# # # #
   
 
 
[ 21.04.2008 ]
تفكيك النظام عبر صناديق الاقتراع ـ طلحة جبريل


هناك مشاعر قلق آخذة في التزايد من إمكانية التلاعب بأصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية المقبلة بأساليب لا تدع مجالاً للطعن في هذه التلاعبات. هذه المشاعر القلقة تعكس شكوكاً عميقة تساور كثيرين بأن العملية الانتخابية برمتها لن تحقق شيئاً. لا بل ستكرّس الأوضاع القائمة.


 لا يمكن التكهن بالكيفية التي سيتم بها التلاعب بأصوات الناخبين، لكن من المؤكد انه سيتم تجنب التزوير المباشر لتفادي التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية برمتها. خاصة أن الذين يهيمنون على مقاليد الأمور  لديهم سجل حافل من المراوغة وتزييف الحقائق.

وفي ظني أن التلاعب يمكن أن يركز على الكتلة الناخبة خارج السودان أي اولئك الذين يعيشون في مناطق الشتات. وهذه كتلة يمكن أن تؤثر تأثيراً كبيراً على النتائج إذا قدر لها أن تشارك فعلاً في عمليات الاقتراع.
القانون الانتخابي يسمح لهذه الكتلة بالاقتراع في انتخابات الرئاسة لكن لا يمنحها فرصة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، والتقديرات تقول إن هناك حوالى (10) ملايين سوداني يعيشون الآن في الخارج، وإذا افترضنا أن العدد هو نصف هذا الرقم التقريبي فإن خمسة ملايين سوداني في المهجر ليس رقماً هيّناً. وطبقاً للتكهنات الانتخابية المتعارف عليها فإن (60) بالمائة من الكتلة الناخبة هي التي يتوقّع مشاركتها في العمليات الانتخابية، وبناء عليه فإن حوالى ثلاثة ملايين ناخب يوجدون حالياً في الخارج السودان يتوقَّع مشاركتهم في الانتخابات .هذا واقع لا يمكن غض الطرف عنه ولو للحظة واحدة. وتأسيساً على ذلك يفترض أن تكون هناك أهمية كبيرة لهذه الكتلة، اضافة الى مميزات كثيرة، يمكن اجمالها كالتالي:

 - ارتفاع نسبة الوعي وسط هذه الكتلة سواء في منطقة الخليج العربي او اوربا واميركا.
 - معظم الذين اضطرتهم الظروف  السياسية او الاقتصادية الطاردة الى الهجرة هم الاكثر ميلاً الى الأنظمة التعددية السياسية، والابعد تفكيراً عن الانظمة الشمولية.
 - معايشة هذه الكتلة  في اوربا واميركا تحديداً، لتجارب انتخابية راسخة، مما يسهل فهمها لمراحل الانتخابات وأهميتها. 
 - سهولة التواصل مع هذه الكتلة الناخبة، حيث تتعدد وسائط التواصل، سواء عبر ما وفره هذا العصر التكنلوجي، او عن طريق التواصل المباشر وبكافة الوسائل.

بيد أن هناك من يعتقد أن السودانيين في الخارج لن يشاركوا بكثافة في الانتخابات، لان الانطباع السائد بينهم انه سيتم التلاعب بعمليات الاقتراع  وبالتالي لا يوجد ما يبرر المشاركة في انتخابات أعدت نتائجها سلفاً، كما ان كثيرين ونظراً لانشغالاتهم الحياتية ربما لا ينتبهوا أصلاً إلى هذه الانتخابات أو موعدها.

والمؤكد أن دور السفارات سيكون محدوداً في تنبيه الناس لهذه العملية، لان لا أحد في الخرطوم سيطلب من هذه السفارات دوراً، خاصة إذا كان الانطباع ان "المغتربين" أصلاً كتلة ناخبة متمردة في أغلبها، وفي أفضل الاحوال يصعب التحكم في توجهاتهم.

ثم علينا ان لا نغفل اوضاع هذه السفارات واولوياتها حيث يبقى الهاجس الأمني هو الاساس، وهي لا شك تعمل بتوجيهات ليس من بينها قطعاً انجاح العملية الديمقراطية. وفي الآونة الأخيرة انتقلت خلافات شركاء ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" لتنعكس سلباً على أوضاع هذه السفارات. ووصلت هذه المهازل الى حد اننا سمعنا أشخاصاً في قمة مسؤولية الجهاز التنفيذي يقولون إن هذه السفارة او تلك لا تمثلهم، بل ان كل شريك يريد "سفيراً" داخل كل سفارة يعمل بتوجيه منه وبمنأى عن اية ضوابط وظيفية.

وإذا قفزنا على كل هذه الامور، وافترضنا ان الانتخابات ستجرى في موعدها وفي ظل شروط نزاهة معقولة، فإن السلطة الحاكمة في الخرطوم يمكن ان تلتف على العملية برمتها إذا تأكدت أن الكتلة الناخبة في الخارج يمكن أن تقلب نتائج التصويت. وفي ذهني مثالان، الأول من العالم العربي حيث يرجّح وجود أكبر عدد من الناخبين، وأعني منطقة الخليج العربي، والثاني من أميركا. فإذا افترضنا أن التصويت، وكما يحدث في جميع الانتخابات التي تجريها الدول الديمقراطية، ستكون في السفارات او القنصليات، هل سيتاح الوقت الكافي للمغتربين في منطقة الخليج  للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بحيث يمكن أن ينتقل موظفون من السفارات إلى مناطق تجمعاتهم، او تتاح لهم المدة الزمنية الكافية التي تجعلهم ينتقلون الى حيث مقر السفارات والقنصليات للإدلاء بأصواتهم.

والامر نفسه ينطبق على بلد مثل اميركا، إذ توجد حتى الآن بعثتان ديبلوماسيتان في الولايات المتحدة، الاولى في العاصمة واشنطن والثانية في نيويورك. اذا تقرر ان يدلي السودانيون بأصواتهم في واشنطن ونيويورك، فإن الذين سيمكنهم ذلك لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جداً من السودانيين الذين ينتشرون في جميع الولايات، وبعضهم يحتاج ما بين خمس إلى ست ساعات طيران حتى يصلون إلى المدينتين.

ولا أعتقد أن السلطة الحاكمة في الخرطوم ستحرص على إيفاد لجنة انتخابات، وهو ما سيحدث قطعاً في دول الخليج العربي، لتجوب الولايات الاميركية بحثاً عن أصوات ناخبين يكفل لهم القانون الانتخابي حق التصويت.

إن بعض الحريصين على مشاركة السودانيين في أميركا في هذه الانتخابات أطلقوا منذ فترة حملة تستهدف حث الناس على الاهتمام بالقضية، وفي اعتقادي أنها أول محاولة جادة في الخارج في هذا السياق، لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي.

إذن ما هو الحل؟
لا بد من ترتيب الامور بكيفية عقلانية، والاهم ان تكون قابلة للتحقق. فإذا كانت الانتخابات المرتقبة ستشكل حلاً لتفكيك النظام الشمولي، او على الأقل تتيح فسحة أمل نحو هذا الهدف، لا بد إذاً أن نتعامل بجدية مع هذا الموضوع. والجدية تتطلّب أن نتفاكر حول برنامج يصلح أن تلتف حوله النخب من أجل العبور نحو فجر ديمقراطي طال انتظاره. هل من الصعب أن نجد قواسم مشتركة في هذا المجال؟
الجواب يمكننا ذلك.

لكن كيف يمكن صياغة هذا البرنامج؟
الجواب بفتح حوار من أجل هذا الغرض بين جميع الفعاليات السياسية والقوى الحية داخل وخارج الوطن تحت شعار "نحو سودان تعددي وديمقراطي". وبعد البرنامج لا بد من خوض غمار معركة نزاهة الانتخابات وضمان مشاركة الجميع داخل وخارج الوطن في العملية الانتخابية. ثم بعد ذلك البحث عن "مرشح التوافق" سواء داخل الاحزاب او من خارجها، اي المرشح الملتزم ببرنامج التوافق.
وليس بالضرورة ان تتم الامور بهذا الترتيب بل يمكن ان تكون بأي ترتيب تحتمه المتغيّرات.

إن حيوية شعبنا لا حدود لها، وأثبت هذا الشعب حيويته أكثر من مرة، وفي مرتين استطاع إزاحة أنظمة شمولية، إحداهما كانت في مثل هذا الشهر قبل حوالى عقدين من الزمن.
لا يتذكر الناس وقتاً كانت فيه بلادنا تواجه في نفس الوقت مثل هذه المجموعة من المشاكل المستعصية، لكن مع حيوية هذا الشعب لا يمكن بل يستحيل ان نركن الى اليأس. إنهم يريدون ذلك، بل لعلهم يتمنونه، لكن الشعوب الحيّة لا بد أن ترى ضوءاً في آخر النفق.

ما يقال الآن من أن المعارضة من وجهة نظر السلطة الحاكمة قوى أصابها الوهن إفتراء، لقد اعتادوا على نشر  الكثير من الأكاذيب وليس قليلاً من الافتراءات في كل مناسبة.
منذ يونيو 1989 جربنا المعارضة الصامتة، وحاولنا سلاح الاضرابات والمواجهات، ثم حملنا البندقية من أجل الديمقراطية، الآن ما الذي يمنع من استعمال "صناديق الاقتراع" وإذا اخفقت المحاولة ليست هذه نهاية التاريخ ولن تكون.
أليس كذلك؟

عن صحيفة الصحافة السودانية الصادرة في 17 ابريل 2008م

 





Author: طلحة جبريل
Source: الصحافة


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by