# # # #
   
 
 
[ 23.01.2009 ]
اجتماع المكتب السياسي لـلحركة: احاديث السر والجهر


اختتم المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان اجتماعه الرابع يوم الثلاثاء 20-1-2008م بجوبا بعدما ناقش عددا من القضايا في مقدمتها موقف الحركة الشعبية من التداعيات المتصلة بالمحكمة الجنائية الدولية في حالة اصدارها لمذكرة توقيف في حق رئيس الجمهورية، ومسيرة اتفاق السلام الشامل خاصة ملف الترتيبات الامنية بولاية جنوب كردفان وتعديل القوانين المتعارضة مع الدستور بالاضافة الى قضية اعتقال الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي دكتور حسن الترابي مؤخراً.

التكتم سيد الموقف

لكن قبل الدخول في التفاصيل المتصلة بالاجتماع من الضرورة الإشارة الى الملاحظات التالية:
مثلما لم تعقد الحركة مؤتمرها العام الثاني في مايو الماضي أو اجتماع مكتبها السياسي في مقر خاص بالحركة الشعبية أو احد مقرات حكومة الجنوب، (قاعة نيكوري)، فقد لجأت هذه المرة ايضا الى استئجار مباني بحديقة (هوم أوي) التي تشتمل على قاعة متوسطة للاجتماعات ومرافق خدمية اخرى.

بمجرد وصول الوفد الصحفي والإعلامي عصر الاثنين 19-1-2008م. وبعد انتهاء الاجراءات الامنية الاعتيادية، طلبت الجهات الامنية من الوفد عدم التواجد بالقرب من القاعة التي يعقد فيها الاجتماع. وفسر الاعلاميون الامر بأن الجلسة المفتوحة كانت قد انتهت اذ تأخر وصوله لحوالي الساعتين عن الموعد.

وخلال تجاذب اطراف الحديث مع عدد من الزملاء الإعلاميين التابعين للاجهزة الإعلامية بجنوب السودان سردوا لنا وقائع الجلسة الافتتاحية، واوضحوا انهم حضروا لمقر الاجتماع واكملوا اعداد تجهيزاتهم الفنية لتغطية الجلسة الا ان رئيس الحركة الشعبية النائب الاول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفا كير وقبل أن يبدأ حديثه اعتذر للمثلي الاجهزة الإعلامية قائلا ان الجلسة مغلقة. وبعد خروجهم من القاعة كان في انتظارهم قرار ثاني وهو (عدم تواجدهم بالقرب من مقر الاجتماع وتواجدهم بفناء هوم اوي).

تلك الاجراءات الاستثنائية ومبرراتها كانت محل تفسيرات عديدة بين الصحفيين وكان جميعهم على قناعة بأن امر يدور داخل القاعة التي باتت (مغلقة ومطوقة) لمنع اذان واعين الصحفيين من التقاط ما يدور داخلها أو تفسير ما يحدث خارجها لفهم كواليسها.

ومضت معظم التحليلات تجاه قضية موقف الحركة من المحكمة الجنائية الدولية ووجود تيارات داخل الاجتماع تطالب باتخاذ موقف أكثر تقارباً للمؤتمر الوطني حفاظاً على اتفاق السلام الشامل، في مواجهة رأي ثاني يطالب بالتمسك بموقف الحركة السابق الداعي للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

التحليلات كانت تشير إلي أن الرأي الأول المطالب باتخاذ موقف رافض لاصدار مذكرة توقيف في مواجهة رئيس الجمهورية تنطلق من قاعدة اساسية وهي "الحفاظ على اتفاق السلام الشامل وعدم اعطاء المؤتمر الوطني مبررات للالتفاف على تنفيذ الاتفاق، كما أن الطرف الشريك الموقع على الاتفاق والملزم بتنفيذه بغض النظر عن تماطله وتلكوئه هو المؤتمر الوطني وبالتالي فإضعاف الوطني باستهداف رئيسه يعني اضعاف للاتفاقية وربما اجهاض لها".

أما الرأي الثاني فتشير التحليلات لاستناده على التداعيات المترتبة على اقرار مبدأ مواجهة المحكمة الجنائية الدولية ومواجهة المجتمع الدولي باعتباره سيكون لديه اثار وخيمة على صعيد المواقف المبدئية للحركة ومصداقيتها حيال قضايا الهامش والمهمشين ودبلومسياً حينما تجد نفسها في مواجهة العالم مما سيفقدها تعاطف العديد من الجهات الإقليمية والدولية وسيقتصر تأثير تأيدها لشريكها في موقفه من المحكمة الجنائية وما سيجره من مواجهة مع المجتمع الدولي وتلك اللحظة التي يمكن أن ينهار فيها اتفاق السلام الشامل حينما تفقد الحركة السند الدولي الضاغط لتنفيذ كل بنود الاتفاق وستجد نفسها وقتها في خندق واحد مع المؤتمر الوطني الذي تتهمه بالتباطؤ والتلكؤ المتعمد في انفاذ اتفاق السلام الشامل طوال السنوات الماضية.

وحتي الساعة العاشرة من مساء الاثنين الماضي لم تتسرب اي تفاصيل عن ما يدور داخل القاعة واكتفت السكرتارية بالقول أن الناطق الرسمي سيقدم تنوير للإعلاميين عقب انتهاء الاجتماع عن مناقشاته. وفي حوالي الساعة العاشرة والنصف بدأ موكب رئيس الحركة الشعبية يستعد لمغادرة مقر الاجتماع في إشارة لانتهاء الاجتماع. وعند وصولنا لمدخل القاعة كان رئيس الحركة يغادر مقر الاجتماع وبدأ الإعلاميين في (تصيد) قيادات الحركة الخارجة من الاجتماع ففشلت محاولة البعض مع رئيس فريق دارفور بالحركة عبد العزيز ادم الحلو. أما نائب رئيس الحركة ووالي ولاية النيل الأزرق الفريق مالك عقار ود.منصور خالد فاكتفي الصحفيون بتحيتهما دون طرح أي اسئلة حول الاجتماع.

وحينما خرج نائب الامين العام لقطاع الشمال ياسر عرمان تحلق حوله الإعلاميين وطلبوا منه التصريح حول مداولات الاجتماع فاجاب بدبلوماسية بأن المخول له بالتصريح هو الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية ين ماثيو. وتمكن مستشار رئيس الجمهورية د.منصور خالد من (تحرير) عرمان من كماشة الصحفيين حينما اصطحبه معه.

أما وزير الخاريجة والقيادي بالحركة دينق ألور فرفض الادلاء بأي حديث لأن الشخص المخول بذلك هو (ياسر عرمان ..!!). وقبل أن يفيق الإعلاميون من حيرتهم وجدوا ألور قد غادر المكان. وحينما لاح في الافق الناطق الرسمي باسم الحركة ين ماثيو اعتقد الصحفيين أنهم وجدوا ضالتهم فضربوا حصار محكم حول الرجل الذي ابلغهم بان الاجتماع شكل لجنة لتجميع الاراء سترفع تقريرها لاجتماع المكتب الذي سيعقد في الثالثة من عصر اليوم التالي. ورفض إعطاء أي تفاصيل حول اعضاء اللجنة أو مداولات الاجتماع. وبدأ واضحاً وقتها أن الصمت بات سيد الموقف حول مداولات الاجتماع، لكن الصحفيين لجأوا لبدائل اخرى لمعرفة ما دار داخل اورقة القاعة (المغلقة والمطوقة) ونجحوا في الحصول على تسريبات تفيد بان الاجتماع ناقش موضوع المحكمة الجنائية الدولية هكذا دون أي تفاصيل، وفسروا وقتها تشكيل لجنة لتجميع الاراء بأنه مؤشر لوجود تباينات في وجهات النظر حول قضية أو أكثر، لكنهم لم يتحصلوا على أي تأكيدات لوجود تلك الخلافات.

وقطع (ين) قول كل خطيب

عقد المكتب السياسي للحركة اجتماعه يوم امس الاول كما هو مقرر له في الثالثة عصراً وانفض في حوالي الساعة الخامسة عصراً بدأت بعدها الترتيبات لعقد المؤتمر الصحفي للناطق الرسمي ين ماثيو والذي قدمه باللغتين العربية والانجليزية والذي اوضح فيه أن الاجتماع تطرق لقضية الموقف من المحكمة الجنائية الدولية، تحقيق السلام بدارفور، الاوضاع الامنية بجنوب السودان، جيش الرب بقيادة جوزيف كوني، سير تنفيذ اتفاق السلام الشامل والحريات العامة بالبلاد.

واوضح ماثيو أن المكتب السياسي قرر في اجتماعه تشكيل لجنة تحت اشراف رئيس الحركة الشعبية لمتابعة تطورات قضية المحكمة الجنائية الدولية يومياً لاتخاذ الموجهات والقرارات اللازمة للتعامل مع تلك المستجدات كما جدد موقف الحركة الشعبية من المحكمة الجنائية الدولية ودعوتها لشريكها المؤتمر الوطني بالتعاون مع المحكمة وعدم الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي "حتي لا يتسبب في مزيد من الكوارث" ويجنب البلاد والشعب السوداني أي تداعيات أو مخاطر متوقعا جراء التصادم مع المجتمع الدولي مبيناً أن معالجة الموقف من المحكمة الجنائية الدولية يتطلب معالجة "اساس الازمة والمتمثل في استمرار النزاع بالدارفور بالعمل الجاد لتحقيق السلام بدارفور"، وحول تحسبهم لرد فعل الوطني المتوقع اوضح أن الحركة الشعبية تتخذ موقفها الذي تراه صحيحاً بغض النظر عن ردود فعل الاخرين وقال تعليقاً على سؤال حول موقف الحركة في حال صدور مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية لتوقيف رئيس الجمهورية "بأنه لكل حادث حديث".

وحول الاوضاع بدارفور فقد ابدي المكتب السياسي للحركة وفقاً لماثيو، انزعاجه لاستمرار تردي الاوضاع بدارفور وقرر الاسراع في تفعيل مبادرة توحيد الحركات وتوجه فريق العمل الخاص بدارفور برئاسة عبد العزيز ادم الحلو لولايات دارفور لطرح مبادرة تهدف لاستصحاب رؤى ومطالب الحركات بالداخل والخارج والمجتمع المدني بدارفور، مبيناً أن اللجنة سترفع تقريره قبل الحادي والثلاثين من الشهر الجاري يعقد بعدها المكتب السياسي اجتماعاً للنظر في التقرير واجراء التعديلات اللازمة عليه ورفض إقامة أي انتخابات عامة بالبلاد قبل التوصل لاتفاق سلام شامل بدارفور نظراً للاثار السلبية المترتبة على استثناء اجزاء من دارفور في الانتخابات العامة واضاف:"سيكون هذا أمر غير مقبول وسيعمق الازمات بصورة اكبر".

ونفي في معرض رده على سؤال إذا ما كان طرح الحركة لهذه المبادرة بمثابة "إعلانها فشل المبادرة المشتركة التي تسضيفها دولة قطر لتحقيق السلام بدارفور" واعتبرها نابعه من رغبتهم في أن يكونوا جزء من الحل. ورغم إعلانه ترحيبهم بكل المبادرات والمساعي الاقليمية والدولية لتحقيق السلام الشامل بدارفور إلا أنه وجه انتقادات مبطنة للمبادرة المشتركة التي تستضيفها قطر حينما ذكر أن الاوضاع في دارفور لا تزال سيئة "أما المبادرة ففي حالة جمود وتمضي بسلحفائية فيما لا تزال المعاناة الانسانية مستمرة والقتال مشتعل يومياً، ونحن لا يمكننا السكوت على هذه الاوضاع علينا أن نتحرك لننقذ ما تبقت من ارواح وممتلكات بسيطة لم تلقي نحبها حتي اللحظة والتي سنفقدها اذا استمرينا في الانتظار اكثر" وقال واثقاً:"نحن متأكدين من نجاح مبادرتنا ونتوقع أن تحقق نتائج جيدة تحقق الاستقرار وتعيد الامان لدارفور".

وقال ماثيو أن الاجتماع تطرق ايضاً لتنفيذ اتفاق السلام الشامل ونظر بقلق بالغ لتسليح بعض القبائل والمجموعات حول مناطق النفط بالاضافة لزيادة انتشار القوات المسلحة بولاية جنوب كردفان وتسليح بعض القبائل والتي بررها المؤتمر الوطني بالتحسب للتصدي لهجمات متوقعة لجيوب حركة العدل والمساواة على الولاية واضاف:"حينما زارت اللجنة المشتركة للشريكين برئاسة كل من الفريق مالك عقار واحمد هارون المنطقة لم تجد اي جيوب لحركة العدل والمساواة، بل انها لم تجد (حُريكة) ناهيك عن جيوب لحركة العدل والمساواة" واردف:"ما يحدث يدعو للقلق واللبيب بالإشارة يفهم".

ووجه الاجتماع حكومة الجنوب بإكمال نزع سلاح المواطنين واكمال تنظيم القوات ودعمها بما يمكنها من اداء مهامها وواجبها وتوسيع برامج المصالحة وسيادة حكم القانون، واتخاذ كافة الاجراءات الازمة لحماية مواطني جنوب السودان من هجمات جيش الرب ، واتهم ماثيو قائد جيش الرب جوزيف كوني بالتماطل في توقيع اتفاق السلام مع الحكومة اليوغندية الذي تتوسط فيه حكومة جنوب السودان بعد إعلانه لثلاث مرات قدومه للتوقيع بعد اكماله لترتيبات داخلية واضاف ماثيو:"لم يحضر في المرات الثلاثة مما اضطرنا لتجميد وساطتنا، ورغم الجهود التي بذلتها حكومة الجنوب في التوسط فإن الجزء الذي تجده حكومة الجنوب هو تعرض مواطنينا للموت والقتل بعد دخول قوات جيش الرب لاراضي الجنوب بعد الهجمات القاسية التي يشنها عليها القوات اليوغندية والكنغولية، لقد تحولوا لبعبع مخيف للمواطنين ونحن لن نسمح باي حال من الاحوال أن يتعرض مواطنينا للتهديد لقد وجه اجتماع المكتب السياسي حكومة الجنوب باتخاذ كل الاجراءات لاداء واجبها الاساسي بحماية المواطنين""، ورفض اعطاء أي تفاصيل حول الاليات التي ستستخدمها حكومة الجنوب لحماية مواطنيها من قوات جيش الرب وقال:"بغض النظر عن ما سيتم استخدمه فما نريد تحقيقه هو حماية مواطنين ومغادرة هؤلاء –ويقصد جيش الرب- لحدودنا فهم غير مرغوب فيهم"، وسخر من مطالبة جيش الرب بهدنة مع الحكومة اليوغندية ووصفه بأنه "أمر غير مبرر أو منطقي بعد رفضه التوقيع على اتفاق سلام مع الحكومة اليوغندية".

وأعلن ماثيو رفض الحركة لفرض حالة الطوارئ "إلا في حالة وجود ما يهدد حياة المواطنين جراء خطر داهم أو وقوع كارثة إنسانية" مشيراً أن فرضها دستورياً ووفقاً لاتفاق السلام الشامل يستوجب موافقة النائب الاول لرئيس الجمهورية عليها وأضاف:"في ظل وجود قوانين مخالفة للدستور ومقيدة للحريات لا يمكن فرض حالة للطوارئ التي تعني بالضرورة تقيد لحريات" لكنه اشترط لاحقاً لموافقة الحركة الشعبية على إعلان لحالة الطوارئ تعديل القوانين المخالفة للدستور وأن لا تفضي حالة الطوارئ للانتقاص من الحريات، كما نفي أي صلة للحركة باعتقال الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي د.حسن الترابي وقال:"مشاركتنا في الحكومة لا تعني بأن كل ما تتخذه من قرارات نشاور فيه وهذا القرار الخاص باعتقال دكتور الترابي لم نشاور فيه وهو اجراء انفرادي اتخذه المؤتمر الوطني لوحده"، موضحاً أن المكتب السياسي أعلن رفضه للاعتقالات السياسية التي تتم دون اسس قانونية وأضاف:"المؤتمر الوطني يتحدث أن اعتقال د.الترابي ليس مرتبط بتصريحاته الصحفية الاخيرة وانما لوقائع اخري، وبالتالي فإننا نطالب بتقديم البيانات والاتهامات والمواد المتهم بها الترابي امام القضاء ومحكمته امام القضاء ونرفض في ذات الوقت أي اعتقالات دون مبررات قانونية".

ومع ختام اجتماعات المكتب السياسي للحركة الشعبية تكون الحركة قد وضعت النقاط فوق الحروف على القضايا الاساسية التي ستواجهها في الفترة المقبلة وقالت (جهراً) بعضاً مما حصرت على ابقائه (سراً) طوال يوم الاثنين الماضي، وربما في مقبل الايام ستبدأ في استقبال ردود الفعل على ما اتخذته من قرارات من اولئك الراضين عنها والرافضين لها، أما الإعلاميون فما عليهم سوي الانتظار والتحلي بالحكمة المجربة (مهما كتم امر فإنه بوسائط الإعلام حتماً في يوم يعلن وينشر).

ماهر أبوجوخ



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by