# # # #
   
 
 
[ 21.04.2008 ]
البحث عن رئيس لبلادنا ـ طلحة جبريل


عندما طرقت موضوع رئاسة الجمهورية كنت أدرك ان حساسية الموضوع لا تأتي من أهميته فقط، بل ايضاً من ان جميع القوى السياسية، اقول جميع القوى وأشدد على ما اقول، عادة ما لا ترغب في مناقشة مثل هذه الامور علناً، وتفضل بحثها في اللقاءات والمشاورات الثنائية او حتى تلك التي يشارك فيها أكثر من طرف، شريطة ان تكون بعيداً عن الاضواء، حتى لا اقول بعيداً عن شفافية العلن.

 هذه ثقافة واسلوب تفكير ظل سائداً في بلادنا منذ فجر الاستقلال وحتى الآن، سواء أكان ذلك في ظل أنظمة شمولية أو ديمقراطية. وهي ثقافة للأسف لا تحترم الناس أو عقولهم.

وفي ظني أن القضايا عندما تتعلق بالوطن وما يُراد له وما يُراد به، لا يجب أن تبقى قيد البحث خلف الأبواب الموصدة ولو لحظة واحدة. وفي تقديري أننا طالما نتجه الى انتخابات رئاسية تعددية، لا يوجد اي مبرر أن تبقى قضية مثل مسألة من سيترشح لأعلى منصب دستوري في البلاد، طي الكتمان حتى تحين الآجال القانونية لتقديم الترشيحات. الأمور ليست بهذه البساطة وسيبقى صعباً أن تكون كذلك.

لذلك نريد أن نعرف ومنذ الآن من يتطلع أو يرغب في أن يحكم بلادنا، لأننا جميعاً سواسية في المواطنة. ومن يريد أن يتقدم لهذا المنصب عليه أن يبادر منذ الآن، حتى يعرفه الناس.. يعرفون من هو؟ ما هو تاريخه؟ ما هي رؤيته؟ كيف سيكون برنامجه؟ من هم الرجال الذين سيعتمد عليهم؟ مع من سيتحالف؟ كيف سيتعامل مع المشاكل المطروحة على الوطن .. سواء تعلق الأمر بالثروة أو السلطة بقضايا المركز أو الاطراف؟

من حقنا أن نعرف من هو، وان يقدم كشف حساب واضح للناس، حتى يكون لدينا جميعاً الوقت الكافي لوضعه تحت المجهر اتفاقاًً او اختلافاً.

 لكن قبل ذلك هناك سؤال يتقدم على ما عداه من الاسئلة، وقد سمعته كثيراً، مؤداه هل ستجرى انتخابات رئاسية في السودان حتى ندخل في تفاصيل مرشحي السباق الرئاسي. 
لا أملك جواباً، لكن لدي معلومات مؤكدة، وفي ظني انها ربما تساعد على بلورة مؤشرات، ولا أقول إجابة، إذ لا يجوز أن ينتقل صحافي اياً كانت قدراته ومعلوماته من موقع تحليل الاحداث وإطلاق الافكار الى الرجم بالغيب.

المعلومات تقول إن اجتماعاً رباعياً ضم الولايات المتحدة الى جانب ثلاث دول اوربية، وعقد على مستوى رفيع، أسفر عن "اتفاق تام" على ضرورة ضمان تطبيق ثلاثة بنود مما نصت عليه اتفاقية نيفاشا، وهي اولاً اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ثم تنظيم استفتاء الجنوب حول تقرير المصير في عام 2011م، وثالثاً إحالة موضوع "أبيي" الى محكمة العدل الدولية إذا فشل الشريكان في التوصل الى حل لهذا النزاع.

ومبرر الدول الاربع انهم كانوا شهوداً على "نيفاشا"، وبالتالي اصبحت اتفاقية دولية وليست ثنائية بين طرفين، ومن هنا انتقل مجلس الامن في حالة نادرة من نوادر تاريخ الامم المتحدة الايجابي، وهي المنظمة التي أدمنت الفشل، الى العاصمة الكينية نيروبي للمصادقة على تلك الاتفاقية.

انتقل بعد ذلك الى ما قلته عن حاجتنا الى "باراك اوباما"، وهنا لا بد أن اعبر عن تقديري البالغ لجميع الذين وجدوا في الفكرة ما يغري بالنقاش.

صادقاً أقولها.

واود ان اقول انني لست واهماً او حالماً، حتى اعتقد ان الظروف التي تصنع رئيساً في اميركا يمكن أن تصنع رئيساً في السودان، الأمر مختلف تماماً. لكنني اوردت المثال وفي ذهني إمكانية ان تتكرر "الظاهرة"، مع استحالة ان نقلد "التجربة"، لأن صناعة رئيس في اميركا تراث معقد من السياسة صنعته حروب طاحنة وأزمات وصدامات ومصالحات وتقاطعات حضارية وثقافية، وظلم وعدل وغنى فادح وفقر مدقع وتنوع مناخي من ثلوج تتهاطل طول السنة الى صحاري وقحط.. والكثير الكثير.

أما "ظاهرة" اوباما فهي قابلة للتكرار، اي الشخص المثقف الذكي صاحب الشخصية الزعامية، والمؤهل لاستيعاب التاريخ ودروسه، الخطيب المفوَّه، الشخصية الجذابة، وهذا هو الأهم، القادر على استقطاب نخب فاعلة قادرة ومؤثرة يمكنها أن تلتف حوله لتقدم برنامج الحد الأدنى، ويلتزم هو بتطبيق هذا البرنامج.

لذلك يبدو لي ان فكرة "رئيس توافقي" تلتف حوله نخب فاعلة ليحقق برنامج الحد الأدنى في الانتخابات الرئاسية المرتقبة السنة المقبلة في السودان، على غرار تجربة باراك اوباما في الانتخابات الاميركية، تحتاج الى مزيد من الشرح وليس قليلاً من التوضيح. الشرح حتى يمكن الالمام بجميع جوانب الموضوع، والتوضيح حتى تتسنى مناقشة الاشياء في عمقها.  وعلى ضوء ذلك هل يمكن أن يتكرر "اوباما" الظاهرة في السودان وليس "اوباما" التجربة الانتخابية الاميركية؟

الجواب نعم.. هذا ممكن. 
بعض الذين ناقشوا الفكرة طرحوا عليَّ سؤالاً مباشراً حول الاسماء والاحزاب التي يمكن أن تخلق "مرشح التوافق".

أقول بكل نزاهة، إن الفكرة لا يمكن أن تتجاهل دور الاحزاب، لان الاحزاب في بلادنا ليست احزاباً صناعية او مصطنعة كما هو الشأن عند جيراننا هنا وهناك، وستظل الاحزاب هي التجسيد المنطقي للممارسة الديمقراطية، ولا يمكن لأي عاقل أن يقول غير ذلك، لكن المرشح "لرئاسة الجمهورية" يجب ان يكون فوق كل الحسابات الحزبية. وهو حتماً سيكون كذلك إذا كان "مرشحاً توافقياً" يحقق حداً أدنى من الاجماع، وتجد فيه الاغلبية أنه يمكن أن يلتزم التزاماً صارماً ببرنامج الحد الادنى. ثم لا بد ألا يغيب عن اذهاننا ولو لحظة، أن رئاسة الجمهورية "سلطة"، والفرق كبير بينها وبين القيادة، لأن القيادة دور. ونحن الآن بصدد البحث عن "رجل السلطة" في ظل التوافق، وليس القائد، لأن القادة أمرهم مختلف. القادة لا تخلقهم التوافقات، بل هم ظواهر انسانية وفلتات تأتي دون تخطيط او ترقب. أما بالنسبة للأسماء، واعتقد ان الذهنية السودانية السياسية، تميل دائماً الى اختزال الامور في الاشخاص، فلا بد من تغيير الاسلوب هذه المرة. كيف ذلك؟

 في ظني ان هناك اغلبية صامتة في السودان، ترغب في تغيير المعادلات السائدة، لكنها لم تجد طريقاً واضحاً لذلك. ودليلي على ذلك ان الذين صنعوا ثورة اكتوبر أو انتفاضة ابريل، قاموا بما قاموا به، لكن حين عبرت الامور من الشارع الى الحكم، لم يجدوا أنفسهم في السلطة، بل وجدوا أنفسهم هناك في طرف الشارع تأكلهم الحيرة، وكانت الامور في ابريل أكثر وضوحاً، الذين طالبوا "بقمع الغوغاء" هم الذين تولوا الحكم. والجماهير ونخبها صنعت الحدث في المرتين، لكن لم ينالوا منه سوى قبض الريح. ولذلك في هذه المرة يجب ألا ندع الاحداث تملي شروطها على هذه الاغلبية الصامتة، بل يجب أن نستبق رغبات الناس.
والمطلوب الآن من نخب الأغلبية الصامتة أن تضع البرنامج، ثم تبحث بعد ذلك عن الشخص القادر على تطبيقه.. أقول ذلك وفي ذهني عامل أحواض السفن ليخ فاليسا في بولندا الذي احاط نفسه بافضل المثقفين، وأيضاً عامل المناجم مورغان تسفنجيراي، الذي أحاط هو الآخر نفسه بافضل عقول زيمبابوي، وهو الذي لم تتجاوز دراسته المرحلة الوسطى.

وفي انتخابات الرئاسة المقبلة، والبحث عن مرشح توافقي، اتمنى أن تنقلب المعادلة، أي أن تقود النخب الاحزاب عبر برنامج الحد الأدنى، لا أن تسوق هذه الاحزاب رموز النخب بإغراء المناصب والمواقع.
ويبدو لي في هذه الوهلة أن بعض ما احلم به ويأمل فيه غيري قابل للتحقيق، فقد سرى صوت الحوار مسموعاً بعد المقال السابق، ثم أن هذا الصوت أخذ يعلو طبقة فوق طبقة.

عن صحيقة الصحافة السودانية في يوم 12 ابريل 2008م





Author: طلحة جبريل
Source: الصحافة


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by