# # # #
   
 
 
[ 15.04.2009 ]
هل كنت أرى شجراً يسير؟؟ الجزء الثالث ـ أمير بابكر عبدالله




وجه إلي البعض اللوم لاستمراري في الكتابة السالبة عن الحركة الشعبية لتحرير السودان، مشيرين إلى أنني أتجاهل الكتابة عن المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم الفعلي وكثيرة هي التجاوزات التي ارتكبها في حق الشعب بدءاً من انقلاب يونيو 1989 وحتى هذه اللحظة، مما يتطلب الكتابة حولها لا عن الحركة الشعبية فقط. وأردد هنا ما سقته من وجهة نظر في عدة نقاط قبل مواصلة متابعتي لذلك الشجر الذي ربما رأيته يسير وأنا أكتب تلك الرسالة المطولة لرئيس الحركة الشعبية.

اولاً أنا أكتب عن الحركة الشعبية باعتبارها حامل لمشروع السودان الجديد، على الأقل نظرياً. وهي المناط بها البدء في إنجاز هذا المشروع وقد واتتها الفرصة بوجودها على سدة الحكم في جنوب السودان وفي المركز. وطالما ان هذا المشروع تتطلع إليه قطاعات واسعة من السودانيين، فإن الممارسات السالبة تقود إلى نتائج عكسية وتطعن في صدقية وجدوى المشروع برمته.

ثانياً كل ما ذكرته سواء في الكتاب الرسالة أو هنا، هو محاولة لنتبين طريقنا إلى ما نصبو إليه. وما مارسته وتمارسه الحركة الشعبية على الصعيد السياسي حتى الآن لا يختلف كثيراً عن المؤتمر الوطني وهو الأمر الذي اكدته في كل فقرة من كتاباتي تلك. إذاً من منطلق معارضتي لما يمارسه المؤتمر الوطني أتوجه بالنقد إلى الحركة الشعبية عسى أن لا تحيد عن جادة مشروع السودان الجديد وتصبح وجهاً آخر . أو كان علي الصياح "ما تفعلينه ياحركة يا شعبية هو ذات ما يفعله المؤتمر الوطني".

ثالثاً لم يدَّعِ المؤتمر أنه يدعو لسودان جديد ولا علاقة له بذلك المشروع، فما يمارسه يتسق ورؤيته ومشروعه الحضاري. وبالرغم من تجاوزي لمرحلة الكتابة عنه وخرجت عليه كنظام وواجهته في فترة ما ليس بالكتابة وحدها بل حتى بالسلاح، إلا أن المنطق لا يدعوني لنقد نظام المؤتمر الوطني الحاكم دون تقديم رؤية بديلة والدفاع عنها ليس شفاهة ولا نظرياً فقط بل عملياً طالما أتيحت لي الفرصة، وهو الأمر الذي عجزت عن فعله الحركة الشعبية حتى الآن، بل صارت أقرب إلى المؤتمر الوطني منها إلى شعارات السودان الجديد التي لطالما نادت بها.

رابعاً كما جاء في كتاب رسالة مطولة لرئيسها أن " الحركة الشعبية بتبنيها المطلق لدعوة السودان الجديد وبنائه وإستنفار مجهوداتها وقدراتها من أجل ذلك، بل وذهابها إلى إطلاق إسم السودان الجديد على المناطق التي سيطرت عليها، منحتني –كما منحت غيري- حق رؤيتها من خلال هذا (الزوووم) ومقاربة ما تدعيه مع واقع الأمر، ومدى مفارقتها للسودان القديم منهجاً وممارسة.

ربما الأمر –في بعض منه- يعود إلى ما أشرت إليه في تلك الرسالة حول البنية التنظيمية المعقدة التي قامت عليها الحركة الشعبية منذ انطلاقتها، والتي ازدادت تعقيداً بمرور الأيام والسنوات. وهي بنية حملت داخلها أثقال العسكرية وهموم السياسة ومشاق الإدارة المدنية، أشرت لذلك والحركة لا تزال بعد في مرحلة المخاض تعاني بدايات شراكتها مع المؤتمر الوطني لتشكيل حكومة وحدتهما الوطنية، وتوأمها الذي دائماً ما يأتي متأخراً قليلاً في الجنوب.

كانت الإشارة من الوضوح بما لا يجعل فيها أي لبس عندما كتبت: "أول المطلوبات هو فك الإرتباط التنظيمي بين هياكلها المدمجة. فبعد ان وقعت الاتفاق صارت مطالبة بخطوات تنظيمية إجرائية من النوع الثقيل، وهي أولوية قصوى لمقابلة التزاماتها. فالحركة الشعبية ستعمل في ثلاث جبهات رئيسية عليها توزيع كوادرها وقاداتها ومناصيرها بعناية لشغلها بكفاءة."

ولكن التخلص من البزة العسكرية أمر صعب بلوغه دون تضحيات، خاصة فيما يتعلق بالتراتبية التي ظلت تحكم علاقات القيادات لفترات طويلة. اجتهاد البعض وتفانيه في بلوغ تلك الرتب أثناء سنوات الحرب الطويلة يزيد الأمر تعقيداً عند دفع استحقاقات المرحلة المقبلة (أي مرحلة ما بعد الحرب). وهي في هذه الحالة إضطراره لنزع تلك البزة المرصعة بالنجوم والانخراط في العمل السياسي أو المدني، ولو لفظياً، فما أروع أن يستمع أحدهم بترقيته إلى رتبة أعلى، والأكثر روعة أن تكون "كوماندر". ربما هذا يفسر بعض ظواهر حالات (الحرد) التي انتابت بعض القيادات (الكوماندرات) في بداية مرحلة التشكل السياسي والتعامل الفعلي للحركة مع السلطة.

هذا الأمر قد لا ينطبق على البعض، ولكنهم قليلون، من القيادات التي لم تنخرط في السلك العسكري بحرفيته ووجدوا حظهم في قمة القيادة دون إضطرارهم لصعود سلم الترقي درجة إثر أخرى، بل كانت لهم مهام ينجزونها في مواقع أخرى. هؤلاء لا أعتقد أنهم يعانون كثيراً في مرحلة التحول السياسي التي تعيشها الحركة الشعبية الآن، ولا تقلق دواخلهم تلك النزعة العسكرية، رغم إنهم تربوا على احترامها.

عقدت الحركة الشعبية مؤتمرها العام في مرحلة ما بعد السلام، في إطار تحولها إلى حركة سياسية، لكنها لم تخرج من مأزق التراتبية العسكرية وشرك التوازنات القبلية والمناطقية. وهذا يبدو أكثر سطوعاً في نواب رئيسها الثلاثة الذين تمت ترقيتهم إلى رتبة الفريق، وأكثر سطوعاً في جنوب السودان حيث تسيطر على السلطة هناك. برغم إن حاولت أن تبدو وكأنها تسلك سلوكاً ديمقراطياً بعقدها ذلك المؤتمر، لكنها ظلت محكومة بطبيعة المرحلة التي تواجهها. وهي إن كانت غارقة –إثناء فترة كفاحها المسلح- في تقوية شوكتها العسكرية، فهي غارقة حتى أذنيها الآن في تثبيت دعائم حكمها أمنياً وعسكرياً.

تكفي الإشارة هنا إلى استمرار جنرالات الجيش الشعبي في إدارة شئون ولايات الجنوب بذات الفهم لإدارتهم للمناطق المحررة قبل التوقيع على اتقافية السلام الشامل، وسيطرة الجيش الشعبي الذي لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، مع ملاحظة إنه الزراع العسكري للحركة الشعبية. يأتي ذلك في ظل وجود مليشيات عسكرية أخرى أفرزتها الحرب سابقاً، تتأرجح مواقفها قرباً وابتعاداً عن الحركة، محكومة بعدة عوامل يتداخل فيها ما هو قبلي بما هو سياسي وحتى ما هو ذاتي يلبي طموحات شخصية لدى البعض. كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار حساسية الوضع في منطقتين هما جبال النوبة والنيل الأزرق.

أما قطاع الشمال، كماعون تنظيمي، فمجال حراكه اكثر تعقيداً. فإذا سيطرت النزعة العسكرية على مجمل الوضع في الجنوب، لكن الشمال ليست لها اليد الطولى فيه، مما يجعل إيقاع سيطرتها أقل درجة بكثير. هنا سيعلو ما هو سياسي على ما هو عسكري، وهنا ستتجلى مدى قدرتها على ضبط إيقاعها التنظيمي والسياسي بعيداً عن لمعان النجوم على أكتاف البزات العسكرية. ولكن يبدو أنها لا تريد ان تبقى بعيداً بما يكفي لبروز صراعات هنا وهناك داخل ذلك القطاع، وهو لا يعدو كونه صراعاً بين من هو الأحق بقيادته على مستوياته المختلفة، بعيداً عن نظرية المؤامرة، فإن كان المؤتمر حسم الأمر على مستوى قيادته العليا فليصطرع البقية على المستويات الأدنى.

او كما كتبت في تلك الرسالة المطولة: "إن الشعب السوداني بقطاعاته المختلفة الذي ظل يتطلع إلى الحركة الشعبية، حتى قبل أن يختبرها ولا أن يقترب من محيط قدرتها على الممارسة السياسية التي يتطلع إليها، ينتظر منها مشهداً سياسياً مغايراً تلعب دورها فيه باقتدار. وهذا يتطلب منها –إن هي أرادت أن تبقى صورتها في ذاكرة الشعب كما يعتقدها- أن تبدأ في تفعيل ميكانيزماتها للإسراع بتحقيق التحول الداخلي لها لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة."

لكنها لم تفعل ما يكفي لجعل الحركة الشعبية "جاذبة".



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by