# # # #
   
 
 
[ 08.03.2009 ]
المرأة والعقل القاهر ـ أمير بابكر عبدالله




لفت انتباهي برنامج إذاعي صباحي، مقدمه سمج جداً، بل أسوأ من ذلك كثيراً. موضوع البرنامج تناول قضية في غاية الأهمية وهي تزايد عدد الإناث بالنسبة للذكور ومحاولة لإيجاد حلول لما يمكن أن تفرزه هذه الظاهرة من سلبيات على مستوى القيم الاجتماعية.

لكن ما لفت انتباهي أكثر بعض المعلومات التي رشحت في همس، والتي تكشف زيادة عدد الإناث ثمانية أضعاف الذكور، وهو ما سيضع المسئولين والمراقبين أمام حيرة كبرى في كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة. وهذه المعلومات ربما كانت السبب في ان يبدو ذلك المذيع سمجاً وهو يحاول إقناع المتصلين به بالزواج بأكثر من واحدة للخروج من هذا المأزق خاصة المعترضين على فكرة تعدد الزوجات، باعتبار أن هذه مسئولية يجب أن يتحملها الجميع بعيداً عن أي اعتبارات أخرى. أو كما قال مسئول الشئون الاجتماعية في اتحاد الشباب الوطني في حوار أجرته معه إحدى الصحف اليومية، ما معناه أنهم بصدد الدعوة لتعدد الزوجات عبر برنامج مخطط له.

ويبدو ان الدولة وعبر مؤسساتها شرعت في مواجهة هذا الموقف، على خلفية تلك المعلومات، بآلية العقل القاهر الذي أصفه بأنه محصلة ذلك التراكم من القيم والمعتقدات والعادات، والتي أفضت إلى تشكل آلية قياس اجتماعية ثقافية ذات قطب أحادي، يحاول بواسطتها العقل القاهر تدجين كل الظواهر الشاردة عن سياج تلك القيم وتشكيلها حسب معايير تلك الآلية، وليس التعامل معها بعقلانية وإتاحة مساحة مقدرة لها داخل فضاءاته لتتفاعل بصورة طبيعية مما يفرز واقعاً معقداً في خاتمة المطاف يصعب التعامل معه.

من خلال تتبع المعالجات الأولية التي اتخذتها الدولة لمواجهة هذا الموقف، وبعد اكتشافها حقيقة نسبة عدد الإناث التي تبلغ ثمانية أضعاف عدد الذكور وهي تضع أمامها الأرقام، تبرز أزمة ذلك العقل في تلك المعالجات التي وضعت على عجل، والتي من الواضح أنها جاءت دون دراسات كافية ومتعمقة لكيفية التعامل مع هذه الظاهرة من مختلف زواياها والاكتفاء بالنظر إليها من زاوية واحدة تخدم قيم ومسلمات العقل القاهر.

أولى تلك المعالجات هو بث حملة إعلامية تجمل تعدد الزوجات وتشجعه عبر وسائطها الإعلامية ومؤسساتها، مما جعل ذلك المذيع الذي استمعت إليه قبل عدة أشهر في برنامجه الصباحي يبدو سمجاً. وأكاد أجزم أن إصراره على إقناع المتصلين به على ضرورة التعدد والمبررات التي ساقها متناقضة مع قناعاته الذاتية. ثم ها هو ذا الاتحاد الوطني للشباب السوداني، وعلى لسان أحد مسئوليه، يصرح بتبنيه لحملات دعوية تهدف إلى تشجيع تعدد الزوجات عبر مناشط الاتحاد.

لتأتي بعد ذلك مفاجأة من الوزن الثقيل بإصدار فتوى من مجمع الفقه الإسلامي إجازة وتشجع زواج المسيار، وهي الفتوى التي أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض، لتضع بعض النقاط على حروف التعامل المتعجل للظاهرة وتفادي التعاطي معها بمسئولية وإخضاعها للبحث الجاد من كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. وكأنما زواج المسيار سيحل القضية وأن ثمانية إناث مقابل واحد ذكر سيجدن حظهن من الزواج ولو مسياراً. هو العقل القاهر الذي يضع مثل هذه المعالجات وكأنما المشكلة هي ورقة تحل للرجل أن يأتي لفراش المرأة بين أهلها، وفي أي وقت يتفقان عليه، دون أي التزامات أخرى. أو كما امتعض صديقي الذي يعمل في استقبال إحدى الفنادق المعروفة باستقبال العرسان الجدد في مدينة ما، عندما سألته عن أحواله وعمله وأنا أراه بعد فراق طويل، امتعض قائلاً إن عمله أشبه بحراسة بيت كبير للدعارة لكنه بأوراق رسمية.

لكن الأدهى هو محاولة الدولة علاج الظاهرة من جذورها حسب طرق تفكير العقل القاهر، بعد أن تبين لها أنها لن تستطيع تجاوز الشريعة الإسلامية في تحليلها للرجل الزواج من أربع نساء وأن هناك أربع نساء سيظلن خارج دائرة الحظ، حتى لو أجاز علماؤها زواج المسيار والمتعة والزواج العرفي إلى جانب الزواج المتعارف عليه. لتأتي الدعوة بعد ذلك لإسقاط المادة (13) من قانون الطفل والخاصة بتحريم وتجريم ختان الإناث، وكأنما اجتثاث عضو المرأة وقتل شهوتها الجنسية من جذورها هو الحل الأنجع للظاهرة، حيث فكر العقل القاهر ودبر أن العودة لتلك العادة سوف تقلل من رغبة النساء الجنسية، وبالتالي ستقل الرزيلة والانفلات الأخلاقي المتوقع من جراء تفاقم الوضع بحالته الراهنة.

وأنا هنا بصدد اقتراح للقائمين بالأمر وعليه، يتلاءم مع طرق تفكيرهم وربما أمزجتهم وربما قد فكروا فيه ولكن لم تتوافر لديهم الجرأة بعد لطرحه على الملأ. وهو اقتراح عملي وعلمي. علمي لأنه يعتمد العلم منهجاً لمعالجة كثير من المشكلات وعملي لأن في الإمكان تنفيذه على مراحل. ويتمثل المقترح في تحليل واعتماد استنساخ الذكور بما يتناسب وعدد الإناث، فإذا كانت نسبة الإناث ثمانية أضعاف الذكور يمكن، وكمرحلة أولى، استنساخ واحد من كل ذكر ليكون العدد ثمانية إناث مقابل ذكرين، ما يتيح لهم الدعوة مباشرة للزواج من أربع، وهكذا يمكن استنساخ ثلاثة من كل ذكر ليتمكن الجميع من الزواج باثنتين في آن واحد، أو لنستنسخ سبعة من كل ذكر إرضاءاً للمعارضين لمسألة تعدد الزوجات. وأنا إذا أقدم هذا الاقتراح لأني أتحسب أن تنجب كل أمرأة حامل في الفترة المقبلة أنثى إضافية تثير فزع العقل القاهر.

أوليست تلك معالجات أقرب لظاهرة وأد الإناث في الجاهلية؟ أظنها كذلك. لأنها قراءة مبتسرة لكل الخريطة الإحصائية للتعداد السكاني إن صدقت تلك المعلومات، والاكتفاء بقراءة جانب واحد منها ومحاولة معالجته دون طرح الظاهرة للبحث المتأني والعميق، ودون طرحها على مؤسسات بحثية قادرة على قراءة الواقع بشكل مغاير عن كون المرأة مجرد أنثى لها رغبات طبيعية لابد من تنظيم كيفية اشباعها، أو بتر ذلك العضو من جذوره على رأي المثل (الباب البجيب الريح).

ولكن العقل القاهر ينسى دائماً جوانب أخرى على المرأة أن تعيها وفقاً للمعطيات الجديدة، فهي وبهذا الوضع الجديد تشكل قوة بشرية هائلة لابد من توظيفها. فإذا كانت الدولة بمؤسساتها تعتبرها فئة يجب التعامل معها بحساب النسب فيمكنها قلب الطاولة الآن. وأن تخوض معركتها بقوة فنسبة 8 : 1 هي نسبة كافية لترجيح كفتها سياسياً. مثلاً ،بدلاً من انتظار الرجال ليحددوا واقعها السياسي في الانتخابات القادمة ب 25% في البرلمان أو في قوائم الأحزاب ومؤسساتها، عليها أن تسعى لنيل حقها كاملاً في التمثيل بنسبة كل ثمانية نساء مقابل رجل واحد داخل قبة البرلمان.

كما يتوجب عليها نسيان قضايا النوع والمساواة مع الرجل، وأن تبذل طاقتها في سبيل تغيير الواقع الحالي الذي يسيطر عليه العقل القاهر إلى واقع جديد يعبر عن قوتها. وربما نشهد قريباً أن الرجل هو من يناضل ويكافح لكسب حقوقه وينتصر لقضايا نوعه. مالكم كيف تفكرون؟؟



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by