# # # #
   
 
 
[ 08.04.2009 ]
هل كنت أرى شجراً يسير؟؟ الجزء الاول ـ أمير بابكر عبدالله




أربع سنوات شارفن على الانتهاء منذ بدأت نشر كتاب "رسالة مطولة لرئيس الحركة الشعبية" في جريدة الشرق القطرية، امتدت حلقاته على مدى شهر تقريباً ابتدأت بنهاية يونيو واكتملت بنهاية يوليو 2005، ومن ثم نشر في عدة منابر صحفية أخرى. وها أنا احاول قراءة ما كتبته حينها مقارِباً محتواه بممارسة سياسية عملية للحركة الشعبية منذ حكمها للجنوب وشراكتها في حكومة وحدة وطنية مع المؤتمر الوطني، أو حسبما أقرته اتفاقية نيفاشا التي وقعها الطرفان في التاسع من يناير 2009، وحتى اللحظة.

ولأن ما جاء من بين دوافع تلك الرسالة في مقدمتها "محاولة للمساهمة  ـ من وجهة نظري ـ في تلمس وجهة المرحلة المقبِل عليها السودان، وإبداء الرأي –الذي ربما يكون مفيداً- في بعض القضايا التي قد تهم الحركة الشعبية وغيرها من القوى السياسية"، حق علي المواصلة على ذات المنهج الذي اتبعته ولكن هذه المرة بقراءة لواقع ماثل، كنت قد قرأت بعض تفاصيله منذ ذاك الوقت.

بكل تاكيد لم أكن أرى شجراً يسير؛ فلست بزرقاء أو (أزرق اليمامة)*، ولكن التعاطي مع الشأن السياسي السوداني يسهل كثيراً من صدقية الفروض حين اختبارها على أرض الواقع، لذلك حتى الأعمى يستطيع ببصيرته الجزم بأنه (أزرق/ زرقاء يمامة). فلا مجال هنا للإدعاء بقدرات خارقة ولا امتلاك مفاتيح الغيب، فالأمر أسهل بكثير من ذلك.

سأتناول أثناء هذه المقاربة أكثر ما أقلقني في قراءاتي لواقع الحركة الشعبية آنذاك وما هو ماثل مقابله الآن. وأولها الواقع القبلي الذي قدم إليها العون في جوانب كثيرة خلال مسيرتها في الحرب طويلة الأمد التي خاضتها، ولكنه في ذات الوقت هدَّ من عضدها في جوانب أخرى، ويبدو أنه سيواصل.

وخلاصة ما ذكرته حول هذا الأمر في ذلك الكتاب "أن الحركة الشعبية أضاعت فرصة تاريخية بتجاهلها لهذا الواقع أو عدم قدرتها على التعامل الإيجابي معه، فمعركة النضال الطويل (أكثر من عشرين عاماً) كانت كفيلة بتحقيق نتائج طيبة في كسر حدة الاستقطاب القبلي داخلها وبالتالي في كل الإقليم. فالكفاح المسلح (طويل الأمد) يشكل معملاً مناسباً وأكثر سرعة، تتفاعل داخله عناصر التقارب إذا ما أضيفت مقاديرها بالنسب الصحيحة. وهي في هذه الحالة خطاب تعبوي وبرنامج توعوي زائداً قيادة قادرة على تجاوز حالة الإستعلاء. أضاعتها لتدخل مرحلة ما بعد الحرب وهي تحمل على أكتافها وداخلها كثير من الأورام التي يمكن أن تصير إلى التقيح إن لم تتسرطن."
وأخشى القول بأنها بدأت تجاوز مرحلة التقيح، إذا لم تجد نطاس بارع يداويها بصبر وعبر برنامج طويل المدى لتفادي العلاج الكيميائي. تلك الخشية مردها إلى الواقع القبلي المرير الذي يعيشه الجنوب الآن. وفي تقديري أن الحركة الشعبية في كثير من الأحيان تحاول أن تغمض أعيننا عن ما يدور هناك من صراعات قبلية حادة، لنفتحها على تفسيراتها التي تخدم خطابها الإعلامي. لكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، وتتطلب مواجهته شجاعة كافية.

خلال متابعاتي المستمرة لما تنشره الصحف، منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل وحتى اللحظة يكشف مدة استفحال المشكلة القبلية في الجنوب، وعدم قدرة الحركة الشعبية على السيطرة عليها. وسأكتفي هنا بما أوردته جريدة (الأحداث) اليومية خلال الفترة السابقة وبصورة تكاد تكون يومية خلال صفحتها الأولى، ما يشير إلى حجم الانفلات القبلي الذي لن يدع الحركة تنام على (الجنب البريحها).

في عددها (501)، جاء عنوان "مقتل وفقدان وإصابة 579 شخصاً في مواجهات في البيبور" وهو حدث كشفه حاكم مقاطعة البيبور أكوت مازي بين مواطني المنطقة وقبيلة النوير. وفي ذات العدد تقرير حول اللواء غابريل تانغ، وهو من أبناء النوير ومن الذين فضلوا الانضمام إلى القوات المسلحة مع فصيل قواته باختياره وفق نصوص بروتوكول الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاقية نيفاشا، حسبما أورد التقرير. وهو الجنرال الذي تتهمه حكومة الجنوب والحركة الشعبية بإشعال فتيل الحرب في مدينة ملكال والتسبب في قتل مدنيين وعسكريين فيها، وتطالب الخرطوم بتسليمه.

وفي عددها (507) خبر تحت عنوان "انعدام الأمن في الجنوب يعيق عودة اللاجئين" يذكر ضمن ما يذكر أن المتحدث باسم مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة رون ريدموند في مؤتمر صحفي في جنيف أعرب عن قلق المفوضية العميق إزاء استمرار الصراع بين المورلي والنوير في جونقلي والذي أودى بحياة أكثر من 750 شخصاً ونزوح أعداد ضخمة. وفي ذات العدد والصفحة خبر آخر تحت عنوان "تضرر الآلاف بسبب القتال في جونقلي" يؤكد فيه رئيس لجنة تقصي الحقائق ما ذهبت إليه مفوضية الأمم المتحدة، ويذهب إلى استمرار الاشتباكات القبلية في المنطقة مطالباً جميع الأطراف بالتوقف عن العنف.

أما العدد (509) وفي عنوان صارخ "منظمة اللاجئين تحذر من انهيار الجنوب" حثت فيه منظمة اللاجئين الدولية الولايات المتحدة على العمل مع حكومة الجنوب لضمان الدعم المالي العاجل لتفادي حدوث انهيار في النظام والقانون بالإقليم. وعبرت عن قلقها إزاء النزاعات المحلية، واوردت في تقريرها أن الأهالي اشتكوا إليها من عدم تواجد دوريات أو حماية من حكومة الجنوب أو قوات حفظ السلام الأممية.

حتى النائب الأول، رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية لم يسلم من انتقاد مؤسسة مسح الأسلحة الخفيفة ومقرها جنيف، وذلك على خلفية حملة جمع السلاح الذي أمر به في 22 مايو الماضي، كما جاء في العدد (512)، ووصفت المؤسسة تلك الأوامر بأنها جاءت في ظل غياب الإطار القانوني والسياسي، مع عدم وجود أهداف واضحة وإرشادات كافية.

واضح من خلال هذا العرض الذي مسح أعداد قليلة من جريدة (الأحداث) حجم واستفحال الأزمة القبلية في الجنوب، ومدى تأثيرها على الاستقرار والامن وبالتالي التنمية. كما واضح أيضاً أن من يريد زعزعة الوضع في الجنوب لن يجد كعب انسب من كعب أخيل القبلية يصوب سهمه إليه ليسمم كل الجسد. وفي ظل غياب رؤى واضحة لمعالجات حقيقية وسيادة المنهج القديم في التعاطي مع الواقع القبلي من جانب الحزب الحاكم في الجنوب يظل تساؤلي الذي طرحته في تلك الرسالة التي نشرت في العام 2005 قائماً:

هل تستطيع الحركة الشعبية بمنهجها القديم السيطرة على الوضع في الجنوب في ظل الاتفاقية التي منحتها حق حكمه أو السيطرة على الأغلبية فيه؟ وهل يتواصل التشظي وتتفجر الاحتقانات التي تملأ جسدها، فالأمر لا يقتصر على "النوير" فقط، بل هناك قوى أخرى تعتقد في أن (حكم الدينكا أسوأ من حكم الجلابة) ويتوقعون ـ بعد أن تضع الحرب الأولى أوزارها ـ أن تكون معركتهم القادمة ضد هيمنة "الدينكا"؟

* مجموعة قصصية للدكتور بشرى الفاضل.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by