهور الطيب صالح رحمه الله، وطيب ثراه وذكراه. وليس من اغراضها كذلك، ان تتناول دوره فى ادب وثقافة بلادنا. ولكنها سوف تتخذ من انتقاله الى رحاب الله منطلقا للنظر فى حال الرواية السودانية والفكر والثقافة عامة فى بلادنا، وفيما قد تكون عليه.

وتأتى الاشارة الى الفكر والثقافة نسبة لان جهد الطيب صالح لم يقتصر على كتابة الرواية بل اعتنى بالشأن العام أيضا. وكان الراحل متردداً فى الافصاح عن آرائه بجرأة، فيما يتعلق باحوال بلادنا ومواطنيها. ولم يعالج الطيب الشأن العام من منطلق السياسة الفجة بل من منطلق ما سماه فى حواره مع سودانايل "تنميه فكرة التحرر". وقصد بها التطور المتلاحق للادب والفكر والثقافه ورقيها وارتباطها بالفكر والثقافة فى عالمنا المعاصر وكذلك عنى دمقرطتها.

وقبل الاستمرار فى تناول هاتين المسألتين لابد من الاشارة الى حقائق رئيسية حول الادب السودانى:
 لقد عُرف كتـّاب روائيون آخرون فى الستينات من القرن الماضى، الى جانب الطيب صالح، منهم على سبيل المثال د. ابراهيم الحاردلو وهو باحث فى الاداب الشرقية وروائي، وابو بكر خالد مضوى وهو مربي واديب قاص. الا ان اعمالهم الادبية لم تلق الرواج الواسع، الذى لقيته روايات الطيب صالح. لقد قرأ جمهور عربي عريض اعماله مثل موسم الهجرة الى الشمال، وعرس الزين، وبندر شاه، بجزئيها، ضو البيت والمريود، وترجمت رواية موسم الهجرة الى الشمال الى لغات اوروبية عدة. وبسبب نجاحه الكبير هذا، عدّ روائي من الدرجة العالمية، ووضع بين ادباء القرن الماضي الكبار.

 على الرغم من النجاح الهائل للطيب صالح وادبه، الا ان الرواية السودانية لم ينظر اليها حتى الان كفكرة ذات مفهوم كامل. كما لم ينظر الى الكثير من الروايات السودانية كاسهمات ادبية اصيلة. ولم يـُسجل لها  نجاحاً كبيراً فى وصف الحياة السودانية او المأزق الاجتماعى الذي تعيشه. ولم تحظى بنجاح فى مجال الادب القصصي. واخيرا لم تفلح روايات سودانية كثيرة فى بلوغ مرتبة فنية راقية او نجاحاً فى ارقام التوزيع او الانتشار.
 حدث هذا رغم ان هناك ادباء سودانيون معروفون على المستوى العالمي. فقد عرفت رواية فرانسيس دينق "طائر الشؤم ـ 1991" حسب الترجمة للبروفسير عبدالله احمد النعيم. وعرفت روايات جمال محجوب منذ عام 1989. ومنها "علامات الساعة ـ 1966" و"الازرق النيلي ـ 2005". وكذلك عرفت ليلى ابو العلا باعمال روائية ناجحة شملت "المترجمة 1999" و"أضواء ملونة ـ 2001"، و "منارة 2005". وترجمت اعمال جمال محجوب وليلى ابى العلا الى الفرنسية. واخيرا يـُعرف حاليا روائيون سودانيون فى المهجر (الخليج واوروبا) مثل أمير تاج السر (مرايا ساحلية)، وحسن البكرى (أحوال المحارب القديم)، وطارق الطيب (مدن بلا نخيل)، واحمد الملك (الخريف يلتقي مع صفاء)، وخالد عويس (الوطن خلف القضبان)، و(الرقص تحت المطر).

وما من شك فى ان درجات النجاح الادبي تتفاوت من جهة النوعية الادبية واصالة الاسهام. غير ان اعلى تقييم نالته رواية سودانية، هي رواية الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال. فقد اشارت الناقدة المتخصصة في الادب الافريقي Annie Cagiano، الى ان هذا العمل الروائى "يشكل عملا كلاسيكياً. اى انه اثر ادبى من الطراز الاول للادب الافرو عربى، وعملا ادبياً اوروبي الطابع فى ترجمته الانكليزية، فاضحى اثرا ادبيا". واضافت "ان هذا العمل البالغ التعقيد استطاع ان يكون فى ذات الوقت لطيفاً ومروعاً". وقد اوردت الناقدة الادبية ملاحظاتها هذه خلال استعراض لها للترجمة الانكليزية للرواية التى انجزها دينغز جونسون ديفيز ونشرت ضمن سلسلة بينجوين في عام 2003.

وكانت الاديبة المغربية الاصل ليلى العلمي، التي كتبت المقدمة لهذه الترجمة، قد اشارت الى ان رواية موسم الهجرة الى الشمال تعد من القمم العالمية للادب العربى المعاصر. ووصفتها بانها "عملا يشي بالصراحة، والامانة اللاذعة، والغنائية المتوهج". لقد منح هؤلاء المتحكمون فى عالم الآداب العالمية، الروائى الطيب صالح، درجة ادبية رفيعة من بين سائر الاعمال الروائية السودانية وقد بقيت هي نفسها احكام خالدة.

يتضح مما جاء ذكره، ان النقد العالمى كان مجمعاً على حقيقة وجود ادب لسودانيين عرف بـ الافرو عربى، بينما عرفناه نحن كأدب السودان. وحقاً، فقد كان الاجماع حول وجود آداب سودانية (أي ادب سوداني قومي) ممكناً وحقيقياً، حينما نشرت رواية موسم الهجرة الى الشمال عام 1967. ولكن عقد ذاك الاجماع انفرط خلال العهود التى تلت، وذلك لسببين رئيسيين هما:
 
ـ اضحت النظرة الى السودان تقوم على الاعتقاد بان السودان تجمع قام، وفقا لصدفة تاريخية محضة من أجزاء وثقافات متعددة مختلفة، انتمت سابقاً لكيانات ثقافية تقليدية، وبالتالى يمكن ان توجد آداب لهذه الثقافات والاجزاء ولكنها لا تشكل نسيجا متناسقا لادب قومى.

- حاليا لا تجوز الاشارة الى سودان موحد نسبة لواقع الحروب الاهلية بين اجزائه. والتناحر والتباعد بين مواطنيه وثقافاته. وهى عوامل لا تساعد على توحيد الجهود والابداعات الادبية.

- والى جانب انفراط عقد الاجماع السودانى حول وجود ادب قومى، كانت هنالك الاجواء الثقافية والفكرية السلبية ذات الطابع الارتدادي، متمثلة في القهر السياسى للمجتمع والفكر والادب والثقافة وتغليب فكر التقوية الاسلامية والاصولية الدينية على سائر الفكر. وانعدام الرغبة فى تحديث الفكر والادب والثقافة والعزلة عن التقدم الفكري والثقافي على المستوى العالمي.
 
ويتعيـّن الاشارة الى ان الوطن وأدبه القومى، قد اضحيا مشروعاً متنازعاً حوله، وغير مستقر مما يتطلب التفكير فى الاسباب التي اعطت للاعمال الادبية السودانية المكتوبة باللغة العربية فى مجال الادب السودانى، الغلبة. ومن بين العوامل التي ادت الى هذا الوضع ما يلى:

- تجد معظم الاعمال الادبية المكتوبة باللغة العربية، فرصتها من النشر، والنقد والتقييم ادبياً وجمالياً.
- وتحظى الاعمال الادبية التى يثنى عليها القارىء السوداني، او النقاد السودانيين، او العرب بالاعتراف، وتصبح جزءا من الاعمال الادبية السودانية "المجازة".
- ضعف حظ اى إنتاج ادبي لسوداني ينتمى الى ثقافة فرعية (اى غير عربية وغير ناطق او كاتب باللغة العربية) في النشر والنقد والتقييم والانتشار الا نادرا. وادت هذه الندرة الى افتراض عدم وجود آداب خاصة بالهويات الثقافية والاجزاء السودانية الفرعية الاخرى.

يضاف الى هذه الحقائق، القمع السياسى، والحربي، للحركات السياسية، والثقافية، للفروع السودانية. وقد ادى هذا الى فض الاجماع حول امكانية بناء ثقافة قومية مشتركة واضعف الجهد الادبي والثقافي للاقليات السودانية.

وقبل مواصلة النقاش حول الآداب السودانية (وبخاصة ادب الاقليات وادب المهاجر السودانية) لابد ان نتوقف قليلا عند ما كان يعدّ الادب، ادبا قومياً للسودان.

 من اهم خصائص الصفة القومية فيه، انه كان يعد رافدا من روافد الادب العربى الحديث. وتشكلت بداياته مع الاعمال الروائية لعثمان محمد هاشم "تاجوج ـ 1948"، ثم روايات بدوي عبدالقادر خليل، وشاكر مصطفى، ابراهيم الحاردلو، وابوبكر خالد، ومن ثم ابراهيم اسحاق، بشرى الفاضل ومختار عجوبة، وانتهاءاً بالمحدثين والمعاصرين الفاضل عمر، ولنا مهدى، ورنا مامون، وبثينة خضر مكى. وتنطبق على اعمالهم جميعاً ما ينطبق على  سائر الروايات العربية الحديثة.

 استهدفت هذه الاعمال الروائية، تمكين القراء من التمعن فى دوافعهم الانسانية، الخيـّر منها والشرير، والتفكير فى احوالهم سياساً وفكرياً واجتماعياً. فعلى الرغم من تجنب الروائيين كتابة مايسمى بالسيرة الذاتية المحضة فان هذه الروايات تعج بالذكريات، والمعايشة للعهود والاماكن التى تناولتها اعمالهم. وفى جميع هذه الروايات يأتى الاحساس بالانتماء (مشكلة الهوية) مصاحباً للسرد. وجاءت هذه الاعمال الروائية عامرة، بتجارب مؤلفيها والتي حوت ما لا يسبب حرجاً وماقد يسبب الحرج او حتى الحزين منه بالسرد.

لقد اضحى العديد من اعمال الروائيين السودانين نوعا من الاعمال المؤثرة داخل السودان فقط، ولم تلق شهرة وسط القراء او النقاد العرب فى تلك البلاد ولم تلفت الانظار عالمياً. ولعل اسباب هذا تعود الى ما يلي:

 لم يستطع روائى سودانى مكث داخل السودان ولم يهاجر كتابة نوع راقي من الرواية تتحدى الاحكام العامة لما يعرف بالرواية والادب القصصي.
 لم يستطع روائي سوداني ان يتحدى الافتراضات الرئيسية المتعلقة بالطريقة التى يسلكها القارئ فى التقدم من فصل الى فصل فى الرواية (الاشارة الى الحبكات او المكائد المتبادلة مثالا) بحيث يمكن ان تتعدد القراءات والتأويلات لاحداث الرواية الواحدة او ما يسمى بالقراءة التفسيرية او البديلة.
 غاب عن اغلب هذة الروايات وصف العوالم العظيمة والمليئة بالاحلام.
 خلت من التجرد (عدم التحيز) والفصل المرير.
 عمرت بالرمزية الملتوية وغير المباشرة.

هذه هى اهم اسباب محدودية أثر الاعمال الادبية السودانية الداخلية، التى حالت بين الروائيين السودانيين فى داخل البلاد من الحصول على القبول والانتشار عربيا و دوليا مقابل ما لقيه ادب المهاجرين او المغتربين السودانين او ما يشار اليهم بالدياسبورا السودانية Sudanese diaspora.

وكما يدل واقع الحال، فاننا امام دياسبورا سودانية يبلغ عدد افرادها بضعة ملايين، موزعة فيما بين الخليج وشمال افريقيا واوربا الغربية وامريكا الشمالية واستراليا. وان اجيالها المتعددة انتجت ادباً روائياً ويمكن اعتباره سودانياً لان من الـفوه معنيون بالشان السودانى (تاريخه وثقافاته وعادات اهله وفلكلوره واثرياته واحداثه السياسية الهامة). ان هؤلاء الادباء وان اقاموا خارج السودان كانوا على دراية بالقيم السياسية والاجتماعية وعلى وعي بالادراك الحسي، والقيم الجمالية والادبية الغالبة، وسط السودانين عامة.

ورغم ما يجمع بين الاعمال الروائية السودانية فى المهجر فان هناك اختلاف في بعض مناحيها. فاذا كان الطيب صالح رحمه الله، قد كتب باللغه العربية ومن ثم ترجمت اعماله الى اللغات الاروبية، فان الجيل الثانى للمهجر السودانى فى اروبا الغربية كتب بغير اللغة العربية. بل ان جمال محجوب وليلى ابو العلا كتبا بالانكليزية، ومن ثم ترجمت الى الفرنسية. وهنالك من كتب باللغة العربية ابان اقامته فى مهاجر عربية واوربية بطريقة مغايرة ومن بين هؤلاء امير تاج السر(الخليج العربى) ومن اعماله مرايا ساحلية.

ويتميز ادب المهجر "الداياسبورا" باهتمامات تختلف عن اهتمامات ادب الموطن. ففيه يتحول الوطن الاصلي الى البقعة التى يبدأ منها التهجير، وترتبط به حكايات الرحلات المنهكة، التى فرضها سوء احوال وطن الاباء، وترويع النشأة الباكرة، وعادة يشمل ذلك الفقر والقمع والاضطهاد او الاحتراب الاهلي.
ويـُعنى كثيراً بتجربة العيش كأقلية فى المهجر، الذي يمثـّل فى البداية فضاء مائع ومتغير يشتمل على قدر كبير من ضرورات التعامل، والمساومة فى العلاقات مع المجتمع المضيف، وقرائه، كما انه عامر بالكثير من التحديات.

تتنوع تجارب اجيال المهجر، واحساسهم بالانتماء. فالطيب صالح رحمه الله مثلا اعتبر نفسه مغتربا وليس مهاجرا على الرغم من انه قضى زهاء 50 عاما في المهجر وتزوج باسكتلاندية فيما تعيش بناته فى المهجر. وهنالك من اعتبر المجتمع المضيف منفى. وهناك من عاش مندمجا في المجتمع بسلام وفى ترف واهتم بالتعددية الثقافية. وبوجود دياسبورات عديدة يفوق عددها الـ 100، وتتحدث بلغات شتى، ولها هويات ثقافية مغايرة، مع ضرورات التعامل معها، فقد ابرزت تجربة مغايرة، هى التى ادت الى بروز ادب الدياسبورا، او ادب المهجر.

ينتمى ادب الطيب صالح الى المرحلة السابقة لبروز أدب المهجر. ويندرج تطور ادب الروائي السودانى فى المهجر من حيث الاهتمامات في الاتي:
 
- الذاكرة الجمعية، والتصورات، والاوهام حول وطن الآباء، والانتماءات الجغرافية والثقافية والتاريخية وانجازاتها.
- الاستلاب او الاساءات التى قد تلحق بالمغترب من قبل المجتمع المضيف.
- الالتزام الجازم بترقية احوال الوطن الام وسلامته ووحدته.
- الوعى الجمعي للمغتربين فى المهجر الواحد، والتى سرعان ماتتحول الى وعي للدياسبورا المعنية باكملها. وهذا الوعى الاخير هو ما ولــّد ما يعرف براويات ما بعد الاستعمار وقد اعتبرت خطأ رواية موسم الهجرة الى الشمال جزءا منها، اذ انها تنتمى الى الحداثة الروائية العربية والافريقية بحكم عصر تأليفها فىالستينات من القرن الماضى. وكذلك لخلو تلك الرواية من الاهتمام البالغ بالعلاقات بين الاستعمار والشعوب المستعمرة.
وحاليا مع وجود تحديات اتجاهات ما بعد الحداثة في الادب والفكر، باتت لدينا آداب روائية مغايرة ومن بينها:
1. الادب الروائي المهتم بالعلاقات بين الامبراطويات الاستعمارية والشعوب التى استعبدتها مثال جمال محجوب في رواية "علامات الساعة".
2. الادب الروائي حول التعددية الثقافية فى المجتمع المضيف، والتعبير عن تطلعات القطاعات الدنيا او المضهدة فيه.
3. الادب الروائي للمهاجرين من الاجيال اللاحقة والتى تعالج المشكلات التى يواجهونها فى ظروف تعقيد الترتيب المعرفى والثقافي والديني..الخ للمجتمع المضيف ووجود مئات الاعراق والتقاليد الثقافية وخير مثال ليلى ابو العلا.

وقد لقي الادب الروائي للاجيال التالية للمهاجرين نجاحاً واسعاً، وبلغ مؤلفوه اعلى درجات النجاح الاجتماعي والشهرة الادبية.

وقد وضع البروفسير مايكل شاني جمال محجوب، فى مصاف اهم كتاب الرواية الافريقية المعاصرة على شاكلة  الروائي والشاعر النيجيري شينوا آشيبي والروائي النيجيري الحائز عل جائزة نوبل وولي سوينكا، وهما من جيل سابق اهتم بمشكلات التراث الافريقى. الا ان جمال محجوب انغمس في ما سماه الناقد شاني بـ "الحداثي والمفسر المجدد الرفيع للتراث. واستطرد الناقد قائلا تجد فى روايات جمال محجوب جذور اجنة تقاليد تعود الى عهود وتاريخ الصدام مع المستعمر. وهى صدامات ظلت مستمرة طوال سنوات الاحتلال البريطاني التى امتدت من 1885 الى عام 1955. ويعد هذا الاحتلال مسئولاً عن اى تحويل جرى للمتعلمين من السودانين الى صيغة عليا ونافذة وكذلك يعد مسئولاً عن استلاب السكان الرعاة والفقراء فى جنوب السودان.

ويقول ابيولا ايريلي الاديب والاكاديمي النيجيري بجامعة هارفارد عن ادب جمال محجوب بانه ينتشر فى غير نظام، وبدون اتساق فى مناطق متعددة من تعريف الذوات ويقصد هنا تحديداً الانتماءات العرقية والثقافية..الخ –الهويات. ويستخدم جمال محجوب تقنيات روائية وسردية راقية وحداثية حتى يصبح السرد ليس سردا مجردا، بل نقداً لاذعاً للاستعمار.

ارتضى جمال محجوب بنوع من المهارة مكنته من التعبير عن وجهه نظر حول التاريخ يقوم على الاهتمام الزائد بالفوضى وفقدان الامل والرجاء واضطراب الاحوال فى المجتمعات التى سبق وان احلها المستعمر. ويستطرد الناقد فى القول بان روايات جمال محجوب تقوم يمسح ورسم خريطة للوعي النفسي والسياسي والتاريخ الجغرافي للمجتمعات حديثة الاستقلال.

وجدت الاعمال الروائية لليلى ابو العلا تقييما نقديا. فقد نظر الناقد الادبي الافريقي والاستاذ في جامعة ويستمنستر مايك فيليبس الى رواياتها كنوع جديد من الرواية الانكليزية المعاصرة، التى يبدو جليا انها اتخذت شكل مؤلفات الكتاب المسلمين الذين يقومون بفحص خطوط التصدع بين مختلف الثقافات الاسلامية، وسبل العيش فى رفاهية الولايات المتحدة الامريكية وبلدان غرب اوربا. ويقول الناقد ان ليلى ابو العِلا لم تنهض بمهمة توضيح الاسلام، او ان تعيب فيه او تسخر منه من منطلق غربى. وانها تجنبت اللهجة الحادة والمداهنة والتملق وهي النبرة التى اضحت مؤخرا سمة بارزة للروايات الرائجة حول مشكلات الهوية وصراع الثقافات فى بريطانيا. واوضح ان سردها يبقى هادئاً وشاعرياً وان هذا السرد مكـّن ليلى ابو العِلا من تطوير افكار وعواطف بطلة روايتها المنارة وان تلك الافكار والعواطف باتت جلية للغاية.

وعدت روايتها "منارة" سيرة ذاتية للبريطانية الملونة جرى اصدارها على هيئة سلسة متصلة. وفى شأن هذه الرواية ايضا قيل ان صدورها يماثل ظهور الفتاة للمرة الاولى فى الحفلات الاجتماعية. وفيما يتعلق بالفتاة المسلمة الشابة (نجوى بطلة الرواية) والتى عاشت فى العز والرفاهية فى موطنها الاصلى السودان ثم عاشت فى الفقر والحرمان فى لندن، وكرد فعل اتجهت الى الدين. فقد جاءت عامرة بالتحدى وجاءت فى وقتها وتثير الامتاع وتأخذ بالالباب.
وحول روايتها الاضواء الملونة قال النقاد انها اصيلة وحاضرة ومعاصرة وانها توجد فى مرتبة منفصلة وراقية منعزلة عن الكتابات التى تنظر الى الوراء، وتثير السأم خلافا للمؤلفات التى ملأت قوائم المطبوعات فى السنوات الاخيرة. وحول روايتها المترجم علقت عليها صحيفة الانترنت بالقول ان ليلى ابو العلا تشدك الى عالمها الخاص حينما تحدد قوة انكسار ضوء الحياة فى بريطانيا رائحتها واصدائها

لقد لقيت روايات ليلى ابى العلا اعلى تقدير، اذ منحت فى عام 2000 جائزة كرين للادب الافريقي لقاء مؤلفها "منارة". كما منحت فى نفس العام جائزة "الكتاب الاسكتلندي الاول" على روايتها "المترجمة". ويتضح مما اوردناه ان الرواية السودانية من دون سائر انواع الادب السودانى (الشعر مثلا) لقيت نجاحاً هائلا من الاعتراف الدولي، والانتشار الواسع، والترجمة الى لغات اوربية. والى جانب النجاح الهائل لروايات الطيب صالح لقيت روايات جمال محجوب وليلى ابى العلا مايقارب نجاح الروائى السودانى الراحل غير ان ادب الطيب صالح بدى اكثر جاذبية فى اعين النقاد الغربيين اذ اعتبرت رواية موسم الهجرة الى الشمال القصة التى تفهم او تفسر مجازاً.

وهناك من النقاد الغربيين ممن عدها رواية بوليسية الفها شاعر من شعراء قصيدة النثر. وهناك من اعتقد بان المرحوم الطيب صالح قد ملك ناصية الكتابة الممتعة المليئة بالمرح والتميز بالشاعرية. وهنالك الاشارة الى النوعيه الغنائية الفريدة لرواياته. وهنالك من يشير الى لغة مكثفة تؤجج ظلالا رائعة المعاني. وهنالك من النقاد من يشير انه يفهم القـرّاء عبر اسقاطات وصفية. واخيرا هناك من النقاد العالميين ممن اشار الى سخرية محببة وودودة ودعابة. ثم الى حلاوة اللهجة السودانية التى استخدمها. غير ان هذه كلها تمثل اسباب تميز ادب الفقيد الطيب صالح احسن الله عزاء اهل السودان جميعا بفقدانه.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



الرواية السودانية والثقافة والفكر بعد رحيل الروائي السودانى العالمي الطيب صالح 1929 ـ 2009 ـ د. احمد عكاشه احمد فضل الله

لم يستطع روائي سوداني مكث داخل السودان كتابة عمل مميز. هل أنت متأكد؟؟؟ أقرأ رواية مسار الأسراب للأديب السوداني محمد الطيب سليم أقسم لك انك ستقول أنك كنت مخطئا.. اقسم لك. وستقولها في هذا المكان أجمل الأمنيات
قأري


هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by