# # # #
   
 
 
[ 10.08.2008 ]
لها قبل الآخرين ـ أمير بابكر عبدالله




أمير بابكر عبدالله

في مقدمة فضاءاته العدد (101)، كتب الأستاذ فايز الشيخ أن رسالة نشرها في المساحة المخصصة له، للأستاذ صديق الشيخ وهي عبارة عن رد على د. جعفر محمد عمر، ذكرته بأن الراحل د. جون قرنق رد في مؤتمر صحفي عن تنازل الحركة الشعبية عن مقترحها حول العاصمة القومية وخذلانها للقوى السياسية، بأن الحركة ليس باستطاعتها أن تحارب للآخرين معركتهم، إلا أنها ستحارب معهم إذا ما تقدموا لذلك، وستساعدهم في كل شيء. تذكر فايز الشيخ ذلك، وفي مضمون تلك الذكرى تعليقه الأساسي على الأستاذ صديق رغم تعقيبه الختامي على رسالته واتفاقه شخصياً مع صديق في بعض مواقفه في أسلوب التربيت على الظهر وكانما يقول له: إننا في الحركة لن نحارب لكم معارككم، ولكنني اتفق معك في بعض مواقفك.

لن أذهب بعيداً في تحليلي لرؤية الأخ فايز فيما يخص تلك الرسالة، ولكنني توقفت كثيراً عند ما ذكره فايز حول رد الراحل قرنق بأن الحركة ليس باستطاعتها أن تحارب للآخرين معركتهم، إلا أنها ستحارب معهم إذا تقدموا لذلك، وستساعدهم في كل شيء.

وليعود معي الأخ فايز بذاكرته قليلاً إلى ما قبل التوقيع على اتفاق نيفاشا، وليقرأ معي ما ذكرته في كتابي الذي نشرته باسم "رسالة مطولة لرئيس الحركة الشعبية.. واحدة وثلاثون جلدة على مؤخرة رجل"

"والتجمع تجتمع هيئة قيادته ومكتبه التنفيذي بكامل عضويتها بمن فيها عضوية الحركة الشعبية، وتقرر تلك الهيئة ضرورة مشاركة التجمع في المفاوضات، وتبصم الحركة على ذلك القرار وتقول إنها ستنافح وتكافح من أجل تحقيقه. وتسافر وفود التجمع إلى نيروبي في انتظار السماح لها بالدخول في قاعات المفاوضات، وتعود بخفي حنين لتقول الحركة أن الحكومة رفضت مشاركة التجمع، وتطلق الحكومة تصريحات تفيد بأن الحركة ليست جادة في إشراك التجمع، ومرة يتفق الاثنان بأنهما يرغبان في إشراكه إلاَّ أن شركاء الإيقاد يعتقدون بأن ذلك سيعرقل سير المفاوضات لذلك يفضلون أن يأتي دور التجمع لاحقاً.

كنت "أعيَّط" لأني أرى تلك الإبرة المنغرسة في عضل التجمع الوطني تخرج بهدوء دون أن يحس بها، في الوقت الذي تجري التوقيعات على البروتوكولات الستة، وتقتسم السلطة والثروة مع الحزب الحاكم، وتوافق على تحديد نسبها ونسبه في السلطة وبحضور وضمان دولي وإقليمي غير مسبوق، ويتركان هامشاً قليلاً يسمح للآخرين بما فيهم التجمع ليس من أجل سواد عيونهم ولكن (كفَّاً للعين). وأيضاً تأتي الحركة وتقول للتجمع إنها تحدثت باسمه في طاولة المفاوضات وأنها ستقاتل من أجل إشراكه في الحكومة الانتقالية (القومية)، ويصدق التجمع طالما هو مستكين للربت على ظهره ولا يحس بإنغراس الأبرة المخدرة."

وكأننا بلا ذاكرة نسير أخ فايز، فالعاصمة القومية كانت واحدة من قضايا الحركة الشعبية في طاولة التفاوض، وكانت تهمها هي قبل الآخرين بعد أن ضمنت حكم الجنوب واتفقت على بقية القضايا التي تخصها مع المؤتمر الوطني. الآخرون (وهي معهم آنذاك) كانوا مهتمين بتحقيق حكم مدني ديمقراطي في كل السودان وليس العاصمة القومية فقط، فيما وافقت الحركة الشعبية على أن يحكم الشمال وفق رؤية المؤتمر الوطني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجنوب وفق رؤيتها، وهي التي طرحت رؤيتها حول وضع العاصمة القومية وليس الآخرين لأن عزيمتهم، رغم الرغبة المشروعة في إثارة تساؤلات حول ضعفهم، لم تفتر بعد في النضال من أجل تحقيق الحكم المدني الديمقراطي في كل السودان. إذاً معركة العاصمة القومية كانت تخص الحركة الشعبية في الأساس ووقف الآخرون إلى جانبها يخوضون معها معركتها ، مثلما وقفوا معها في نيفاشا برغم اعتواراتها.

إن الحديث عن عدم استطاعة الحركة الشعبية أن تحارب للآخرين معاركهم يطعن في مصداقيتها تجاه القضايا التي تبنتها. او هي بالأحرى مطعونة تلك المصداقية وشواهد عديدة تدل على ذلك يبقى آخرها قانون الانتخابات الذي أجازته مع المؤتمر الوطني، وموقفها من كيفية تمثيل المرأة. فالحركة الشعبية تبنت (مع الآخرين) قضايا التحول الديمقراطي –المفتاح الحقيقي لباب السودان الجديد- وهي هنا لا تحارب من أجل الآخرين في هذه القضية، بل من أجل قضية جوهرية بالنسبة لها. وهي إن تصدت لكثير من القضايا التي تهم السودان ككل، فذلك يلقي على عاتقها تحمل مسئولياتها كاملة دون الهروب إلى خانة المواقف التكتيكية التي أضرت بكثير من قضاياها هي قبل الآخرين.

وإذا كان الأستاذ ياسر عرمان قد صرح بأن علاقة الحركة مع القوى السياسية اتسمت مؤخراً بالموسمية والأزمات، فليستنطق المنهج الي اتبعته الحركة طوال الفترة الماضية مع تلك القوى، قبل وبعد اتفاق نيفاشا. بالتأكيد سيجد الإجابة بين طيات ذلك المنهج، وهو منهج قائم على التكتيك واستخدام تلك القوى ضمن استخدامها لأدوات تحقيق أهدافها، متجاهلة الرؤية الاستراتيجية التي ترتكز عليها حتى أهدافها.

كثيرون ينحون باللائمة لما آل إليه حال الحركة الشعبية لرحيل د. جون قرنق، ويفترضون واقعاً مختلفاً لها (أكثر قوة وإيجابية في التصدي لقضاياها)، ولكن بقراءة واقعية إلى ذلك النص (الموقف) الذي أورده الأخ فايز الشيخ على لسان الراحل قرنق، وإلى نصوص (مواقف) أخرى، لا أعتقد أن الحال كان سيتغير كثيراً إلا في إطار بيتها الداخلي الذي اهتز بعد رحيله، ولكن منهجها في التعامل مع القوى السياسية الأخرى سيظل قائماً على الوصول بها إلى حيث تحقيق أهدافها التكتيكية، وهو ما كان سائداً أثناء حياته.

 

 





Author: أمير بابكر عبدالله
Source: www.tahalof.info


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by