# # # #
   
 
 
[ 18.12.2008 ]
مفكرة القاهرة: عبد العزيز خالد ـ مصطفى عبد العزيز البطل




إجتمعت مطوّلا في دار إبن الباز برجل الأعمال السيد/ غابى فايز غبريال. غابى ( تنطق: قابى ) قبطى سودانى أم درمانى صميم. وهو رجل أعمال تمتد خطوط تجارته وتتشابك بين السودان و إثيوبيا ومصر وأوربا. وأتصور – أيها العزيز الأكرم – أنه إذا كانت صلتك بعالم المال والأعمال واهية، شأن المفتقر لربه، فأن مثل هذا التعريف " المالى الأعمالى " لن يدقّ عندك جرسا، كما يقول أولاد العم سام. و لكن ربما يدق الجرس عندك، كما دقّ عندى، عندما تعلم أن غابى كان من المؤسسين والقادة البارزين لأحد أكثر التنظيمات المناهضة لنظام الانقاذ بسالة وجسارة وفتوة، وهو التنظيم الذى عُرف فى الزمن الذى إستدبر و إستغبر بإسم قوات التحالف السودانية. وغابى ينتمى الى ذلك الصنف من البشر الذين يحملون السودان فى حدقات العيون، بل يخيل الىّ أحيانا أنهم، فى حلهم وترحالهم، يحملون همومه فى مخلاة ثقيلة من الخيش، فلا يقومون ولا يقعدون الا والمخلاة تعتلى ظهورهم، لكأنه الصليب على ظهر عيسى المسيح. وآية ذلك أنك لا تسمع من غابى كلماتٍ خمس إلا كانت أربع منها عن الوطن الممحون والأحزان التى تسكن من جسده مكان القلب والرئتين، ودور كل من نال حظا من التعليم من أبنائه فى التصدى للعاديات التى تنقر على الرؤوس كالمطارق.

كان من ضمن الموضوعات التى طرقها اللقاء مقال كتبته فى النصف الأول من هذا العام بعنوان: ( الأنبياء الكذبة: الوجه الجديد لعبدالعزيز خالد). وتعجبت لكون غابى يكاد، برغم تطاول الأمد، يستظهر جميع فقرات ذلك المقال، وتسلسل النقاط التى تضمنها فى معرض النقد المصوّب بإتجاه قائد قوات التحالف. ولم يكن بوسعى ألا ألحظ الحزن الذى ران على وجه زائرى وهو يجهد – ما وسعه الجهد – ليضع على الطاولة، فى صبر وعزيمة، شلالات من المعلومات والبيانات عن تاريخ تنظيم قوات التحالف السودانية، والمسارات التى إتخذها هذا التنظيم وهو يستقصد غاياته التحريرية المعلنة، والإنتصارات التى حققها على أرض الواقع، سياسيا وعسكريا، وصولا الى الفصل الأخير فى حياة الحركة المسلحة، حيث تنكبت المنهاج و فقدت البوصلة فأخفقت فى التعبيرعن مبادئها و أهدافها، وتشعبت الدروب من بعد بقياداتها وكادراتها فسلكت طرائق قددا.

وبالرغم من أننى أتقبل ببصر مفتوح وصدر رحب جملة من تحفظات مبدئية وإختلافات موضوعية  أبداها زائرى حول عدد من النقاط التى وردت فى مقالى، تتصل بدور ونطاق ومدى مسئولية العميد عبد العزيز خالد عن إنهيار حركة قوات التحالف، إلا أنه ليس فى خطتى أن أعود الى ذلك المقال لأضاهى نقاطه وفقراته، إجمالا أو تفصيلا، بالمعلومات والبيانات التى تفضل بوضعها على منضدتى الزائر العزيز. غير أننى لا أجد بُدا من أن أستثنى فقرة واحدة جاء نصها فى متن المقال على النحو التالى: ( وعند مواجهته بالأدلة التي توافرت بشأن اتصالاته السرية المتواترة برموز الانقاذ من السياسيين وبعض قيادات وعناصر جهاز الأمن وفرع الاستخبارات العسكرية لم ينكر العميد عبد العزيز خالد ضلوعه في هذه الاتصالات السرية دون علم التنظيم، بل حاول أن يجد لها تبريرا فى قوله بأن هدفه من وراء هذه الاتصالات هو اختراق النظام و اجهزته الامنية، وانه في كل مقابلاته السرية كان " يشتري " المعلومات من ممثلي النظام  وأجهزة أمنه.  يضاف الي ذلك ما كان من امر اكتشاف تحويل مبلغ ثلاثمائة و خمسون الف دولار امريكي، بصورة سرية وبالمخالفة للوائح ونظم التحالف المالية، من الحساب المصرفي الرسمي للتنظيم الي حساب خارجي خاص. و لم تقع تبريرات عبد العزيز ودفوعاته موقعا حسنا عند رفاق دربه النضالي فتضعضعت جسور الثقة و تمددت ظلال الشك و تراجعت الروح المعنوية و كانت تلك ضربة البداية في مسيرة الانحسار والانحدار ). و يهمنى  على وجه التحديد الجزء الأخير من هذه الفقرة، حيث وردت الإشارة الى مبلغ ثلاثمائة وخمسون ألف دولار أمريكى جرى تحويلها " من الحساب المصرفى الرسمى للتنظيم الى حساب خارجى خاص".  وهى واحدة من النقاط التى أبدى غابى تحفظه عليها، ثم طرح علىّ بشأنها بيانات مضادة، و أفاض، بعد ذلك، فى الحديث عن خلق العميد عبد العزيز خالد ونزاهته وعفته وطهارة يده. و قد فاجأتُ غابى فى شأن هذه النقطة تحديدا، مفاجأة إستراتيجية، كما يجرى المصطلح فى كليات الحرب العليا، وهى أننى أتفق تماما مع نص وروح حديثه، وهو إتفاق لم يكن يتوقعه!

و الواقع أننى إستقيت ثم إستوثقت إستيثاقا وافيا من المعلومة المتعلقة بمبلغ الثلاثمائة وخمسين الف دولار من مصادر متعددة نافذة من بين القيادات العليا لقوات التحالف السودانية، وحرصت فى شأن هذه الجزئية بالذات أن أتباحث هاتفيا مع جميع المصادر، مصدرا إثر مصدر، فى عدة زوايا من الكرة الأرضية. وقد جاءت الروايات متكاملة بل ومتطابقة. و لكن أحدا من مصادرى لم يذكر قط أن العميد عبد العزيز قد قام بتحويل المبلغ المشار اليه لمنفعته الشخصية، بل أنهم جميعا، بغير فرز، إستهجنوا مثل هذا التلميح واستنكروه فى مواجهة تساؤلاتى المُستعلمة. الذى أجمعت عليه المصادر هو أن العميد قام بتحويل المبلغ من الحساب المصرفى الرسمى للتنظيم الى حساب خارجى خاص. والمقصود بعبارة ( خارجى خاص)، فى سياق البحث والتقصى الذى قمت به، هو المدلول المقابل لعبارة ( الحساب الرسمى العام )، بمعنى أن الحساب المصرفى الذى جرى التحويل اليه يقع  (خارج) الأطر المصرفية للتنظيم ولا يخضع لمنظومة قواعده المحاسبية، و أن ادارته والتصرف فيه أصبح يتم بصورة مباشرة من قِبَل رئيس التنظيم (شخصيا).  لكن ذلك لا يسوغ بطبيعة الحال لأىٍّ من كان الزعم بأن العميد قام بتحويل المبلغ الى منفعته الخاصة كما سبقت الإشارة. وربما كانت النقطة المحورية التى تستوجب تكثيف الضوء فى هذا المقام، هى أن مصادرى لم تتخذ قط من هذا التصرف المنسوب للعميد سندا للتشكيك فى نزاهته وخلقه وذمته المالية، ولكنها رأت فيه نموذجا يؤشرالى ميوله السلطوية ونزعته للتفرد والاستبداد بالقرار، وعدم الثقة فى معاونيه من كادرات التنظيم. وفى هذا المنحنى تستوى القرارات و آليات اتخاذها سواء تعلقت بالشأن السياسى أو العسكرى أوالمالى، فجميعها يؤشر الى قرينة سالبة نَقِم عليها رفقاء الأمس وتداعوا لتغييرها بأضعف الايمان، ثم بأوسطه، ثم بأقواه. وهذه النزعات التحكمية والميول السلطوية فى النهج القيادى للعميد عبد العزيز، ونتائجها كما ترجمتها وعبّرت عنها الحادثات على أرض الواقع، هى التى إستهدفها مقالى، تماما كما إستهدفتها العناصرالتى إنتفضت على قيادته. أما التشكيك فى ذمة الرجل، وإثارة الغبار حول نزاهته وإستقامته على نهج التقوى وكفاءته الخلقية فهو ما لم يخطر لى ولا لمصادرى ببال. وما ينبغى لنا.

 صحيفة ( الاحداث )
عمود: غربا باتجاه الشرق
العنوان الالكتروني للكاتب:
mustafabatal@msn.com



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by