# # # #
   
 
 
[ 30.03.2008 ]
محمد علي جادين: لست علوي ولـم ألقِ بالراية البعثية


البعث السوداني هو الحزب المنقسم عن حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة محمد علي جادين وعبد العزيز الصاوي، ويحى الحسن بعد ان قدموا تجربة نقدية استهدفت مجمل الفكر القومي والبعثي وتحاول

ما الذي قاد إلى هذه الإفاقة المفاجئة في عام 1997م وجعلتكم تعلنون ان الموقف الوطني الصحيح يقود الى الموقف القومي الصحيح يبدو الامر وكأنه قرار من المعسكر المهزوم إلى المنتصر؟

اولاً هي ليست إفاقة مفاجئة كما انها ليست هروباً من صفوف المعسكر المهزوم لان هذا الاتجاه كان موجوداً عندنا في الفترات السابقة. وكنا نحدد الموقف الوطني من الظروف الوطنية نفسها، والموقف القومي يتحدد بالصورة العامة للمنطقة وليس للسودان فقط، بالتالي هي ليست صحوة جديدة.

الجديد هو ان التيارالآخر اراد ان يقلب هذه المعادلة لذلك وقفنا في الضد. وخضنا صراعاً ادى الى ما ادى اليه. وهي كذلك ليست هروباً من المعسكر المهزوم بقدرماهي موقف ضد الانجرار وراء موقف مهزوم، آحادي لا يضع في الاعتبارظروف الصراع السياسي في السودان ومتطلباته .. الخ.

التيار الآخر وصفكم بالمتساقطين عن سيرة البعث. وأحدهم أطلق بقلمه هتاف "جادين والصاوي علي طريق علاوي"؟ إضاءة:  د . أياد علاوي قيادي بعثي شيعي خرج من العراق في النصف الثاني من السبعينيات وانضم للمعارضة وله علاقات قوية جداً بالامريكان وكان من المؤيدين للتدخل الأمريكي في العراق.

- أجاب ضاحكاً هذا تبرير لموقفهم، ولا أدري ما المقصود بالتساقط. فنحن لم نرَ الراية لا راية النضال السوداني، ولا راية النضال القومي، ولكنا عملنا بحسب رؤيتنا للنضال.

كذلك لا أدري ما المقصود بعلاوي. فعلاوي من المجموعات السياسية التي تعاملت مباشرة مع الامريكيين لكي يغزو العراق، ويسقطوا النظام لاسبابهم ودوافعهم. ونحن لم نفعل ذلك. وانما نصحنا النظام العراقي بأن يوحد الجبهة الداخلية ويقوم بانفتاح ديمقراطي ويفتح الباب للمعارضة الموجودة في الخارج بدلا من ان يقعوا في يد الامريكان. ولكنه لم يستمع الى هذا النصح وبالتالي لا توجد علاقة بين مواقفنا وموقف د . أياد علاوي.

بعد هذا النقد الذي قدمتوه كان المتوقع هو السير في هذا الطريق الى نهاياته ولكنكم لازلتم تحتفظون باسم البعث رغم انك قد حكمت على التجربة البعثية بالسقوط ؟

أعتقد أننا قد ذهبنا إلى النهايات المنطقية في تقييم التجربة من حيث النظرالى ايجابياتها وسلبياتها. ما قمنا به ليس إسقاطاً لمجمل التجربة إنما للسلبيات المحددة فيها بالذات سلبيات النظام الحاكم.

ولكننا تمسكنا بالايجابيات مثل حركة التحرر القومي العربية، وايجابيات حزب البعث في المنطقة، وهذه لن نتخلى عنها. وعملنا على تأصيل للافكار التجديدية فهي كانت موجودة في تاريخ البعث وتاريخ حركة التحرر القومي العربية، بالذات في مجال الحريات والديمقراطية، ومجال التعددية السياسية، والتحالف بين الفصائل المختلفة، في حركة التحرر العربية. فهذه ثبتناها والصراع الفكري والسياسي داخل البعث لا يزال مُستمراً ولم يصل الى نهاياته.

وحسب معلوماتي ان هنالك مراجعات تجري في العديد من التنظيمات البعثية في البلدان العربية المختلفة. وتيارنا يعتبر نفسه جزء من هذه العملية. لذلك ركزنا  في الفترة الفاتت على ايجابيات وسلبيات التجربة.

ومع ذلك هنالك قضايا لم تحسم بعد اهمها اولاً رفض الارتباط باى مركز قومي لانه اثبت عدم جدواه، وعدم ملاءمته للمتغيرات الجارية في المنطقة العربية والعالم. وتوجهنا بالعمل على استبداله بصيغة عامة تحافظ على خصوصيات التنظيمات البعثية في الاقطار المختلفة.

وثانيا رفض الانقلابات العسكرية كاسلوب للوصول الى الحكم، والاعتماد على العمل الديمقراطي والتعددية السياسية ..الخ. لهذه الاسباب اعلنا استقلالنا عن اى مركز قومي في الخارج. لذلك اضفنا كلمة سوداني، وذلك لان هذا هو الواقع العملي كتنظيم بعثي سوداني.

وثالثا عملنا على تمييز التنظيم السوداني عن التنظيمات البعثية الاخرى مثل العراقي، السوري، الموريتاني. ولذلك نعتبر انفسنا بعثيين حتى الآن. أما الذين يريدوننا ان نترك الاسم فهؤلاء يريدون ان يريحوا انفسهم من "وجع الصراع".

معظم الذين تناولوا هزيمة المشروع القومي في اعقاب سقوط نظام صدام فسروها بالخارج الى اى مدى كان للداخل أثره الحاسم ؟

على العكس من ذلك اعتقد ان العامل الرئيسي في سقوط التجربة العراقية والبعثية بشكل عام هو الداخلي، لاعتماد النظام علي اشياء متخلفة مثل الزعيم الاوحد والحزب الاوحد والاجهزة القمعية والبيروقراطية والانتماءات القبلية والدينية. وتجاهل وجود انفتاح ديمقراطي، وحوار حتى داخل الحزب الواحد، باعتباران الحزب يحفل باتجاهات وآراء مُتعددة.

وهذا العامل الداخلي مهد للتدخل الاجنبي. ومثال لما ذكرنا غزو العراق للكويت. ومهما كانت مبررات الغذو فان القيادة العراقية لم تضع احتمالات الانسحاب. ويبدو ان الغرور والاستبداد ونزعة الشهامة العربية لم تضع اى احتمال للتراجع.

ايضا هناك فترة الحصارات استمرت ردحاً من الزمان. وهذا الحصار القاتل، رغم استمراريته الا ان القيادة العراقية فشلت في ايجاد مخرج منه، حتى ولو بتنازلات اساسية او شبه اساسية، رغم وجود خيارات كثيرة من ضمنها الانفتاح الديمقراطي بالداخل، واجراء مصالحة وطنية واسعة في العراق.

كان من شأن هذه الاجراءات ان تدفع المعارضين بالخارج الى العودة. وهنالك شواهد على ذلك. ومنها ان بعض رموز المعارضة العراقية زاروا العراق في فترات مختلفة، ودعوا القيادة العراقية الى التوجه نحو الطريق الديمقراطي. ولكن ايضاً هذا لا ينفي دور واثر العامل الخارجي. ولكن العامل الخارجي طبيعي ومتوقع. وهو موجود من خلال مصالح الدول الكبرى.

الفكر القومي يتعامل مع الديمقراطية كوسيلة، وبشكل دعائى، دون ان تكون مكوناً اصيلاً بداخله. وحتى الحديث عن المراجعة ونقد الذات البعثي فرضها الواقع وكرد فعل للهزيمة؟

هذا التعميم غير صحيح. والتطور الفكري يمر بمستويات مختلفة وعديدة  ومن الصعب وضعه في قالب واحد. وداخل البعث هنالك توجهات كثيرة ناقشت هذه القضايا المثارة. وحصلت فيها على نتائج كثيرة قبل حتى ان يحدث ما حدث.

وقضية الديمقراطية بشكل عام في الفكر القومي ظهرت اهميتها وسط المثقفين والمفكرين القوميين منذ الثمانينات. وترسخت اكثر في التسعينات. والآن وصلت الى دوائر اوسع وشملت جهات كثيرة جداً. واعتقد ان مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت هو اول مركز عقد ندوة عن ازمة الديمقراطية في الوطن العربي في قبرص 1990. ولم توافق اية دولة عربية على اقامة هذه الندوة على اراضيها. والمعروف ان هذا المركز به كبار المفكرين القوميين.

المهم ان المستقبل العربي جعل من الديمقراطية قضية اساسية. وهنالك المغرب العربي الذي لعب دوراً كبيراً، وشكل اضافة للفكر القومي في هذا المجال. بالذات تيار الاتحاد الاشتراكي، وهو تيار قومي بشكل من الاشكال. ومن مفكريه عابد الجابري وآخرين، لعبوا دوراً كبيراً جداً في تحديد الفكر القومي. وفي تحديد الاهتمام بالمسألة الديمقراطية.

وكذلك هناك المؤتمر القومي العربي الذي يجمع اشتات من الوان الطيف السياسي العربي من ماركسيين وبعثيين وقوميين وقوميين سابقين وليبراليين. واعتقد انه نجح في تجسيد هذه الفكرة. إذا المسألة ليست رد فعل للهزيمة، او للواقع، بل تأكيد لتوجهات ظلت موجودة وسط التيار القومي في المنطقة ككل.

أكبر قوة بعد العولمة هي العولمة البديلة او الجديدة او مناهضة العولمة أين موقع البعث من ذلك؟

طبعاً هناك قانون اجتماعي، يقول ان كل هيمنة تولد نقيضها. فالاستعمار انتج حركات المقاومة، والتحرر الوطني. وهذه العولمة المتوائمة انتجت الآن حركات مناهضة في مناطق مختلفة من العالم. وهي تأتي في سياق مناهضة الهيمنة الامريكية والغربية. لذلك هذه الحركة تجد التأييد والدعم من حزب البعث، وكل القوى السياسية.

والحقيقة ان البعث لديه اهداف مشتركة مع هذه الحركة. ومن المفترض دعمها والمساهمة فيها والمشاركة في حركتها بالطريقة التي نراها.

هل انتهى الزمن الثوري؟

الزمن الثوري الذي كان سائداً في مرحلة الستينات قد انتهى. واقصد هنا الحركات الثورية التي كانت تستند الى توازن القوى العالمي في صراع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب. وعلى قدرتها على استلام السلطة بطريقة انقلابية. والسيطرة على المجتمع من خلال تحالف بين مدنيين وعسكريين، لكي تقوم بادارة المجتمع لمصلحة اهداف محددة وبطريقة محددة.

هذا الزمن قد انتهى. الزمن الثوري الراهن يتمثل في الصراع داخل المجتمع بين القوى الثورية، والاخرى غيرالثورية. والصراع يكون داخل المجتمع، ولاجل تغييره تغييراً حقيقياً. ومن اشكال التغيرات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية بالتالي لا يصبح الصراع حول القصر الجمهوري، وانما حول المجتمع ومؤسسات المجتمع بمختلف اشكالها، من نقابات ومؤسسات مجتمع مدني، والتكوينات القبلية والمدنية..الخ.

وهذا الصراع واسع ومتطور وممتد. ونتائجه تكون على المدى الطويل. وبالتالي هو اكثر ثورية من الزمن الثوري بمعناه القديم.

اذا اسقطنا الواقع الذي تناولته في سابق الذكر على السودان. ومع تعقيدات نيفاشا، وعجز المعارضة عن التصدي لقضايا الواقع المختلفة. واذا نظرنا الى حجم الأزمة التي نعيشها برأيك ماهو الافق للخروج عن هذه الأزمة؟

الأفق ينطلق من الاتفاقيات الموجودة مثل نيفاشا، والقاهرة، واسمرا، وتوسيع اتفاقية ابوجا. هذه الاتفاقيات في مجملها تشكل اطاراً معقولاً لحل الازمة السودانية.

واختلال هذه الاتفاقيات ونواقصها يتمثل في ثنائيتها. وهنالك سيطرة المؤتمر الوطني على الشمال باسم اتفاقية نيفاشا. وفي السنوات الثلاث الماضية ادت هذه الاختلالات الى تعثر تنفيذ هذه الاتفاقيات، والى صراعات بين الشريكين الكبيرين، وبالتالي الافق الممكن الان يتمثل في العمل على معالجة هذه الاختلالات. وتحويل الاتفاقيات الى اتفاق شامل.

والمدخل الى ذلك هو التوجه للعمل المشترك بين الحركة الشعبية والمعارضة عموما. لانه قد وضح ان الحركة وحدها لا تستطيع مواجهة سيطرة المؤتمر الوطني ومراوغاته. وايضاً كذلك لم تستطيع قوى المعارضة وحدها تحقيق اهدافها المعلنة. وكذلك حركات دارفور والشرق.

والعمل المشترك بين هذه القوى يمكن ان يقود الى ايجابيات كثيرة. والخطوة المطلوبة الآن هو البحث عن صيغة مشتركة بين كل هذه القوى لخوض الانتخابات القادمة، في قائمة موحدة لهزيمة المؤتمر الوطني واستكمال تنفيذ كل الاتفاقيات.

هل تعتقد ان قوى المعارضة الآن تنظر الى الازمة في شمولها، وفي اتجاه المجتمع وداخله، ام انها تصارع حول القصر الجمهوري وان تكون جزءً من السلطة؟

ما أراه انا هو ان قوى كثيرة، خضعت لتوجه المؤتمر الوطني. للحوارات الثنائية. والوصول الى اتفاق معه للمشاركة في السلطة. ولكن اعتقد ان هذا التوجه اثبت فشله، وعدم جدواه في الاتفاقيات المختلفة التي توصلت اليها سلطة الانقاذ مع القوى السياسية الاخرى الجنوبية والشمالية.

ومن جهة اخرى لا اعتقد ان بالامكان لاية قوى سياسية ان تصل الى اتفاق شامل افضل من اتفاق القاهرة الذي لم يجد طريقه الى التنفيذ. لذلك هذا الطريق مسدود. والاتجاه المطلوب هو وحدة المعارضة، والقوى السياسية، والحركة الشعبية، وحركات الشرق والغرب، لاصلاح الاختلالات الموجودة في الاتفاقيات، لاستكمال تنفيذها. والتوحد لاجل الانتخابات. وبالتالي خلق واقع سياسي جديد يستطيع من خلاله تنفيذ هذه الاتفاقيات ومعالجة الأزمة.





Author: علاء الدين محمود
Source: الصحافة


رأي ـ تعليق  



هل قرأت المقال اعلاه؟   
اكتب    
 
 
 
 
 
  
site created & hosted by