# # # #
   
 
 
[ 26.01.2009 ]
سينما نيالا أخر شواهد الزمن الجميل


ها هى الشمس تميل نحو المغيب ويشرع التجار فى جمع بضائعهم للعودة الى منازلهم. هنا نيالا أكبر مدن اقليم دارفور واحدى أكبر مناطق العالم توترا حسب التقارير الاعلامية الدولية.

يسكن نيالا وضواحيها أكثر من مليونى نسمة موزعون على وسط المدينة والمناطق المحيطة بها، إضافة إلي العشرات من معسكرات النازحين ولعل أشهر هذه المعسكرات معسكر كلما والذي يضم أكثر من ستين ألف نازح منذ أن توترت الأحداث بالاقليم عام 2003. وبما أن الحالة الأمنية تقتضى أن نعود باكرا الى حيث نقيم، فقد طلبت من ماجوك سائق التاكسي أن يعود بنا.

ماجوك من جنوب السودان وقد انتقل الى العمل في نيالا منذ سنتين بعد أن انتعشت الحركة الاقتصادية هنا بحكم التواجد المكثف للمنظمات الدولية والقوات الأفريقية الدولية الهجين. ويقول ماجوك "لا تخف يا صديقى الوضع فى وسط المدينة هادئ والحياة تسير على عادتها" إلا أنى طلبت منه العودة فلا شئ فى المدينة بعد أن تغلق المقاهى والأسواق .
 
ونحن في طريقنا استرعى انتباهي ملصقات لأفلام هندية ولوحة كبيرة كتب عليها سينما نيالا. يا الهي سينما في نيالا وأبوابها مفتوحة بعد الثامنة. قلت لسائقى توقف يا مجوك دعنى أشاهد ما يحدث فأنا لا أصدق أن تكون فى دارفور قاعة للسينما.

نزلت من السيارة وبدأت فى مشاهدة ملصقات اعلانية ضخمة لأفلام هندية وصينية. مرحبا بكم في سينما نيالا في هذه البناية الضخمة التى يعود بنائها إلى الستينيات من القرن الماضى وبابها الحديدى الصدئ.

أمام مدخل السنما جلست امرأة فى الأربعينيات من العمر تبيع بعض المكسرات وبذور البطيخ، إضافة إلي الشاي والقهوة. اقتربت منها وسألتها منذ متى تعملين فى هذا المكان؟ منذ سبعة عشر سنة عندما انتقلت للعمل هنا وأنا اصلا جنوب كردفان. وكم تكسبين يوميا؟ حسب الحركة وحضور المشاهدين ولكن دخلى اليومى يتراوح بين 15 و20 دولار يوميا نصفها تذهب لشراء المواد.

دخلت السينما وفى غرفة صغيرة يطل شباكها على الخارج جلس رجل فى أواخر الخمسينات يبيع تذاكر الدخول .
"قل لى يا سيدى كيف تفتحون أبوابكم في مثل هذه الأحوال الأمنية المضطربة؟ أجابني وبكل هدوء "صحيح أن الحركة قلت كثيرا منذ بدء الأزمة إلا أننا لم نغلق أبوابنا أبدا. فهذه قاعة سينما هواء طلق ولا نشتغل الا ليلا. ورغم الأزمة فاننا نعرض أفلامنا وإن كان الحضور اليومي لا يتعدي 20 أو 30 مشاهد.

قبل أن نكمل حوارنا علم صاحب القاعة السيد آدم بوجودى وطلب منى أن أصطحبه الى مكتبه لاعطائى فكرة كاملة عن سينما نيالا. وداخل مكتبه المتواضع علقت صور لأكبر نجوم السينما الأمريكية والعربية في السبعينات والثمانينات. قل لي محمد بأن سينما نيالا قد بناها كامل دلاله، وهو أرمني سوري أتى الى نيالا في أواخر الخمسينات، وتزوج من دارفور. وأقام العديد من المشاريع التجارية اضافة الى سينما نيالا. وهى سينما وقع افتتاحها سنة 1963 ومنذ ذلك التاريخ والقاعة تعمل يوميا وتعرض أفلامها.

"في السبعينيات والثمانينيات كنا نعرض الأفلام الأمريكية. وتحولنا مع بداية التسعينات إلي الأفلام الصينية والهندية. الناس هنا يحبون الأفلام الهندية لقربها من واقعهم المعيشي. فشخصية الفقير هى التى تنتصر فى الأخير على عكس الأفلام الأمريكية التى تعتمد دائما على الأقوى والأكثر مالا وتسلحا".

فى غرفة البث الواقعة فى الدور الأول وقف آدم وصالح، وهما فى أواخر العقد السادس من العمر. وكان آدم إلى جانب جهاز العرض القديم الذي يعود الى الستينيات. أما صالح فكان يلصق بعض الأشرطة التي تقطعت. قال آدم "يا حسرة على أيام زمان لما كانت القاعة تكتظ بالجمهور كل يوم ويتم حجز التذاكر قبل يوم أو يومين فى بعض الأحيان، أما الآن وبحكم الأوضاع الأمنية وانتشار القنوات الفضائية التى تعرض أفلامها مجانا فليس من السهل استقطاب الجمهور، أضف إلي ذلك صعوبة جلب الأفلام من شركات التوزيع من الخرطوم والتى لا تجلب الأفلام الكبيرة على غرار الثمانينيات كل شئ تغير ولكننا صامدون."

يواصل محبو السينما في نيالا مراودتهم للسينما رغم الظروف الأمنية، وحالة الكراسي الصدئة، وعرض الأفلام القديمة نسبيا. يقول عوض وهو فى الخامسة والعشرين بأنه يحب السينما لأن الشاشة كبيرة وهو لا يشاهد الأفلام مع عائلته فى التلفزيون لأنه يخجل من مشاهدة بعض المشاهد الاغرائية مع بقية أفراد العائلة.

أما ابراهيم وهو شاب عاطل على العمل كأغلبية شباب دارفور فيقول السينما الوحيدة هنا هى المتنفس الوحيد لنا خاصة ونحن نعيش حالة توتر كبيرة فالسينما تمنحنا الحلم والأمل.

تركت سينما نيالا وأنا أتسائل عن غرابة هذا العالم. فحول المدينة تنتشر معسكرات اللاجئين حيث يعيش آلاف من أهل دارفور على المساعدات الانسانية فى ظروف قاسية وهم لا يغادرون معسكراتهم، وربما لا يعلمون حتى بوجود قاعة للسينما. و لكن ورغم كل الظروف القاسية لأهل دارفور فقد تكون قاعة السينما هذه بمثابة شمعة الأمل لتعود السينما من جديد كعادتها تعرض الأفلام الجديدة وتبعث الأمل لروادها.

زهير لطيف
نيالا، جنوب دارفور
موقع اذاعة هولندا العالمية



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by