# # # #
   
 
 
[ 31.03.2009 ]
إبوني قناة السودان الجديد ـ أمير بابكر عبدالله




amirkf04@yahoo.com

بث تجريبي انطلق عبر الفضاء معلناً عن قرب مشاهدتنا للسودان الجديد (صوت وصورة). إبوني؛ إنها القناة الفضائية التي تزمع حكومة الجنوب أو الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطلاقها قريباً، في خطوة تكشف ضرورة وخطورة إمتلاك وسيلة إعلامية فعالة للتصدي لمهام المرحلة المقبلة.

هي اولاً خطوة للأمام دون شك، نتمنى لها التوفيق، تساعد كثيراً في بث الحركة الشعبية رسالتها الفكرية والسياسية والاجتماعية على نطاق واسع داخلياً وخارجياً. كما وأنها ستساعد الكثير من المستقبلين لتلك الرسالة على تقييمها بصورة أكثر عمقاً، خاصة من خلال مقارنتهم لذلك بما يجري على أرض الواقع. ولكنها ستكون سلاح له أكثر من حدين فيما يختص بمستقبل مشروع السودان الجديد الذي تتبناه الحركة الشعبية، هذا إذا اعتبرناها الحامل المعبر عن مفاهيم وقيم السودان الجديد، الأمر الذي يشكك فيه كثيرون حتى بعض المقربين إليها.

الحد الأول، وهو الأكثر تفاؤلاً، الذي يعتبر الحركة الشعبية الحامل الحقيقي لمشروع السودان الجديد، بل رائدته. وهو حد يسهم في انتشارها والتبشير بأفكارها، محدثاً اختراقاً فضائياً في جسد الإتجاه الأحادي للإعلام السوداني، خاصة الإذاعي منه والتلفزيوني. كلنا يعلم مدى أهميتهما كوسلتي اتصال جماهيري في ظل اتساع الرقعة الجغرافية للسودان، وواقع الأمية المنتشرة فيه بنسبة عالية، وفوق ذلك عدم فعالية شركات توزيع الصحف المقروءة وعجزها عن تغطية كل مناطق السودان لأسباب عديدة، مع انحسار موجة القراءة عموماً في السنوات الأخيرة وسط الذين تجاوزوا عتبة الأمية الأبجدية.

الحد المتفائل ينطلق من منصات ثابتة، معتقداً أن عصر احتكار المعلومات والتحكم في بثها قد ولى. وحان الوقت لمكونات السودان الجديد الفكرية والسياسية والثقافية أن تندفع بقوة لتعمل على تشكيل الرأي العام أو إعادة تشكيله وتجييره لصالحها. فقد عانت كثير من عناصر ومكونات الشعب السوداني من التهميش طوال عقود بسبب سياسات الهيمنة والتعالي السياسي والثقافي، وانه أوان المهمشين ليجدوا لهم حيزاً في الوجود. فهي ستتيح لكل الاختلافات السياسية والثقافات المتعددة التواجد عبر الفضاء بما ينتشلها من حالة التهميش إلى استنشاق الهواء الطلق لتستعيد وجودها وحياتها. حتى الثقافة العربية ستجد حظها للإعتراف الرسمي الذي وجدته في شعار القناة المكتوب باللغتين العربية والانجليزية، وهي لن تستطيع تجاوزها طالما أن الهم سوداني.

أما الحد الثاني، وهو المتشائم، ينطلق من قواعد متحركة، ذاهباً إلى أن كل الذي قيل هو جيد نظرياً، وسيسهم إيما إسهام في تفعيل الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي إيجابياً، ولكنها ستكون ولادة متعثرة إذا لم يخطط لها جيداً. فليس الأمر مجرد إطلاق قناة فضائية وكفى لتكون في عداد القنوات الكثيرة المنتشرة، خاصة وأن الحركة الشعبية لا تملك رؤى واضحة لمشروع السودان الجديد سوى تلك الشعارات العريضة التي يطلقها حتى ألد أعدائها، وبالتالي لن يكون لديها جديداً تقوله. ويذهب هذا الحد إلى ضرورة أن تجود الحركة برامجها ورسالتها التي تريد بثها، وإلى تدريب وتاهيل كادرها الإعلامي ليلعب دوراً غير تقليدي، لأن القناة الفضائية ستخضع فوراً للمقارنة مع قنوات أخرى، ما يعرضها للتعثر منذ بداياتها وينفر المشاهدين منها مثل ما هو حادث لقناة السودان الفضائية إذا لم تحكم إجادة اللعبة. هذا غير أن المشاهد سيخضع كذلك كل برنامج الحركة للتقييم، ويقارنه بممارستها السياسية اليومية، ولن تعود مجرد (بطيخة مقفولة) يراهن عليها بلا دراية. كما وأن القناة ستلعب دوراً مهماً في مستقبل الاستفتاء من أجل حق تقرير المصير لجنوب السودان.

وهناك الحد المتشائم، الذي لا يرى في بث حكومة الجنوب وحزبها الحاكم قناة فضائية إلا محاولة أخرى لاستخدام الإعلام للهيمنة واستمرارها. فهي لا تعدو أن تكون مجرد بوق للحركة الشعبية، ووجه آخر لإعلام الاتجاه الواحد الذي تسيطر عليه رؤية واحدة. وهذا الحد ينطلق من قاعدة يدعم ثباتها خيبة الأمل التي أصابت الكثيرين منذ توقيع اتفاق السلام بينها والمؤتمر الوطني، وأن كثير من شعارتها التي اجتذبت الكثير من القطاعات تكسرت مع تجربة الممارسة السياسية التي أحبطت شرائح مقدرة كانت تعول عليها كثيراً في إحداث اختراق سياسي إيجابي سوى على صعيد الجنوب أو السودان. الواقفون على هذا الحد يورون أن القناة الفضائية ستكون تلفزيوناً حكومياً آخر يعبر عن الحزب الحاكم في الجنوب، خاصة مع تأكيد القناة بأنها قناة شعب جنوب السودان رغم شعارها بأنها قناة السودان الجديد.

ما هو أكيد أن قناة إبوني الفضائية ستنطلق قريباً، ولكي تجد لها موقعاً وسط هذا الكم من القنوات عليها استيعاب الخطوة القادمة من كافة زواياها، وأن تأتي بجديد مغاير على صعيد الممارسة الإعلامية الحكومية، سيعينها على ذلك تلك الثروة الهائلة من الثراء والتعدد الذي يزخر به المجتمع السوداني. وها هو طريق آخر ينفتح أمام الحركة الشعبية تستطيع عبره تجاوز كل أخطاء ممارساتها السياسية بخطاب أكثر قدرة على مخاطب عقول مستقبلي القناة، خطاب يسهم في تعميق أفكار أساسية تنادي بها، مثل التحول الديمقراطي و إبراز التعدد السياسي والثقافي كمفاتيح تلج أبواب السودان الجديد. وأن تستوعب دورها في تنمية إنسان السودان باستثارة وعيه وقدراته. وبدلاً من محاولات التغييب التي تمارسها القناة السودانية على الخطاب المعارض لتوجهها سياسياً كان أم ثقافياً، أن تعمل قناة إبوني على ترسيخ مفاهيم الديمقراطية وإبراز الرأي والرأي الآخر بشفافية. ورغم علمي بضيق الحركة الشعبية بالديمقراطية مثلها في ذلك المؤتمر الوطني وكثير من أحزابنا (الكبيرة)، إلا أنه لا خيار أمامها سوى المضي قدماً في اتجاه ترسيخ تلك المبادئ والمفاهيم نظرياً وعملياً.

أهم من ذلك هو مدى تأهيل وقدرات الكادر المنوط به تحمل هذه المسئولية، وانفتاحه على تجارب مختلفة تساعده في تلمس طريقه للإطلاع بدوره في مجال العمل الإعلامي، متجاوزاً التجربة الإعلامية للحركة الشعبية في الفترة السابقة وخطابها المرتبك والتائه بين تطلعاتها وممارساتها. وهي فوق ذلك محطة ستكشف بوضوح مدى التزام الحركة الشعبية بحرية التعبير واستقلال العمل الإعلامي الذي ظلت تنادي به من موقع الضعيف طوال الفترة السابقة، محطة ستضيف إلى رصيدها المتراجع سياسياً بشدة إن هي أحسنت القيام بمستلزماته ودفعت مستحقاته. وإلا ستكون إبوني مجرد قناة أخرى يتحكم فيها حزب حاكم، ولن تضيف جديداً، بل تساهم في في إزدياد مؤشر التراجع الكبير.



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by