# # # #
   
 
 
[ 11.04.2009 ]
هل كنت أرى شجراً يسير؟؟ الجزء الثاني ـ أمير بابكر عبدالله




"إذا كانت مرحلة ما قبل السلام قد فرضت على الحركة الشعبية إقامة سلطتها المدنية منفردة في الأراضي التي سيطرت عليها، فهي مسؤلة الآن عن تحقيق التحول الديمقراطي في الجنوب، وهي التي لها اليد الطولى في السلطة فيه بموجب الاتفاق. وهي إن كانت مضطرة للتعامل وفق الواقع –الذي فرضه الاتفاق- على المستوى الاتحادي، ففي الجنوب سيتجلى مدى التزامها بما كانت تطرحه على المستوى النظري. وبالرغم من أنها استبسلت طويلاً على طاولة مفاوضات الإيقاد للوصول إلى تقنين شرعية سيطرتها على الحكم في الجنوب ومشاركتها في الحكم الاتحادي، إلاَّ إنه عليها إبداء مرونة كبيرة في تعاملها مع الآخرين وتمليكهم حقوقهم السياسية المشروعة التي ساهمت هي بشكل رئيسي في انتزاعها، وأن لا تطل شرعية نضالها الطويل وتضحياتها التي قدمتها طوال سنوات بوجهها وتلقي بظلالها وهي تحاول إبداء تلك المرونة. وتلك آفة (التشبث بالسلطة) لازمت كثير من الحركات الثورية والتهمت أطروحاتها ورؤاها وأفرغتها من محتوياتها الإيجابية.

وهي لذلك مطالبة هنا –في حكومة الجنوب- بوضع برنامج واضحة معالمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، منطلق من رؤاها وأفكارها حول السودان الجديد وكيفية بناءه. إن نجاحها -هنا في موطنها- في إنزال شعاراتها إلى أرض الواقع سيعزز كثيراً ويشكل دعماً قوياً لها وللمنادين ببناء السودان الجديد في كل السودان، ويؤكد قدرتها على الخروج من مآزق الشرعية الثورية إلى آفاق الشرعية الدستورية. وهي آفاق لها مسارات مختلفة عن مسارات الغابة، ولكنها مليئة بالعقبات."

عذراً –عزيزي القارئ- لاضطراري لهذا الاقتباس الطويل من كتاب "رسالة مطولة إلى رئيس الحركة الشعبية" الذي لا مناص منه، خاصة وأنه قد كتب قبل أن تمارس الحركة الشعبية سلطتها المخولة لها في الجنوب وفق اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005. وستجد لي العذر أثناء مقاربة هذا الاقتباس مع مجريات الأمور في الجنوب. وفي هذا الجانب سأتناول شعار التحول الديمقراطي الذي تتمسك به الحركة الشعبية في خطاب يتعالى صوته في الخرطوم فقط، بينما يخفت في الجنوب. ولأننا لا نرى الحراك السياسي الحقيقي للحركة الشعبية إلا في إطار حكمها للجنوب باعتبار وجودها السلطوي في المركز لا يكشف حقيقة ذلك الحراك فهي الأضعف في حكومة الوحدة الوطنية والأقوى في معارضتها والأكثر صخباً في ترديد شعارات فشلت في تطبيقها هناك في الجنوب حيث سلطتها الحقيقية التي تمارسها فعلاً.

أربع سنوات مرت –أو كادت- حتى الآن منذ استلام الحركة الشعبية مقاليد الحكم في الجنوب، وها انا أقرأ للسيد إيمانويل أفيك في صفحة الشلك الإلكترونية ما كتبه تحت عنوان "عجز السلطة وفشل النخبة جنوب السودان " فالجنوب اليوم يكاد يكون نموذجا مصغرا للسودان القديم، فقد صار الولاء السياسي والإنتماء القبلي والعشائري مقدما على الولاء والإنتماء للوطن، فأستغل البعض هذا الوضع لتسلق وتأمين مواقع سياسية وتنفيذية لا يمكنهم الوصول اليها دون سند ومن ثم القيام بتوظيف الأقارب واصحاب الولاءات دون الاخذ في الاعتبار الكفاءات والخبرات العملية التي تؤهلهم لشغل تلك الوظائف، بل يمكن القول أن الحركة تقوم بعملية تمكين سياسي واقتصادي في الجنوب مشابهة لتلك التي قامت بها الانقاذ في بدايات عهدها، كما أدى عدم الشفافية في التعاملات المالية إلى تركيز الثروة في ايدي فئات معينة ومعدودة، فظهرت طبقة جديدة من البرجوازية الإنتهازية والرأسمالية الطفيلية التي تكاثرت بصورة غير مسبوقة حتى صار من المألوف في جنوب السودان أن يتحول المرء ما بين ليلة وضحاها من فقير معدم الى ثري يملك المال والأعمال. كل هذا لا ينفي الجهود المقدرة التي يقودها السيد رئيس حكومة الجنوب ونائبه عبر إنشاء مفوضية الفساد الخاصة بجنوب السودان و لكن الفساد مازال ينخر في جسد المؤسسات الحكومية ولا زالت المحسوبية متفشية بصورة كبيرة."

ماذا فعلت الحركة الشعبية وهي الحزب الحاكم في الجنوب من أجل التحول الديمقراطي هناك، فما فعلته في المركز يكاد يكون معلوماً. فهي تلعب على كل حبل ممكن هنا، من جهة تبدو كالمناضل الحقيقي من أجل ترسيخ مبادئ الحكم الديمقراطي بمناداتها المستمرة بضرورة إجازة القوانين ومطابقتها للدستور الانتقالي، ومن جهة تسهم في إجازة قوانين بالاتفاق مع شريكها بما يخدم مصلحتهما دون الالتفات لانتقادات القوى الأخرى أو المشاركة معها في تبني قوانين تقود لذلك. فماذا يتوقع منها أن تفعل جنوباً إذاً، وهي صاحبة القرار الكلي فيه حتى المؤتمر الوطني قطاع الجنوب يستجديها قيام ندوة مفتوحة في الجنوب ولا تسمح له بذلك إلا في داره. ما أشبه الملك بالكتابة.

من أطرف ما سمعت قبل عام أو يزيد أن الحركة الشعبية تدعو الأحزاب الناشطة في الجنوب وعبر تلفزيون جنوب السودان بالانخراط في صفوفها، وها هي تذهب عملياً في هذا الاتجاه بطرق ملتوية كما يقول جوزيف ملوال رئيس حزب جبهة الانقاذ الديمقراطية في تقرير لجريدة الأحداث  العدد (522) إن الحركة الشعبية تمهد من اجل اختطاف الحزب وتحويله لها.

الديمقراطية تقوم على وجود الآخر. وهو ما لا تقره الحركة الشعبية إلا على المستوى النظري فقط حتى الآن، إلا إذا كان هذا الآخر يخدم أغراضها. فالحركة لا تحتمل آخر إلا تحت جناحها، وفي ذلك تتفق تماماً مع المؤتمر الوطني. وإن حاول البعض تبرير ذلك إبان فترة الكفاح المسلح لمقتضياته فإن أي تبرير الآن لا يفيد.

كثيرة هي المواقف التي تكشف ذلك، ليس أولها حبس الصحفي نيال بول لنشره مقالاً عن الفساد في جنوب السودان في اكتوبر من العام الماضي بل وادى الأمر إلى تعليق صدور صحيفة The Citizen كما أشار إلى ذلك بيان صادر من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وأدانه، ولن ينتهي بملتقى كنانة الذي ضم عدد من ابناء جنوب السودان ووجه انتقادات حادة لحكومة الجنوب بعد تقييم ادائها فى الفترة الماضية خاصة فيما يتعلق بعدم استتباب الامن والاقتتال القبلي، وغياب الخدمات الاساسية، وانعدام اسس الحكم الراشد، ليصف الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم المجتمعين في كنانة بأنهم أعداء الجنوب كما جاء في خبر لأجراس الحرية (325). وهي عبارة لا تختلف كثيراً عن الخونة والمارقين، لكنها خارجة بطعم بهارات السودان الجديد. فمن لا يقبل النقد لا يقبل الآخر ويضع نفسه في مصاف مالك الحقيقة الأبدية.

أو كما قلت في رسالتي المطولة تلك " فالحركة الشعبية ما عادت تلك النجمة البعيدة المضيئة بالنسبة لجماهير الشعب السوداني التي ظلت تنتظر بيانات انتصاراتها العسكرية عبر الراديو والفضائيات وخطبها النارية ضد الأنظمة الحاكمة، بل هي الآن قلب السلطة الحاكمة وجسد سياسي يتحرك وسطها، وفكر وبرامج وممارسة عليها أن تلامس الواقع حتى تتفاعل معها تلك الجماهير وتحاكمها علي اليومي منها والاستراتيجي.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by