# # # #
   
 
 
[ 24.11.2008 ]
أوباما: الحق الطبيعي ـ أمير بابكر عبدالله




فاز باراك أوباما، وسيتولى منصبه في البيت الأبيض خلال الفترة القادمة وهذا شيء طبيعي وإجرائي اعتدنا متابعته عبر نشرات الأخبار. حيث تبدأ جولة الرئيس الأمريكي القادم من الانتخابات الداخلية للحزب، والتي هي أشبه بانتخابات الرئاسة، وتقول جماهير الحزب كلمتها في كافة أرجاء الولايات في من سيدخل باسمها الانتخابات ليفوز باستلام مفاتيح البيت الأبيض. ومن ثم تبدأ الجولة الثانية، وهي معركة شرسة ولكن لامجال لاستخدام أي أسلحة غير مشروعة فيها لأن نتيجة ذلك معروفة وعلى مستخدمها التنحي فوراً من الجولة الأولى.

هكا فاز أوباما، ولكن حقاً هل الفائز بالجولة هو أم القيم الأمريكية؟ لم يفز أوباما لآنه أسود أو لآن الشعب الأمريكي يود الاعتذار عن تاريخ أسود في سجله بانتخاب رئيس ذو أصول أفريقية سوداء. الناظر إلى المسألة من هذه الزاوية من حقه أن يحتفي باوباما ويحتفل به، ولكنه لن يلغي الحقيقة وهي أمريكية أوباما الأصيلة التي جاءت به إلى البيت الأبيض. كما لن يلغي أن الرئيس الأمريكي تحكمه الدولة واجهزتها بدستورها وقوانينها وتوجهاتها ومصالحها، ويحكمه المجتمع الأمريكي بقيمه وثقافته وتطلعاته، ولا يحكم هو بمزاجه.

كيف نحتفل بأوباما؟

تابعنا كيف انتصر أوباما في جولته الحزبية على هيلاري كلينتون، كما وتابعنا كيف سحق جون ماكين ديمقراطياً في جولة الرئاسة، وأيضاً تابعنا كيف خرج منافسه المهزوم منتصراً للقيم الأمريكية بقبوله للهزيمة "وربما كان يشعر بمرارتها ولكنها لم تمنعه بتهنئة المنتصر".

نود الاحتفاء بأوباما، إبن جلدتنا، فقط لأنه أسود جاء رئيساً للدولة العظمى، لكن يجب أن لا ننسى في خضم ذلك أنه جاء بعد نضال طويل وحرب ضروس خاضها الشعب الأمريكي ضد القيم العنصرية، وتلاشت حتى من ذاكرته الخلفية معايير أن هذا "عب" وذاك "جلابي"، أو أنك "غرباوي" وأنت "ود بحر". تلك المعايير والقيم التي لا تزال تكبل ذاكرتنا الخلفية وربما الأمامية برغم أنهر من الدماء جرت دون تجد لها مصب يحتوي أسبابها.

إذا كنا نود الاحتفاء حقيقة بهذا الحدث "التاريخي" في نظرنا، فعلينا بجرد حساب لأحزابنا ولقيمنا ولثقافتنا وإسقاطها على فوز أوباما. ولننظر إلى مسيرته منذ أن صار "سيناتور" إلى أن صار رئيساً. ولنلقي بنظرة إلى حالنا. إن الذي جاء بأوباما هو جماهير حزبه وبرنامج حزبه الذي قبله الشعب الأمريكي، فما الذي جاء برؤساء أحزابنا ورئيس دولتنا؟

رئيس دولتنا جاء على ظهر دبابة، ولا زالت تحرسه الدبابات

الرئيس الأمريكي (أبيض أو أسود) جاء بإرادة شعبه وتحرسه المؤسسات والدستور والقانون

رئيس دولتنا لا يراجع أحداً قراراته وتحكمه مصالح بقائه في الحكم ومصالح حزبه وإن أدت لضياع الوطن

الرئيس الأمريكي (أبيض أو أسود) تحكمه المصالح الأمريكية التي يحرسها الدستور ويتنحى حتى لمجرد فضيحة أو شبهة يمكن أن تطاله

ولنأخذ الأحزاب أوبعضها. خاض الرئيس الامريكي معركته الحزبية ليفوز بترشيح حزبه له كمرشح للرئاسة أولاً. وخاض هذه المنافسة ديمقراطياً وعبر مؤسسات الحزب وفي كل الولايات. ومن حقه الترشح لدورة رئاسية قادمة، أي من حقه أن يظل في البيت الأبيض لثماني سنوات فقط لا غير.

عندنا؛ قرر المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ترشيح المشير عمر حسن أحمد البشير لرئاسة الجمهورية في الانتخابات (القادمة). وهو في الحكم منذ انقلاب يونيو 1989 (عشرون عاما رئيساً لحين موعد الانتخابات إذا صدق وعده، ويريد أن يحكم مرة أخرى).

قرر المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان ترشيح الفريق سلفا كير لخوض معركة الانتخابات الرئاسية، وفي أقوال أخرى لم يتم ترشيحه بعد. جاء إلى رئاسة الحركة الشعبية بعد رحيل القائد د. جون قرنق يوليو 2006 الذي ظل في رئاسة الحركة منذ العام 1983، قرر بعدها المكتب السياسي للحركة تولي الفريق سلفا كير لرئاسة الحركة (أين جماهير الحركة وهل خاض معركة ديمقراطية مع منافسيه وسط جماهير الحركة ليتم ترشيحه لخوض معركة انتخابات الرئاسة؟)

وربما يقرر السيد الصادق المهدي ترشيح (نفسه) لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة. ظل رئيساً لحزبه وانا في أولى عتبات سلم الوعي (بصراحة لا أدري تاريخ توليه لرئاسة أو لوراثة حزبه) ولا زال رئيساً لحزبه. كيف جاء لرئاسته لا أدري أيضاً.

مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي وراعي الختمية، سأتركه في أحزانه على شقيقه المرحوم السيد أحمد الميرغني، وسأترككم تتخيلون.

الأستاذ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي، سيعقد الحزب مؤتمره الخامس نهاية العام بعد أكثر من 40 عاماً، تولى موقعه الحالي في الحزب منذ إعدام الأستاذ عبد الخالق 1971 وربما يقرر ترشيح أحدهم أو هو لخوض انتخابات الرئاسة.

العميد عبدالعزيز خالد رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني قال إنه سيرشح نفسه لرئاسة الجمهورية وهذا من حقه ولكن عليه اولاً عقد مؤتمر حزبه، فقد ظل في موقعه منذ المؤتمر التمهيدي الأول 1996.

شيء ملفت جداً؛ ألم تلاحظوا إنني لم أقل المشير أو الفريق  أو السيد أو مولانا او الأستاذ أو العميد وأنا أكتب عن باراك أوباما، الرئيس الأمريكي القادم؟؟

المحتفون بوصول أوباما للبيت الأبيض يجب أن لا يتجاهلوا الآليات التي جاءت برؤساء أحزابنا ورؤساء الجمهورية إلى مواقعهم، إذا أردنا أن نأخذ عبر ودروس نستفيد منها من أجل الوطن.

ولنذهب إلى وجه المقارنة الآخر؛ جاء إلى البيت الأبيض حتى الآن 44 رئيساً عبر صناديق الانتخابات وبعضهم لأكثر من دورة، ونحن منذ الاستقلال (حكمنا) كم رئيس؟ عبود 6 سنوات (بالأمريكي دورة رئاسة ونصف)، نميري 16 سنة (بالأمريكي 4 دورات رئاسية)، عمر البشير حتى الآن حوالي 20 سنة (بالأمريكي 5 دورات رئاسية)، وعمر استقلالنا 54 سنة، ثلاثة رؤساء حكمونا (42) سنة فقط لا غير. وبحساب بسيط نجد أن الأمريكان جرت الانتخابات الرئاسية عندهم 44×4=176 زائداً عدد من الدورات لرئيس واحد ناقص كم مرة تولى فيها المنصب نائبه نتيجة لتنحيه.

ووجه آخر للمقارنة؛ الدستور الأمريكي له أكثر من قرن من الزمان وهو الذي يحكم مجيء الرؤساء الأمريكيين إلى البيت الأبيض، ونحن لا دستور ثابت لنا، حتى الذي يحكمنا الآن هو انتقالي محكوم بالفترة الانتقالية. لذلك لا نستغرب أن يجيئ رئيسنا مرة على رأس دبابة أو على أكتاف جماهير يمكن أن تلعق التراب الذي يمشي عليه.

أنا أحتفل لفوز أوباما لأن ما حدث (إن كان البعض يعتبره فريداً) شيء طبيعي في إطار دولة تحكمها أجهزة ديمقراطية راسخة، وأنه خاض معركته وفقاً لقواعد اللعبة الأمريكية ولم يستجد بلونه أو أصله أحداً، لأنه يتعبر نفسه مواطناً أمريكياً أصيلاً يعلم حقوقه وواجباته تجاه وطنه. وسأظل أنتظر، مثل الآخرين، وعوده لشعبه وللعالم والتي سيحكم عليها الزمن، ولن أنتظر جودو كما تعودنا هنا في السودان، لأن مدة الرئاسة معروفة وهي 4 سنوات. فهل سنصل إلى مرحلة أن يكون همنا وطن؟



Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by